لم تفِ دول الزيف العميق، التي شاركت في تشريع قوانين حقوق الإنسان على مدار عقود، بعهودها أو التزاماتها الأخلاقية، حين جاء الصراع بين (كيان جرائم الإبادة الجماعية) والمستضعفين الفلسطينيين في غزة واللبنانيين في لبنان الجريحة.
على مرأى العالم، أصبحت الانتهاكات القاسية لحقوق الإنسان من قبل الكيان الغاصب والمحتل واضحة للعيان: المدنيون يُحرقون في بيوتهم، وتدمير المباني فوق رؤوسهم، والجرحى يُعذبون حتى الموت بمنع الرعاية الطبية، والنساء، الأطفال، والشيوخ يُحرمون من الطعام والماء والعلاج الصحي في ظل ظروف كارثية، وكأنهم لا يعون من حقوق الإنسان شيئاً.
أين حقوق الإنسان، أيها الدول التي تتبجح بقوانينه لسنوات طويلة؟ أين الوفاء بالعهد في نصرة من انتُهكت حقوقهم؟ أين العدل في الدفاع عن الفلسطينيين واللبنانيين المظلومين والمضطهدين؟
لقد أصبح العالم يشهد فقدان العديد من القيم الإنسانية الفضيلة والسامية، أو على الأقل تقليص دورها، ليحل محلها التسلط المالي والسلطوي، الذي يفرض على الضعفاء تبعية للكيان الذي يرتكب جرائم الإبادة الجماعية. هذا بينما تُستهان القيم الإنسانية العليا من عدل، أخلاق، حقوق، وحريات.
ومن المؤسف أن الضمير الإنساني اليوم قد أصابه “فيروس” الخيانة والغش والمكر، والنكث والرياء، وتفاقمت ظواهر الفساد والفوضى والفتن.
في هذه الظروف، تظل هناك أسماء وأفعال مشرقة في تاريخ الإنسانية، مثل تصدي السيدة العقيلة زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، التي انتفضت في وجه الظلم والطغيان، متحدية حكام الأمويين في معركة كربلاء.
السيدة الحوراء زينب (ع)، التي ولدت في 5 جمادى الأولى من العام 5 هـ، كانت رمزًا للمقاومة والتحدي. في معركة الطف عام 60 هـ، وقفت بجرأة أمام الطاغية يزيد بن معاوية، وواجهت جور حكومته ببلاغتها وحجتها القوية. كلماتها التاريخية التي قالت فيها: “فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك، فوَ اللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحيَنا، ولا تُدرِكُ أمَدَنا…” تبقى شاهدة على قوتها وعزيمتها في مواجهة الظلم.
الحوراء زينب بنت علي (ع) كانت أنموذجا للمرأة الرسالية بعد أمها السيدة فاطمة الزهراء (ع).
العقيلة زينب (ع) عملت على توعية الأمة في تربية الأسرة، في التصدي للطاغية، وفي رعاية الأسرى من أهل البيت بعد معركة كربلاء. كانت مثالًا للمرأة الشجاعة المثقفة، والعالمة، والبصيرة، التي لم تساوم على القيم والمبادئ مهما كانت التحديات.
اليوم، لا تزال المحن الإنسانية مستمرة، ولا يزال العديد من دول الزيف العميق تدعم كيانات ترتكب الجرائم الإنسانية، متجاهلة القوانين التي تحول دون ارتكاب تلك الجرائم.
عوضا عن تحقيق العدالة، تُمرر صفقات سياسية واقتصادية مشبوهة، وتُشاع الفتن الطائفية والعنصرية، ويُشوه الحق، وتُسوّغ العدوانية والتسلط.
إن هذا التوجه المضلل يتم عبر استخدام تقنيات جديدة، وأساليب خديعة متنوعة، تهدف إلى تدمير الإنسانية، وتشويه المبادئ التي قام عليها النظام الدولي لحقوق الإنسان.
تقف دول الزيف العميق وراء دعم الأنظمة الاستبدادية وتبرير جرائمها من أجل الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والسياسية، متجاهلة تمامًا ما يفرضه القانون الدولي من التزامات لحماية حقوق الإنسان.
في هذا السياق، يظل من الضروري أن تتخذ الدول والشعوب الملتزمة بحقوق الإنسان موقفًا حازمًا ضد هذه الانتهاكات، وأن تفي بالعهود التي قطعتها لدعم العدالة والمساواة.