قامات عراقية خالدة - ٦ .. الشيخ أحمد الوائلي منبر رصين ومدرسة تربوية
"Today News": بغداد
١٢ كانون الأول ٢٠٢٤
الشيخ الوائلي خطيب المنبر الحسيني بلا منازع ، شاعر وأديب ، يمثل مدرسة تربوية ثقافية تاريخية عقائدية. هذه المدرسة الخطابية العلمية لها أصولها ومبادئها وأهدافها كان لها التأثير الواسع في تربية أجيال على الايمان الواعي بعيداً عن الخرافات والأساطير التي شابت المنابر الأخرى.
الأسرة والنشأة
ولد الشيخ أحمد بن الشيخ حسون الوائلي لأسرة تنتسب إلى بني ليث الكنانية العدنانية. ولد أحمد في ٣ أيلول ١٩٢٨ في النجف الأشرف. والدته هي بنت الشيخ عواد زيني ، حفيدة الشاعر الشيخ علي زيني جدي النجفي (المتوفى عام ١٨٠١). وأولاد خالة الشيخ باقر القرشي.
الشيخ أحمد هو الابن الوحيد لأبيه ، وله أخت واحدة هي الحاجة أم كاظم الوائلي (١٩١٤-٢٠٠٥) والدة الدكتور كاظم الوائلي (١٩٤٩- ١٩٨٠).
تزوج الشيخ أحمد عام ١٩٤٨ من العلوية أم محمد حسين الطالقاني (١٩٢٤- ١٩٩٨) ، وتزوج عام ١٩٥٣ من العلوية أم سمير الشبلي (١٩٢٣- ١٩٨١) ، وعام ١٩٧٩ من الحاجة أم جمانة العتابي (١٩٥٠- ٢٠١٣) كريمة الشيخ جعفر العتابي من الكوت.
أنجب الشيخ أحمد الوائلي أربعة أولاد:
١-المرحوم المغترب الحاج سمير الوائلي (١٩٥٤ – ١٩٩٩)
٢- والمرحوم الشهيد محمد حسين الوائلي (١٩٥٤- ١٩٨٣)
٣- والمرحوم الحاج علي الوائلي (١٩٦٣- ٢٠١٩)
٤- الحاج محمد حسن الوائلي.
وله 8 بناتٍ؛ تكبُرهن ابنته البكر خادمة أهل البيت المرحومة الأديبة الحاجة أم حسين الوائلي (١٩٤٩- ٢٠١٥) المعروفة بكرامة الشفاء الكاظمية والتي ذكرها في أحد مجالسه الحسينية. أما بناته الأخريات فهن من خادمات أهل البيت والأدب والفكر في النجف الأشرف وبغداد.
دراستُه الأكاديمية
بدأ تعليمه النظامي في مدرسة الأمير غازي الابتدائية في مدينة النجف، ثم أكمل الدراسة الثانوية في ثانوية منتدى النشر فتخرّج منها عام 1952.
ثم أتمّ تعليمه الجامعي في كليّة الفقه (التي تأسست عام 1957 والتابعة لجامعة بغداد) وتخرّج منها حاصلاً على البكالوريوس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية سنة 1962.
ثم اجتهد ليرتقي إلى الدراسات العليا فقصد العاصمة العراقية بغداد ليدرس في أعرق الجامعات العراقية والجامعة الأم جامعة بغداد (التي تعود لبنات تأسيسها الأولى إلى العام 1908) فحصل منها على شهادة الماجستير في الدراسات الإسلامية من معهد الدراسات الإسلامية سنة 1968 عن رسالته الموسومة (أحكام السجون بين الشريعة والقانون).
ثم قرر الوائلي أن يُصوّب وجهته العلمية إلى إحدى أفضل الجامعات العربية والعالمية وهي جامعة القاهرة ، التي تأسست عام 1892 وهي ثاني أقدم جامعة عربية من بعد جامعة الأزهر، فحصل على شهادة الدكتوراه في العلوم الإسلامية من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة عن اطروحته الموسومة (استغلال الأجير وموقف الإسلام منه) سنة 1972م. وهي أول شهادة دكتوراه تُمنح في وقتها إلى أول خطيب منبرٍ من مدينة النجف ومن العراق.
أكمل الوائلي أبحاث الترقية العلمية لما بعد الدكتوراه دارساً علوم الاقتصاد ليحصل عام 1975 على دبلومات عالية فيه، منها الدبلوم العالي من معهد الدراسات والبحوث العربية في العاصمة المصرية القاهرة (الذي تأسس عام 1952 والتابع لجامعة الدول العربية).
تم تعيين الوائلي أستاذاً للعلوم الإسلامية والاقتصاد الإسلامي وباشر التدريس الأكاديمي الجامعي في تخصص علوم القرآن وتفسيره في الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية بلندن ( ICIS التي تأسست عام 1987 من قبل الدكتور محمد علي الشهرستاني) وأشرف على العديد من أبحاث التخرج ورسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه فيها.
دراسته الدينية
في بداياته درس الوائلي عند الكتاتيب فتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم في مسجد الشيخ علي نواية في النجف الأشرف.
ثم دخل الحوزة العلمية فدرس العلوم العربية والإسلامية والفقه والعقائد والأخلاق وبعض العلوم الصرفة على أيد أساتذة معروفين منهم الشيخ هادي شريف القرشي والشيخ عبد المهدي مطر والشيخ علي ثامر الخاقاني والسيد كاظم الحبوبي.
ثم انتقل إلى المستوى الأعلى والمسمى مرحلة السطوح لدراسة أصول الفقه والفقه المقارن والفلسفة والمنطق على يد أساتذة كبار أمثال السيد محمد تقي الحكيم والشيخ علي كاشف الغطاء والشيخ محمد رضا المظفر والشيخ محمد حسين المظفر والشيخ محمد تقي الايرواني.
ثم أنهى دراسته الحوزوية بمرحلة البحث الخارج فحضر المباحث الفقهية ومباحث الأصول الفقهية لكبار المجتهدين من المراجع في وقتها أمثال : آية الله السيد محسن الحكيم، وآية الله الشيخ محمد طاهر آل راضي، وآية الله الميرزا السيد حسن البنجوردي، وآية الله السيد محمد باقر الصدر، ثم آية الله السيد أبو القاسم الخوئي.
من بعد أن اتم دراسته للعلوم الدينية وبعد أن اشتد عوده وبلغ أشده في عمر الرشد وسن التكليف، تشرف الشيخ الوائلي بارتداء الزي العلمي واعتمر عمامة رسول الله على يد أستاذه العلامة الشيخ محمد الشريعة (1904-1978) فشرّفه بوضعها على رأسه المبارك وسط حفلٍ بهيج أقيم في مبنى جمعية منتدى النشر (التي تأسست عام 1935 من قبل الشيخ محمد رضا المظفر) وسط جمهرةٍ واسعةٍ من أهل الفضل والعلم والأدب من النجف الأشرف.
الخطابة والمنبر الحسيني
بدايته الخطابية تعود إلى السن العاشرة في مدينة النجف الأشرف حينما كان يقرأ مقدمات الخُطب قبل والده الخطيب الشيخ حسون الوائلي (1892-1963).
ومن ثم أخذ يقرأ مقدمات المجالس مستهلاً منابر الخطباء كل من : الخطيب الشيخ مسلم الجابري (1913–1963)، والخطيب الشيخ محمد الكاشي، ومن ثم القراءة بمصاحبة الخطيب الشيخ جواد القسّام (1908-1982)، ومن بعده الخطيب الشيخ باقر سليمون البهبهاني (1899-1972)، فالقراءة بمعية الخطيب السيد حسن شبر (1908-1984)، والخطيب الشيخ عبود النويني (1891-1953)، والخطيب الشيخ مهدي البديري (1898-1966).
إلى أن توجه للتلمذة على الخطابة بشكلها التام على يدي عملاقي الخطابة في الخمسينيات وقتئذ؛ الخطيب الكبير الشيخ محمد علي القسام (1873-1954) والخطيب الشهير الشيخ محمد علي اليعقوبي (1896-1965).
ومن بعد الانتهاء من الخطابة عند هذين العلمين؛ أخذ الشيخ الوائلي يرتقي منبر الخطابة منفرداً وهو في سن السابعة عشر فقرأ في مجالس مدن: النجف، وكربلاء، والحلة، والديوانية، والكوت، وميسان، والناصرية، والسماوة. حتى انتقل إلى القراءة في مجالس العاصمة بغداد الكبيرة، ثم مجالس مدينة البصرة العامرة.
ومن ثم توجه إلى الخطابة في خارج العراق حيث بدأ مجالسه الأولى في دولة الكويت عام 1949 ومنها لباقي دول الخليج : الامارات، وقطر، وعُمان، والبحرين، إلى أن انطلق بخطاباته الى دول : لبنان، وسوريا. وتعداهما الى أوروبا وتحديداً في المملكة البريطانية، ليغدو من أشهر الخطباء المسلمين والمنبر الحسيني في العصر الحديث.
وعلى مدى أكثر من نصف قرن من عمره الشريف، فقد أنشأ مدرسةً خطابيةً جديدةً امتازت باختلافها عن سابقتها بكونها مدرسة منبرية تجمع ما بين البحث العلمي الموضوعي والخطابة الحسينية والشعر والأدب مع شواهدٍ من الواقع المعاش الممزوج بالمواقف الوطنية والقومية من القضايا الراهنة من خلال استعراضات ومراجعات وتحليلات تأريخية وأخلاقية وعقائدية بعيدة عن التشنج وعن إثارات النعرات الطائفية والعِرقية باعتماد أسلوبِ الخطاب المعتدل المبرّز لمبادئ التعايش السلمي المجتمعي. متخذاً من: الكلمة السواء، الاعتدال، الوسطية، منهجا له.
أدى هذا النهج الخطابي المتفرد بالنتيجة الى استقطاب شرائح واسعة من أجيال المستمعين ممن شدّهم خطابه على مدى أكثر من 60 عام ، حتى خلف الجد الخطيب أكثر من 1500 مبحث ومحاضرة وخطبة صوتية.
وقد تتلمّذ عند الشيخ الوائلي بشكلٍ منتظمٍ أربعة خطباء: الشهيد الشيخ عبد الرزاق القاموسي، والسيد حسن الكشميري، والسيد قاسم الغريفي ، والدكتور الشيخ فيصل الكاظمي.
هجرتُه :
بسبب الظروف السياسية العصيبة التي سبّبها نظام الحكم في العراق في نهاية السبعينيات، هاجر الشيخ الوائلي سنة 1979 إلى العاصمة السورية دمشق فأقام فيها مدة 24 سنة. و قد حلّ في عددٍ من البلدان التي أحيى فيها مواسم الخطابة وهي :
الكويت ، الإمارات ، البحرين ، قطر ، عُمان ، لبنان وبريطانيا.
أما الجمهورية الإيرانية التي كانت كثيرة الاعتزاز بالشيخ الوائلي فلم يزرها إلا مرةً واحدةً أيام حكم الشاه في نهاية الستينيات في زيارةٍ قصيرة لمدة 3 ليال. وكانت دائما توجه له الدعوة وتهيئ له طائرة خاصة لنقله لكنه كان يقول : (آني عندي عائلة بالعراق.. وسفري إلى جمهورية إيران سيكلفني أن أتعب عائلتي). والكل يفهم ويعرف هذا الشيء في ذلك الوقت وما هو نوع التعب.. ولم يسافر إلى إيران منذ تلك السفرة حتى لحظة وفاته.. وكان كله شوق لزيارة إمامنا الثامن الإمام الرضا (ع)، وكان ذلك واضح في أشعاره وعلى وجه الخصوص أثناء مرضه.
وأما المملكة السعودية فقد زارها فقط لأداء مراسم الحج والعمرة في أوائل السبعينيات.
مكونات شخصية الوائلي
لقد استطاع الشيخ الوائلي أن يحقق إنجازاً عظيماً في الخطابة الإسلامية والمنبر الحسيني. ويعود ذلك إلى أن شخصيته تفاعلت فيها عدة مكونات منها:
1-درس العلوم الإسلامية في الحوزة العلمية ، فاكتسب عمقاً ومعرفة كبيرة بالفقه والأصول والبلاغة والسيرة والتاريخ والتفسير والحديث. فالوائلي لم يدخل هذا المدخل اعتماداً على الحفظ أو الصوت أو اللياقات الجسمية، بل حاز نصيباً كبيراً من العلوم الدينية طورت قدرته على التحليل والمقارنة والاستدلال مثل أي فقيه آخر. كما أن دراسته للتاريخ الإسلامي وسع من رؤيته التي انفتحت على كل المشهد الإسلامي بتاريخه الذي يمتد خمسة عشر قرناً.
2- دراساته الأكاديمية وحصوله على درجة الدكتوراه في القاهرة، جعلته يفكر بطريقة منهجية وموضوعية بعيدة عن التحيز والأحكام المسبقة.
3-اطلاعه الواسع على مؤلفات كبار علماء أهل السنة في السيرة والتاريخ والحديث، وكذلك تفاسيرهم المشهورة للقرآن الكريم مثل تفسير القرطبي وتفسير الرازي اللذين كان يستشهد بهما كثيراً في محاضراته.
4-نشأ الوائلي في النجف الأشرف وهي بيئة غنية بالفكر والفقه والأدب ، وتموج بتيارات فكرية وثقافية وشعرية.
5-أن الوائلي نفسه كان شاعراً مفوهاً مقتدراً، وكثيراً ما ينشد من أشعاره في محاضراته. وله دواوين شعر ومطارحات شعرية مع كبار الشعراء.
6-الوائلي متابع جيد لآخر النظريات العلمية وخاصة في مجالات الطب والكيمياء والفيزياء والفلك والمخترعات والاكتشافات العلمية. وكان يوظف هذه المعلومات في محاضراته لتخدم الفكرة التي يناقشها.
7-كان الوائلي مطلعاً على الأفكار والفلسفات الغربية والعلمانية والاشتراكية والشيوعية. الأمر الذي مكنه من عقد مقارنات موفقة بينها وبين الفكر الإسلامي أو الأحكام والمفاهيم الإسلامية.
8-ملكات شخصية انفرد بها و ميزته عن الخطباء الآخرين كالحضور الفكري وسرعة البديهة واقتناص الشاهد التاريخي والإسلامي ، وبلاغة في الكلام ، وعبارات مسبوكة .
مدرسة الوائلي في الخطابة
لم يقلد الوائلي من سبقوه في الخطابة بل ابتكر مدرسة بدأت به واستمر بها طوال النصف الثاني من القرن العشرين. وقد أبدع الوائلي في ترسيخ معالم هذه المدرسة العريقة حيث قامت بتغيير الخطابة التقليدية التي كانت سائدة قبله بشكل جذري. فقد شمل التغيير الشكل والمضمون، أو الإطار والمحتوى . فقد ابتكر نمطاً جديداً حيث يفتتح المجلس الحسيني بقراءة آية من القرآن ، ثم يبدأ بتفسير الآية متناولاً الآراء المتعددة التي وردت في تفسيرها أو أسباب نزولها. ثم يتوسع فيما تتضمن الآية من مفاهيم اجتماعية وفكرية وفقهية وأخلاقية. وغالباً ما يعزز رأيه بقصص تاريخية أو أحداث من واقع الحياة من أجل تقريب الفكرة للسامع. كما أن قد يذكر بعض القضايا العلمية التي تحث العقل على التفكير بين آيات الخالق وابتكارات المخلوق.
هذا الأسلوب حبّب المجلس الحسيني للناس حتى باتت جميع طبقات الشعب ومن مختلف الشرائح الاجتماعية تحرص على سماع محاضراته، ففيهم المثقف والأكاديمي والعسكري والموظف والعامل والكاسب والتاجر والطالب، من نساء ورجال ، شيوخ وشباب وفتيان، كلهم يتفقون على حبهم واحترامهم لهذا الشيخ الذي يبشر بالتعاليم الإسلامية وبمبادئ الثورة الحسينية إلى جانب المنجزات العلمية والطبية. لقد استطاع الوائلي أن يحقق نقلة نوعية في المنبر الحسيني ، ونقلة كمية عندما اجتذب هذه الجموع الشعبية إلى المنبر الحسيني.
لقد قام الوائلي بتخليص المنبر الحسيني من الخرافات والأساطير والأخطاء والأقاويل. وقام بتهذيب الحزن والبكاء وحولّه إلى أسلوب جديد في الوعي السياسي والفكري والتربية والأخلاق. فهو لم يلغ البكاء على الحسين كما اعتاد السامعون والحاضرون للمنبر الحسيني على مدى التاريخ، لكنه قدّم مصيبة الإمام الحسين (ع) وأهل بيته من خلال العروج عليها في ختام المحاضرة عبر الربط بينها وبين مشهد معّين من حادثة الطف، ويقرأ أبياتاً من الشعر العمودي والشعبي يهز بها مشاعر الحاضرين ويؤجج عواطفهم، بعد أن حلّق بهم في سماء الفكر والعلم والأخلاق.
برز الشيخ الوائلي في فترة الخمسينيات والستينيات، وهي فترة امتازت باجتياح المد القومي والشيوعي والطائفي للمشهد السياسي والاجتماعي العراقي. فكانت مسؤوليته جسيمة من أجل توجيه الجماهير المؤمنة إلى هذه الأخطار وعدم الخضوع لها أو خوض غمارها، فحافظ بذلك على توازن الشخصية العراقية الملتزمة. لقد نجح الوائلي في مهمة التوعية الجماهيرية من خلال تحسين أداء المنبر الحسيني، وجعله مدرسة عامة لكل الراغبين في الوعي والاستقامة والإيمان. لقد استطاع الوائلي بأسلوبه الخاص أن يكمل ما كان يقوم به علماء الحوزة العلمية والمرجعية الدينية من توجيه الأمة نحو الإسلام وتعاليمه ومبادئه، ونحو التمسك برمز التشيع الإمام الحسين (ع) وثورته التي صارت مناراً لكل الثوار والأحرار.
انفتح الوائلي على جميع قطاعات الأمة، فكان الجميع يحترمه، حتى المختلفين معه في الرأي. كان يحظى بثقة الشيعة والسنة، العراقيين وغير العراقيين. فقد كان متواصلاً مع المسلمين في بقاع كثيرة، في سوريا ولبنان والكويت والإمارات ومصر وسوريا وأوروبا وغيرها. ولم يكن يشعر سامعه بأنه يختلف عنه لا في الوطن ولا في المذهب، لأنه كان من الوعي والعبقرية ما يجعل غير الشيعي يحترم موضوعيته وإنصافه.
في السبعينيات كنت شخصياً أحرص على حضور مجالسه التي يقيمها في ليالي رمضان الكريم في جامع الخلاني أولاً ثم في جامع الهاشمي في الكاظمية. وكنت أشاهد الآلاف من الناس التي جاءت لسماع محاضراته والحرص على الاغتراف من علمه وأدبه. وكانت المساجد تمتلئ، لتفرش الشوارع المجاورة كي يجلس الناس عليها. وكثيراً ما كانت حركة السير تتوقف حيث تجد باصات مصلحة نقل الركاب وسيارات الأجرة والسيارات الخاصة متوقفة حتى تنتهي المحاضرة التي حرص الشيخ أن تبقى محددة بثلاثة أرباع الساعة فقط. لقد فرض الوائلي على كل من سمعه أن يتابع خطبته حتى النهاية، ويحرص على متابعة بقية الخطبة الحسينية. وبقيت أشرطة محاضراته جزء هاماً من التراث الإسلامي المعاصر التي تعبر عن مرحلة هامة من الصحوة الإسلامية من خلال مفردات المنبر الحسيني الذي لعب دوراً في بناء وعي الجماهير.
وكنا كشباب جامعي غالباً ما نراجعه بعد انتهاء المحاضرة لنسأله عن هذه الفكرة أو ذلك المفهوم، فنجد منه صدراً مفتوحاً ووجهاً مستبشراً، يسمع لنا ونسمع له، يحاورنا ونحاوره، نسأله عن مصادره فيجيب بلا تثاقل أو عجلة. هكذا كان خلقه، أخلاقه أخلاق العالم المتواضع مع حنين أبوي لكل الناس.
تجاربه مع المنبر
كان لابد للشيخ صاحب المنبر العريق أن ينقل تجاربه سواء إلى الخطباء الذين يسيرون على دربه في خدمة الإسلام ونشر الوعي الإسلامي، أو إلى الجماهير من مختلف فئاتها من مثقفين وعلماء ومتدينين كي يتعرفوا بشكل أوسع على هذه المدرسة الإسلامية ، فأصدر كتابه (تجاربي مع المنبر) ليودع فيه حصيلة عمره وجهوده خدمة للثقافة الإسلامية.
يقول الشيخ الوائلي في إهداء الكتاب (حملتُ الحسين وهو كل ذلك ، واعتمرته مجداً في الدنيا ، وشفيعاً في الآخرة. لقد رحل من هؤلاء الأخوة من رحل والحسين بين شفتيه ترنيمة قدسية ، وبقي الحاضرون ومن يتلوهم امتداً عازماً على مواصلة المسيرة ، وأملاً لا حدود له أن يشمله شرف الانتماء وتحضنه رحاب آل محمد خادماً مخلصاً يأخذ بحجزة أسياد يوم يُدعى كل أناس بإمامهم).
في (تصوراته حول المنبر) يحذر الشيخ الوائلي من المتطفلين على المنبر أو ممن لا يتثبتون مما ينقلونه لجمهورهم، خاصة وأن هناك من يتربص بهم، فيكونون مادة للتشهير والطعن. (ومن المؤسف أن بعض المنابر قد لا يكون متثبتاً في نقله أو يكون متسرعاً في أحكامه أو ليس على علم بما يعالجه من موضوعات. وقد جاءني أكثر من واحد منا ومن غيرنا يحملون بأيديهم شرائط مسجلة لخطباء سلفيين يحملون فيها على بعضهم فينعتونه أولاً بأنه من علماء الشيعة، وهو لا صلة له بالعلم. إنهم يحسبون أن من لبس عمة كبيرة ويحسن أن يصوغ بعض الألفاظ من العلماء. وقد تتبعوا أقوال هؤلاء وما ينقلونه عن بعض المؤلفات لأهل السنة فلم يجدوا له أثراً، فانتزعوا حكماً مفاده أن كبار علماء الشيعة يكذبون. كما أشاروا إلى نظريات في مختلف أبعاد العلوم ليست صحيحة، وإحصائيات ليست مضبوطة، وقالوا هذه هي منابركم. فقلنا لهم أن كل فئة تختص بعلم أو عمل لابد أن يوجد فيها نموذج من هذا القبيل. فليس من الصحيح أن يحكم على فئة كاملة بتصرفات فرد. وأتذكر أن أحدهم قال لم لا يتصدى علماؤكم لمنع أمثال هؤلاء من الخطابة؟ فقلت لهم: لأنهم لا يملكون قوة تنفيذية كما تملكون أنتم. ولذلك لا قدرة لهم على ضبط أمثال هذه الأمور).
أخلاقيات المنبر
يذكر الشيخ الوائلي أخلاقيات المنبر وهي:
1- أن يستهدف عمل المنبر وجه الله تعالى قبل وبعد كل شيء، فإن حاد عن هذا الهدف تحول المنبر إلى دكان لعرض بضاعة. ولا ترتفع به عن هذا المستوى وتعجل بنهايته.
2- الارتباط بالصالح العام والارتفاع إلى هذا المستوى بعيداً عن التحول إلى مدية بيد فئة أو فرد ضد فئة أو فرد آخر بدوافع شخصية.
3- ارتفاع ممارسة العمل المنبري عن إرضاء القاعدة الهابطة على حساب الحقائق والقيم وعلى أشلاء العقل والذوق. وكل ذلك لتحصيل مكانة أو سمعة أو استقطاب جمهور من أجل سحب البساط من تحت رجل آخر.
نصائح لخطيب المنبر
بعد أن يوضح أهمية الخطابة ودورها في المجتمع، يقدم الشيخ الوائلي نصائحه للخطيب لتقديم الخطبة الحسنة فيذكر:
1-أسلوب الطرح وهو أمر هام، يكون له أبلغ الأثر على السامع، كما يحدد مكانة الخطيب ومنزلته من نفوس السامعين، ومن سكب المضمون الذي يريد إيصاله في عبارات مناسبة ومهذبة تخلو من التبجح والادّعاء.
2- ارتباط أسلوب الطرح بظروف الأداء، فما يطرح في زمان قد لا يصلح للطرح في زمان آخر. وكذلك بعض ما يطرح في بعض الأمكنة قد لا يطرح في مكان آخر. فليس من الذوق في شيء أن تطرح في مجلس كله من الناس العاديين الأدلة الأصولية أو الفقهية على الغسل أو المسح على الرأس في الوضوء.
3-يتعين تتبع العلامات البارزة والأحجام المرموقة التي لها إسهام في المشاركة بالطف. فإن ذلك بالإضافة إلى كونه مادة دسمة في مضمون المنبر، فإنه يثبت معنى القدوة في نفوس قد تكون ضعيفة تشعر بالتذمر من ممارسة أمثال هذا اللون من الشعائر. فعلى سبيل المثال إذا عرف السامع أن شرائح متنوعة ولامعة في تاريخنا كانت تقيم مجالس العزاء للحسين (ع) كالفاطميين والبويهيين والحمدانيين وبعض حكام الهند من غير المسلمين، وإسهامات الكتاب الغربيين في تأبين الحسين، سيساهم ذلك في تحقيق الهدف المطلوب من أهمية الواقعة وتأصيلها في النفوس.
4- العمل بمهارة على وضع المستمع المسلم أمام مسؤوليته في عدم التحرج من عمل يحبذه الإسلام بتشريعه وأشخاصه نظريةً وممارسة، ودعوة المسلمين إلى فهم ذلك جيداً لجعل المسلمين في هذه الأجواء، وعدم ابتعادهم عن أمر يحقق لهم أجراً وإفادة في فهم خلفياتنا التاريخية وتصحيح كثير من المسارات التي أخذ المنبر يساهم في إلقاء الضوء عليها. فأنا واثق من أن كثيراً من المسلمين يجهلون أدلة مشروعية المجالس الحسينية وإباحة البكاء على مطلق الموتى من المؤمنين والحزن عليهم ورثائهم بدليل بكاء النبي (ص) على عمه أبو طالب وعلى عمه حمزة ويوم شهادة شهداء معركة مؤتة ويوم وفاة ابنه إبراهيم.
كيف نطوّر المنبر الحسيني
أولاً: الهيكل التراثي الموروث
الذي رافق بدايات المنبر بالشكل والمضمون والذي نحرص أشد الحرص على الاحتفاظ بكثير من جوانبه كآليات متوارثة لها مكانها في عمق الوجدان، وضرورتها لكونها جذوة لا نريد لها أن تخبو. ولكن في نفس الوقت نبحث عن أسلوب يجمع بينها وبين الأطار السليم الأكثر قبولاً عند الزمن وأهله. ولتوضيح ذلك نقول:
1-ينبغي انتقاء مادة المنبر خالية من الشوائب والتهافت ولتكن المادة غاية في البساطة فهي خير من مادة يحسب البعض أنها دسمة ولكنها غير سليمة في أجزائها.
2- لا داعي لأن تستوعب المناسبة كل وقت المحاضرة وإنما تجعل مجرد خاتمة في نهاية المحاضرة شرط أن لا نلتمس لها صنفاً من الشعر الهابط أو النصوص المتسمة بالركة مما لا يتناسب وأهمية الموقف وكرامة أهل البيت (ع).
3- أن نستفيد من حشود الذكرى فنطرح موضوعاً من المواضيع التي تعالج موقفنا من جسم الأمة الذي يتعرض لافتراءات لا نهاية لها أو موضوعاً أخلاقياً أو عقائدياً يشدنا إلى مدرسة أهل البيت ويحقق مطلب الإمام الصادق (ع) بقوله أحيوا أمرنا.
4- إن تكريس اليوم العاشر لقراءة المقتل واستعراض الواقعة كلها من مقدماتها حتى النهاية في حين أنها مرت مفصلة خلال الأيام العشرة وتكرر سماعها في أكثر من مجلس حتى أصبح السامع يكرر مقاطعها قبل الخطيب: إن ذلك يزاحم ما قد نراه أهم من ذلك ألا وهو شرح أسرار نهضة الحسين وأهدافها وتسليط الأضواء على الخلفيات، ورد الافتراءات ومحاولات تفريغ الواقعة من محتواها الاجتماعي، أو ربطها أحياناً بأمر شخصي رخيص أو عداوة قبلية، أو تصوير إحياء مراسم الطف بأنه نمط من أنماط الشعوبية التي تستهدف الإسلام والعرب، وكأن الحسين ليس ابن سيد العرب ولا سيد شباب أهل الجنة. إن لفت انتباه الأمة لذلك أهم وأجدى من تكريس مقتل مر مضمونه مفصلاً، ثم بعد ذلك تكريس فترة لشرح فظاعة المأساة وبشاعة المجزرة التي استهدفت قتل رسالة النبي في تمزيق صدور حامليها، وإعطاء اللوعة حصة يبرد معها الغليل.
ثانياً: وسائل استدعاء الحزن
فإن الخطيب قد يبذل جهداً بصورة مبالغ فيها أحياناً، تحشد فيها صنوف الشعر بلغتيه الدارجة والفصحى، وبشكل يبدو عليه التكلف وتضاف إليه مقاطع من بعض النصوص والتوليديات لتتظافر جميعها في إبكاء الحاضرين. إن مسألة البكاء والدمع ونشر الظلامة وظفت من أهل البيت لتكون وسيلة فاعلة في لفت النظر لما جرى في واقعة الطف وتجنيد النفوس لاستشعار مصيبة أهل البيت لا لتكون غاية في ذاتها تطغى على الهدف الأهم. إننا إذا أسرفنا وأكدنا على الدمع على حساب الأهداف الأخرى وقعنا فيما لا ينفع بل يضر، فإن لذلك نتائج هي:
1- حصر الحسين في نطاق الدمع والمأساة بينما هو ثورة على الباطل ومنهج سلك الشهادة لبناء مجتمع، ولرد طغيان، ولوقوف بوجه باطل.
2- إن تكريس ردود فعلنا عن واقعة الطف بالدمع ومداومتنا عبر قرون على هذا الجانب فقط له مردود سلبي على عنفوان متوقع ورجولة نريد لها الاستمرار.
3- حينما طغى الدمع في مراسم الواقعة استأثر بامتلاك المزاج الشعبي .
ثالثاً: الخروج بالمنبر عن ساحة طائفة خاصة إلى الساحة الإسلامية، بل والإنسانية. إن الحسين (ع) في تحركه حمل هموم الانسان من جانب والانسان المسلم من جانب آخر، وعمل مجاهداً على توفير ما يصون الكرامة ويحفظ الحقوق ويرتفع بالفرد عن أن تناله أغلال الاستعباد بشكل وبآخر.
إن المحتوى الاجتماعي للنهضة تقتضي عرض الحسين (ع) أطروحة إنسانية عامة في إطارها الإسلامي بما يستلزم من اتقان المعارف ذات الصلة بالموضوع ، والعلوم التي تعتبر دخيلة في إعطاء المنبر الصفة العلمية. إن البعض يرى أن هذا المعنى أمر خارج عن وظيفة المنبر ولا يدخل في مساحته ، بل ولا يعني الشرائح المتنوعة من رواده.
رابعاً: التخصص في أبعاد المنبر أي الدائرة العلمية والإسلامية وما يرتبط من علوم وفنون تخدم الهدف الإسلامي وتكون شاهداً على متانة مضمونه وأهدافه الإنسانية. وللتوضيح يقال: إن المنبر قد يقوم بدعوة إلى تجسيد المفاهيم الإسلامية ومنها الجوانب الاجتماعية التي منها نظرية الحكم والإدارة فيشرح معالجة الإسلام لذلك ويدلل على أن الإسلام ليس عبادة محضة بل نظام يتناول كل أبعاد الكون بالمعالجة إما مباشرة من النص أو بتوسط استنباطات الفقهاء ويدعو إلى تجسيد مفهوم العدل وتوفير الفرص المتكافئة من وجهة نظر الشريعة.
إن دخول المنبر في عملية مواجهة مع الحاكم وهو لا إلمام له بالشؤون السياسية ولا الاطلاع على خلفياتها فتترتب عليه أمور لا تخدم المسلمين بل قد تؤدي إلى العكس وذلك لأن:
١-الدعوة مثلاً إلى مقابلة فلان الحاكم علانية عمل أبله وليس مكانها المنبر بل مكانها أقبية العمل ودهاليز السياسة ، فليس من الحكمة في أن تستحث عدوك ليتهيأ لك.
٢- إن الأنظمة القائمة على القهر والظلم لا تحركها أو تزحزحها كلمة رنانة ، ولا جملة مرصوفة ، لأنها قد تدرعت بوسائلها الجهنمية وأدواتها الفاجرة ، ولها أذن صماء.
٣- لكل عمل كما لكل علم مناهجه ووسائله ، كذلك للإنجازات السياسية مناهجها المعرفة والأدواتية وأمكنة العمل الملائمة. فمن الرقابة بمكان ما يقوم به البعض من استعراضات هي للتهريج أقرب منها للعمل المنتج. وهي إما تكون صادرة عن بساطة على أحسن الفروض أو عن هدف تجاري رخيص قد يضع المبرر في يد نظام ما لضرب المؤسسات المسلمة دون شيء تجنيه من وراء ذلك. وكم من تضحيات ذهلت هدراً ، ودماء راحت بدون ثمن لأنها عولجت من غير أهلها ، وفي غير محلها ، ولأنها لم تتقن وسائلها.
خامساً: معالجة المنبر لميادين الحياة
إن طرق المعالجة للواقع القائم التي انقسم ذوو الشأن فيها إلى قسمين:
الأول يرى أن المعالجة يجب أن تكون على شكل سريع وحاسم ، ولا جدوى من المعالجة البطيئة وحججهم في ذلك هي:
١-أن هناك في هذا الوقت قبولاً واستعداداً في النفوس بفعل عوامل مختلفة لإصلاح المنبر ، فينبغي أن نبادر لاستغلاله ، فربما لا يستمر وتذهب علينا الفرصة.
٢- إن المعالجة البطيئة تترك الباب مفتوحاً للنوع الهابط من الدخول إلى عالم المنبر.
٣- إن الأمر لا حل وسط فيه ، فإما أن يكون أو لا يكون. فما الداعي للبطيء بل لا بد من جذري حاسم يعمل على إيجاد النوع المطلوب وإبعاد من لا يراد عن الساحة.
الثاني : القائلون بالتؤدة والعمل المتأني وأهم مبرراتهم:
١-إنما يدعى من استعداد للإصلاح موجود دائماً لا يخشى عليه مادام هناك نزوع رائده خدمة الدين والعقيدة ، فلا داعي لحرق المراحل.
٢- إن كل منبر موجود بالفعل هو طاقة ولو كانت محدودة أو ساذجة ، فما المبرر لإهدار هذا الطاقة؟ فإذا قيل أنها طاقة سلبية فالمروض أن نلتمس لها وسائل تحولها إلى طاقة إيجابية بدون أن تهدرها.
٣- إن طبيعة المعالجة البطيئة أقرب إلى التكامل والتعرف على الثغرات من السريعة التي لا يتبيّن معها ما قد أنجزناه بالسرعة.
٤- إن العمل على إيجاد منبر مرتفع عن طريق حشد شروط وضوابط شديدة قد يمنع من إقبال الكثير على هذه المهنة لأنها :
أولاً: ليست كالوظيفة مضمونة الأجور ، ولا هي مضمونة القبول عن الناس ، فقد يوفق الخطيب وقد لا يوفق.
ثانياً: إن متطلبات النجاح بها أصبحت صعبة من حيث المعلومات وتوفير ظروف ممارستها من ناحية سياسية واجتماعية.
ثالثاً: إن الأعباء التي ينوء بها المنبري الضليع تهدمه بسرعة لثقلها . وإذا انهدم قد يتعذر عليه القوت لإنه ليس هناك من يكفله كما في باقي المؤسسات – وليس ذلك قلة ثقة بما عتد الله تعالى ربط الأسباب بمسبباتها فيما خلق ، وعلى العموم ومع ذلك كله ما هو المبرر لنا لإضافة أعباء بالإضافة إلى ما ذكر ، والحيلولة دون إنسان ورزقه لم لا نقبله على علاته ونطور خطاه ونتركه يرتفع بمستواه تدريجياً.
شعره
يتميز شعر الشيخ الدكتور أحمد الوائلي بفخامة الألفاظ وبريق الكلمات وإشراقة الديباجة، فهو يعنى كثيراً بأناقة قصائده، وتلوين أشعاره بريشة مترفة. وهو شاعر ذو لسانين فصيح ودارج، وقد أجاد وأبدع بكليهما، وكلها من القصائد الرائعة. وقد جرى الشعر على لسانه مجرى السهل الممتنع بل كان يرتجله ارتجالاً.
ورسم الشيخ الوائلي قصائده المنبرية بريشة الفنان المتخصص الخبير بما يحتاجه المنبر الحسيني من مستوى الشعر السلس المقبول جماهيرياً وأدبياً فكانت قصائده في أهل البيت طافحة بالحرارة والتأثير.
وللوائلي دواوين مطبوعة تحت عنوان الديوان الأول والديوان الثاني من شعر الشيخ أحمد الوائلي، وقد جمعت بعض قصائده التي تنوعت في مضامينها في ديوانه الثالث المسمى باسم (ايقاع الفكر) والتي كانت من غرر أشعاره في المدح والرثاء والسياسة والشعر الأخواني. كما وله ديوان شعر رابع جمع فيه قصائده في النبي (ص) واهل البيت الكرام واسماه (ديوان الشعر الواله في حب النبي وآله).
مؤلفاته
كتبَ الوائلي عدة كتب :
١-(هوية التشيع) الذي رد فيه على ادعاءات بعض المستشرقين والباحثين السنة بأن التشيع فارسي الأصل، فرد عليهم بأسلوب منهجي وتاريخي يثبت فيه عروبة التشيع. وكتب الوائلي (من فقه الجنس في قنواته المذهبية) الذي يناقش فيه قضايا الزواج في الإسلام مثل تعدد الزوجات وزواج المتعة والزواج بالرقيق والزواج بالكتابيات. وهو كتاب في الفقه المقارن حيث استشهد بآراء ونصوص من مؤلفات أهل السنة. وذكر فيه آراء طريفة من قضايا الزواج والعقد والبنوة وغيرها.
٢- (تجاربي مع المنبر) الذي تناول فيه أهداف المنبر وتجربته الشخصية طوال نصف قرن.
٣- ( نحو تفسير علمي للقرآن)
٤ – ( دفاعٌ عن حقيقة التشيع)
٥- (من فقه الجنس في قنواته المذهبية الخمس)
٦- (أحكام السجون بين الشريعة والقانون)
٧- (استغلال الأجير وموقف الاسلام منه)
٨- (السيدة زينب الكبرى (ع))
وله مؤلفات مخطوطة. مثل:
– (الأوليات في حياة الإمام علي بن أبي طالب)
– (الخلفية الحضارية لمدينة النجف الأشرف)
– (مباحث في تفسير القرآن الكريم)
– (منتجع الغيث في الصحابة والأعلام من بني ليث)
– (جمعيات حماية الحيوان في الشريعة الإسلامية)
– (الأدب في عصوره الثلاثة)
-(رسالة الشيخ الشبيبي في الأدب)
-( مقدمة كتاب الألفين للشيخ العلامة الحلي)
– (حجية ظواهر القرآن)
-(الصحيح والأعم في علم الأصول)
– (مفهوم البداء)
وفاته :
أصيب الشيخ الوائلي بمرض السرطان في الجهاز الهضمي في أواخر فترة اغترابه خارج العراق، ثم عاد إلى العراق بعد سقوط نظام البعث وذلك يوم 4 تموز 2003. ولم يمكث في بغداد سوى 10 أيام حتى وافته المنية في داره بمدينة الكاظمية المقدسة في ظهيرة يوم الإثنين 14 جمادى الأولى 1424هـ الموافق 14 تموز 2003م. وقد أصبح بيته متحفاً له .
تشييعه :
شُيع الخطيب الشيخ الوائلي تشييعاً مهيباً لم تشهد مثيله شخصية في تأريخ العراق الحديث، حيث كان تشييعاً كبيراً حضرته جموع المشيعين من جميع أنحاء العاصمة العراقية بغداد، وأدى تزاحم وزخم توافد الحشود إلى تعطيل دفن الجثمان حتى غروب شمس يوم الاثنين، مما اضطر أسرة الفقيد إلى مبيت الجثمان في مسجد براثا في منطقة العطيفية انتظاراً لاستكمال تشييعه في اليوم التالي، الثلاثاء 15 تموز.
وفعلاً استكمل تشييع الفقيد الوائلي؛ بشكلٍ أوسع وأكبر، في تشييع يليق جداً بما قدمه رحمه الله للإسلام والانسانية. إذ جابت الحشود والجماهير بجُثمانه عدة مدن عراقية ابتداءً بالكاظمية المقدسة مروراً بمدينة الحلة فمدينة كربلاء المقدسة وصولاً إلى الكوفة فالنجف الأشرف.
دفنُه ومرقده :
دُفن الشيخ الوائلي في مثواه الأخير في مدينة النجف الأشرف، في مقبرته الخاصة داخل مرقد الصحابي كميل بن زياد (رض) في منطقة الحنانة. وأضحى اليوم مزاراً ومقصداً لمحبيه وجميع المنتفعين من نهجه وخطابه المرشد لأهاليه ولمجتمعه وبلاده.
المصادر
١-الشيخ أحمد الوائلي (تجربتي مع المنبر)
٢- وائل علي الطائي (السيرة المفصلة لحياة الخطيب الدكتور الشيخ أحمد الوائلي)
٣- صلاح عبد الرزاق (أحاديث عشوراء) ، (منهج الشيخ الوائلي في المنبر الحسيني)
10-12-2024, 13:25 الكيان الصهيوني يسعى لتدمير سلاح الجو السوري بالكامل في غضون أيام
اليوم, 18:02 قامات عراقية خالدة - ٦ .. الشيخ أحمد الوائلي منبر رصين ومدرسة تربوية
د. صلاح عبد الرزاقاليوم, 14:47 العراق امام مصير صعب
حافظ آل بشارة6-12-2024, 22:03 العراق والوقاية من تداعيات الأزمة السورية
علي المؤمن5-12-2024, 10:17 قوة الصهاينة تبرهن على لؤمهم
حسن العاشور