الفيليّـة بين الذاكرة والحيف .. في ذكرى الهجرة والإبادة

الفيليّـة بين الذاكرة والحيف .. في ذكرى الهجرة والإبادة

• أمس, 13:12
• مقالات
• 19 مشاهدة

مشاركة عبر :

لقمان عبد الرحيم الفيلي

Today NewS"5 : بغداد

في الأسبوع الاول من نيسان من كل عام، تعود ذكرى الهجرة القسرية والإبادة التي تعرّض لها الكرد الفيليّون في العراق إبان حكم نظام البعث، لتوقظ فينا وجعًا مركبًا، مزيجًا من الألم، والشعور بالخذلان، والإصرار على ألا تُنسى المأساة، ولا تُهمَّش هوية الفيليين. إنها ذكرى ليست كباقي المناسبات، بل تذكير لكل العراقيين بصفحة مظلمة من تاريخ العراق الحديث، حيث تواطأ الاستبداد المتمثل بالحكومة الصدامية، والصمت، والتهميش، على شريحة أصيلة ومتجذّرة في نسيج الوطن، بل وفي جغرافيا أرض الرافدين منذ القدم.

لم يكن الكرد الفيلين غرباء عن هذه الأرض. عاشوا في مدنها وقراها، وساهموا في نهضتها التجارية والاقتصادية والثقافية، وكانوا جسرًا حضاريًا بين الجبل والوادي، وبين القرية ومراكز المدن، وبين الكرد والعرب، وبين الشيعة والسنة، وبين التجارة والعلم، وبين الثقافة العامة ومؤسسي الأحزاب الرئيسية. لكنهم، رغم كل ذلك، وُصِموا بالتشكيك، وسُلبت منهم المواطنة وكل ما يملكون، وسُفِّر عشرات الآلاف منهم إلى ما وراء الحدود بما يرتدونه فقط، وزُجّ بهم في غياهب السجون والمعتقلات، واختُطف آلافٌ من شبابهم ورجالهم، ولا يزال مصيرهم ومصير مقابرهم مجهولًا إلى يومنا هذا.

في هذه الذكرى الأليمة، لا نحيي مجرد حدثٍ تاريخي، بل نجدّد العهد بأن تبقى قضيتهم حيّة في الضمير العراقي، وأن يُعاد الاعتبار إلى الفيليين، ليس فقط بالكلمات والخطابات والبيانات، بل من خلال السياسات الفاعلة، والاعتراف، والعدالة الانتقالية، والتوثيق، وردّ الحقوق، وإدامة إحياء ذكراهم وحفظ ذاكرتهم.

"الفيلي" ليس اسمًا عابرًا، بل هو ذاكرة وهوية ونضال ومحنة وصبر ووفاء لوطنٍ رغم الجراح. وتبقى مسؤوليتنا الجماعية – كدولة ومجتمع، كأفراد وجماعات – أن نُعيد لهذه الشريحة ما سُلب منها من كرامة وحقوق وذاكرة وممتلكات، وأن نُعلّم أبناءنا – كل العراقيين، وليس فئة دون أخرى – التاريخ الحقيقي لتضحيات الفيليين، كي لا يُمحى، ولا تتكرر المأساة معهم أو مع غيرهم من الأقليات.
لتكن هذه الذكرى محطة للتأمل والعمل، لا للحزن فقط. فحفظ الذاكرة واجب ورغبة وحاجة لكل من يريد عراقًا أفضل. وردّ الحيف لهم، وبناء المستقبل المبني على العدالة والاعتراف هو السبيل الوحيد نحو عراقٍ يسع الجميع.

وفي هذه الذكرى المؤلمة، لا يسعنا إلا أن نقول المجد والخلود لشهداء الفيليين.

• طباعة