بجوار مرقد الإمامين الكاظميين، شمالي العاصمة بغداد، تظهر ملامح شناشيل متهالكة، فيما يمتد سوق مسقف اسمه "الاستربادي" ويعرف شعبياً بسوق "السربادي"، الذي يعد من أقدم أسواق مدينة الكاظمية، ويعود تاسيسه أواخر القرن التاسع عشر.

ووفق اصحاب المحال الذين يشغلون مواقعم في السوق منذ نحو نصف قرن، فإن السوق تملكه عائلة الاستربادي التركية التي لم تسكن العراق، بل كانت تعتمد على وكيل لها يهتم باملاكها.
وعند سماع "السربادي"، يتبادر إلى الذهن مباشرة، الزي العربي الرجال والعقال والعباءات، ومختلف المستلزمات الرجالية الأخرى، بما فيها المسبحات والخواتم، نظرا لأن السوق اختص بها منذ سنوات طويلة.
ويواجه من يدخل هذا السوق الطويل، الذي يفضي الى مرآب سامراء القديم، إضاءة خافتة تطل من المحال التجارية المنتشرة على جانبي السوق، ومن السقوف شبه المنهارة.
ويؤكد أصحاب محال في هذا السوق، بأن، الدشاديش الرجالية هي الأكثر مبيعا بالنسبة لهم، اذ تبرز انواع شتى منها بالوان مختلفة وفصالات متعددة، ويتم تصنيعها في السوق وتسوق الى جميع محافظات البلاد، فضلاً عن العباءات الرجالية وبعض الكماليات النسائية.
ويقول الحاج هادي المنصوري، وهو من أقدم البائعين بالسوق، إن "بناء السوق بدأ خلال الفترة بين عام 1880-1890، أي في زمن الدولة العثمانية".
ويوضح المنصوري ، أن "تسمية السوق تنسب الى عائلة "السربادي" وهي عائلة عثمانية غنية ولها املاك كثيرة".
ويؤكد أنه "في عام 1982، دخل السوق ضمن دائرة التراث، وتوجد حالياً بعض صور السوق في المتحف البغدادي"، مشيراً الى أن "سوق الاستربادي متنوع البضائع، اذ يضم الاكسسوارات وملابس الزي العربي النسائية والرجالية وجميع ما يحتاجه الزائر، كون السوق يقع بجوار الإمامين".

ويلفت المنصوري، إلى أنه "في عام 1980 كانت توجد فوق محلات السوق غرف، تعرف بالمسافر خانه، أي غرف سكن، يسكن بها الزوار الهنود والباكستانيون والإيرانيون، وبعد ذلك سكنها المصريون، لكن هذه الغرف تهالكت بعد عام 1991 وبدأت بالإنهيار".
ويعرب المنصوري عن أمله في أن تتبنى الحكومة مشروع إعادة تأهيل هذا السوق التراثي عبر القيام بحملات ترميم وفق طراز السوق القديم، كي لا تغيب ملامحه التراثية.
بدوره ينوه الحاج حسن شريف القطراني، أحد قدامى الباعة في السوق، أن "الاستربادي مضى على تأسيسه نحو 170 عاماً، وانه بني في زمن الاتراك، وصادره الانكليز خلال احتلالهم العراق".
ويبين القطراني ، أنه "كان هناك متعهداً يستلم الايجارات من اصحاب المحال وكانت تترواح بين 60 الى 70 دينارا سنويا، أما الان فيبلغ الايجار 6 ملايين دينار سنوياً".
وعلى الرغم من تهالك السوق وقدمه، لكنه ما زال حافلاً بالحركة التجارية لوجوده بالقرب من الإمامين الكاظميين، كما يقصده أهالي بغداد لاقتناء الدشاديش والخواتم التي يتميز بها هذا السوق.
ويقول المواطن رضا عبد الصاحب (45 عاماً)، وهو صاحب محل بيع دشاديش في محافظة ذي قار، أن "الكثير من أصحاب المحال في المحافظة يذهبون الى سوق الشورجة الرئيس ببغداد لاقتناء ما تحتاجه محلاتهم، فيما يقصد العديد من اصحاب محال الدشاديش هذا السوق".
ويضيف ، أن "بضاعة سوق الاستربادي من الدشاديش العربية رائجة للغاية وعليها اقبال كبير في المحافظات من الشباب وغيرهم لما تتميز به من جمالية في القماش واللون".
ويلفت إلى أنه، يقصد السوق بشكل دوري وحسب حاجة محله للتزود بانواع محتلفة من الدشاديش الرجالية التي يرتفع ثمنها قليلا في هذا السوق، "لكنها ذات جودة عالية وتلبي اذواق الكثيرين"، حسب قوله.
فيما يؤكد رياض هادي، وهو صاحب محل في السوق، أن "ثمة قطعة حديدة واحدة تبين أن سوق الاستربادي تم وضع السقف له عام 1915، وهذا يعني ان السوق بني قبل هذا الزمن".
ويستطرد أن "محلي كان في الأصل عبارة عن "خان" ولدى إنهياره، تم العثور على طابوقة كتب عليها عام 1884، في اشارة محتملة الى تاريخ تأسيس السوق، والذي بني من الطين والتبن، لذلك فهو يتعرض للتفاعل مع الامطار".