• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

العراق والإسلام السياسي (١٥) .. السيستاني وتغيير رئيس الوزراء

العراق والإسلام السياسي (١٥) .. السيستاني وتغيير رئيس الوزراء

  • 20-08-2024, 20:45
  • مقالات
  • 64 مشاهدة
د. صلاح عبد الرزاق

"Today News": بغداد 

٢٠ آب ٢٠٢٤

السيستاني وتظاهرات شباط ٢٠١١
إثر تصاعد التظاهرات في بعض الدول العربية أو ما سمي بالربيع العربي، وسقوط النظام التونسي (14 يناير/ كانون الثاني 2011) ووبدء التظاهرات في مصر في (25 يناير/ كانون الثاني 2011) ثم تنحي حسني مبارك عن منصبه في (١١ شباط / فبراير ٢٠١١ ) و النظام الليبي (17 فبراير/ شباط 2011) ، سعت بعض القوى العلمانية أو ما سموا أنفسهم بالتيار المدني إضافة إلى مجموعات إسلامية صغيرة ، حاولوا تقليد ما حدث في تلك الدول العربية وخاصة ما جرى في مصر، وخرجوا بتظاهرات كبيرة في بغداد. ويمكن ملاحظة ما يأتي:
1-دعوا المتظاهرين للخروج في ( 25 فبراير) مع أن العراقيين لا يستخدمون التسميات المصرية للأشهر ، إذ يستعملون شباط وليس فبراير. (١)
2- دعوا المتظاهرين للتجمع في (ميدان التحرير) وليس (ساحة التحرير) تقليداً لــ (ميدان التحرير) في القاهرة. مع أن جميع التظاهرات في بغداد ومنذ سقوط النظام في 9 نيسان 2003 كانت تجري في ساحة الفردوس باعتبارها المكان الرمزي لسقوط النظام الصدامي عندما قامت القوات الأمريكية بإسقاط تمثال صدام الذي كان هناك.
3- نسي دعاة التظاهرة أن الانتخابات البرلمانية قد جرت قبل ثمانية أشهر (30 نيسان 2010) . وقبل ثلاثة أشهر من التظاهرة تم تشكيل حكومة جديدة في 25 تشرين الثاني 2010 تضم كل الكتل السياسية والمكونات العراقية. وهذه لم تكن متوفرة في بلدان الربيع العربي كما في العراق من حرية مشاركة جميع الكيانات السياسية ، ولم يمنع تيار أو حركة من المشاركة والتعبير عن رأيه ودعوة الجمهور لانتخابه. إضافة إلى الشفافية في عملية الاقتراع.
4- خرجت تظاهرات مشابهة في الرمادي والموصل وتكريت وسامراء والحويجة والديوانية والكوت والناصرية والبصرة والنجف وكربلاء وفي السليمانية ومدن إقليم كردستان مثل بلدات كلار وجمجمال.
5- هتف الجمهور بهتافات غير لائقة ضد رئيس الوزراء . كما تم رشق بعض البرلمانيين الحاضرين بالزجاجات الفارغة، والذين حاولوا الانضمام للمتظاهرين لكن المتظاهرين أجبروهم على الانسحاب.
6- حاول المتظاهرون إزاحة الحواجز الخرسانية التي وضعت على جسر الجمهورية المؤدي إلى المنطقة الخضراء. عندها قامت قوات مكافحة الشغب (وزارة الداخلية) باستخدام خراطيم المياه  والقنابل الصوتية لإجبار المتظاهرين على عدم عبور الجسر.
7- في بعض المدن حدثت اشتباكات واصطدامات مع القوات الأمنية أدت إلى سقوط شهداء وإصابة جرحى.  
8- أعلنت الحكومة العراقية حظر التجول لأول مرة منذ عدة أعوام، وتم رفع الحظر صباح السبت التالي 26 شباط  2011 .
9- في يوم الأحد 27 شباط 2011 قام البرلمان العراقي بتشكيل لجنة للتحقيق في الأحداث العنيفة التي رافقت التظاهرات.
10-من تداعيات التظاهرات قيام اثنين من المحافظين التابعين لدولة القانون إلى تقديم استقالاتهم وهم محافظ البصرة د. شلتاغ عبود المياحي ومحافظ بابل السيد ناصر الزركاني.
رفع المتظاهرون شعارات تطالب بالقضاء على الفساد وإيجاد فرص عمل لأعداد كبيرة من العاطلين خاصة حملة الشهادات الجامعية، والقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، وإيقاف عمليات المداهمات والاعتقالات غير المبررة ، بالإضافة إلى وقف الإعدامات من دون محاكمات فعلية وإثباتات قاطعة بالأدلة والشهود .

بيان السيستاني حول التظاهرة
بعد يوم من تظاهرة (25 شباط 2011) أصدر مكتب السيستاني بياناً تضمن تقديراً للمتظاهرين ، وامتدح الحالة السلمية والحضارية للتظاهرة . وهذا بعيد عن الأحداث الدامية التي رافقت التظاهرات والمصادمات مع رجال الأمن.  جاء في بيان السيستاني :
 ((  بسم الله الرحمن الرحيم
إن المرجعية الدينية إذ تقدّر عالياً أداء المواطنين الأعزاء ممن شاركوا تحسباً لمخاطر استغلالها من قبل ذوي المآرب الخاصة، تدعو مجلس النواب والحكومة العراقية إلى اتخاذ خطوات جادة وملموسة في سبيل تحسين الخدمات ولاسيما الطاقة الكهربائية ومفردات البطاقة التموينية وتوفير فرص العمل للعاطلين ومكافحة الفساد المستشري في مختلف دوائر الدولة، وقبل هذا وذاك ، اتخاذ قرارات بإلغاء الامتيازات غير المقبولة التي منحت للأعضاء الحاليين والسابقين في مجلس النواب ومجالس المحافظات ولكبار المسؤولين في الحكومة من الوزراء وذوي الدرجات الخاصة وغيرهم، والامتناع عن استحداث مناصب حكومية غير ضرورية تكلف سنوياً مبالغ طائلة من أموال هذا الشعب المحروم وإلغاء ما يوجد منها حالياً.
إن المرجعية التي طالما أكدت على المسؤولين ضرورة العمل على تحقيق مطالب الشعب المشروعة ، تحذّر من مغبة الاستمرار على النهج الحالي في إدارة الدولة ومما يمكن أن ينجم عن عدم الإسراع في وضع حلول جذرية لمشاكل المواطنين التي صبروا عليها طويلاً. نسأل العلي القدير أن يأخذ بأيدي الجميع إلى ما فيه الخير والصلاح إنه سميع مجيب.
22/3/1432 ه  الموافق 26/2/2011 م
(ختم مكتب السيد السيستاني) ))

يلاحظ في بيان السيستاني ما يأتي:
1-الحرص على بقاء التظاهرات سلمية وحضارية بدون عنف أو تخريب للمال العام والخاص.
2- التحذير من الجماعة المندسة التي تستغل التظاهرات لأهدافها الخاصة.
3- دعوة مجلس النواب والحكومة العراقية إلى المبادرة إلى تحسين الخدمات.
4-الدعوة لتحسين الطاقة الكهربائية، ومفردات البطاقة التموينية (لم تكن من مطالب المتظاهرين، فالكهرباء تصبح أزمة في أشهر الصيف وليس في الأشهر الباردة مثل شباط)
5-الدعوة لتوفير فرص العمل ومكافحة الفساد.
6-إلغاء امتيازات أصحاب المناصب العالية وأعضاء مجلس النواب ومجالس المحافظات وتقليص رواتبهم التقاعدية.
7- إلغاء استحداث مناصب حكومية غير ضرورية. مع العلم أن المتظاهرين لم يطالبوا بذلك لكنه كان يعبّر عن موقف السيستاني تجاه استحداث ثلاثة مناصب لنواب رئيس الجمهورية . وكانت دعوة السيستاني متأخرة لأن الحكومة تشكلت قبل ثلاثة أشهر بالضبط (في 21 تشرين الثاني 2010)  وتم توزيع المناصب حسب الاستحقاق الانتخابي. (٢)
8- دعوة الدولة إلى التخلي عن حالة البطء الذي يرافق الإجراءات الحكومية، والإسراع بالاجراءات اللازمة.

السيستاني وتغيير رئيس الوزراء
في انتخابات 30 نيسان 2010 لمجلس النواب التي حصل فيها ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه نوري المالكي على ( 103 ) مقعد أي ما يشكل ثلث مجلس النواب البالغ 325 مقعداً، وهي الكتلة الأكبر في البرلمان في أول جلسة. وبعد أن تم ترشيحه رسمياً من قبل الائتلاف، صار قاب قوسين أو أدنى لتكليفه بتشكيل حكومته الثالثة. وأعلنت معظم الكتل السياسية أنها ترفض ولاية ثالثة للمالكي.
في اجتماع لقيادة حزب الدعوة الإسلامية في 23 حزيران 2014 حضره عشرة أعضاء من مجموع 11، بما فيهم نوري المالكي تمت مناقشة الموضوع وتم اتخاذ قرار بتوجيه رسالة إلى السيد السيستاني باسم القيادة. وتم تكليف بعض الأعضاء في القيادة بصياغة الرسالة . في 25 حزيران 2014 الموافق 26 شعبان 1435 ه قامت قيادة حزب الدعوة الإسلامية بإرسال رسالة طويلة إلى السيد السيستاني تضمنت فقرة جاء فيها :
(( نتطلع إلى توجيهاتكم وإرشاداتكم ونعاهدكم أننا رهن أمركم بكل صدق في كل المسائل المطروحة وفي كل المواقع والمناصب لإدراكنا بعمق نظرتكم ، ومنطلقين من فهمنا للمسؤولية الشرعية)) . وقد أضيفت عبارة (وفي كل المواقع والمناصب) إلى الرسالة دون علم المالكي.
في 10 تموز 2014 الموافق 11 رمضان 1435 هـ تم استلام جواب سماحة السيد السيستاني وبخط اليد وإمضاء سماحته جاء فيها :
((  بسم الله الرحمن الرحيم
 الأخوة في قيادة حزب الدعوة الإسلامية المحترمون    
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد: فإنه تعقيباً على ما ورد في رسالتكم المؤرخة في 26 شعبان 1435 هـ من طلب التوجيه فيما يخصّ (المواقع والمناصب) أودّ أن أبلّغكم بأنه بالنظر إلى الظروف الحرجة التي يمرّ بها العراق العزيز وضرورة التعاطي مع أزماته المستعصية برؤية مختلفة عما جرى العمل بها، فإنني أرى ضرورة الإسراع في اختيار رئيس جديد للوزراء يحظى بقبول وطني واسع ويتمكن من العمل سوية مع القيادات السياسية لبقية المكونات لإنقاذ البلد من مخاطر الإرهاب والحرب الطائفية والتقسيم. سدّد الله خطاكم ووفقكم لما يحبّ ويرضى.                                                          
  11  رمضان 1435 ه
(ختم وتوقيع علي الحسيني السيستاني )) (الرسالة مرفقة)

دستورية رسالة السيستاني
لم تجر مناقشة الرسالة ، بل جرى السكوت عن ذلك اعتقاداً بأن مناقشتها تعني قلة الاحترام للمرجع الأعلى. وهذا يعود إلى القدسية والاحترام العالي الذي يحظى به السيد السيستاني شعبياً وسياسياً. ولكن السؤال: هل انسجمت الرسالة مع الخط العام للمرجع ووصاياه؟ من جانب آخر إن القضية سياسية ، وليست مسألة فقهية حتى يناقشها الفقهاء والمراجع فقط.
إن السيد السيستاني ومن خلال خطبة جمعة كربلاء تميزت خلال فترة ما قبل الانتخابات البرلمانية عام 2014 بما يأتي:
أولاً: إن سماحته يؤكد دائماً على (اختيار الأصلح) من بين المرشحين في القوائم الانتخابية. وقد استجابت الجماهير العراقية لهذا التوجيه وذهبت وصوتت لمن تراه الأصلح لتولي السلطة . وكانت نتائج الانتخابات قد أفرزت فوز السيد نوري المالكي بـــ 721 ألف صوت في بغداد. وكان صاحب أعلى الأصوات للمرة الثانية منذ انتخابات عام 2010 .
إن حرمان الفائز الأول في الانتخابات من الحصول على أعلى منصب تنفيذي حسب النظام البرلماني يعد تراجعاً في الأداء الديمقراطي. كما أن منح المنصب لآخر لم يحقق سوى رقم متواضع ، يعد مخالفة لاختيار الأصلح الذي صوتت له الجماهير.
ثانياً: إن المرجعية طالما صرحت بأنها (على مسافة واحدة من الجميع) . وهذا موقف حيادي تجاه السياسيين الذين كان بعضهم يطرح نفسه وكتلته أنها لوحدها التي تمثل خط المرجعية. كما يأتي الشعار لإبعاد المرجعية واسمها عن الاستغلال السيء في الحملات الانتخابية.
إن إبعاد الأصلح صاحب أعلى الأصوات لا ينطبق مع المسافة الواحدة. إذ كان يجب أن ينال ما يناسب أصواته التي هي المعيار في التفاضل في النظام الديمقراطي.
ثالثاً: بموجب السياقات الدستورية فإن الكتلة الأكبر هي ائتلاف دولة القانون. وأكد هذا الأمر رئيس السن لأول جلسة لمجلس النواب العراقي الدكتور مهدي الحافظ في رسالة بعثها إلى الرئيس فؤاد معصوم. أما التحالف الوطني فقد تشكل ككتلة أكبر بعد انعقاد الجلسة الأولى وليس فيها.
من جانب آخر فقد كان المالكي مرشح الكتلة الأكبر وهو الأولى بالتكليف بموجب الدستور لكن جرى تكليف غيره خلافاً للدستور. والديمقراطية تقتضي التمسك بنتائج الانتخابات أولاً ، وبمواد الدستور ثانياً. إن رفض بعض الأطراف السياسية تولي هذا أو ذلك أمر طبيعي في الدول الديمقراطية ولا يعني السير وفق رغباتها. وقد حدث ذلك عام ٢٠٠٦ حيث اضطر المرشح إبراهيم الجعفري لسحب ترشيحه من رئاسة الحكومة بحجة أن الكرد والسنة يرفضون توليه رئاسة الوزراء. إن تشكيل الائتلافات الحكومية يأتي للحصول على الأغلبية النيابية لتولي السلطة ، وتبقى الكتل الخاسرة في مقاعد المعارضة في مجلس النواب.
وهنا يتبادر السؤال التالي: ما هي الخيارات التي كانت متاحة أمام المرجعية لمواجهة تأزم الأوضاع السياسية بسبب رفض بعض الكتل السياسية تولي المالكي لولاية ثالثة؟
ربما كانت توجد خيارات أخرى منها:
1- أن تتمسك المرجعية بالمسار الدستوري أي تكليف المالكي بتشكيل الحكومة. وإذا ما انقضت فترة الثلاثين يوماً ، ولم يتم تشكيل حكومته بسبب مقاطعة الكتل السياسية له. آنذاك يكون المالكي قد استنفد فرصته واستحقاقه الدستوري والانتخابي. بعد ذلك يقوم رئيس الجمهورية بتكليف شخص آخر بموجب الدستور.
2-أن تطلب المرجعية حضور المالكي إلى النجف الأشرف وملاقاته. وتجري مناقشة تغييره معه ودراسة النتائج أو كيفية التغيير. وكان لهذا الخيار أهمية في إقناع المالكي والوصول إلى حل مقنع لكل الأطراف.
3-أن تطلب المرجعية من قيادة حزب الدعوة أن يتم اختيار البديل بحضور المالكي وموافقته . وبذلك يتم إشراك المالكي في هذا القرار الهام إضافة إلى أن البديل سيحظى بدعم المالكي ، وهذا ما يجعله قوياً على مستوى الحكومة والبرلمان.      
ونُقل عن بعض العلماء ، أمثال المرحوم الشيخ محمد مهدي الآصفي ، الذين زاروا السيستاني وناقشوا هذه القضية مع سماحته فأجابهم بأنه لم يبادر إلى كتابة الرسالة بل ان قيادة حزب الدعوة هي التي أرسلت إليه رسالة تطلب رأيه بالموضوع. من جانب آخر أكد سماحته أن رسالته ليست فتوى ملزمة بل نصيحة قدمها لهم، والأمر متروك لهم.
بالطبع لم يكن هناك فرصة لمناقشة الموضوع لا مع سماحته ولا مع بقية الكتل السياسية التي فرحت كثيراً بانسحاب المالكي وترشيح غيره.

تكليف العبادي بتشكيل الحكومة
بعد وصول جواب السيد السيستاني اجتمعت القيادة في 14 تموز  2014 و تدارست رسالة السيستاني ثم اتخذت قرارها بالالتزام برأي السيستاني وضرورة اختيار مرشح آخر من حزب الدعوة. وكان يفترض بالقيادة عقد اجتماع بحضور المالكي لتدارس الموضوع، لكنها اتفقت من وراء ظهره على ترشيح آخر. ويبدو أن هناك اتفاقاً مسبقاً حتى قبل إرسال الرسالة إلى السيد السيستاني.
إن قيادة حزب الدعوة تدرك أن للمرجعية دورها المؤثر في كثير من الأحداث والقرارات والاختيارات. إذ كان لها دور هام في تشكيل الحكومتين السابقتين. فهي التي أوعزت للتحالف الوطني (الإئتلاف العراقي الموحد آنذاك) بالعودة إلى حزب الدعوة لاختيار بديل عن الجعفري عام 2006 بعد رفض الكرد والسنة له ، واضطراره لسحب ترشيحه رغم أنه كان مرشح الائتلاف الشيعي. كما أن المرجعية رفضت محاولات سحب الثقة من المالكي عدة مرات.

في 11 آب 2014 أصدر رئيس الجمهورية كتاب يكلف رسمياً الدكتور حيدر العبادي بتشكيل الحكومة بحضور رئيس مجلس النواب د. سليم الجبوري ، وممثلي قوى التحالف الوطني العراقي، على اعتبار أنه يمثل الكتلة الأكبر.  في 8 أيلول 2014 تم التصويت بالثقة من قبل مجلس النواب على حكومة العبادي.
الجدير بالذكر أنه تكرر وجود ثلاثة نواب لرئيس الجمهورية وهم نوري المالكي وإياد علاوي وأسامة النجيفي، لكن السيستاني لم يعترض عليهم ، بل رحب بتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة العبادي.
وهكذا سارت العملية السياسية باتجاه آخر غير ما كان مخطط لها، بتأثير مباشر من السيد السيستاني.
 
الحشد الشعبي
شهد ربيع 2014 انحداراً في ضبط الأمن والنظام حتى وصل التهديد الجدي إلى أطراف بغداد. وكانت القوات الأمنية كالجيش والشرطة قد واجهت اتهامات بالطائفية والتشكيك بوطنيتها. الأمر الذي أدى إلى انخفاض معنوياته وقدراتها في الاستمرار في القضاء على الجيوب الإرهابية التابعة لداعش.
هذه التطورات جعلت رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي إلى البحث عن بدائل قادرة على مواصل الدفاع عن البلاد وبمعنويات عالية وذات عقيدة تواجه عقائدية داعش. فبادر للاستعانة بمتطوعين مدربين على القتال بلغ عددهم قرابة 1500 مقاتل، وأرسل في 16 آذار 2014 أول وجبة تبلغ (400) مقاتل إلى بعض مناطق أطراف بغداد، ثم توالت الوجبات.

في 11 حزيران 2014 أصدر مجلس الوزراء قراراً برقم (301) تضمن تخويل رئيس الوزراء صلاحية صرف الأموال لتغطية عمليات مواجهة الإرهاب ومنها ((تنظيم صفوف المتطوعين وصرف رواتبهم وتجهيزاتهم)). وهذا يؤكد أن المقصود بالقرار المذكور هو جمهور المقاتلين المتطوعين ، وهم صنف جديد في القوات الأمنية، لم تعرفه الحكومة العراقية منذ عام 2003. كان ذلك القرار قبل صدور الفتوى، وبعد صدورها واندفاع مئات الآلاف من المتطوعين بدت هناك حاجة لإيجاد تشكيلات إدارية وقانونية تنظم شؤون المقاتلين المتطوعين، فجاء الأمر الديواني رقم 47 الصادر في 18 حزيران  2014 وبتوقيع السيد المالكي باستحداث (هيئة الحشد الشعبي) تتولى عمليات الإدارة والتدريب والتجهيز والتسليح والتوزيع على قواطع العمليات. كما تم تعيين رئيس للهيئة (فالح الفياض) ومعاون له (أبو مهدي المهندس) للإشراف عليها. جاء ذلك بعد خمسة أيام من صدور الفتوى ، وأطلق على القوة الجديدة اسم (هيئة الحشد الشعبي).
لم يقتصر التطوع في الحشد الشعبي على المكون الشيعي بل انضم إليه أبناء العشائر السنية ، إضافة إلى التركمان والمسيحيين والإيزديين. فأصبح الحشد قوة عراقية وطنية ، وحّدت الشعب العراقي، وقضت على الطائفية إلا في أذهان بعض السياسيين ولأهداف وأجندات سياسية.
لقد منح الحشد الشعبي روحاً في الجسد العراقي من أقصاه إلى أقصاه. وحقق انتصارات كبيرة عندما أوقف تمدد داعش ، وحرر عشرات المدن في محافظات ديالى وصلاح الدين ، ومناطق أخرى في بغداد والأنبار. كما أمسكت فصائل المقاومة الإسلامية زمام المبادرة في التخطيط وتنفيذ الهجمات والمعارك ضد داعش. وتم قتل وأسر الآلاف من عناصر داعش.

الهوامش
١- كان الدكتور صلاح عبد الرزاق محافظ بغداد آنذاك. وقد منح  إجازة التظاهرة مع ضرورة المحافظة على النظام العام . ولم يتدخل في الشعارات واللافتات المرفوعة.
٢- اثر بيان السيستاني أعلن نائب رئيس الجمهورية السيد عادل عبد المهدي استقالته من منصبه استجابة لتوجيهات المرجعية.  
٣- العبادي عن 38 نائباً في كتلة الدعوة (من الدعاة فقط) ، وضياء الأسدي عن 34 نائباً عن الأحرار، وباقر جبر عن 31 نائباً عن المواطن ، وحسين الشهرستاني عن 12 نائباً من مستقلون، وإبراهيم الجعفري عن 6 نواب عن الإصلاح ، وعمار طعمة عن 6 نواب من الفضيلة. فيكون المجموع 127 نائباً . وهم بذلك يشكلون الأغلبية من نواب التحالف الوطني البالغ 180 نائباً.

أخر الأخبار