لا شك أن الحديث عن مستقبل المرجعية الدينية الشيعية العليا، من الأمور التي ظلت تشغل الساحة الشيعية بعد العام 2010، وخاصة بعد تعرض المرجعين الأعليين السيد علي السيستاني والسيد علي الخامنئي إلى أكثر من وعكة صحية. ويتركز الحديث غالباً عن المرجع أو المراجع الذين سيأخذون مكانيهما، أو بالأحرى المرجع الشيعي المطلق الذي سيقود النظام الاجتماعي الديني الشيعي ويتزعم الحوزة العلمية، وهو احتمال يبقى ضعيفاً، بناء على معطيات الحاضر، لأن مرحلة ما بعد السيستاني والخامنئي لا تُنبئ بظهور مرجع واحد مطلق، يسد فراغهما، فضلاً عن أن يكون شبيهاً ببعض المراجع المعاصرين الراحلين الذي تفردوا بزعامة الطائفة الشيعية زعامةً مطلقةً، وبتقليد أغلبية الشيعة دون وجود منافس أو شريك له في مساحات التقليد والزعامة الدينية، سواء في البلد الذي يقيم فيه أو في البلدان الأُخرى، وتحديداً المراجع الأربعة: السيد أبي الحسن الإصفهاني والسيد حسين البروجردي، والسيد محسن الحكيم، والسيد أبو القاسم الخوئي، الذين لم تتوافر فرصة المرجعية المطلقة خلال القرن العشـرين الميلادي إلّا لهم، من بين عشرات مراجع الدين والفقهاء البارزين.
وما يلي نبذة عن هؤلاء الأربعة؛ بهدف تكوين صورة واضحة عن مفهوم المرجعية المطلقة:
1 ـ السيد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني: تزعم الشيعة من مقره في النجف الأشرف بعد وفاة المرجع الأعلى الشيخ فتح الله الإصفهاني (شيخ الشـريعة) في العام 1935، والشيخ الميرزا محمد حسين النائيني في النجف الأشرف في العام 1936، ثم الشيخ عبد الكريم الحائري في قم في العام نفسه. وقد استمر الإصفهاني زعيماً مطلقاً للشيعة مدة عشـر سنين، أي حتى وفاته في العام 1946.
2 ـ السيد حسين الطباطبائي البروجردي: تزعم الشيعة وهو في قم، بعد وفاة السيد أبو الحسن الإصفهاني في النجف الأشرف في العام 1946، وبقي زعيماً مطلقاً للطائفة مدة أحد عشر عاماً، أي حتى تبلور زعامة السيد محسن الحكيم في النجف في العام 1958. وبقي المرجعان (البروجردي والحكيم) شريكان في زعامة الشيعة وموقع المرجعية العليا لمدة ثلاث سنوات تقريباً، أي حتى وفاة السيد البروجردي في العام 1961؛ إذ ثنيت الوسادة بعد ذلك إلى السيد محسن الحكيم.
3 ـ السيد محسن الطباطبائي الحكيم: تفرد بزعامة الشيعة والمرجعية العليا في النجف الأشرف بعد وفاة السيد حسين البروجردي في قم في العام 1961، بعد أن كان السيد الحكيم يشارك السيد البروجردي الزعامة الدينية. وبقي السيد الحكيم زعيماً مطلقاً للطائفة لمدة تسع سنوات، أي حتى وفاته في العام 1970.
4 ـ السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي: تقاسم زعامة الطائفة الشيعية مع السيد محمود الحسيني الشاهرودي بعد وفاة السيد محسن الحكيم في العام 1970، ثم تفرد بها بعد وفاة السيد الشاهرودي في العام 1974. واستمرت زعامته المطلقة في النجف الأشرف أقل من خمس سنوات، أي حتى تبلور المرجعية الكبيرة للسيد روح الله الخميني بعد العام 1979 في قم، بل في أنحاء إيران؛ الأمر الذي أدى إلى تناصف السيد الخوئي والإمام الخميني المرجعية الدينية العليا للشيعة لمدة عشر سنوات. وبعد وفاة الإمام الخميني في العام 1989، برزت المرجعية الكبيرة للسيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني في قم لتتناصف المرجعية العليا مع السيد الخوئي، واستمر الوضع هذا حتى وفاة السيد الخوئي في العام 1992.
أي أن مجموع الفترة التي كان فيها للشيعة مرجع مطلق خلال القرن الميلادي العشـرين تبلغ (35) عاماً فقط، وهي الفترة التي تزعّم فيها هؤلاء الأربعة الواحد تلو الآخر الطائفة الشيعية. بينما كان هناك مرجعان أو ثلاثة يشتركون في الوقت نفسه في مساحات التقليد والزعامة، خلال فترة الأعوام الـ (65) الأُخر. وقد كانت مرجعية السيد الخوئي آخر مرجعية شيعية عالمية مطلقة، أي حتى العام 1979؛ إذ لم يتفرد بعد هذا التاريخ أي مرجع ديني بالزعامة الدينية للشيعة في العالم؛ إذ برز بعد وفاة الإمام الخميني في العام 1989 ثم السيد الخوئي في العام 1992، عدد من المرجعيات الكبرى في قم والنجف، وتحديداً السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني في قم والسيد عبد الأعلى الموسوي السبزواري في النجف الأشرف، ثم بعد وفاتهما برزت مرجعيتا السيد علي الحسيني السيستاني في النجف الأشرف والسيد علي الحسيني الخامنئي في طهران، واللتان تتقاسمان (حتى الآن) الزعامة الدينية للشيعة في العالم.
وسبق أن حصل هذا التناصف أو التقاسم في المرجعية العليا خلال مراحل أُخر من القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين؛ فبعد وفاة المرجع المطلق السيد الميرزا محمد حسن الشيرازي في سامراء العام 1889؛ توزعت المرجعية العليا بين أكثر من مرجع، ثم تبلورت في بداية القرن العشرين بين مرجعيتين عالميتين متشاركتين في النجف الأشرف، هما مرجعية الشيخ الآخوند محمد كاظم الخراساني والسيد محمد كاظم اليزدي. وبعد وفاة الشيخ الخراساني في العام 1908 لم يتفرد السيد اليزدي بالمرجعية العليا؛ إذ برز الشيخ الميرزا محمد تقي الشيرازي مشاركاً معه. وبعد وفاة المرجعين خلال سنة تقريباً، برز الشيخ فتح الله الإصفهاني مرجعاً أعلى في النجف الأشرف، ولكن كان ينافسه مراجع آخرون. وبقي الحال على ما هو عليه حتى تفرد السيد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني بزعامة الطائفة في العام 1936؛ فكان أول مرجع ديني يتفرد بزعامة شيعة العالم منذ وفاة السيد الميرزا محمد حسن الشيرازي في العام 1889، والذي كان آخر سيد للطائفة في القرن التاسع عشر الميلادي، أي بعد مدة (47) عاماً، لم تجمع خلالها الشيعة على زعيم واحد.
والحديث عن المرجعيات المطلقة ليس حديثاً عن ظاهرة فكرية أو نهضوية، وليس مقارنة بين إنجازات المراجع أو زعاماتهم النهضوية والسياسية وحجم تضحياتهم، ولا عن قومياتهم وجنسياتهم أو عن العلاقة بين حوزتي النجف وقم؛ بل عن حلقة تاريخية معاصرة من حلقات النظام الاجتماعي الديني الشيعي، اكتسحت خلالها المرجعيات الشيعية الأربع المذكورة ساحات التقليد والنفوذ الديني في عموم العالم، ولا سيما الساحات الشيعية الكبرى، والتي تشمل بلداناً ذات كثافة سكانية شيعية كبيرة، كالهند وباكستان وإيران، والتي تضم لوحدها (200) مليون شيعي تقريباً، إضافة إلى العراق وتركيا ولبنان والخليج وروسيا وآذربيجان وباقي دول التواجد الشيعي؛ لتكون هذه الحلقة أُنموذجاً لفهم طبيعة التفرد والتعددية في المرجعية العليا.
ولا يعني تفرد السيد أبو الحسن الإصفهاني والسيد حسين البروجردي والسيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي بالمرجعية العليا في فترات زمنية محددة من القرن العشرين الميلادي، عدم وجود مراجع دين كبار آخرين معاصرين لهم، يقلدهم عشرات ملايين الشيعة في العالم؛ لكن هذه المرجعيات الرديفة لم تتفرد بالزعامة الدينية للطائفة على مستوى العالم. وهناك من المؤرخين من يرى أنّ بعض هذه المرجعيات الرديفة تفردت في وقتها بزعامة الطائفة، كالشيخ الآخوند محمد كاظم الخراساني، والسيد محمد كاظم اليزدي، والشيخ محمد تقي الشيرازي، والشيخ عبد الكريم الحائري، والسيد عبد الهادي الشيرازي، والسيد محمود الشاهرودي، والإمام الخميني. وكما ذكرنا؛ فإنّ عدم التفرد بالزعامة الدينية الشيعية لا علاقة له بأعلمية المرجع وجهاده وتضحيته ودوره النهضوي وكفاءته القيادية ووعيه وحركيته. فالإمام الخميني ـ مثلاً ـ رغم أنّه الزعيم المطلق للنهضة الشيعية الإسلامية المعاصرة، ومؤسس العصر التاريخي السادس من عصور الشيعة الستة؛ لكنه لم يتفرد بالزعامة الدينية المحضة؛ بمعني أنّه لم يتفرد بساحات التقليد في كل العالم؛ بل كان يتناصفها في الأعوام 1979 إلى 1989 مع السيد الخوئي، إلى جانب مراجع كبار آخرين كالسيد الگلپايگاني، الذي كان حينها بمثابة زعيم الحوزة العلمية القمّية.
ولعل وحدة القرار المرجعي القوي الذي يؤدي ـ عادة ـ الى وحدة قرار النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وقدرته على مواصلة عملية النهوض، هي في مقدمة القضايا التي يبقى النظام بحاجة إليها في حاضره ومستقبله. فالضرورات العقلائية المرتبطة بالشأن التدبيري والإداري والقيادي، تقود الى أهمية أن يكون للمجتمع الشيعي في الجانب الزمني الدنيوي، أي الشأن العام، زعيماً واحداً أو مديراً مدبراً كفأً واحداً، وهي غير القضايا العلمية والفقهية الكثيرة المختلف عليها وفيها، ويتم تناولها بحرية كاملة وانفتاح، ويكون التقدم والتفوق فيها للرأي الأرجح عادة، وهذا هو سبب حيوية الفقه الشيعي، وفيه يمارس جميع الفقهاء والمراجع أعمالهم العلمية والدينية والاجتماعية الى جانب المرجع الأعلى المتصدي بمطلق الحرية. أما وحدة النظام الاجتماعي الديني الشيعي وعالميته وتماسكه؛ فإنها تتطلب أن يكون هناك فقيه واحد يدير النظام أو فقيهين في مكانين مختلفين حداً أعلى، لا أن يكون لمائة فقيه الصلاحيات نفسها في الشأن العام في زمن واحد ومساحة حركة واحدة.
وهذه القضية التنظيمية التدبيرية الإنسانية العقلائية لا يحتاج إثباتها الى عناء، فضلاً عن عدم تعارضها مع الأصول الشرعية، وهو ما تعارفت الحوزة العلمية على تسميته بالمرجعية المطلقة، أي المرجعية الواحدة المتفردة في قيادة النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وهو مفهوم عرفي لا يوجد له مصاديق في الواقع الشيعي دائماً، إنما تمر بعض الفترات التي تكون فيها ثنائية مرجعية قيادية، كما هو الحال منذ نهايات العقد العاشر من القرن الماضي وحتى الآن، بوجود المرجعيتين الأكبر اللتين تتشاركان قيادة النظام الاجتماعي الديني الشيعي، والمتمثلتين بمرجعيتي آية الله السيد علي السيستاني و آية الله السيد علي الخامنئي.
التصنيف العرفي لمراجع الدين الشيعة
يعتمد تصنيف مصاديق المرجعية الدينية الشيعية، كونها مطلقة أو عليا أو أولى أو ثانية، على المعايير والسياقات المتعارفة داخل الحوزة العلمية، وهي معايير توصيفية واقعية وليست مفهومية أو نظرية، أي أنها تستند إلى ما هو كائن، وليس إلى ما ينبغي أن يكون. وأهمها حجم المرجعية ومساحة نفوذها الدیني وتأثيرها، ونسبة مقلديها، ليس في العراق أو إيران وحسب، وإنما في كل العالم، إضافة إلى ما يستقر عليه الرأي العام الحوزوي الذي تصنعه جماعات أهل الخبرة والضغط. أمّا الأعلمية والعدالة؛ فهما شرطان للمرجعية وليسا معيارين لقياس نفوذها الديني ومساحة مقلديها، وهكذا الأمر بالنسبة للمعايير الترجيحية، كالأصلحية والأكفئية والتصدّي للشأن العام، والبعد النهضوي والإصلاحي والتضحوي في شخصية المرجع. وإحراز هذه الشروط، سواء الأساسية أو الترجيحية، هو نسبي ولا يمكن الإجماع عليه، بسبب عدم وجود مقاييس مؤسَّسية متفق عليها، بالرغم من الأهمية البالغة لهذه الشروط، بل لعل بعضها يمثل شرطاً يساوق مفهوم الزعامة الدينية الاجتماعية، ولكنه يبقى شرطاً غير متفق عليه ولا يدخل ضمن السياقات المتعارفة في الحوزة العلمية ومنظومة المرجعية.
وبالتالي؛ فإنّ تصنيف المرجعيات لا علاقة له بالاشتراطات الطموحة ذات المداليل الواسعة جداً، والتي لا مدخلية حقيقية لها في تحديد أحجام المرجعيات وتصنيفها؛ إنما يستند التصنيف إلى معايير واقعية كما ذكرنا. ووفقها يتم تصنيف واحدة من المرجعيات بأنها مطلقة، أي تتفرد في زعامة الطائفة الشيعية في العالم، وبعضها مرجعية عليا، أي تتفرد نسبياً أو تتناصف النفوذ مع مرجعية عليا أُخرى، وأخرى مرجعية من الصف الأول، وهي التي تلي المرجعية العليا من حيث النفوذ وعدد المقلدين، ولا تقتصر على مرجع واحد، بل عدد من المراجع، وهكذا بالنسبة لمراجع الصف الثاني. وهذه التصنيفات لا تمثل رتباً وظيفية ولا مقولات فقهية أو علمية، ولا تصدر عن مؤسسة رسمية، ولكنها ــ في الوقت نفسه ــ ليست وهمية ولا خيالية، إنما هي تصنيفات عرفية تدبيرية تصف واقعاً قائماً على الأرض.
وعلى مستوى الواقع؛ يمكن القول إنّ المدرستين الأبرز اللتين تتقاسمان مساحة النفوذ الديني والتقليد منذ حوالي أربعة عقود وحتى الآن، هما: مدرستي المرجعين الكبيرين السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي والسيد روح الله الموسوي الخميني، وهما الزعيمان اللذان اقتسما المرجعية العليا للشيعة بين العامين 1979 و1989، أي حتى وفاة الإمام الخميني، ولا يزالان يقتسمانها في تلاميذهما وتلاميذ تلاميذهما. وتعود جذور مدرسة السيد الخوئي إلى مدرسة زعيم الطائفة السيد أبو الحسن الموسوي الإصفهاني في النجف، والتي أنجبت جميع مرجعيات النجف العليا بعد رحيله، كالسيد محسن الحكيم والسيد محمود الشاهرودي والسيد الخوئي. بينما ينتمي الإمام الخميني إلى مدرسة الشيخ عبد الكريم الحائري، مؤسس الحوزة العلمية المعاصرة في قم، والتي أنجبت مرجعيات قم العليا بعد رحيله، كالسيد محمد رضا الگلپايگاني والسيد محمد كاظم الشريعتمداري والإمام الخميني، وهي المدرسة التي تعود جذورها إلى مدرسة الآخوند الشيخ محمد كاظم الخراساني في النجف الأشرف.
وبالنظر لعدم وجود مرجعية شيعية مطلقة منذ العام 1979؛ فإن المرجعيات الحالية (حتى نهاية العام 2024) تصنّف إلى ثلاثة أصناف:
1-المرجعية العليا:
المرجعية العليا منذ أواخر تسعينات القرن الميلادي الماضي تتمثل في مرجعين، هما السيد علي الحسيني السيستاني والسيد علي الحسيني الخامنئي، اللذان يتقاسمان الزعامة الدينية للطائفة الشيعية في العالم. والحديث هنا عن الزعامة الدينية ومساحات التقليد وليس القيادة. ويمكن القول إنّ 80% من شيعة العراق وإيران وبلدان الخليج ولبنان وسورية والهند وباكستان وأفغانستان وآذربيجان وروسيا وبلدان شرق آسيا ونيجيريا ومصر وباقي بلدان إفريقية وأُوروبا والأمريكتين، يقلدون السيد السيستاني والسيد الخامنئي. أما الـ 20% الباقين من الشيعة المقلدين؛ فإنّهم يرجعون بالتقليد إلى المراجع الآخرين، سواء مراجع الصف الأول أو الثاني. ولعل أغلب المسلمين والمتشيعين الجدد، ولا سيما في شرق آسيا وإفريقية وأُوروبا، يرجعون بالتقليد أيضاً إلى السيد علي الخامنئي والسيد علي السيستاني، وهما المرجعان الأنشط تبليغياً خارج المساحات التقليدية للشيعة. مع التأكيد على أنّ الأرقام المذكورة المتعلقة بنسب التقليد ليست عشوائية؛ بل هي نتيجة متابعة واستقراء مستمرين للمجتمعات الشيعية منذ ما يقرب من ربع قرن، فضلاً عن الاستعانة بالمؤسسات البحثية والتبليغية ذات العلاقة.
2-مراجع الصف الأول:
يبلغ عدد مراجع الصف الأول في النجف وقم، ستة مراجع، هم: الشيخ محمد إسحاق الفياض، وهو أفغانستاني يقيم في النجف، والشيخ بشير حسين النجفي، باكستاني يقيم في النجف، والشيخ حسين الوحيد الخراساني، إيراني يقيم في قم، والثلاثة يمثلون امتداداً لمدرسة الإمام الخوئي وحوزة النجف، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي، والسيد موسى الشبيري الزنجاني، وكلاهما إيرانيان يقيمان في قم ويمثلان امتداداً لمدرسة السيد حسين البروجردي وحوزة قم، والشيخ حسين النوري الهمداني، وهو إيراني يقيم في قم ويمثل امتداداً لمدرسة الإمام الخميني وحوزة قم.
3-مراجع الصف الثاني:
يبلغ عدد مراجع الصف الثاني في النجف وقم، ستة مراجع أيضاً، هم: الشيخ جعفر السبحاني التبريزي والشيخ عبد الله الجوادي الآملي والشيخ محمد علي گرامي القمي، والثلاثة إيرانيون يقيمون في قم ويمثلون امتداداً لمدرسة الإمام الخميني وحوزة قم، والسيد صادق الحسيني الشيرازي، وهو عراقي من أصل إيراني، يقيم في قم ويمثل مدرسة السيد محمد الشيرازي وحوزة كربلاء، والسيد علاء الدين الموسوي الغريفي، وهو عراقي يقيم في النجف ويمثل امتداداً لمدرسة الإمام الخوئي وحوزة النجف، والشيخ محمد اليعقوبي، عراقي يقيم في النجف ويمثل امتداداً لمدرسة السيد محمد الصدر وحوزة النجف.
وفضلاً عن رجوع الشيعة إلى مراجع الدين الأحياء الأربعة عشـر المذكورين: المرجعين الأعليين ومراجع الصف الأول الستة ومراجع الصف الثاني الستة؛ فإنّ هناك من الشيعة من لا يزال ـ بناءً على فتوی أحد المراجع الأحياء ـ باقياً على تقليد المراجع المتوفين، وخاصة الإمام الخميني والسيد الخوئي والسيد عبد الأعلى السبزواري والسيد محمد الصدر والسيد محمد رضا الگلپایگاني والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد تقي بهجت والسيد محمد باقر الصدر. ولعل الأخير هو أقدم مرجع ديني متوفي لا يزال لديه مقلدون.
وفي ما يتعلق بالتصنيف المذكور؛ أود أن أشير ــ مرة أُخرى ــ على أن منهجي البحثي هو وصفي تحليلي، ككل دراسات علم الاجتماع الديني؛ فأنا أصف المشهد الشيعي والحوزوي كما هو، وأحلله وأدرسه وفق فهمي الموضوعي للنظام الاجتماعي الديني الشيعي وسياقات الحوزة العلمية، وتوجهات الرأي العام الحوزوي، وخاصة في النجف وقم، أي أن التصنيف المذكور لا يمثل رأيي ورغبتي وصناعتي، بل هو ما يكشف عنه الواقع. وبالتالي؛ فإن عدم ذكري لأسماء علماء دين معروفين، إيرانيين وعراقيين وأفغانستانيين وباكستانيين وبحرانيين، ضمن التصنيف المذكور، هو ليس تجاهلاً مني؛ بل لأنّ سياقات الحوزتين النجفية والقمية وتوجهات الرأي العام الحوزوي، تجعلهم خارج معايير التصنيف. ويعزز ذلك المزاج العام للشارع الشيعي المتدين، والذي يميل ـ غالباً ـ تقليدي إلى الالتزام بالرأي العام الحوزوي التقليدي.