أكد مراقبون أن قرار فتح الاستيراد غير المُقيّد للسيارات المستعملة في سورية حوّل شوارع المدن إلى أسواق مفتوحة تعجّ بالمركبات القديمة، وسط تحذيرات من تداعيات خطيرة على السلامة العامة والبنى التحتية والاقتصاد الوطني.
وأوضح محللون اقتصاديون أن القرار الذي أصدرته وزارة النقل مطلع العام الحالي، وتنازلت بموجبه عن شروط حماية البيئة والضوابط الفنية، أدى إلى تهافت كبير على استيراد سيارات يتجاوز عمرها 15 عاماً من دول عدة، بينها شرق آسيا والخليج وأوروبا، دون تحديد معايير دقيقة لفحصها قبل منح التراخيص، ما يهدد بتحويلها إلى "توابيت متحركة" وفق تعبيرهم.
وبينت مصادر مطلعة أن القرار جاء تحت ذريعة تلبية احتياجات المواطنين بعد سنوات من المنع وارتفاع أسعار المواصلات، إلا أنه أثار تساؤلات حول استنزاف العملة الأجنبية لتمويل عمليات الاستيراد العشوائي، بدلاً من توجيهها لقطاعات حيوية كالصحة والتعليم، في وقت تعاني فيه الخزينة العامة من عجز كبير.
من جهته، قال خبراء بيئيون إن غياب الرقابة على مواصفات السيارات المستوردة، خاصة تلك المتهالكة أو الغارقة، سيزيد من معدلات التلوث واستهلاك الوقود، فيما حذّر مهندسون مروريون من تفاقم الحوادث بسبب تدني معايير الأمان في المركبات القديمة، ما يهدد بتحويل الطرق إلى "مقابر للسيارات".
وأشار مراقبون إلى أن القرار تزامن مع تخفيض الرسوم الجمركية بنسب تصل إلى 80%، مما أفقد الخزينة العامة عائدات مالية كبيرة كان يمكن توظيفها في مشاريع تنموية، لافتين إلى أن الاستيراد المفتوح سمح بدخول سيارات مُقصّصة أو معاد تصديرها من دول تخلصت منها بسبب مخالفتها لقوانين البيئة والأمان.
بدورهم، تساءل خبراء عن عدم تعديل القرار رغم تشكيل الحكومة الجديدة وتولي وزير مخضرم لملف النقل، كان قد عارض سابقاً استيراد السيارات المستعملة لدواعٍ أمنية واقتصادية، متوقعين أن تتفاقم الآثار السلبية مع ازدياد الأعطال ونقص قطع الغيار وارتفاع فاتورة الوقود.
وفي ردود غير مباشرة، دافع مؤيدو القرار عن حق السوريين في امتلاك مركبات بأسعار معقولة بعد سنوات الحرمان، لكنهم أكدوا في الوقت ذاته ضرورة وضع ضوابط تحمي المواطن والاقتصاد من تداعيات "الفوضى الحالية"، عبر تشريعات تضمن تحديث منظومة النقل وتقليل الهدر في العملة الصعبة.
يأتي ذلك فيما تواصل الأسواق السورية استقبال أعداد كبيرة من السيارات القديمة، وسط مخاوف من تحول البلاد إلى "مكب عالمي" للمركبات المتهالكة، فيما تبقى التساؤلات معلقة حول جدوى استمرار القرار دون مراجعة، خاصة مع تنامي الأصوات المنادية بضرورة استبداله بسياسة متكاملة تراعي التوازن بين الحقوق الفردية وحماية المصلحة العامة.