دعا "معهد ويلسون" الأمريكي، العراق إلى تمديد مهمة بعثة "يونامي" المفترض انتهاء دورها رسمياً في نهاية العام 2025، والتي كانت شكلت بموجب قرار مجلس الامن رقم 1500 في آب/اغسطس 2003، لدعم سلطة الائتلاف المؤقتة بقيادة بول بريمر، ومجلس الحكم العراقي، فيما توصف مهمتها بانها "سياسية بحتة"، إلا أن تزايد التوترات الاقليمية يحتم على بغداد النظر في امكانية تمديدها.
وأشار تقرير للمعهد الأمريكي ، إلى أن "قرار إنهاء مهمة (يونامي) المستمرة منذ 22 عاماً، جاء قبل تزايد التوترات الاقليمية بعدما تم تجديد تفويضها سنويا بناء على طلب من حكومة العراق، وترفع تقاريرها الى ادارة الشؤون السياسية في نيويورك.
وذكّر التقرير الأمريكي، بأن "قرار مجلس الامن رقم 1770 للعام 2007، وسع بشكل كبير دور (يونامي) ليتضمن تعزيز الحوار السياسي والمصالحة، والمساعدة الانتخابية، وتعزيز حقوق الانسان واصلاح النظام القضائي، والتواصل مع الدول المجاورة".
وأوضح التقرير، أن "رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، قرر مع بداية ولايته، وبتأييد واسع من ائتلافه الحاكم، أن دور (يونامي) لم يعد ضروريا، في خطوة تعكس اساسا الرغبة بتعزيز حالة الاستقرار مع تحسن الوضع الامني بشكل كبير واستقرار المشهد السياسي نسبيا"، مشيراً إلى أن "الحكومة سعت إلى التخلص من فكرة الاعتماد على المساعدات الدولية والتشديد على قدرة العراق على معالجة نزاعاته الداخلية والخارجية بشكل مستقل بلا وساطة من (يونامي)".
وبحسب التقرير، فإنه بعد تسارع التطورات في المنطقة بوتيرة تخطت فيها فرضيات قرار مجلس الأمن "أعيد تشكيل المشهد الامني الذي كانت (يونامي) تستعد لتركه خلفها، حيث اظهر تقييم التهديدات للسلم والامن في العراق، وجود مخاوف من احتمال عودة نشاط داعش وانتشار الجماعات المسلحة، الا انها لم تتوقع بشكل كامل حجم تداعيات الصراع في غزة، حيث اشارت فقط الى "حالة عدم اليقين بشأن تأثير التصعيد الاقليمي الحالي على العراق".
هجوم إسرائيلي
ولفت تقرير معهد "ويلسون" الأمريكي، إلى أن تصاعد العنف بين اسرائيل وايران خلال النصف الثاني من العام الماضي، حيث شهد ايضا الصراع بين اسرائيل وحزب الله، والضربات الصاروخية الباليستية التي لا سابق لها من جانب ايران على اسرائيل، أدى إلى "تفاقم المخاوف من احتمال ان توسع اسرائيل هجماتها لتشمل العراق، مستهدفة الفصائل المسلحة الموالية لايران، والتي تعد جزءا من (محور المقاومة)".
وتحدث التقرير عن جهود سياسية ودبلوماسية مكثفة، من جانب الحكومة العراقية التي ضغطت على الجماعات المسلحة لوقف الهجمات بالطائرات المسيرة على اهداف اسرائيلية، او عبر الوساطة الاقليمية، في حين ان الممثل الخاص الجديد للامم المتحدة في العراق محمد الحسان، كان احد الشخصيات الرئيسية في هذه الجهود التي بذلت، وهو كان جاء الى العراق في تشرين الاول/اكتوبر 2024، عندما عنف الحرب في لبنان في ذروته.
وتابع التقرير انه بينما كان الحسان مكلفا اساسا بالاشراف على عملية انتقال وتصفية "يونامي"، الا انه سرعان ما وجد نفسه وهو يدير ازمة جيوسياسية خطيرة.
مهمة "يونامي"
ووفق التقرير الأمريكي، فبينما برهن العراق على قدرة متزايدة على الحفاظ على السلم والامن الداخلي، سواء من خلال المفاوضات مع اربيل فيما يتعلق بتقاسم الايرادات، او تنظيم الانتخابات المحلية المؤجلة منذ فترة طويلة في محافظة كركوك المتنازع عليها، او التفاوض على ترتيب امني ثنائي مع الولايات المتحدة لمنع عودة داعش، الا ان خطر عدم الاستقرار الاقليمي، ما يزال مرتفعا.
ولفت التقرير، إلى أن "الجهود الدبلوماسية للعراق لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع جيرانه، من خلال دفع مشروع "طريق التنمية" واستضافة القمة المقبلة لجامعة الدول العربية في ايار/مايو، تعكس الثقة العراقية المتزايد على الساحة الدولية.
ورأى أن الحفاظ على تواجد طرف ثالث محايد مثل "يونامي"، التي لديها وصول مباشر الى مجلس الامن، سيكون شيئا استراتيجيا مفيدا. واوضح التقرير ان سعي العراق الى تحقيق التوازن وسط ديناميكيات اقليمية معقدة، فانه بامكان بعثة تتمتع بتفويض واضح ومحدود، ان تساهم بكونها عامل استقرار، يساعد في نزع فتيل التوترات الخارجية قبل ان تتحول الى تهديدات مباشرة.
وبالاضافة الى ذلك، قال التقرير انه من خلال وجود "يونامي"، فان العراق سيحصل على ورقة ضغط دبلوماسية في ادارة الضغوط الخارجية، وسيحصل ايضا على منصة منظمة لكي يتواصل مع الاطراف الدولية الرئيسية، من اجل ضمان تمثيل مصالحه بفاعلية على المستوى العالمي.
والى جانب ذلك، اعتبر التقرير، أن القيادة العراقية تسعى الى تأكيد سيادتها وتقليص اي تصور على انها تعتمد على جهات خارجية، مضيفا ان التحدي يتمثل في موازنة هذا الهدف مع واقع عدم الاستقرار الاقليمي، لانه بمقدور اي تصعيد طفيف ان يحملله تداعيات بعيدة المدى.
وبين أن وجود دور مضبوط للامم المتحدة، يركز بشكل حاسم على الوساطة الخارجية، من شانه ان يعزز للعراق حصانته الدبلوماسية، وتعزيز الاستقرار من دون المساس بالاستقلال الوطني.
وختم التقرير بالتحذير من انه في ظل اقتراب العراق من الانجرار الى الاضطرابات الاقليمية التي شهدها العام الماضي، فانه يتحتم على القادة العراقيين ان يجروا تقييما لمزايا الابقاء على بعثة "يونامي" بعد الموعد النهائي المحدد في 31 ديسمبر/كانون الاول، لتكون مرتكزة على حماية الاستقرار العراقي، ومنع امتداد الازمات الخارجية عبر حدوده.
وخلص تقرير معهد ويلسون الأمريكي، إلى القول إن "قدرة العراق بمواجهة هذه التحديات، سيتم تحديدها بناء على مستقبله كدولة تتمتع بالسيادة والاستقرار في منطقة اضطراباتها آخذة بالتزايد".