• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

الإصلاح بالوعي العلمي والعقلي والالتزام العقائدي

الإصلاح بالوعي العلمي والعقلي والالتزام العقائدي

  • اليوم, 12:58
  • مقالات
  • 12 مشاهدة
وليد الحلي

"Today News": بغداد 


يشكّل ترسيخ الوعي العلمي والعقلي، والالتزام بالعقيدة، الأساس الحقيقي للإصلاح ومواجهة الجهل والانحراف، وهو المنهج الذي أولاه الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أهمية كبرى من خلال دعوته لتربية الشباب على طلب العلم، وتأكيده على وحدة الصف ونصرة المظلوم في مواجهة الفتن والانحرافات الفكرية والعقائدية.

1-المنهج التربوي (أن تكون عالمًا أو متعلّماً):
وقد عبّر الإمام عن هذا المنهج التربوي بقوله: “لستُ أحبّ أن أرى الشاب منكم إلا غاديًا في حالين: إمّا عالمًا أو متعلّمًا، فإن لم يفعل فرّط، وإن فرّط ضيّع، وإن ضيّع أثِم”، وهو تأكيد على أن العلم ليس ترفًا بل ضرورة، وأن الجهل يؤدي إلى التفريط والضياع، ثم الإثم والخسارة. كما قال (عليه السلام): “اطلبوا العلم وتزيّنوا معه بالحِلم والوقار”، جامعًا بين المعرفة والسلوك القويم.

2-الحوار لمواجهة أهل الشبهات والانحراف:
ومن أبرز أساليب الإمام الصادق (ع) في مواجهة الفكر المنحرف والتيارات المضلة، اعتماده على منهج الحوار الهادئ والمقنع، حيث دخل في مناظرات مع أهل الكلام والفلاسفة والجدليين والغلاة، وأوضح براهينه بالعلم والحكمة والحجج الفقهية والعقلية الموثوقة، فدحض الشبهات وأقام الحجة، وأعاد كثيرين إلى طريق الحق والاعتدال.

3-تحييد الصراعات وأهمية توحيد الصفوف:
في زمن كثرت فيه الانقسامات بين التيارات الدينية والمذاهب الفلسفية والصراعات السياسية، سعى الإمام الصادق (عليه السلام) إلى تهدئة النزاعات وتحييد الفتن والعصبيات، محذرًا من الانغماس في الخلافات التي لا تجلب إلا الوهن والفرقة والانهيار المجتمعي، قائلا (ع):"إياكم والخصومة، فإنها تُشغل القلب، وتورث النفاق، وتكسب الضغائن".

4-نصرة المظلوم ووعي المؤامرات.
وفي هذا السياق، حذّر الإمام من التخاذل عن نصرة المظلومين، مؤكدًا أن التقاعس عن دعمهم يُعد من أعظم صور الانحراف عن الدين والإنسانية، خصوصًا في ظل ما تتعرض له الشعوب المسلمة من إبادة جماعية واضطهاد ممنهج في عدد من الدول، وفي مقدمتها فلسطين المحتلة.

5-مخطط تفتيت عقيدة المسلمين وإشغالهم بالفتن:
وقد أثبتت الوثائق الحديثة، كما في كتاب“الإسلام المتعب” لمؤلفه جاكوب دون   (Jacob Don)، أن هناك مخططًا منظّمًا لتفتيت عقيدة المسلمين وتدمير هويتهم الأخلاقية والاجتماعية، من خلال:
•نشر الاختلافات والانقسامات داخل المجتمعات الإسلامية.
•تشجيع الانحلال الأخلاقي، خاصة في أوساط الشباب والنساء، لتفكيك الأسرة والمجتمع.
•بث الكراهية للمساجد وتعاليم الإسلام، وتحبيب الناس بثقافة الغرب.
•ضرب العلاقة بين الأجيال، لإضعاف التواصل بين الأبناء والوالدين.
•زرع حب الذات والمصلحة الفردية عوضاً عن القيم المجتمعية والدينية وصلة الرحم.
•الترويج للحرية المنفلتة على حساب الالتزام، والسعي لإقناع المسلمين بأن أخلاق الغرب هي الأصلح.
•استخدام وسائل التقنية والإنترنت للتلاعب بعقول الشباب وتشتيتهم عن القيم الاخلاقية والمعرفة الحقيقية.

إنها خطوات ممنهجة تهدف إلى إنتاج جيل من المسلمين لا يعرف دينه، ولا يعتز بهويته، ولا يفهم تاريخه، ولا يؤمن برسالته.

6-الدعوة إلى البصيرة والعمل الجماعي:
ولذلك كان الإمام الصادق (عليه السلام) يحث على البصيرة والعمل الواعي، إذ قال:
“العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق، لا تزيده سرعة السير إلا بُعدًا”.
فالبصيرة، في رأيه، هي أساس كل مشروع إصلاحي، وهي الشرط الأول لنجاح أي جهد جماعي أو فردي.

7-خير البريّة:
استُشهد الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) مساء يوم الخامس والعشرين من شهر شوال سنة 148 هـ، عن عمر ناهز خمسة وستين عامًا (80-148 هـ - 699- 764م) حيث كانت ولادته في المدينة المنورة في 17 ربيع الأول عام 80 هـ، وذلك بعد معاناة أليمة نتيجة السم الذي دُس له بأمر من الخليفة العباسي المنصور الدوانيقي عبر عامله على المدينة المنورة محمد بن سليمان.

لقد استُدعى الإمام الصادق إلى بغداد سبع مرات في محاولة لاغتياله، إلا أن المنصور فشل في النيل منه على نحو مباشر، فلجأ إلى وسيلة دنيئة باغتياله سرًا، حيث بعث أمرًا إلى والي المدينة بتسميم الإمام في طعامه. مكث الإمام بعدها يومين يعاني آلام السم، صابرًا محتسبًا، حتى وافاه الأجل شهيدًا مظلومًا.

وقد دُفن الإمام (عليه السلام) في مقبرة البقيع في المدينة المنورة، تلك المقبرة التي احتضنت أجساد أربعة من أئمة أهل البيت: الإمام الحسن المجتبى، والإمام زين العابدين، والإمام محمد الباقر، والإمام جعفر الصادق (عليهم السلام).

إن ذكرى استشهاد الإمام الصادق (عليه السلام) ليست مجرد لحظة تاريخية، بل هي محطة للتأمل في عظمة هذا الإمام الرسالي، الذي حمل همّ الإصلاح، وسعى لنشر الوعي، وواجه الطغيان بالعلم والخلق والعدل، فكان بحق “خير البرية” كما وصفه محبّوه ومريدوه.

وليد الحلي
23-4-2025

أخر الأخبار