في ساعة متأخرة من ليلة السبت، أعلن رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع عن تشكيل أول حكومة رسمية في البلاد بعد سقوط حكم بشار الأسد، لتضطلع بقيادة البلاد خلال المرحلة الانتقالية التي من المقرر أن تستمر لخمس سنوات.
وفي كلمة ألقاها خلال مراسم الإعلان عن الحكومة في قصر الشعب بدمشق، أكد الشرع، الذي تولى السلطة في الثامن من ديسمبر/كانون الأول، رغبته في "بناء دولة قوية ومستقرة".
كما كان لافتا إلقاء الوزراء كلمات بعد أدائهم القسم، استعرضوا فيها تطلعاتهم ورؤاهم، وهو ما اعتبره البعض مؤشرا على الشفافية والانفتاح على الشعب.
وتتكون الحكومة الجديدة من 23 وزيرا، بينهم امرأة واحدة.
وفي حين ضمت الحكومة شخصيات تعبر عن مختلف المكونات العرقية والطائفية في سوريا، إلا أن تولي الحقائب السيادية فيها بقي محصورا في شخصيات مقربة من الشرع ومرتبطة بـ "هيئة تحرير الشام"، التي كان الشرع يرأسها.
تركيز الحقائب السيادية
كما ضمت التشكيلة الجديدة 5 وزراء من حكومة تصريف الأعمال التي تولت إدارة البلاد بعد سقوط حكم الأسد، ومثلت امتدادا لحكومة الإنقاذ، وهي حكومة كانت قد تشكلت في محافظة إدلب شمالي البلاد، عام 2017، وتولت بالتنسيق مع "هيئة تحرير الشام" إدارة الشؤون المدنية في المحافظة التي كانت تمثل معقل المعارضة السورية قبل سقوط حكم الأسد.
فقد احتفظ وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، أسعد الشيباني بمنصبه، وكذلك كان الحال مع وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، ووزير الإدارة المحلية محمد عنجراني، والأشغال العامة والإسكان مصطفى عبد الرزاق. بينما تولى رئيس الحكومة الانتقالية محمد البشير حقيبة الطاقة، التي تم استحداثها من دمج وزارتي الكهرباء والنفط والغاز.
وتعد هذه الحقيبة ذات أهمية خاصة، نظرا للدور الكبير الذي من المؤمل أن يلعبه إنتاج سوريا من النفط والغاز في دعم اقتصاد البلاد، فضلا عن الحاجة الماسة لإصلاح قطاع الكهرباء، الذي تضرر كثيرا خلال سنوات الحرب.
كما منحت التشكيلة الجديدة حقيبة الداخلية لأنس خطاب، الذي تولى رئاسة الاستخبارات السورية بعد سقوط الأسد، كما كان مسؤولا عن ملف الاستخبارات في هيئة تحرير الشام. وجاء تعيين خطاب على رأس وزارة الداخلية بدلا من علي كده، الذي تولى هذه الحقيبة في حكومة تصريف الأعمال، والذي عُين أمين سر الحكومة الجديدة.
انتقادات كردية
دفعت هذه التعيينات البعض إلى القول بأن التشكيلة الحكومية جاءت دون توقعات السوريين وحاجة البلاد إلى تشكيل حكومة شاملة ومتنوعة، خاصة وأن الإعلان عنها يأتي بعد نحو أسبوعين من الإعلان الدستوري، الذي يرى محللون أنه منح صلاحيات مطلقة للشرع في إدارة المرحلة الانتقالية، كما ألغى منصب رئيس الوزراء الذي أُسند أيضا إلى الشرع، وهو ما أثار مخاوف من تركيز السلطة.
إذ عبرت شخصيات كردية عن استيائها مما وصفته بإقصاء الكيانات الكردية الفاعلة من مشاروات تشكيل الحكومة، وذلك على الرغم من وجود وزير كردي، هو وزير التربية محمد عبد الرحمن تركو، في التشكيلة الجديدة.
وقال المتحدث الرسمي للمجلس الكردي، فيصل يوسف، في تصريحات لصحفية الشرق الأوسط، إن الإدارة الجديدة في دمشق "لم تتواصل معنا حول تشكيل هذه الحكومة"، وهو ما دفع المجلس إلى عدم المشاركة في حفل الإعلان عن الحكومة الجديدة.
وتأتي هذه التصريحات بعد انتقادات وجهتها الإدارة الكردية الذاتية في سوريا للإعلان الدستوري، الذي رأت أنه "يتنافى" مع تنوع سوريا ويضم بنودا تتشابه مع حقبة حكم حزب البعث.
وكان الشرع قد وقع مع قائد "قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم عبدي، اتفاق مبادئ في العاشر من مارس/ آذار، يقضي باندماج قوات سوريا الديمقراطية، التي تسيطر على مناطق الإدارة الذاتية، ضمن مؤسسات الجمهورية العربية السورية، والتأكيد على وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم.
لكن الانتقادات التي وُجهت للحكومة الجديدة لم تقتصر على القوى الكردية. فقد أثار تعيين مظهر الويس وزيرا للعدل انتقادات واسعة. إذ أشار كثيرون إلى أنه لا يحمل شهادة في الحقوق تؤهله للاضطلاع بإدارة وزارة العدل، فقد درس الطب البشري في جامعة دمشق، قبل أن يلتحق بمعهد الفتح الإسلامي في قسم الفقه المقارن، بحسب ما نشرته وكالة الأنباء السورية.
وكان الويس يشغل منصب رئيس التوجيه الشرعي في "هيئة تحرير الشام"، كما ظهر ملازما للشرع في كثير من اللقاءات والاجتماعات خلال الأشهر الماضية.
كما وجه آخرون انتقادات لما وصفوه بالتمثيل النسائي الضعيف في الحكومة الجديدة. إذ ضمت التشكيلة الحكومية وزيرة واحدة هي هند قبوات، التي أُسندت إليها حقيبة الشؤون الاجتماعية.
حكومة تكنوقراط
لكن آخرين أشاروا إلى أن التشكيلة الحكومية الجديدة ضمت شخصيات تتمتع بالكفاءة والخبرة المهنية اللازمة، ما دفع البعض إلى وصفها بحكومة تكنوقراط.
فقد أُسندت وزارة الاقتصاد والصناعة إلى محمد الشعار الذي كان قد شغل منصب وزير الاقتصاد في سوريا بين عامي 2011 – 2012، كما عمل في عدة هيئات اقتصادية. أما وزارة المالية فقد أُسندت إلى محمد يسر برنيه، الذي كان قد شغل عدة مناصب في صندوق النقد العربي، كما ساهم في إنشاء هيئة الأوراق المالية السورية.
كما تم تكليف أمجد بدر، مهندس الزراعة المتحدر من مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية، بحقيبة الزراعة.
وتم الإعلان عن استحداث وزارة للطوارئ والكوارث، أُسندت إدارتها إلى رائد صالح، الذي كان يدير منظمة "الخوذ البيضاء"، الموازية لمنظمة الدفاع المدني.
ملفات صعبة
وقوبل الإعلان عن الحكومة الجديدة بالترحيب من عدد من دول المنطقة والعالم.
فقد رحبت كل من السعودية والأردن والإمارات وقطر وتركيا بالإعلان عن الحكومة الجديدة. في حين أعربت كل من ألمانيا والنرويج عن تطلعها للعمل معها.
وتواجه الحكومة ملفات صعبة للغاية، إذ يعول عليها في تحسين الوضع المعيشي المتردي وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والأمني والاجتماعي بعد سنوات من حرب طاحنة، دمرت اقتصاد البلاد وتسببت في شروخ عميقة بين مكونات الشعب السوري.
إذ تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن الاقتصاد السوري قد خسر 85% من حجمه بين عامي 2011 – 2023. في حين بات 90% من السكان يعانون من الفقر، في ظل تقديرات لبرنامج الغذاء العالمي تقول إن نحو 12 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
كما تواجه الحكومة الجديدة معضلة استمرار العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، والتي يرى مراقبون إنها تعيق تعافي الاقتصاد وتمنع كثيرا من الدول من الاستثمار في سوريا وتقديم العون الاقتصادي لها.
وشدد الشرع في كلمته خلال حفل الإعلان عن تشكيل الحكومة على سعيها إلى محاربة الفساد والنهوض بالاقتصاد الوطني وتشجيع الاستثمار بالتعاون مع القطاع الخاص. كما أشار إلى عزم الحكومة على بناء علاقة طيبة مع دول العالم، والاستفادة من خبرات السوريين الموجودين في الخارج.