متابعة: " Today News"
ثمانية وثلاثون مليون نسمة منهم مليونين أو يزيد لا يمتلكون سكنا لاسيما في بغداد والبصرة أو نينوى التي تعد أكبر المدن العراقية.
في تشرين الثاني من العام الماضي أي قبل ما يقرب العام الواحد أطلق رئيس الوزراء الحالي عادل عبد المهدي مشروعاً سكنيا كبيراً لحل أزمة السكن في البلاد, قال فيه أنّ مشروعه "يشتمل على توزيع أراض مملوكة للدولة على المواطنين وتمليكها لهم بالمجان, خصوصا ساكني العشوائيات والشرائح الفقيرة وتلك التي تفتقر الى السكن".
وقد وضعت حكومة عبد المهدي في حينها مجموعة من الشروط فيما يخص البيع او التصرف في تلك المساكن, لدرجة انّ الامر بدا للحقيقة اقرب منه للخيال!
أزمة طال حلّها!
منذ أكثر من عشرة أشهر, وآلاف العوائل تنتظر تنفيذ مبادرة السكن التي تكلم عنها رئيس الوزراء, قيل أنها ستبدأ من البصرة. وليس مهماً المكان الذي تدشن خطواتها الأولى منه, بقدر الاهمية التي تنطوي عليها آليات التنفيذ. فبحسب الاحصائيات الرسمية, يعيش أكثر من 13% من سكان العراق في العشوائيات وهذا ما أوردته وزارة التخطيط, وهذا الاستبيان كان في العام 2017.
بيانات أخرى تؤكّد أنّ العشوائيات في العراق لاسيما بغداد هي الأكبر في العالم.
وعزت تلك البيانات تنامي ظاهرة العشوائيات الى الفساد وسوء الادارة والتخطيط وضعف تطبيق القانون, الأمر الذي أفضى إلى استفحال ازمة السكن والفقر وبالتالي تحوّلت العشوائيات الى ظاهرة اجتماعية تعاني منها المدينة العراقية.
المدير العام التنفيذي للتخفيف من الفقر في وزارة التخطيط نجلاء علي مراد, قالت في وقت سابق بأنّ أكثر من مليونين وخمسمئة ألف مواطن يسكنون في 1552 عشوائية منتشرة في عموم العراق تضم أكثر من 347 ألف وحدة سكنية, وقد أحتلت بغداد المرتبة الأولى في عدد العشوائيات.
في العام 2017 ارتفعت نسبة العشوائيات بحسب تصريح عبد الزهرة الهنداوي المتحدث بإسم وزارة التخطيط الى "ثلاثة ملايين وثلاثمئة ألف مواطن يعيشيون في العشوائيات المنتشرة في مختلف المحافظات.
النائب الاول السابق لمحافظ بغداد جاسم البخاتي كشف عن وجود 600 منطقة عشوائية في العاصمة بغداد في تموز من العام 2018.
من كل الذي تقدم؛ فأنّ نسبة كبيرة من الشعب العراقي تعيش في العشوائيات كبيوت مستقرة, وأي سطو على تلك المساكن فأنّ إستقرار هؤلاء السكان سيتعرض للخطر.
ولعل هذا السبب الرئيسي الذي جعل حكومة عبد المهدي تفكر في إنهاء هذه الأزمة عبر إقرار وتنفيذ مبادرة السكن, والبداية من البصرة!
البصرة.. بداية الظلم!
قال رئيس الوزراء عادل عبد المهدي أنّ مبادرة السكن ستدشن من البصرة, ولكن الذي حدث مختلف تماماً. حيث أقدمت حكومة عاصمة الاقتصاد العراقي المحلية, على تهديم بيوت المواطنين المتجاوزين وبنفس الوقت قامت بهدم المحال التجارية في المناطق المتجاوز عليها.
غياب البديل..!
لا شك أنّ حكومة عادل عبد المهدي لا تريد إضافة مشكلة جديدة الى سلة المشاكل التي حملتها من الموروث السابق. فالتعيينات مثلا, للحكومة رأي بها, إذ صرح رئيس الوزراء أكثر من مرة عن ترهل الهيكل الاداري للدولة وعدم استيعابها للمزيد من التعيينات, وهذا يعني أنّ مشكلة البطالة في العراق بحاجة إلى توقّف لا تزايد! وتهديم المحال التجارية, والاسواق المتجاوزة للمواطنين, تفضي الى مفاقمة أزمة البطالة وإضافة إحتياطي جديد إلى جيوش البطالة التي تدافع ضد إستقرار البلاد!
أزمة مضاعفة..!
اما بخصوص أزمة السكن, فمن البديهي القول أن تهديم دور المتجاوزين سيؤدي بالنهاية إلى مضاعفة الازمة. وبنفس الوقت لا يمكن أخذ مبادرة السكن بنظر الاعتبار, طالما طغى عليها الجانب السلبي، فالأمر يبدو وكأنه استهدافا للمواطن البسيط, وتحدياً لرغبته بالعيش. وبدلا من أن تبدأ مبادرة السكن من البصرة, فقد دشنت مفاقمة الازمة من عاصمة العراق الاقتصادية, إذ تستمر حلمة إزالة التجاوزات في المدينة.
إجراءات عاجلة!
قبل تدشين حملة رفع التجاوزات في المدينة, إجتمع رئيس الوزراء عبد المهدي بمحافظ البصرة اسعد العيداني, وقد وجهه بالاسراع في اجراءات توزيع قطع الاراضي السكنية على المستحقين لها بحسب بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء في تموز الماضي. حكومة البصرة المحلية أخفقت في تنفيذ ذلك التوجيه, ونجحت في إبتزاز الناس عبر إزالة محالهم التجارية ومنازلهم.
عضو مجلس محافظة البصرة علي الفارس أكّد أنّ تأخر العيداني في تلك الاجراءات نابع عن التخبط الاداري وسوء التعاطي مع هذه الازمة على الرغم من توافر الاراضي الملائمة لإسكان الفقراء.
كربلاء.. تظاهرة المتجاوزين!
ومن أقصى الجنوب الى وسط العراق, فقد تظاهر اصحاب المنازل "المتجاوزة" أمام مبنى محافظة كربلاء للمطالبة بإيقاف هدم منازلهم. الامر الذي أدى إلى إيقاف ذلك الهدم, ولو مؤقتا.
تناقضات حكومية!
أصدرت الحكومة مبادرة السكن للقضاء على أزمة لها وجود في الواقع, ولكنها تلكأت في تنفيذ الايجاب منها, ونشطت في تنفيذ الجزء السلبي, إذ أقدمت على تهديم دور المتجاوزين, مع الاخذ بنظر الاعتبار أنّ التجاوز أصبح ظاهرة (لا يعاقب عليها القانون) وفق العرف السائد, فطالما صمتت الحكومة عن تنفيذ إلتزاماتها بتوفير حق السكن, لا تستطيع حينها أن تحاسب من يبحث على دار تأويه.
اما النوع الآخر ن التجاوز, ونعني به المحال التجارية, فقد صرّح عبد المهدي ذات يوم أنّ الجهاز الاداري للدولة مترهل ولا يستوعب الكثير من التعيينات, وهذا يعني أنّ الحكومة ستلجأ الى تشجيع الاستثمارات والاعمال الشخصية, لا أن تحاربها وتعمل على تهديم أبواب رزق العاطلين بحسب ما يؤكّده أصحاب المحال التجارية التي تتعرض للهدم في مناطق العراق المختلفة.