كلما زادت وتيرة تفشي فيروس كورونا زاد خطر تحوره إلى سلالات أخرى. وقليل هي الحقائق التي عليها إجماع منذ ظهور الوباء، والآن بعد السلالة الهندية مزدوجة الطفرة، ظهرت سلالة نيبالية.
ويرجع التحور أو السلالة الأولى التي تم اكتشافها من الفيروس إلى مطلع العام الجاري وهي السلالة البريطانية، ومنذ ذلك الوقت ظهرت سلالة البرازيل وسلالة جنوب إفريقيا، لكن السلالة التي اكتشفت في الهند على وجه التحديد كانت الأشرس حتى الآن؛ كونها جمعت بين "طفرتين مختلفتين في نفس الفيروس"، وهو ما أدى لتوحش الوباء في شبه القارة الهندية.
وبريطانيا واحدة من الدول القليلة التي وفرت لقاحات كورونا لأكثر من نصف سكانها البالغين، وشهدت البلاد حدثاً فريداً يخص الوباء يوم 1 يونيو/حزيران الجاري حين لم تسجل أي حالة وفاة طوال 24 ساعة، للمرة الأولى على الإطلاق منذ تحول كورونا إلى جائحة عالمية في مارس/آذار من العام الماضي، في مؤشر مؤكد على أهمية اللقاحات للانتصار على الوباء.
طفرة هندية أم سلالة نيبالية؟
واتخذت الحكومة البريطانية الخميس الماضي قرارات جديدة تتعلق بتشديد إجراءات السفر لمواطنيها وحتمية خضوعهم للحجر الصحي الصارم لدى عودتهم من بلدان معينة، وبررت تلك الإجراءات بظهور "طفرة أو سلالة جديدة من الفيروس" مصدرها نيبال.
وقال وزير المواصلات البريطاني غرانت شايبس لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، إن هناك عدة عوامل ساهمت في اتخاذ الإجراءات الجديدة، مضيفاً: "أولاً تضاعف معدل العينات الإيجابية في البرتغال منذ آخر مراجعة".
وواصل شايبس: "وهناك أيضاً الطفرة النيبالية التي ظهرت على ما يعرف بالسلالة الهندية، والتي تم تتبعها، ولسنا نعرف إذا ما كانت قادرة على التغلب على اللقاحات". وقالت الخدمات الصحية العامة البريطانية لبي بي سي، بخصوص الطفرة النيبالية: "نحن على علم بالتقارير" التي تربط بين هذه الطفرة وطفرة سابقة.
وفي نفس السياق، نشرت صحيفة The Independent البريطانية تقريراً حول تلك "الطفرة أو السلالة النيبالية"، رصد تحقيق هيئة الصحة العامة في إنجلترا في كلٍّ من السلالة الهندية، المعروفة باسم "دلتا"، والطفرة التي يُعتَقَد أنها نشأت في نيبال.
وقالت هيئة الصحة العامة في إنجلترا إن العلماء يأملون في التوصُّل إلى "فهمٍ أفضل لما إذا كان من الممكن أن يكون أكثر قابلية وأقل تأثُّراً باللقاحات".
وقال وزير النقل جرانت شابس إن الحالات المتزايدة مع الطفرة الجديدة لفيروس كورونا المستجد كانت وراء أنباء حذف البرتغال من قائمة السفر الخضراء وإضافتها إلى القائمة البرتقالية. وقال الوزير: "أريد أن أكون صريحاً مع الناس. إنه في الواقع قرارٌ يصعُب اتِّخاذه، لكن في النهاية رأينا شيئين يسبِّبان القلق حقاً".
وأضاف موضحاً: "الشيء الأول هو أن معدَّل الحالات الإيجابية قد تضاعَفَ تقريباً منذ آخر مراجعةٍ للبرتغال، والآخر هو أن هناك ما يمكن تسميته بالطفرة النيبالية للسلالة الهندية، اكتُشِفَت ولا نعرف إمكانية هزيمتها من قِبَلِ اللقاح، وببساطة لا نريد المخاطرة مع وصولنا إلى 21 يونيو/حزيران ومراجعة المرحلة الرابعة من الفتح".
المصدر نيبال والتحقيق بريطاني
ويُعتَقَد أن السلالة الجديدة هي نسخة من السلالة الهندية ولكن مع طفرةٍ جديدة اكتسبتها. وقال متحدِّثٌ باسم هيئة الصحة العامة في إنجلترا إن "سلالة نيبال هي نفسها دلتا لكن مع طفرة K417N.
وقال الدكتور جيف باريت، مدير مبادرة جينوم كوفيد-19 في معهد ويلكوم سانغر، إن العلماء لاحظوا 91 تسلسلاً من السلالة الهندية في طفرة K417N حتى الآن، وأن هذا التمييز كان موجوداً أيضاً في سلالة كوفيد-19 التي اكتُشِفَت لأول مرة في جنوب إفريقيا.
وقال: "هذه الطفرة موجودةٌ في السلالة التي اكتُشِفَت في جنوب إفريقيا، ويُعتَقَد أنها جزءٌ من سبب عدم تحييد هذه السلالة بشكلٍ معقوب بواسطة اللقاحات. وبسبب هذا الاحتمال، ولأن دلتا أكثر قابليةً للانتقال من بيتا، فإن العلماء يراقبونها بعناية".
وأضاف: "شُهِدَت سلالة دلتا مصحوبةً بطفرة K417N في العديد من البلدان، بما في ذلك المملكة المتحدة والبرتغال والولايات المتحدة والهند. وقد لوحِظَت أيضاً مرةً واحدةً في نيبال، الأمر الذي لا يولِّد إلا تسلسلاً قليلاً، و14 مرة في اليابان، منها 13 عيِّنة في الحجر الصحي بالمطار من مسافرين من نيبال".
في السابق، أُفيد بأنه ما مِن دليلٍ على وجود سلالة جديدة نشأت في الدولة الواقعة في جبال الهيمالايا في جنوب آسيا. وقالت منظمة الصحة العالمية، صباح أمس الخميس، إنها "ليست على علمٍ بأيِّ نوعٍ جديد من فيروس كوفيد-19 قد اكتُشِفَ في نيبال".
وأضافت: "السلالات المُتناقِلة هي ألفا (B.1.1.7)، ودلتا (B.1.617.2)، وكابا (B.1.617.1). والسلالة المُتناقِلة حالياً في نيبال هي دلتا (B.1.617.2)"، مشيرةً إلى ثلاث طفرات- واحدة مرتبطة بسلالة كينت واثنتان مرتبطتان بالهند.
وقال البروفيسور بيتر أوبنشو من كلية لندن الإمبراطورية، وهو أيضاً عضوٌ في مجموعة نيرفتاغ الحكومية، لصحيفة The Independent البريطانية، في وقتٍ سابق، إنه كان هناك حديثٌ عن سلالةٍ جديدة مُحتَمَلة من نيبال منذ الأسبوع الماضي، ولكن لا شيء يدعم ذلك حتى الآن في قواعد بيانات التسلسل الجيني.
وأضاف: "سيستمر الفيروس حتماً في التطوُّر، وسيجري ذلك في الأجزاء النائية من العالم، حيث لا نتمكَّن من الوصول إلى العيِّنات أو البيانات، وسيكون من الصعب الحصول على المعلومات في المراحل المبكِّرة من تطوُّر السلالات. هذا يؤكِّد حقاً مدى أهمية نشر اللقاحات في أسرع وقتٍ ممكن وعلى نطاقٍ واسع في جميع أنحاء العالم قدر الإمكان".
وقال متحدِّثٌ باسم وزارة الصحة والسكَّان النيبالية: "حتى الآن، لم تُكتَشَف أيُّ سلالةٍ جديدة. المؤكَّد فقط هو ثلاث سلالات". وتم التعرُّف على العديد من السلالات من فيروس كوفيد-19 في جميع أنحاء العالم. وهي تشمل سلالة B.1.1.7، والمعروفة في المملكة المتحدة باسم السلالة كينت- والمُصنَّفة من قِبَلِ منظمة الصحة العالمية باسم "ألفا".
وسُمِّيَت السلالة B.1.617.2، المعروفة غالباً بالسلالة الهندية، باسم "دلتا"، بينما سُمِّيَت سلالة B.1.351، التي غالباً ما يُشار إليها بالسلالة الجنوب إفريقية، باسم "بيتا". وصُنِّفَت السلالة B.1.617.1، المرتبطة أيضاً بالهند، بأنها "كابا"، بينما سُمِّيَت السلالة البرازيلية P.1 باسم غاما.
وتكافح نيبال حالياً ارتفاعاً في حالات الإصابة بكوفيد-19 في أوساط الشعب الذي يجاور الهند، التي تكافح موجة ثانية من وباء كورونا هي الأكثر فتكاً على الإطلاق منذ ظهر الفيروس للمرة الأولى في الصين في وقت ما من الربع الأخير من عام 2019.
وحتى أمس الجمعة 4 يونيو/حزيران، تم تسجيل نحو 173 مليون إصابة بفيروس كورونا حول العالم وأكثر من 3.7 مليون حالة وفاة، بحسب موقع وورلدميترز كورونا. وتشهد نيبال موجة فتاكة من الوباء حالياً، إذ تسجل إصابات يومية تتخطى متوسط 5 آلاف حالة ووفيات تتخطى المئة حالة يومياً، وهي أرقام لم تشهدها البلاد على الإطلاق في موجات التفشي السابقة، علماً بأن تعدادها يبلغ نحو 30 مليون نسمة.