يستعد محمد الحيدري، (33) هذه السنة، كسابقاتها، على حمل المشاعل، أو الهودج الحسيني، في موكب عائلته، الذي سيرفد الزوار بالطعام والخدمات حتى الأربعينية.
الهودج الحسيني
يوضح الحيدري، بحديثه ، أن "الهودج الحسيني، ليس مجرد مشاعل تحوي النفط لتنير المكان، حيث اعتمدته المواكب والطقوس الحسينية في الماضي لإنارة المكان لعدم وجود الكهرباء، لكنه أصبح جزءاً من تراث وإرث الطف".
أمّا المشاعل فهي عبارة عن خشبة طويلة يتفرع منها عدد من الكؤوس يتراوح بين 20 إلى 30 كأساً، أو مشعلاً، توضع في كل مشعل قطعة قماش تنقع بمادة النفط الأسود غالباً، وتُشعل النار فيها، ويقوم بحمل هذه المشاعل شاب تختاره العشيرة أو البيت النجفي أو الكربلائي بعناية ودقة".
توارثت العائلات والعشائر تلك الطقوس منذ أجيال، يقال إنها تعود إلى عام 1914 ثم انقطعت في نهاية سبعينيات القرن الماضي، إبان حكم البعث المباد، ثم عاودت الظهور بعد سقوطه عام 2003.
تشهد العشائر المحلية في النجف الأشرف وكربلاء المقدسة منافسة شرسة لاختيار أفضل حامل لـ "المشعل"، الذي يتطلب موازنة وقوة بدنية للحفاظ على حركته المستمرة.
مئات الكيلوغرامات بيد واحدة
يحمل الشاب المشعل، عبر عارضة يثبتها على كتفيه أو في حزام حول خصره ويمشي على دقات الطبول اثناء تأدية طقوس الموكب الحسيني. يقول الحيدري.
ويتميز حاملو المشاعل بمهارات بدورانه والحركة به حتى كأنه لا يزن شيئاً أمام قوة الشباب البدنية، ويُرافق حاملي المشاعل أشخاص مختصون يصبون الزيت على الرؤوس لتقوية نارها والحفاظ عليها مشتعلة، وسط دقّ الطبول واللطميات استذكاراً لواقعة الطف، وتحتشد جموع المعزّين عند بوابات مرقد الإمام علي (عليه السلام) أو الإمام الحسين وأخيه العباس (عليهما السلام) لاستقبال المشاعل، وتبقى طقوس تدريب المشَق والمشاعل منذ بداية محرّم الحرام حتى تستعد كُل عشيرة لليلة العاشر من محرم لعرض مشاعلها، فيتجمهر الناس قبيل غروب شمس اليوم التاسع من شهر، وأحياناً حتى صباح عاشوراء.
ويؤكد الحيدري، بحديثه ، أن "ما يميز مهرجان المشاعل العاشورائية النجفية عن غيرها، هو إحياء المحبّين والموالين لأهل البيت (عليهم السلام) في مدينة النجف الأشرف في الليالي الثلاث التي تسبق ليلة العاشر من المحرم شعيرة "المشاعل" وليس طوال أيام محرم".
ويضيف: "إنها شعيرةٌ توارثوها منذ القدم، تمتزج معها صيحات "لبيك يا حسين"، يرددها المعزون أثناء حمل المشاعل لتكون ثيمة نجفية لا تكاد تُرى في أي مدينة أخرى".
رمزية الهودج الحسيني في الطف
يوضح الباحث في التراث الشعبي، وارث الكعبي، أن مشاعل عاشوراء تأريخياً لها الكثير من المعاني، إذ دونت ببعض المراجع كرمز من رموز الحرب وإشعالها، وثمة من يقول إنها لإضاءة الطريق أمام السائرين لإحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)، فيما يراها بعضهم أنها رمز للمعاناة التي شعر بها معسكر الإمام الحسين (عليه السلام) حين احترقت خيامهم.
"المشعل أو الهودج الحسيني تقليدٌ قديم منذ بداية المواكب الحسينية، وله الكثير من المعاني والدلالات، فهو تجسيدٌ حقيقيّ لقول الرسول الأكرم (ص): (إنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة)، ولهذا الرمز خصوصية في كربلاء المقدسة، فلكلّ طرفٍ من أطراف كربلاء القديمة هودجٌ له صفاتٌ خاصّة تميّزه عن هودج الطرف الآخر، بحيث إنّ الناظر إليه يعرف أنّه خاصّ بعزاء الطرف الفلاني، لأنّه لم تكن في ذلك الزمان لافتاتٌ تعريفية بأسماء المواكب لذا كان الهودج بمثابة الدليل، وهذا الهودج يسير في مقدّمة موكب العزاء يحمله شخصٌ واحدٌ متمرّس، ويصل وزن الهودج إلى أكثر من (300 كغم) أحياناً وقد يكون من الصعب حمل مثل هكذا وزن، لكنه يُحمل ويطاف به بسهولة".
وأضاف: "للهودج أنواعٌ وأحجام فمنه القديم والحديث، بعضها يرى أنها تمثل حرق الخيم، فتكون هذه المشاعل بمثابة دعم ومؤآزرة".
صناعة المشاعل الحسينية
ويوضح وحيد محمد، وهو صانع المشاعل الحسينية، أن تصميمه يكون على شكل سفينة، ويمثل سفينة النجاة التي نسير بها عبر تعاليم الإمام الحسين (ع) وتفانيه في سبيل الدين السمح.
يتوسط الهودج قبة تمثل قبة الإمام الحسين (ع)، ويُرفع كظاهرة تراثية، ويضيف بحديثه أنه "يتكون الهودج من هيكل كبير مصنوع بدقة هندسية من الألمنيوم أو الحديد، ويزن حوالي 350 كيلوغرامًا. يضم عدة مصابيح تعبر عن الشهداء الذين كانوا مع الحسين (ع) في معركة الطف، وله ارتكاز وسطي يُعتبر مهمًا في حسابات حاملي المشعل.
يبدع محمد في صناعة الهودج من حيث التصميم والزينة، ويستخدم فيه بعض الدرر والريش الملونة والورود لإضفاء جمالية خاصة عليه أو كما تحبذ أن يكون العوائل وأصحاب المواكب.
ويضيف ، لقد "كان الهودج يعتمد في البداية على المشاعل النفطية، ثم تطورت لتصبح غازية، ثم أراد البعض أن تصبح كهربائية لكن لا تزال الكثير من المواكب تعتمد النفطية أو الغازية لبقاء ارتباطه بالتراث وليضيء الدرب كونه يتقدم الموكب".
ويستخدم حامل الهودج، كلمة "حيهم" لطلب المساعدة من الهودارية، وهم أيضاً مجموعة من شباب المنطقة يتراوح عددهم حوالي 20 شاباً، مهمتهم هي حمل الهودج بشكل جماعي وتبديل حامليه، ومساعدتهم في الاستقرار أثناء حمله.