قرب منتصف ليل 6 آذار وبينما كانت موجة من أعمال القتل الطائفي تهز غرب سوريا، اقتحم رجال ملثمون منازل تعود لعائلات علوية في العاصمة دمشق، واعتقلوا أكثر من عشرين رجلًا أعزلًا، بحسب ما أفاد به نحو اثني عشر شاهدًا تحدثوا لوكالة "رويترز".
وشملت الاعتقالات في حي القدم مدرسًا متقاعدًا وطالب هندسة وميكانيكيًا، وجميعهم من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد.
وبحسب الشهادات، فإن هذه المداهمات جاءت بعد ساعات فقط من إعلان مجموعة من العلويين الموالين للأسد تمردًا مسلحًا في مناطق الساحل على بعد نحو 320 كيلومترًا شمال غرب دمشق، ما أدى إلى اندلاع موجة من عمليات القتل الانتقامية أودت بحياة مئات العلويين.
وقال الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع لـ"رويترز" إنه أرسل قواته في اليوم التالي إلى الساحل لوقف أعمال العنف، لكنه أقر بأن بعض المقاتلين الذين تدفقوا على المنطقة لقمع التمرد فعلوا ذلك دون إذن من وزارة الدفاع.
لكن الشهادات التي حصلت عليها "رويترز" من سكان حي القدم، تكشف عن أن العنف الطائفي امتد بالفعل إلى أطراف العاصمة الجنوبية، على بُعد بضعة كيلومترات فقط من القصر الرئاسي، وهي تفاصيل لم يسبق الإبلاغ عنها.
قال أحد السكان، الذي خطف أحد أقاربه المهندس إحسان زيدان (48 عامًا): "كانوا يكسرون الأبواب في أي منزل علوي، ويأخذون الرجال الموجودين داخله... أخذوه فقط لأنه علوي".
وجميع الشهود الذين تحدثوا لـ"رويترز" طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم خوفًا من الانتقام.
ووفقًا لروايات السكان، فقد تم اعتقال ما لا يقل عن 25 رجلًا، تأكد لاحقًا مقتل ثمانية منهم على الأقل، بعد أن تعرف أقاربهم وجيرانهم على جثثهم عبر صور أو عُثر عليهم مقتولين في محيط الحي، بينما لا يزال مصير الباقين مجهولًا.
وأفاد أربعة من الشهود بأن بعض المسلحين الذين نفذوا المداهمات قدّموا أنفسهم على أنهم عناصر من "جهاز الأمن العام"، وهو جهاز أمني جديد يضم مقاتلين سابقين من الفصائل المعارضة.
ونفى متحدث باسم وزارة الداخلية، التي يتبع لها الجهاز، أن تكون الاستهدافات ذات طابع طائفي، وقال: "القوات تصادر الأسلحة من جميع الطوائف"، دون أن يجيب على أسئلة أخرى، من بينها سبب اعتقال رجال غير مسلحين.
بالتحقيق لم تتواصل معهم.
وبحسب جميع الشهود، فإن السكان من الطائفة العلوية يشعرون بضغط شديد يدفعهم لمغادرة حي القدم ، وقد غادرت بالفعل بعض العائلات.
وقال شاب من الحي إن مسلحين داهموا منزله عدة مرات بعد سقوط الأسد، وطلبوا منه إثبات ملكية المنزل، وأكدوا أن أي علاقة سابقة بعائلة الأسد تُعد "جريمة".
وقد غادر ذلك الشاب الحي مع عائلته تاركًا المنزل لدى جيران من الطائفة السنية لرعايته.
من جانبها، قالت امرأة ستينية إنها تبحث عن مشترٍ لبيتها، خوفًا على زوجها وأبنائها من المصير ذاته، وأضافت: "بعد ما حصل، كل ما أريده هو مغادرة هذه المنطقة".