في شارع الجميزة المتضرر جراء انفجار مرفأ بيروت، جال رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب، الإثنين، وسط ذهول سكان لم يتعرفوا إليه فورا وآخرين صافحوه بحرارة، قبل أن يقابله البعض بهتاف رافض لوجوده، في عينة عمّا ينتظره في مهمته الصعبة.
من القصر الرئاسي في بعبدا حيث كلفه رئيس الجمهورية ميشال عون تشكيل الحكومة الجديدة، توجه أديب إلى منطقتي الجميزة ومار مخايل الواقعتين قرب مرفأ بيروت، وتجوّل فيهما من دون مرافقة أمنية كبيرة.
سار في الشوارع المتضررة مرتديا قميصا أبيض اللون وربطة عنق غامقة، لم يتعرف السكان إليه سريعا كونه غير معروف بتاتا في الوسط السياسي، ما اضطر مرافقوه إلى التعريف عنه كرئيس الحكومة المكلف، حتى إنه أخذ الأمر على عاتقه في بعض الأحيان.
وسأل رجل أمن خاص في المنطقة عندما رأى رئيس الحكومة الذي وصل مساء أمس إلى لبنان من برلين حيث كان يشغل مهمة سفير لبنان، ”من هذا؟ وزير كندي؟“.
وتنقّل أديب بين المؤسسات المفتوحة: متجر بقالة ثمّ ملحمة، وصافح بعدها مالك مطعم شكا له أنه لم يتمكن حتى الآن من إصلاح زجاج واجهته الذي تحطم في الانفجار.
طلب أحد المارة أن يلتقط صورة معه، بينما كان آخرون يلاحقونه محاولين التقاط صور فيديو للجولة.
لم يتجرأ أي مسؤول لبناني على مستوى عال على تفقد المناطق السكنية المتضرّرة بعد الانفجار الذي أودى بحياة أكثر من 188 شخصا وتسبب بدمار واسع، على الأرجح منعا لمواجهة الغضب الشعبي، فمنذ أشهر، يقدم لبنانيون مطالبون برحيل الطبقة السياسية على شتم المسؤولين والتعرض لهم بالإهانات حيثما يتلقونهم، وهم يحملونهم مسؤولية الانفجار الناتج عن حريق في مستودع خزنت فيه كميات ضخمة من نيترات الأمونيوم، بسبب الإهمال والفساد.
أريد ثقتكم
على مسامع من التقاهم من السكان، كرر أديب: ”دعونا نضع أيدينا بأيدي بعض، وليكن لدينا إيمان ، نزلت فورا لعندكم لأقول لكم: أريد ثقتكم“.
عند خيمة متطوعين يعملون منذ أكثر من ثلاثة أسابيع على تلبية حاجات سكان المنطقة المتضررة، استمع أديب إلى احتياجاتهم الكثيرة، وانتقل إلى كشك آخر حيث قدم له متطوعون منقوشة من الزعتر.
وقال: ”إنه أول رئيس حكومة ينزل على الأرض ويتحدث مع الناس، إنها مبادرة جيدة ونأمل أن تكتمل رغم الأمل الضعيف جدا لدي“، مضيفا: ”نريد أن نرى العمل على الأرض، لا الكلام فحسب“.
لكن اللقاءات لم تكن جميعها ودودة، إذ سخر آخرون من الزيارة، وقالت إحدى المتطوعات بسخرية: ”قولوا له إنّ العمل انتهى، لقد فات الأوان“.
في مكان قريب، صرخ بول صقر (35 عاما) من داخل صيدليته: ”هذا هو الفساد، جميعهم حقيرون“.
وأضاف: ”مرّ شهر ولم نر أحدا، أما هو فيأتي بمجرد تكليفه، إنه هنا من أجل البروباغندا“.
وسرّعت القوى السياسية خلال الأسبوع الماضي مساعيها للتوافق على رئيس حكومة خلفا لحسان دياب الذي استقالت حكومته بعد أربعة أيام من الانفجار على وقع غضب الشارع، وخلال ساعات، أجرى رئيس الجمهورية ميشال عون الاستشارات النيابية وأعلن تكليف أديب.
وبدا واضحا أن السلطة أرادت استباق زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يصل مساء إلى بيروت في زيارة ثانية خلال أقل من شهر للضغط من أجل تشكيل حكومة تنفذ الإصلاحات التي يطالب بها اللبنانيون والمجتمع الدولي.
قرب مبنى مؤسسة كهرباء لبنان، القطاع الذي يُعد الأسوأ بين مرافق البنى التحتية المهترئة أساسا والذي قضى عليه الانفجار، صدحت أصوات أشخاص تجمعوا عندما عرفوا بوجود رئيس الحكومة المكلف، مرددة: ”ثورة ثورة“، و“كلهم يعني كلهم“، في إشارة إلى مطلب رحيل الطبقة السياسية.
وواصل أديب طريقه، قبل أن تصرخ سيدة في وجهه: ”لا نعترف بك ولا نريدك“، مضيفة: ”أولادنا ماتوا“.
بعدها، صعد أديب في سيارته السوداء من طراز مرسيدس التي رشقها أحدهم بزجاجة مياه فارغة، بينما طرق آخرون بأيديهم عليها.
وفي الخلفية صدحت حناجر بشعار: ”ثوار أحرار منكمّل المشوار“.