لا يختلف اثنان على أن كلا الحزبين الديموقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة عملا ما بوسعهما لمحاصرة إيران واحتوائها، وساهما في الحرب التي واجهتها مع العراق، وتورطا في العقوبات التي تتعرض لها منذ ولادة ثورتها في العام 1979 حتى يومنا هذا. ربما يعتقد البعض أن طهران سوف تكون أكثر ارتياحاً إذا فازت المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية التي تجری غداً (الثلاثاء) لكن يجب أن نتذكر أن الرئيس الديموقراطي جو بايدن وطوال ولايته الوحيدة التي استمرت أربع سنوات لم يكافح أبداً من أجل العودة إلى الاتفاق النووي الذي أبرمه سلفه الديموقراطي باراك أوباما، وذلك برغم وعوده أثناء حملته الانتخابية بالعودة للاتفاق المذكور.
صحيح أن طهران تفاعلت إيجاباً مع إرادة الديموقراطيين بالتوصل إلى الإتفاق النووي قبل نحو عقد من الزمن، ولربما تمتلك حالياً آليات أكثر فعالية تستطيع وتُجيد استخدامها للدخول في مباحثات محتملة مع واشنطن لاعادة احياء الاتفاق ولو بصيغة معدلة؛ وهي صاحبة خبرة في معرفة نوايا وآليات وسلوك الديموقراطيين لكن ما عدا ذلك لا تشعر طهران بأن ثمة مغريات يُمكن أن يُقدّمها الديموقراطيون حتى يسيل لها لعاب الإيرانيين المتحمسين لإزالة العقوبات عنهم خصوصاً في عهد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان. أكثر من ذلك، لا يُخفي الإيرانيون انزعاجهم من تجربة تعاملهم مع حقبة بايدن وتحديداً في ما يتعلق بمجريات الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة، فقد أخلت واشنطن أكثر من مرة بالتزامات ووعود بالتوصل إلى وقف اطلاق النار في غزة طوال أكثر من 12 شهراً، وكانت النتيجة استمرار حرب الإبادة والتدمير..
وفي شهر يناير/كانون الثاني الماضي، عقد اجتماع غير مباشر بين الجانبين الإيراني والأمريكي في سلطنة عُمان، بطلب أمريكي وبمساعدة عُمانية لاستكمال مباحثات بين الجانبين كانت توقفت إثر أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وكان سبقها توصل الجانبين إلى الإفراج عن بعض العوائد المالية الإيرانية المُجمدة إضافة إلی تبادل سجناء، لكن الوفد الإيراني فوجیء خلال إجتماعات عُمان بطلب أمريكي بالخوض في ملف اليمن (غداة تصعيد الموقف في البحر الأحمر بدفع من حكومة صنعاء)، الأمر الذي رفضه الوفد الإيراني من زاويتين؛ الأولى، انه لا يملك صلاحية مناقشة هكذا مواضيع مع الوفد الأمريكي؛ الثانية، إنطلاقاً من وجهة نظر إيرانية ثابتة منذ فترة طويلة وقوامها رفض مناقشة هكذا ملفات مع جهات خارجية لأنه لا يملك صلاحية من جهة وليس مخولاً أن يُناقش بالنيابة عن الجهة المعنية مثل هذه الملفات من جهة أخرى (تكرّر الأمر مراراً عندما كانت تُثار مع الإيرانيين ملفات تتعلق باليمن أو لبنان أو سوريا أو العراق).
ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 وصلت إلى طهران عدة رسائل من الجانب الأمريكي كانت جميعها تحمل فكرة واحدة وهي ضرورة ضبط النفس ودعوة الأصدقاء إلى عدم التصعيد إفساحاً في المجال أمام الجهود الرامية إلى وقف إطلاق النار في غزة. وقد قام وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن بأكثر من 10 زيارات للمنطقة بهدف وقف اطلاق النار، لكنه كان يصطدم دائماً بتعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومة الحرب الإسرائيلية. وكان اللافت للانتباه أن إدارة بايدن بدت عاجزة إما لأنها عاجزة عن الضغط أو أنها لا تريد وقفاً فعلياً لاطلاق النار بدليل استمرار الجسرين الجوي والبحري لنقل الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل التي كانت ترفع وتيرة قتل الأطفال والنساء والمدنيين في غزة ولبنان. وعندما قام الكيان الإسرائيلي بانتهاك السيادة الإيرانية واغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية وسط العاصمة الإيرانية طهران، لم تتحرك واشنطن لإدانة مثل هذا العمل بل عرقلت محاولة عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي ومنعت صدور بيان إدانة للكيان الذي يلقی دعماً مفتوحاً وعلی جميع الأصعدة من قبل الإدارة الأمريكية.
هذه عينة أو صفحة من كتاب أعمال الديموقراطيين وكيفية تعاملهم مع إيران غداة أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. أما الجمهوريون فهم أكثر من الديموقراطين وضوحاً في عدائهم للنظام السياسي في إيران. هم وقفوا إلى جانب الرئيس العراقي السابق صدام حسين في حربه ضد إيران (1980-1988)، وقد قام وزير الدفاع الجمهوري دونالد رامسفيلد بزيارة إلى بغداد التقی خلالها صدام حسين ووضعا خارطة طريق للتعاون العسكري والمعلوماتي الموجه ضد إيران. كما أن الجمهوريين صنّفوا إيران ضمن ما أسمي “محور الشر” بعد الحرب الأفغانية وفرضوا المزيد من العقوبات عليها حتی دخول الرئيس باراك أوباما إلى البيت الأبيض عندما قرّر في العام الأخير من ولايته الثانية فتح باب الحوار مع إيران، مُستعيناً بسلطان عُمان الراحل قابوس بن سعيد الذي نجح في التشبيك بين طهران وواشنطن وصولاً إلى عقد الاتفاق النووي في يوليو/تموز 2015. لكن الرياح لم تسر كما تشتهي السفن، حيث أقدم الرئيس الجمهوري دونالد ترامب على الانسحاب من هذا الاتفاق ليُعيد الأزمة إلى مربعها الأول ويفرض المزيد من العقوبات عليها.
هل يجب أن تفرح طهران بفوز هاريس أم ترامب؟ الجواب علی هذا السؤال بسيطٌ جداً. لا يجب على إيران أن تحزن ولا أن تفرح مهما كانت نتائج الإنتخابات الأمريكية. يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني هو ذاته يوم الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني. لا أحد يجب أن يحزن ولا أحد يجب أن يفرح؛ لا في إيران ولا في غيرها لأن قاعدة “إسرائيل أولاً” ما زالت تحكم السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط؛ ولذلك فإن التفكير الأمريكي بعقل إسرائيلي ما زال هو الحاكم.. والتنفس برئة إسرائيلية شرق أوسطياً هو الحاكم أمريكياً أيضاً.. والنظر إلى هذه المنطقة بعيون إسرائيلية هو السائد في واشنطن.
لكن برغم ذلك فإن الأجواء السائدة في طهران تميل للمرشحة الديموقراطية كامالا هاريس؛ لكنني أری غير ذلك، وهذا يحتاج إلى مقال آخر. ([email protected])