العراق والإسلام السياسي (٢٩) .. محاولات اغتيال صدام وانتفاضة آذار
"Today News": بغداد
٤ أيلول ٢٠٢٤
الفصائل الشيعية المسلحة قبل ٢٠٠٣
يعود وجود الفصائل الشيعية المسلحة إلى أكثر من عشرين عاماً قبل سقوط النظام عام 2003.
ففي تصاعد حملات النظام ضد معارضيه وخاصة الإسلاميين منهم ، اضطروا لحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم ووجودهم. كما أن السيد محمد باقر الصدر قد أصدر فتوى بمقارعة النظام وإعلان الثورة في النصف الثاني من عام 1979 . (١) وكان حزب الدعوة الاسلامية قد تعرض إلى تصفيات كبيرة شملت قياداته وكوادره العليا في الأعوام 1971 و 1974 و 1979 و1980.
وكانت الأهوار تشكل ملجئاً طبيعياً منيعاً يهرب إليها الهاربون من عناصر الأمن التي تلاحقهم بسبب انتمائهم لحزب الدعوة الإسلامية الذي أصدر صدام قراراً في 31 آذار 1980 يتضمن إعدام المنتمين لحزب الدعوة والمؤيدين والمروجين لأفكاره. وجاء إعدام مؤسس حزب الدعوة السيد محمد باقر الصدر في 9 نيسان 1980 تتويجاً للحملة الشرسة التي شنها حزب البعث ضد الإسلاميين الشيعة.
بدأت المقاومة المسلحة في المدن والقرى والأرياف ، لكن بمرور الوقت أحكمت أجهزة النظام الأمنية سيطرتها على المدن والقرى، فاضطر المجاهدون والمعارضون للجوء إلى الأهوار، تلك المحميات الطبيعية الغنية بالمياه والقصب الذي يوفر مخابئ طبيعية لهم.
في منتصف الثمانينيات من القرن العشرين تشكلت مجموعات مسلحة تسكن الأهوار، وتقوم بعمليات عسكرية ضد أزلام ومراكز الأمن أو سياراتهم أو أماكن تجمعاتهم في المدن القريبة. وكانت هذه الجماعات تنمو بسبب ازدياد عدد المطاردين والملاحقين من قبل سلطات البعث. وكانت بعض العشائر المقيمة في الأهوار أو على أطرافها تتعاطف معهم وتزودهم بالمعلومات الأمنية وبالأغذية والملابس والسلاح والعتاد. إضافة ما يشترونه من الأسواق القريبة عبر أشخاص آخرين.
وكانوا يعتمدون على الموارد الطبيعية في توفير طعامهم ووسائل احتياجاتهم. وكانت الظروف قاسية جداً وخاصة في فصل الصيف حيث يكثر البعوض. كما كانوا بين حين وآخر يتعرضون لهجمات من قوات الجيش أو الشرطة الحكومية. وقد يسقط منهم شهداء أو جرحى، فيضطرون لدفنهم هناك أو نقلهم إلى مكان آخر. وفي وقت من الأوقات أصبحت الأهوار محطات لتنقل الثوار بين العراق وإيران وبالعكس. وتطورت إلى الحصول على معدات وأسلحة وعتاد وملابس وأغطية ووسائل اتصالات وزوارق وآليات وغيرها تمكنهم من العيش والتنقل ومواجهة أية قوة عسكرية قادمة لقتالهم. وكانت أغلب هذه التجهيزات تأتي من إيران التي دخلت في حرب ضروس مع نظام صدام في الأعوام ١٩٨٠- ١٩٨٨. كما تصلها مؤن وأسلحة وأعتدة غيرها مما تغنمه من العمليات الهجومية التي تقوم بها داخل العراق.
كما احتضنت جبال كردستان جماعات مسلحة تعود لحزب الدعوة الإسلامية التي كانت تقاتل النظام. ووجدت في قرى وجبال كردستان ملجأ آمناً للعمل والتحرك ، وسط إعجاب السكان الأكراد وترحيبهم لأنهم يشعرون بالتعاطف مع الشيعة لأنهم مظلومون مثلهم من قبل حزب البعث وسلطة صدام.
لعل أهم الحركات الشيعية المسلحة آنذاك هي:
أولاً: قوات الشهيد الصدر
في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات (1979-1983) اضطر المنتمون للأحزاب الإسلامية مثل حزب الدعوة الإسلامية الذين هاجروا إلى إيران وسوريا إلى الانخراط في العمل العسكري استعداداً لمواجهة نظام صدام. ففي بداية عام 1980 تم تأسيس (معسكر الشهيد الصدر) قرب مدينة أهواز. وكان أهم وأكبر وجود عسكري إسلامي عراقي ، حيث تمكن المعسكر من تدريب (7000) سبعة آلاف مقاتل عراقي مدرَّب على أنواع فنون القتال. في حين كان يضم المعسكر قرابة ألف مقاتل بشكل دائم. كما افتتحت معسكرات أخرى في مناطق دهلران وإيلام وباختران (غرب إيران)، وكلها قريبة من الحدود العراقية- الإيرانية. وكانت هناك مقرات ومعسكرات في مناطق (ديانا) و (حياة) و(خرينا) في كردستان العراق. وقد شاركت قوات الشهيد الصدر في معارك الحرب العراقية- الإيرانية وقدموا مئات الشهداء .
في عام 1983 اضطرت قوات الشهيد الصدر إلى مغادرة (معسكر الشهيد الصدر) في الأهواز بعد أن استلمه المجلس الأعلى بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني.
منذ ذلك الوقت انتقل العمل العسكري لحزب الدعوة إلى داخل العراق والذي كان يديره (المكتب الجهادي). وإضافة إلى الإشراف على المعسكرات داخل الأهوار وكردستان في العراق، كان المكتب يتواصل مع المجاميع الجهادية التي تكلف بالقيام بعمليات استهداف رأس النظام.
بعد سقوط النظام عام 2003 لم تعد قوات الشهيد الصدر موجودة على الأرض، واندمجت في الحياة السياسية أو المؤسسة الأمنية والعسكرية.
ثانياً: لواء 9 بدر
بعد تأسيس المجلس الأعلى في تشرين الأول 1982 ، بدأ العمل على تأسيس جهد عسكري. وبدعم من الحرس الثوري الإيراني تم تشكيل (فوج الشهيد الصدر) الذي تحول اسمه إلى (لواء 9 بدر) الخاص بالمجاهدين العراقيين، ثم ما لبث أن توسع وتحول إلى فرقة نظامية كاملة (فيلق بدر) ، تضم لواءً من الأسرى العراقيين المعروفين بالتوابين.
أصبح لهذه الفرقة وجود مستقل وتسليح جيد ومنها الدبابات والآليات والمدافع. وصار له حضور فاعل في جبهات الجنوب والشمال، وخاصة في مناطق الأهوار وشرق البصرة وحاج عمران وباختران وغيرها. (٢) وكان لفرقة بدر دور في معارك الحرب العراقية- الإيرانية ، وقدموا مئات الشهداء.
النظام يصفي التنظيم العسكري المعارض
اهتمت الحركة الإسلامية في العراق بتنظيم العسكريين في الجيش العراقي. ربما كانت تفكر بانقلاب عسكري واستلام السلطة على طريقة الأحزاب القومية مثل حزب البعث الذي جاء بانقلاب عسكري في 17 تموز 1968.
لقد تعرض الكثير من العسكريين للتصفيات والإعدامات لمجرد الشك في ولائهم أو تصرف مشكوك فيه. بدأت أولى موجات التصفية في صفوف جماعة الإخوان المسلمين. ففي عام 1970 تم إعدام العميد محمد فرج الشيخلي مسؤول تنظيم الاخوان المسلمين في القوات المسلحة، مع الرائد الركن عبد الستار العبودي وآخرين بتهمة التحضير لانقلاب عسكري.
وبعد انتصار الثورة في إيران التفت النظام إلى تصفية الضباط الشيعة ممن أظهروا تعاطفاً مع الثورة أو كان متديناً مواظباً على الصلاة، ولم ينتم لحزب البعث. ففي الفترة من آذار إلى أيار 1979 ، أي الشهرين اللذين أعقبا انتصار ثورة إيران في 11 شباط 1979 ، تم إعدام اثني عشر ضابطاً كبيراً في القوة الجوية لعلاقتهم بالحركة الإسلامية. وفي حزيران 1979 أعدم النظام (26) عسكرياً إسلامياً دفعة واحدة . وفي 7 كانون الأول 1979 تم إعدام (200) ضابطاً ومنتسباً من الإسلاميين في يوم واحد.
في 17 كانون الثاني 1980 اعتقلت السلطات مجموعة من الضباط والمهندسين والإداريين في قاعدة كركوك الجوية، وكانوا ينتمون للخط العسكري لحزب الدعوة الإسلامية. . وجرى إعدام قسم منهم بعد تعرضهم للتعذيب للحصول على اعترافات عن المتبقين. وفي الأول من شباط 1980 أعدم ثلاثة من ضباط حزب الدعوة وهم الرائد حميد حسن بندر الأسدي الذي كسب ثقة صدام فعينه آمر كتيبة الصواريخ المضادة للدروع في معسكر التاجي المكلف بحماية بغداد. (٣) كما أعدم معه النقيب سعيد مشحل المالكي آمر سرية في لواء المشاة 97 والملازم أول إبراهيم.
في أوائل عام 1980 أعدمت السلطات النقيب المهندس غالب ابراهيم الزبيدي، عضو قيادة الاحتياط، ومسؤول أهم الخطوط العسكرية لحزب الدعوة في الجيش العراقي، مع عدد كبير من أعضاء الخط، من بينهم النقيب الطيار عاصم حسين وستة ضباط آخرين و (80) عسكرياً. وذلك في أعقاب المحاولة الفاشلة لاغتيال صدام. وبإعدام هؤلاء فقد الحزب معظم خلاياه التنظيمية في هذه القاعدة الجوية مرة واحدة.
وفي شباط 1982 تمرد عدد من القادة العسكريين على النظام ، وأعلنوا ولاءهم للحركة الإسلامية. فتعرض كثير منهم للإعدام بهذه التهمة، بعد فشل تحركهم المضاد للنظام.
في نيسان 1982 أعدم عدد من العسكريين المشاركين في محاولة انقلابية فاشلة كان حزب الدعوة وراءها، والتي عرفت بمحاولة (جيزان الجول) شمال شرق بغداد. وكان عددهم (78) من الضباط والمراتب، بينهم الرائد رعد حكمت الزهيري مع والده، والعقيد محمد علي أحمد العبود، والنقيب محمد حسين النعمة. في 6 آب 1983 تم إعدام (50) ضابطاً بأمر مباشر من صدام، بتهمة ممارسة النشاط الإسلامي.
بعد دخول القوات الإيرانية إلى مدينة الفاو في 10 شباط 1985 قام النظام البعثي بإعدام عدد من أنصار الحركة الإسلامية من ضباط الفيلق السابع ضمن وجبة كبيرة ضمت (50) ضابطاً بتهمة الخيانة العظمى. (٤)
محاولات حزب الدعوة لاغتيال صدام
كان الإسلاميون يرون في التنظيم العسكري والكفاح المسلح سبيلاً يقصِّر الطريق لوضع نهاية لصراعهم مع النظام البعثي، وهو إما من خلال الانقلاب العسكري أو تصفية رأس النظام لأنه رأس الهرم الذي يهيمن على كل الدولة والمؤسسات العسكرية والأمنية والحزبية.
خلال الفترة 1979- 1986 قامت الخطوط الجهادية بأكثر من سبع عشرة محاولة اغتيال لقلب النظام واغتيال صدام، أي بمعدل محاولتين في السنة. لكنها للأسف فشلت بسبب التوقيت أو تبديل المواقع للهدف أو إجراءات غير محسوبة أفشلت العملية. وكانت الأجهزة الأمنية للنظام تعلم بأن حزب الدعوة يسعى لاغتيال صدام. ففي برقية لمديرية الاستخبارات العسكرية بتاريخ 1 تشرين الثاني 1981 جاء فيه أن حزب الدعوة يسعى لاستهداف صدام أثناء زيارته للأماكن الدينية في بغداد وكربلاء والنجف بمناسبة مراسم عاشوراء. (٥)
ولعل محاولات اغتيال صدام هي:
1-محاولة د. غازي الحريري الذي كان يعمل في مستشفى الكرامة ببغداد. وقام بعملية استهدفت صداماً في 1 تشرين الأول 1979 أثناء زيارته للمستشفى. إذ اكتشفت المحاولة وتم اعتقال الحريري وباقي المجموعة المؤلفة من جواد الزبيدي ود. رياض زيني. ووماتوا تحت التعذيب الوحشي واستشهد الحريري بعد قطع جسده أربعة أجزاء.
2- محاولة بغداد، بعد اغتيال عبد اللطيف طلفاح شقيق خير الله طلفاح وخال صدام، أقيم مجلس الفاتحة في بغداد في 29 كانون الأول 1979 ، وحضره صدام بنفسه. وخلال ذلك قامت مجموعة من أعضاء حزب الدعوة بالهجوم بالأسلحة الخفيفة، مما أدى إلى مقتل ثلاثة من مرافقيه ونجا هو.
3- محاولة القوة الجوية احتفال عيد الجيش في 6 كانون الثاني 1980 حيث تضمنت الخطة قيام النقيب الطيار عاصم حسين بقصف منصة الرئيس ، وحدوث فراغ في القيادة. توجه الطيار إلى طائرته لكنه وجدها فارغة من الصواريخ والعتاد ، فقرر تنفيذ الخطة (ب) وهي أن يتوجه بطائرته نحو المنصة في عملية انتحارية. وفي اللحظات الأخيرة ألغي الاستعراض، ثم ألقي القبض على معظم خط الدعوة في القاعدة الجوية ، وأعدموا.
4-محاولة الراشدية (شمال بغداد) عندما قامت مجموعة جهادية تابعة لحزب الدعوة الإسلامية في 11 تموز 1980 بإعداد كمين لموكب سيارات صدام أثناء مروره في المنطقة. حدث اشتباك مع الحرس الخاص لصدام ، مما مكّن صداماً من الانسحاب مع مرافقيه، وبقيت المواجهة عدة ساعات.
5-محاولة اللجان المختصة، وهي ستة لجان تنفيذية ، موزعة جغرافياً لتغطي أغلب مناطق بغداد، وترتبط بلجنة عليا من قادة الخط الجهادي لحزب الدعوة. وكانت مهمتها تنحصر في تصفية رئيس النظام وكبار المسؤولين عندما يكونون موجودين في المنطقة الخاصة بعمل اللجنة. وقد حددت اللجان الفترة من 13 إلى 17 تموز 1980 لتنفيذ عملياتها. وقد اعترف برزان التكريتي رئيس المخابرات السابق، في كتابه (محاولات اغتيال الرئيس صدام حسين / ص ١٢٦ وما بعدها) بقيامه بخطة تدمير هذه اللجان أو تحجيمها. وخلال شهر تموز 1980 تم اعتقال الكثير من أعضائها بشكل عشوائي، مما أدى إلى توقف عملها نهائياً. ونشر تشكيلاتها ومناطق وعملها وأسماء أعضائها ومداهمة أوكارها واعتقالهم (محاولات اغتيال / ص ١٣٢-١٣٣).
6-محاولة زاخو، التي نفذتها إحدى مجاميع حزب الدعوة في زاخو ، شمال العراق، بتاريخ 28 آذار 1981 . إذ هاجمت المجموعة ، وهم من العسكريين يقودهم نائب ضابط، صداماً فقتلوا اثنين من مرافقيه، وأصابوا صداماً بجرح فسارع للهرب. اشتبك الحرس الخاص مع المجموعة واستشهدوا جميعاً.
7-محاولة النجف الأشرف الأولى، جرت أثناء اجتماع عقده صدام مع المسؤولين المحليين في النجف في تموز 1981 . إذ قامت مجموعة من المجاهدين بقطع التيار الكهربائي عن قاعة الاجتماع، فيما قامت مجموعة أخرى بتفجير عدد من القنابل اليدوية خارج القاعة، بهدف اقتحامها وتصفية رئيس النظام. جرى اشتباك بين المجاهدين وعناصر السلطة في جو معتم تمكن فيه صدام من النجاة. بعدها هدد صدام النجف بقصفها بالطائرات.
8-محاولة جيزان الجول ، وهي أكبر وأهم محاولة إنقلابية ، حيث تم التخطيط والتحضير لها جيداً، من قبل مجموعة من الضباط في محافظة ديالى كالنقيب محمد حسين النعمة (صاحب المبادرة) والعقيد محمد علي أحمد العبود والنقيب باقر العبود والرائد الطيار رعد حكمت الزهيري، بالمشاركة مع قيادة الخط الجهادي لحزب الدعوة الإسلامية. وكان السيد مهدي عبد مهدي (أبو زينب الخالصي) يمثل قيادة حزب الدعوة في غرفة العمليات.
تضمنت الخطة مشاركة معظم خطوطه العسكرية في القوى الجوية والبرية العراقية، إضافة إلى خط التوابين والمجاهدين المدنيين. وقد بلغ عدد القوات حوالي (15) ألف مقاتل مدني وعسكري، وثلاث طائرات مقاتلة تنطلق من قاعدة تكريت.
تقرر تنفيذ الخطة بالتزامن مع موعد انعقاد اجتماع القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية رئاسة صدام في شهر آب 1981 في بغداد . وتبدأ الخطة بالزحف على بغداد انطلاقاً من منطقة جيزان الجول (70 كم عن العاصمة) في ديالى، ثم اعتقال أركان النظام، والسيطرة على مقاليد الأمور.
وصلت قيادة النظام إنذارات تحذيرية بوجود تجمع عسكري لحزب الدعوة في منطقة جيزان الجول. قامت السلطة بتطويق منطقتي جيزان الجول والسندية بقوات كبيرة من الدروع والمشاة قوامها عشرون ألف جندي، إضافة إلى اثني عشرة طائرة عمودية وثلاث طائرات مقاتلة. بدأ هجوم السلطة يوم 13 آب 1981 بقصف مناطق الدغارة والحويجة والجزرة، لكن دون جدوى حيث لم تعثر على أحد.
بعد ذلك جرت معركة عنيفة وطاحنة بين قوات السلطة والمجاهدين، قتل فيها أكثر من (500) من عناصر السلطة وعدد كبير من المجاهدين. كما بلغت خسائر أهالي المنطقة ما يقرب (5000) بين شهيد وجريح، عندما تم قصف مساكنهم بصواريخ السلطة وهدمتها على ساكنيها. وقامت بتجريف الأراضي وإحراق البساتين وتسويتها بالأرض. وبعد انتهاء المعركة قامت السلطة باعتقال ما تبقى من عائلات المجاهدين في المنطقة ومدن عراقية أخرى. وكان قائد الجيش الشعبي طه ياسين رمضان ووزير الداخلية سعدون شاكر.
9-محاولة الدجيل، حيث قامت أربع مجاميع جهادية لحزب الدعوة بالاستقرار في بساتين مدينة الدجيل (55 كم عن العاصمة، يبلغ عدد نفوسها عشرة آلاف نسمة) انتظاراً لتنفيذ محاولة لاغتيال صدام. في 7 تموز 1982 وصل خبر زيارة صدام للدجيل، قبل نصف ساعة من وصوله. في الساعة الثانية والنصف ظهراً وصل موكب رأس النظام إلى ضواحي المدينة. وكان المجاهدون قد نصبوا له كميناً ضمن خطة سريعة ومرتجلة لعدم تفويت الفرصة. عندما وصل الموكب انهال الرصاص على سيارة صدام الخاصة لكنها لم تنل منه لأن السيارة كانت مصفحة وضد الرصاص. وقد قتل مصوره الخاص ومرافقه ، ثم واصلت سيارته سيرها بأقصى سرعتها، فدهست طفلاً وامرأتين من العابرين. ثم لحقته سيارة للمجاهدين مصوبة رصاصها نحوه. حصل اشتباك بين المجاهدين وحرس صدام استطاع خلاله صدام مغادرة سيارته مرعوباً واللجوء إلى مستوصف قريب من المنطقة. بعد ذلك وصلت قوة أخرى من المجاهدين وكذلك قوات الطوارئ الخاصة بحماية صدام وقدّر عددها بألف عنصر ، إضافة إلى ثمان طائرات عمودية. استمر القتال حتى المساء. وفي اليوم التالي وصلت تعزيزات من قوات النظام قوامها اثني عشر ألف جندي، إضافة إلى (12) طائرة عمودية، وسرية من الدروع والمدافع المتوسطة.
وقامت فرقة آلية من الجيش باكتساح مدينة الدجيل وبساتينها وأحراشها الكثيفة بحثاً عن المجاهدين الذين انسحب معظمهم ، فيما سقط آخرون بين شهيد وجريح. وتمكن التنظيم العسكري لحزب الدعوة من سحب جميع المجاهدين المشاركين في العملية من المنطقة، ونقلهم إلى مخابئ آمنة في بغداد، ثم تهريبهم خارج العراق.
اثر ذلك اعتقلت السلطات مئات العوائل ، وقتل 143 شخصاً من بينهم أطفال بعمر 13 عاماً. وقصفت المدينة بالمدافع والطائرات أربعة أيام متتالية، لم تبق فيه مبنى سالماً. كما أحرق ألف كيلو متر مربع من البساتين المثمرة والأراضي الزراعية وحولتها إلى أرض جرداء باستخدام عشرات البلدوزرات بقيت تعمل عدة أشهر متواصلة بعد الحادث.
الجدير بالذكر أنه تم الحكم بالإعدام عام 2006 بتهمة الابادة الجماعية لأهالي بلدة الدجيل. وكانت محكمة صدام قد بدأت في 19 تشرين الأول 2005 من قبل المحكمة الجنائية المختصة في العراق. وتم توجيه تهمة قتل (148) شخصاً من أهالي الدجيل في 8 تموز 1982 . كما تم توجيه نفس التهمة لكل من:
1-برزان ابراهيم التكريتي ، شقيق صدام ورئيس المخابرات العراقية آنذاك.
2-طه ياسين رمضان ، قائد الجيش الشعبي آنذاك
3-عواد حمد البندر رئيس محكمة الثورة التي أصدرت أحكاماً صورية ضد المتهمين من أهالي الدجيل.
4-عبد الله كاظم رويد المشايخي ومزهر عبد الله رويد المشايخي وعلي الدائي ومحمد عزام ، وهم مسؤولون في حزب البعث في منطقة الدجيل ولهم دور في قتل المواطنين الأبرياء.
في 5 تشرين الثاني 2005 أصدرت المحكمة الجنائية العراقية العليا قرارها بالإعدام شنقاً حتى الموت على صدام . أما بقية المتهمين المذكورين آنفاً فتم الحكم عليهم بالسجن .
في 30 كانون الأول 2006 تم تنفيذ الحكم بصدام .
10-محاولة النجف الأشرف الثانية ، التي حدثت في بداية عام 1984 عندما زار صدام النجف الأشرف، بهدف تأكيد ولاء المدينة له وأخذ البيعة. تهيأت إحدى المجاميع العائدة لحزب الدعوة الإسلامية للانقضاض عليه وقتله أثناء مرور مظاهرة البيعة أمام المنصة التي يقف فيها. وحين فشلت المحاولة تكررت مرة أخرى أثناء صعود صدام لطائرته في مطار النجف، إلا أنها لم تنفذ أيضاً.
11-محاولة الموصل الأولى، زهي محاولة خططت لها مجموعة من الإسلاميين السنة يقودهم المقدم الركن ميسر أحمد مصطفى، قررت تنفيذها في أعقاب إعدام الشيخ ناظم العاصي عام 1984 . والمجموعة كانت مرتبطة بالشيخ العاصي، وتهدف إلى الإطاحة بنظام البعث وإقامة حكم إسلامي في العراق. تم اكتشاف المجموعة قبل تنفيذ المحاولة بفترة قصيرة، وتم اعتقال مئات الضباط والعسكريين الإسلاميين معظمهم من أبنا مدن الموصل وكركوك والحويجة وأعدم الكثير منهم.
12-محاولة تفجير وزارة الدفاع، في 6 نيسان 1985 حاولت مجموعة تابعة لمنظمة العمل الإسلامي (السيد محمد الشيرازي) اقتحام وزارة الدفاع في بغداد بشاحنة محملة بــ (200) كغم من المتفجرات يقودها انتحاري، أثناء اجتماع القيادة العسكرية العليا للنظام برئاسة صدام، وحضور وزير الدفاع عدنان خير الله طلفاح ، ونائب رئيس الوزراء وقائد الجيش الشعبي طه ياسين رمضان، وأركان القيادة العسكرية. إلا أن انفجار الشاحنة قبل وصولها المبنى ، اثر اصطدامها بحرس الوزارة، حال دون تحقيق الهدف. ألغي الاجتماع فوراً، وانسحب صدام من الباب الخلفي للوزارة بطائرته العمودية ومع أركان نظامه.
13-محاولة الخالص الأولى، علمت إحدى المجاميع الجهادية أن طائرة عمودية تحمل صداماً ستحط في إحدى ضواحي مدينة الخالص بمحافظة ديالى خلال الأيام الأولى من شهر تشرين الأول 1985 . وحين حطت الطائرة في المكان والزمان المقررين، انقض عليها المجاهدون، وعددهم ثمانية يقودهم ضابط برتبة نقيب، بالأسلحة والقنابل اليدوية، وحولوا الطائرة ومن فيها إلى حطام، معتقدين أن قتلوا صداماً. ولكن ظهر فيما بعد أن صداماً كان يستقل طائرة أخرى غير طائرته الخاصة التي دمرت.
14-محاولة الخالص الثانية، نفذتها مجموعة مسلحة تتألف من 12 مجاهداً في نهاية عام 1986 ، أثناء زيارة صدام . إذ قامت إحدى النساء المجاهدات بإيقاف الموكب بحجة ذبح شاة فرحاً بقدومه ، ثم قامت بصبغ يدها بدم الشاة ثم طبعتها على سيارته. وهي إشارة إلى المجاهدين بتحديد سيارة الرئيس، وكانوا بانتظاره في مكان آخر. لكن صداماً ركب سيارة أخرى كعادته في الاحترازات الأمنية. هاجم المجاهدون السيارة المقصودة ، وحدث اشتباك مع مرافقي وحرس صدام، قتل في المعركة بعض المجاهدين وأعتقل الباقون.
15-محاولة الموصل الثانية، ففي 9 نيسان 1987 قامت مجموعة من التنظيم العسكري لحزب الدعوة بالهجوم على موكب صدام عند مدخل مدينة الموصل، مما أدى إلى تدمير عدد من السيارات والدراجات البخارية، ومقتل ستة عشر مرافقاً وستة من المجاهدين. (٦)
وعدا تلك المحاولات نفذت مجاميع حزب الدعوة المئات من العمليات الجهادية ضد أزلام النظام ومراكزه الحزبية والعسكرية والأمنية، لا يتسع المجال لذكرها.
انتفاضة شعبان/ آذار 1991
كانت المجاميع الجهادية لحزب الدعوة الإسلامية وأخرى منتمية لجهات أخرى متواجدة في أهوار الجنوب، تتحرك بين القرى والأرياف لتنفيذ مهامها وعملياتها. وبعد غزوه للكويت في 2 آب 1990 انشغل نظام صدام بالحرب وتداعياتها وهزائم الجيش بعد أن بدأت قوات الحلفاء الحرب هجومها في 17 كانون الثاني 1991 على المراكز الحيوية والأمنية في المدن العراقية . وفي 24 شباط 1991 بدأ الهجوم البري على القوات العراقية وإخراجها من الكويت، وانتهت بهزيمة صدام ونظام واضطراره للانسحاب من الكويت ووقف إطلاق النار في 28 شباط 1991 .
استغل الثوار هذه الظروف والانكسار المعنوي الذي أصاب قوات صدام، فتحركت مجموعة تنتمي لحزب الدعوة من منطقة الفهود والطار الواقعة في قلب الأهوار في الرابع عشر من شعبان، وسرعان ما انتقلت شرارة الانتفاضة إلى البصرة والشطرة والناصرية والعمارة حيث هاجموا مقرات حزب البعث ودوائر الأمن ، واستولوا على السلاح والذخيرة. وثارت مدن النجف وكربلاء والفرات الأوسط حتى سقطت تسع محافظات بكل مدنها بيد الثوار. كما تشجع الأكراد وهاجموا مقران الحكومة والأمن والجيش في أربيل والسليمانية واحتلوها منذ ذلك الوقت ولم تعد للنظام حتى سقوطه عام 2003 .
وقد تعاطفت المرجعية الدينية بزعامة المرجع الأعلى السيد أبو القاسم الخوئي مع الثوار. وقام بتعيين لجنة ضمت ثمانية علماء لإدارة الأمور في ظل غياب الحكومة، ولمنع تدهور الوضع الأمني.
كان رد فعل النظام عنيفاً ودموياً حيث أرسل قوات الحرس الجمهوري ، إضافة إلى الطائرات المروحية والأسلحة الثقيلة لقمع المنتفضين. كما استخدم القذائف لضرب بعض المدن وتهديم منازلها وأحيائها وأسواقها ومساجدها، وقتل الآلاف من سكانها، ونزوح الباقين خارجها. سببت الحرب على المواطنين إلى نزوح أعداد غفيرة من الأكراد إلى تركيا، والشيعة إلى السعودية (مخيم رفحا).
وتعرضت المراقد المقدسة في كربلاء إلى القصف بالصواريخ والقذائف مما أدى إلى تهديم أجزاء كبيرة منها، إضافة إلى الأبنية القريبة منها كالفنادق والأسواق والمحلات التجارية. وكان بعض الأهالي قد لجئوا إلى ضريح الإمام الحسين (ع) وأخيه العباس هرباً من قذائف النظام، لكن حتى هذه الأماكن المقدسة لم تنجو من إجرام النظام. وتعرضت الأحياء السكنية والمساجد والحسينيات والمدارس العلمية والمكتبات إلى أضرار كبيرة. وحوصرت المدينة ، وتم تجريف البساتين المحيطة بها. وطلب من أهلها التوجه باتجاه بحيرة الرزازة للنجاة بأنفسهم. وما أن خرج الناس في صفوف طويلة في العراء حتى جاءت طائرات الهليكوبتر تحصدهم وتقلهم بشكل فظيع.
بعد فشل الانتفاضة قام النظام بأعمال انتقامية فظيعة ، على رأسها دفن المواطنين الشيعة الأبرياء أحياء في مقابر جماعية. وتم دفن حتى النساء والأطفال والرضع والشيوخ والمعوقين. كما تم إعدام عشرات الآلاف بالرصاص في مواقع ميدانية، إضافة اعتقال آخرين وتعريضهم لصنوف التعذيب والإهانات في ظروف سيئة. بعد سقوط النظام تم الكشف عن أكثر من مائة مقبرة جماعية في أنحاء متفرقة من محافظات الجنوب. ويقدر عدد الذين دفنوا في المقابر الجماعية بحدود ربع مليون شهيد دفنوا أحياءً.
من جانب آخر قام النظام بحملة واسعة لتجفيف الأهوار وجعلها أراض قاحلة، وقتل الحياة فيها من أسماك وطيور وحيوانات. إضافة إلى تهجير ساكنيها لأنهم قدموا يوماً مساعدة لأعداء النظام. وكان قسم من ثوار الانتفاضة قد لجئوا إلى الأهوار هرباً من بطش النظام. وقد أيدت الصور الجوية وتقارير الأمم المتحدة تحويل مجرى نهري دجلة والفرات بعيداً عن الأهوار.
تحدثت تقارير الأمم المتحدة (٧) ومنظمات حقوقية أخرى عن جرائم النظام اثر الانتفاضة مثل:
•التمثيل بجثث القتلى بعد إعدامهم
•قتل الناس وهم جرحى بحجة عدم اتساع المستشفيات لذلك
•قتل الناس أمام أهلهم وترك جثثهم معلقة أمام بيوتهم
•رمي المعارضين للنظام من علو شاهق بواسطة الطائرات المروحية ليصل إلى الأرض ويموت
•قتل المعارضين بربط أيديهم وأرجلهم ووضع ثقل ورميهم في النهر
•قتل الأطفال والنساء في البيوت التي يشتبه أنها اشتركت في الانتفاضة
•إحداث مقابر جماعية في عدة مناطق من العراق
•بناء عدة سجون تحت الأرض، عزل فيها السجناء عن العالم وحجب عنهم الضوء لعدة سنين وهو منافي لوثيقة الأمم المتحدة في جنيف عام 1955 والتي أقرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بقراريه 663 ج (د - 24) في 31 تموز 1957 و2076 (د - 62) في 13 آيار 1955.
•منع النظام التظاهر أو الاعتصام واعتباره جريمة تستحق القتل مما يخالف اتفاقية جنيف 1948
•قتل الناس على الظن والشبهة (فبتواجد معارض واحد للسلطة في مكان ما يقدم النظام على قتل كل أهل المنطقة)
•إحداث مقابر جماعية في عدة مناطق من العراق ، وبلغ تعداد المقابر الجماعية في كل العراق وفقاً لوزارة حقوق الإنسان العراقية ولغاية 2013م إلى 126 مقبرة.
•أغلب المقابر الجماعية وجدت في جنوب العراق، ومن ضمنها واحدة في المحاويل يعتقد بأنها تحوي على رفاة من 10,000 إلى 15,000 ضحية.
•قتل آلاف الناس بإطلاق النار من دون تمييز في المناطق السكنية.
•قتل الشباب في الشوارع، والبيوت، والمستشفيات.
•استخدام الحوامات (الهليكوبترات) لقتل الناس العزل الهاربين من المدن.
•تجفيف الأهوار
•تعرض الكثير من المشتبه بهم بالمشاركة في الانتفاضة إلى التعذيب والاغتصاب والحرق.
محاولة اغتيال عدي صدام
في 12 كانون الأول 1996 كان عدي صدام يتجول بسيارته في منطقة المنصور المزدحمة بالأسواق التجارية والمقاهي. تقدم إليه اثنان من المجاهدين ، وأفرغا خمسين إطلاقة من رشاشات كلاشينكوف. كانت العملية مخطط لها منذ سنتين ، حيث بدأ جمع المعلومات عن تحركات عدي ، وحجم حمايته. ثم جاء التنفيذ في ذلك المساء ، فقام الثوار بتنفيذها وانسحبوا وفق خطة محكمة. أصيب عدي إصابات بليغة لكنه نجا من الموت بأعجوبة، وأصيب بعجز منعه من المشي والحركة. إثر ذلك بدأت أجهزة النظام بالبحث عن المتهمين ، وتمكنت من معرفة أحدهم فاعتقلت أهله وزوجته. كما تم اعتقال آخر في الأردن في قضية لا علاقة لها باغتيال عدي، فقامت السلطات الأردنية بتسليمه إلى المخابرات العراقية. وتعرض للتعذيب الشديد فاعترف بأمور كثيرة منها قضية عدي. وبعد عام ونصف أي في عام 1998 تم اعتقال والد والأخوة السبعة لأحد المطلوبين ، ثم أعدموا . كما تعرض متهم آخر حيث قتل أخوته الثلاثة ، وهدمت منازلهم . والثالث هرب إلى إيران، لكن أجهزة النظام لاحقته هناك وتمكنت من اغتياله.
الهوامش
١- علي المؤمن (سنوات الجمر) / ص 408
٢- علي المؤمن (سنوات الجمر) / ص 435
٣- علي المؤمن (سنوات الجمر) / ص 437
٤- علي المؤمن (سنوات الجمر) / ص 437
٥- علي المؤمن (سنوات الجمر) / ص 443
٦- علي المؤمن (سنوات الجمر) ص 441-456
٧-https://www.hrw.org/reports/1992/Iraq926.htm والمصدر هو Copyright June 1992 by Human Rights Watch All rights reserved. Printed in the United States of America. Library of Congress Card Catalog Number: 92-72351 ISBN 1-56432-069-3
25-11-2024, 11:43 العراق : حراك دبلوماسي واسع لمنع عدوان إسرائيلي محتمل
25-11-2024, 10:25 نصف مليون متسول في العراق.. 90% منهم يحصلون على رواتب الرعاية
أمس, 14:59 توضيح بشأن مرشحي المرجعية وولاية الفقيه بعد السيستاني والخامنئي
علي المؤمن25-11-2024, 12:46 حرمة الافتراء على المؤمن في القرآن والسنةالنبوية
د.رعدهادي جبارة25-11-2024, 12:01 خيارات المرجعية النجفية بعد آية الله السيستاني
علي المؤمن21-11-2024, 22:27 وحدة القرار الشيعي واحتمال ظهور مرجعية مطلقة
د. علي المؤمن