قامات عراقية خالدة – ٩ .. محمد مكية رائد العمارة العراقية الحديثة
"Today News": بغداد
١٨ كانون الأول ٢٠٢٤
المعمار محمد مكية (١٩١٤- ٢٠١٥) قامة عراقية ظلت شامخة لقرن من الزمان ، تفيض عطاءً وابداعاً وعبقرية. رسم بصماته المعمارية في العدية من الانجازات والعمارات والأبنية في العراق والخارج. اشتهر بمزاوجة الأصالة والتراث وبين المكان والحداثة ، فأسس بذلك مدرسة معمارية خاصة به.
الأسرة والنشأة
ولد محمد صالح مكية عام ١٩١٤ وهو ابن صالح عبد العزيز مكية في محلة صبابيغ الآل القريبة من دار الخلافة حيث جامع الخلفاء، وهي محلة قديمة وسط بغداد تسكنها العائلات الثرية. توفي والده عندما كان محمد لا يزال رضيعاً ، فذهبت أمه بهية للعيش مع خاله عبود الذراع. فكان تأثير أخواله أعمق من تأثير بيت مكية.
تعود جذور العائلة العربية إلى جنوب العراق حيث تنحدر من قبيلة ربيعة ، من فرعها المعروف ببني سعد. فكانت الأسرة تفتخر بأنها من عشيرة المرضعة حليمة السعدية التي أرضعت النبي محمد (ص).
وكان جد الأسرة قد هاجر من الجزيرة العربية إلى العراق ، فاستقر في الناصرية حيث تأسست الحضارة السومرية وبجوار الأهوار. ثم هاجرت الأسرة إلى بغداد ، لكن أسرة والدته حافظت على علاقات وثيقة بالجنوب ، فزيارات قريبتهم السيدة زريجة بين حين وآخر تعيد للأسرة ذكرياتها القديمة ، وتبعث فيها من جديد الحنين إلى تلك الجذور. تأتي السيدة زريجة محملة بالهدايا من منتوجات الجنوب الخصبة مثل التمر وغيره. ويتذكر محمد مكية فيقول: تلك الغرفة القريبة من أسواق الشورجة المفروشة التي تمتلكها زريجة ، وهي بمثابة مصلى يجاور أهم حمّام من حمامات بغداد. كانت السيدة مثالاً للمرأة الجنوبية ، تشبه صورتها المرأة التي رسمها جواد سليم في إحدى لوحاته.
كانت أسرته تعمل في تجارة الغزل والنسيج والاقمشة والملابس. توسع الجد عبد العزيز والجدة مكية وذريتهما في تجارة الحرير ، وهو أفخر أنواع النسيج يستورد من الصين عبر طريق الحرير الذي ينتهي بموانئ البصرة. ثم تولى الوالد الحاج صالح وأخوته وأبناؤهم مهام التجارة في سوق البزازين. وكان خزعل مكية يعمل في تصدير النسيج واستيراده بين بغداد وحلب ، وذلك بعد زواجه بسية حلبية. وكان مخزن ابن العم كاظم مكية للأقمشة مشهوراً ببغداد بالأقمشة المستوردة من الخارج وخصوصاً الأقمشة الإيطالية. فكاظم مكية كان أول من نافس اليهود في الاستيراد من الخارج ليصبح فيما بعد من تجار بغداد الكبار في الغزل والنسيج . وقد استقطب لمتجره زبائن من العائلات الغنية من يهود ومسيحيين ومسلمين.
أنجب الحاج عبد العزيز ثمانية أولاد وكان صالح هو أكبرهم ، ولد عام ١٨٦٠ . والباقي هم: وهيب ، صافي ، حسن ، غناوي ، عبد وعبد المجيد ، وأخت واحدة هي صفية. كانت دور أخواله متواضعة مقارنة بمنازل أعمامه الميسورين حيث الدواوين العامرة التي تفتح في الأعياد وعاشوراء ، وتقام فيها موائد الإفطار طيلة شهر رمضان.
تزوج الوالد الحاج صالح بالسيدة بهية الذراع رغم فارق السن بينهما حيث كان يربو على الخمسين بينما هي في أول العشرين لأنها من مواليد ١٨٩٠. وعندما توفي بالسرطان تركها وهي شابة وعمر محمد مكية خمس سنوات. أنجب صالح كل من محمد وعبد العزيز ومهدي وحمودي ومصطفى.
كان الوالد متديناً لا يعترف بشرعية دينية أو قانونية أو مذهبية غير شرعية المؤسسة الدينية بالنجف الأشرف. ولم يلتفت لمذهب الدولة العثمانية حيث كان المذهب السني هو المذهب الحكومي. وكان يحرص على تسليم الحقوق الشرعية للمرجع الأعلى. وعندما توفي الحاج صالح مكية صلى على جنازته السيد محسن الحكيم . وكان ذلك قبل أن يتولى الحكيم المرجعية بحوالي ثلاثين عاماً.
لقب مكية
في العادة تكتسب العائلة لقبها من مهنة جدها أو المدينة أو المحلة التي ينتسب إليها. وغالباً ما يكون اللقب تابع للجد الأعلى. ولكن هناك حالات نادرة تأخذ الأسرة لقبها من سيدة مثل بيت الحجية أو بيت بنية أو بيت بهية غيرها.
جاء لقب (مكية) من جدة العائلة التي كانت متزوجة بالجد الثالث عبد العزيز ، الذي كان يشرف على خان للعائلة في سوق الغزل ، وكان يبعث الغزل أو النسيج إلى منطقة العبخانة حيث صناعة العباءات ، أو يُصدّر عبر بواخر شركة لينج إلى مصانع النسيج الإنكليزية.
بعد وفاة الجد عبد العزيز حوالي نهاية القرن السابع عشر ، تولت الجدة مكية رعاية الخان لتسيير مصلحة الغزل والنسيج فيه. كانت مكية سيدة عصامية تخطت العادات والتقاليد. فخروجها من البيت وتعاملها مع تجار السوق ، في ظل الحقبة العثمانية ، قد وفّر لها مكانة اجتماعية ، فبرز اسمها متفوقاً بين أقرانها من تجار الغزل والنسيج وسط بغداد، ثم ليختفي اسم الحاج عبد العزيز ، لتُعرف العائلة باسم مكية.
وكان كاظم مكية ابن عم محمد صالح أول من استخدم لقبة مكية على واجهة متجره في عمارته المعروفة في شارع المستنصر القريبة لعمارة شركة بيت لينج ، وهي شركة للنقل البحري أسسها مجموعة أخوان انكليز. أما والد محمد الحاج صالح فلم يستخدمه لأنه عميد الأسرة وصاحب ديوانها المفتوح طوال أيام شهر رمضان وعاشوراء. ولكن عندما وصل محمد مكية إلى بريطانيا عام ١٩٣٥ سجل لقبه (مكية).
العمة صفية
يتحدث مكية عن عمته صفية شقيقة الوالد الوحيدة لأن ذرية الجد عبد العزيز كانت ستة أولاد وبنت واحدة ، يقول: كان صفية دائرة معارف لتاريخ العائلة. ولدت صفية في منتصف القرن التاسع عشر ، وتحفظ قصصاً كانت تقصها علينا ، فهي مؤرخة شفاهية ناجحة ، امتازت بذاكرة قوية. ولذلك أصبحت تلقائياً محدثة الأسرة الرسمية عندما يتعلق الأمر بتاريخ وعلاقات اجتماعية أو ذاكرة عامة. جعلت منها لباقتها قارئة أو ملّة جيدة في مجالس التعزية ، تدعى في المناسبات الخاصة بالعائلة فقط ، فقد تجدها متفوقة على قارئ المجلس الحسيني. ورغم اعتراض أخيها عبد المجيد مكية إلا أنها كانت مقنعة وذكية ، أخذت على عاتقها جمع شمل الأسرة في البيت الكبير بعد غياب أخيها الوالد الحاج صالح. ولها نقائض شعرية مع الشاعر الشعبي ملا عبود الكرخي ، وذلك بحكم المصاهرة بين الأسرتين ، آل مكية وآل الكرخي. فالعم عبد المجيد مكية كان متزوجاً بعد وفاة زوجته الأولى ، من ابن أخت الشاعر ، وهي أم ناصر مكية. وكان الملا عبود الكرخي يأتي كل يوم جمعة إلى بيت مجيد مكية ، ويشترط عليهم نوع الطعام الذي يقدم له. ولم يسلم أحد من هجائه ، والكثيرون يتقون شر لسانه . فقد هجا إحدى زوجاته بقوله:
طب ولگاها مبرگة
وچنها جنازة مودعة
وگام وگع على فراش
مگرود عبر شلاش
بينما وصف زوجة أخرى واسمها نوري بقوله:
عين الريم بالبرية
ونور يسطع من وجه نورية
ونورها صاعد لسابع سماء
ومرة صادف الكرخي فخرية في زقاق المحلة ، وهي تحمل صحناً من الگيمر من بيت والدها إلى بيت عمها قنبر مجيد مكية فقال لها: تعالي بنت مكية ، هذا لمن الگيمر؟ اني جدك وعمك وخالك ، اعطيني الماعون. وبعد أن التقى مع والدها قال له: اشلون اليوم اكبست بنتكم ، انتم تنسون الملا من يطلق لسانه عليكم.
وكانت صفية مثل البقية من آل مكية اللائي نزعن الحجاب ورفعت البوشية عن وجهها في زمن يعتبر كشف المرأة عن وجهها عورة يحرم كشفه ، وكانت ترتدي عباءة واحدة مخالفة بذلك عادة البغداديات اللائي كن يلتحفن بعبائتين. وتأثرت بكشف الحجاب أم أكثم ابنة أخيها الحاج مجيد مكية قبل زواجها من كاظم مكية. وأوصت العمة صفية بدفنها إلى جوار أخيها الحاج صالح وليس إلى جوار زوجها حبيب.
أما شقيق محمد مكية عبد العزيز فكانت زوجته فخرية عبد الحسين بن عبد المجيد مكية تمتلك ذاكرة قوية فقد تذكرت حادثة وقعت عام ١٩٣٦ حيث شبت النار في دار عبد المجيد مكية الكائنة بالكرخ طرف السادة ، بسبب سيكارة أحد منظفي المساجد ، فالتهمت كل الدار عدا السرداب.
الدراسة
لم يلتحق محمة مكية بالكتاتيب المعروفة في ذلك الزمان وذلك لأن والدته تولت تعليمه قراءة القرآن ورسم الحروف وتهجئتها. ولم تكن المدارس الرسمية قد بدأت تنتشر منذ أوائل العشرينيات ببغداد. دخل مكية مدرسة الهاشمية عام ١٩٢٢ وكانت مقابل بيتهم ، وكان عمره خمس سنوات ، فكار أصغر طلاب الصف الأول الابتدائي. وكان أخوه عبد العزيز قد سبقه إلى دخول المدرسة بأربع سنوات ، وكان متفوقاً في الدروس. وأصبح مرشداً ومراقباً لأخيه الأصغر محمد.
بقي محمد ستة أعوام في الدراسة الابتدائية متنقلاً بين المدرسة الهاشمية والحسينية والعوينة والمأمونية ، فتخرج من الأخيرة عام ١٩٢٩ . وكانت بمحلة صبابيغ الآل ثلاث مدارس هي: الهاشمية المرتبطة بالمدرسة الحسينية وكلتاهما من المدارس التمهيدية. أما المدرسة الأساسية فهي الجعفرية التي تأسست عام ١٩٠٨ وأسسها الحاج جعفر أبو التمن. وكانت الشهادات المدرسية توزع على الطلاب وسط حضور الأهل والأقارب. وكان يشكل حضور عمه الحاج عبد المجيد مكية دعماً معنوياً في وقت ابتعد عنه وعن أخيه وأمه الأخوة والأقارب من آل مكية بعد وفاة والده ، ومغادرتهم البيت الكبير ، والسكن عند خالهم عبود الذراع. وكان المفتش حسن كبة ، والد وزير المالية صالح كبة ، يزور المدرسة بين حين وآخر. وكات لأسرة آل كبة مكانة مرموقة ببغداد منذ العهد العثماني.
انتقل محمد مكية في عدة مدارس ابتدائية الواقع في ساحة الميدان قريباً من القشلة. شعر فيها بإحساس مذهبي لأن جميع طلبة المدرسة كانوا من المذهب السني ، وهو الشيعي الوحيد بينهم.
أكمل مكية الدراسة في المرحلة المتوسطة في المتوسطة الشرقية بمحلة السنك التي كان العلامة مصطفى جواد أحد مدرسيها. أمضى مكية ثلاث سنوات وتخرج منها ليلتحق بالثانوية المركزية التي تأسست عام ١٩٢٧ ، والواقع بمحلة القشلة وما تزال قائمة حتى اليوم. وكان متفوقاً وماهراً فاختار قسم الرياضيات ، وكان عدد الطلبة فيه لا يتجاوز العشرة. وبعد تخرجه من الثانوية تم اختياره واحداً من (٥٠) طالباً ليتم إرسالهم في بعثة دراسية إلى بريطانيا عام ١٩٣٥ . قضى العام الأول في تعلم اللغة الإنكليزية ، والتحضير لإمتحانات القبول.
بعد أن أكمل الدراسة الثانوية سافر إلى بريطانيا حيث درس الهندسة المعمارية في جامعة ليفربول ونال شهادة البكالوريوس عام ١٩٤١ ، وحصل على شهادة الدبلوم في التصميم المدني من الجامعة نفسها. أما شهادة الدكتوراه فقد حصل عليها عام ١٩٤٦ من كلية كينغز King's College في جامعة كمبردج Cambridge . وكانت أطروحته بعنوان (تأثير المناخ في تطور العمارة في منطقة البحر المتوسط) ، وعاد إلى بغداد في العام ذاته.
ويُعد مكية من أوائل العراقيين الذين حصلوا على مؤهلات رسمية في الهندسة المعمارية. وقد اشتهر لتأسيسه أول قسم للهندسة المعمارية في العراق في جامعة بغداد ، ولتصميماته المعمارية التي تضمنت الزخارف الإسلامية والخط العربي في محاولة لدمج العناصر المعمارية العربية في الأعمال المعاصرة.
في عام ١٩٤١ أثناء دراسته العليا في بريطانيا ، التقى بزوجته الإنكليزية مارغريت كروفورد ، والتي سافرت لاحقاً إلى بغداد للزواج به رغم معارضة عائلتها.
المدرسة المعمارية العراقية الحديثة
كانت الأبنية العامة والأهلية في العراق تقليدية تعتمد على تقنيات البناء القديمة. وكان مصطلح المهندس المعماري غريباً لم ينتشر بعد ، واحتاج بضعة عقود من السنين ليبدأ استخدامه في اللغة العربية ، وذلك في منتصف القرن العشرين.
كان التحدي الذي يواجه المعماريين آنذاك هي كيفية دمج عناصر التصاميم التقليدية مع استخدام المواد والتقنيات الحديثة. وبحلول القرن العشرين بدأت عملية تحديث ، وهدم المنازل التقليدية ، ومهّد الطريق أمام التصاميم العصرية.
من جانب آخر جاء دخول القوات البريطانية عام ١٩١٤ البصرة ثم بغداد في ١٩١٧ ، حيث أصبح العراق مباشرة من قبل الإدارة البريطانية. واستعانت الإدارة الجديدة بمهندسين معماريين ومدنيين إنكليز وايرلنديين ليباشروا بتصميم وتنفيذ مشاريع وأبنية حديثة تستلهم عناصرها من العمارة الإنكليزية. فقد بنوا مستشفى في البصرة ، ومطار و محطة سكك حديد ، وأبنية حكومية أخرى. كل ذلك ساهم في دخول عناصر العمارة الحديثة إلى العراق.
وفي العقود القادمة سيقوم المعماريون الأجانب بتقديم تصاميم أبنية ضخمة ما زالت قائمة حتى اليوم. فالمهندس الانكليزي جيمس ويلسون صمم بناية المحطة العالمية في العلاوي عام ١٩٤٧ ، والمعماري الإيطالي جيو بونتي صمم بناية وزارة التخطيط عام ١٩٥٨ ، ومبنى المتحف العراقي في العلاوي من تصميم المعماري الألماني فيرنر مارخ عام ١٩٥٢ ، ومبنى مصرف الرافدين في شارع الرشيد من تصميم المعماري الإنكليزي فيليب هيرست عام ١٩٥٥ ، المجمع الرياضي في الكرخ من تصميم المعماري السويسري -الفرنسي لوكوربوزيه عام ١٩٥٦ ، سفارة أمريكا في بغداد من تصميم المعمار الاسباني خوسيه لويس سيرت عام ١٩٥٥ ، المصرف العقاري في الميدان من تصميم المعماريان الانكليزيان هيننيك وجيتي عام ١٩٥٧ ، مبنى البنك المركزي من تصميم المعمار السويسري وليم دونكل عام ١٩٥٣ ،
قام محمد مكية إلى جانب المهندسين المعماريين العراقيين مثل رفعت الجادرجي ، جعفر علاوي (ليفربول) ، حازم نامق (ويلز) ، احمد مختار إبراهيم (ليفربول) ، مدحت علي مظلوم (ليفربول) ، نزار علي جودت الأيوبي (كمبردج) ، عبد الله احسان كامل (ليفربول) ، سعد علي مظلوم (ليفربول) ، نعمان الجليلي (هارفارد) الذين درسوا في أوربا بمواجهة التحدي بدمج العناصر المعمارية البغدادية التقليدية بالتصاميم والمواد الانشائية الحديثة. فقدموا تصاميم عصرية شملت الدور السكنية والعمارات والمستشفيات والجامعات والمساجد وغيرها.
في كتابه (بغداد) الصادر عام ١٩٦٩ والذي شاركه فيه مصطفى جواد وأحمد سوسة وناجي معروف يتناول محمد مكية (تطور فن العمارة في بغداد) حيث يعرض التطور التاريخي والهندسي ، ويسلط الضوء على أهم المعالم الهندسية التي تميزت بها المدن العربية وخاصة بغداد مثل الأسوار والأسواق والقصور والدواوين والمساجد. ولماذا ضاقت المدينة المدورة بسكانها ولم تستوعب شروط النماء في الحياة الاقتصادية والتجارية ، واضطر الخليفة أبو جعفر المنصور للسماح ببناء الضفة الشرقية المعروفة بالرصافة لابنه المهدي أن يبني فيها دوراً له ومعسكراً لجنده ومقراً لشؤون إدارته ، وكان هذا في ١٥١ هـ أي بعد بعض بضع سنوات فقط من إنشاء بغداد دار السلام عام ١٤٥ هـ. وأقيم أول جسر لتنقل سكان الجانبين عام ١٥٧ هـ.
ويمضي مكية في دراسة المعالم المعمارية في أواخر العصر العباسي ، ويستعين بكتب البلدان مثل رحلة ابن جبير الذي وصف بغداد في القرن الثالث عشر (٥٨٠ هـ - ١١٨٤ م) حيث استعان مكية بوصفه في معرفة التخطيط العمراني لمحلات بغداد أيامئذٍ. ويتناول الجوامع والحمامات والمستشفيات (المارستانات) ، والأبنية ذات المعمارية الفريدة مثل قبة مرقد السيدة زمرد خاتون أم الخليفة الناصر لدين الله الموجود في الكرخ قرب ضريح الشيخ معروف. كما يتناول منارة مسجد الجنائز في تربة الشيخ معروف الكرخي التي بنيت عام ٦١٢ هـ (١٢١٥م) وما زالت قائمة حتى اليوم. ويتناول الخصائص المعمارية للمدرسة المستنصرية واستخدام الفضاء المكشوف والنور المباشر إضافة إلى الفضاء نصف المكشوف وأسلوب الإنارة الذي استوعب طبيعة البيئة البغدادية ومتطلبات الحياة اليومية للفرد العراقي. إذ استخدمت العقود الآجرية في تحقيق سقوف بطابع محلي وبمقاييس أكاديمية في الارتفاع توصّل المعماري عن طريقها إلى حلول مناخية ملائمة. لأنه استطاع أن يحمي الفضاء الداخلي من إشعاع الحرارة المباشر بواسطة السقوف المعقودة والجدران السميكة والأروقة والدهاليز الداخلية التي نظمت تيارات التهوية في البناء كله. أما الإضاءة السقفية ، فقد نفذت بشكل يعطي أكثر ما يمكن من النور ، بأقل ما يمكن من إشعاع الحرارة.
أما الواجهات الخارجية فقد جعل منها الفنان العراقي لوحة فنية جميلة ، حيث استخدم الطابوق لتكوين تشكيلات زخرفية من الحفر الغائر. كما استطاع أن ينفذ ألواناً من النماذج الهندسية للتعبير عن قيم جمالية ، بواسطة حفر ونحت وحدات مختلفة الأحجام من ذلك الآجر ، ثم رصفها وفق حسابات رياضية خاصة فوق أقواس المداخل ، وعلى مساحات معينة من الجدران لإحراز تأثيرات تعبيرية من تغاير الظل والضوء.
ويمضي مكية في دراسة التطورات المعمارية للمساجد والقباب والمنائر والدور السكنية والتراث السكني والمقاهي ودور النهر في حياة البغداديين . وقام بتحليل القوام الإنشائي للعمارة البغدادية مثل استخدام الطابوق وخصائصه واستخدامه المرن في البناء ، خصوصاً مع الجص اللازم لتماسكه. كما أشار إلى استعمال الخزف الملون في تزيين الجدران والمداخل وأقواس الأبواب وغيرها.
إن فن الأرابيسك يعتبر من الفنون الإسلامية ذات الصفة التعبيرية المجردة. فهو فن فلسفي لا يؤكد الذاتية الفردية بل يتحرر من قيودها عن طريق اللغة المجردة الشاملة التي يطلقها من محور النفس ويحققها في التشكيل. وهو بهذا يقف في اتجاه نظري ديني خاص يختلف كل الاختلاف عن الاتجاه الدنيوي الذي يقف عليه الفن الأوربي من الإنسان والحياة والأشكال والظواهر.
وقد رافقت الزخرفة الكتابية الزخرفة الهندسية في البناء فاتحدتا لإبراز التموج والتعارض القائم بين الظل والضوء . ولم يقتصر استعمالهما في الأبنية ، بل تعاداهما إلى الصناعات الأخرى ، كصناعات الحفر في الخشب والنحاس والمعادن الأخرى.
بعد عودته إلى بغداد ، أسس مكية شركة (شركاء مكية للاستشارات المعمارية والتخطيط) ، وافتتح لاحقاً مكاتب فرعية في البحرين (١٩٦٧) ، ومسقط (١٩٧١) ، ولندن (١٩٧٤) والكويت وأبو ظبي ودبي والدوحة.
عانى مكية في السنوات الأولى من عمله. كان العمل التجاري غير كافٍ، وهو ما يعني أنه كان عليه أن يجد عملاً مدفوع الأجر. عمل في المديرية العامة للبلديات في بغداد حيث اشتغل كمخطط عمراني ومهندس معماري ، وعملت زوجته كمدرسة ثانوية خلال هذه السنوات. ومع ذلك، بحلول الستينيات من القرن الماضي، بدأ يتلقى عمولات مهمة وبحلول السبعينيات، صار مكتبه في البحرين مزدهرًا. واصل اهتمامه بالقضايا المعمارية الإقليمية، والتي تشمل البيئة المحلية، والتراث المعماري، والفولكلور والحرف اليدوية المحلية. لهذا التركيز على التراث في التصميم، كان يُعرف غالبًا باسم (المهندس المعماري الإسلامي).
بيت مكية .. الوصف المعماري
يبدأ مكية وصف للبيت البغدادي بمقدمة حول كتاب (البيت العراقي) للألماني أوسكار رويتر الذي نال به شهادة الدكتوراه عام ١٩٠٩. قام رويتر بوصف دقيق للبيت البغدادي مع دقة الرسوم والتخطيطات ، وسيكشف مدى جهلنا في التفريط بعمارة هذا البيت ، شملت الدراسة بيوت النجف وكربلاء والحلة. ويطرح مكية السؤال التالي: أي قيمة لهذا العمران جعلت أوروبياً يتجشم مشاق السفر والإقامة في زمن ليس فيه وسيلة نقل مناسبة ليقدم دراسة فريدة من نوعها في البيت العراقي؟ هذا الكتاب الذي سعى مكية إلى ترجمته ونشره بعد أن ظل طوال قرن من الزمن مختفياً في المكتبة الألمانية . وقد عثر على نسخة أصلية منه في مزاد بلندن.
يصف مكية البيت الكبير فيقول أنه بقي مزدحماً بساكنيه سواء عائلة مكية ، أم بعد مغادرتهم الدار وتحول إلى مالك آخر ، واستأجرته وسكنته عائلات مسيحية ، ومن ثم سكنته خمس عوائل كردية.
كان البيت مثل بقية البيوت البغدادية تتكون من فناء وسطي ، الذي يُعرف بالحوش ، ثم تأتي الطارمة وهي محل اللقاء اليومي والألفة بين الأسرة. ومدخل الدار يكون منحرفاً قبل الدخول إلى الفناء ، فبعد تجاوز الباب الخارجي تدخل في ممر يدعى المجاز أو الدهليز قبل الدخول للفناء. وعندما يجتاز الغريب أو الضيف هذا الممر ينبه العائلة بصوت عال مثل قوله يا الله عدة مرات ، كي تنتبه النساء ودخول الغرف أو ارتداء الحجاب.
ينتصب عند المجاز مرتفع أرضي يُعرف بالدكة (الدچة) وهو مكان مخصص لجلوس قارئ القرآن أو خطيب المجلس الحسيني ، في مناسبا الحزن ، أو وفاء للنذر ، آو بقية المناسبات الاجتماعية كالزواج والفاتحة والطهور حيث تجتمع نساء الجيران والمحلة. أما الرجال فيجتمعون في الشارع بعد فرشه بالحصران والسجاجيد ، حيث تقام الضيافة كالشاي والقهوة أو تقديم الطعام. أما المناسبات العائلية العادية فيكون الحوش معداً لجلوس الرجال ، بينما تجلس النساء في الطابق العلوي من البيت ، يشرفن من خلاله على الحوش ليسمعن القرآن أو القارئ الحسيني.
أما الشناشيل فهي مفرد معمارية تراثية بغدادية فهي المكان الذي يطل على الشارع أو الزقاق. وهو بمثابة امتدا إضافي لمساحة الدار. وتعقد فيها دار ندوة أهل البيت. فكانوا يتحلقون حول السماور وصينية استكانات الشاي. وعادة ما تكون الجلسة بعد الغداد وقبل القيلولة. وتناقش فيها بعض الأمور أو المشكلات التي تحدث بين أفراد العائلة.
وعادة ما يوجد في وسط الحوش بئر الذي يمد البيت بالماء لأنه ضوري للحياة والاستعمال اليومي. وكان يوجد بقربه زير ماء الشرب . ويستخرج الماء من البئر بواسطة الدلول . وفي الصيف تُترك الفواكه والخضراوات في عمق البئر لبرودته. وعادة ما يجري انزالها أو رفعها بواسطة الجناگيل وهي عبارة عن ماسكات مشدودة بحبل تتمكن من مسك الأشياء بقوة. ويحاط البئر بسور لحماية الأطفال من السقوط فيه.
آما السرداب فلا يكاد بيت خال منه ، وهو غرفة تحت سطح الأرض ، يكون بارد صيفاً ، فتجتمع فيه العائلة هرباً من الحر اللاهب. ويرتبط بالسرداب البادكير ، وهو لفظة فارسية تتكون من مقطعين : الأول (باد) أي الريح ، والثاني (گير) جاذب أو جالب ، فيكون المعنى جالب الريح. والبادگير هو حائط مجوف يصعة من السرداب إلى السطح. وداخل البادگير يوجد الزنبور وهو مجرى الهواء المتحرك داخل البادگير ، يأتي بالهواء الجاف من القسم العلوي ليتحول إلى رطب في داخل السرداب. وهذه المجاري الهوائية لها دور في عملية التدفئة في فصل الشتاء. وكانت عملية التدفئة الشائعة عن طريق مواقد الفحم المتنقلة (المناقل). أما أداة التكييف صيفاً قبل ظهور المروحة الكهربائية ، فكانت المروحة السقفية اليدوية ، والمروحة المسامة بالمهفة.
أما أدوات الإضاءة قبل حلول المصباح الكهربائي ، فهي الفانوس واللمبة واللوكس ، إضافة إلى الشموع. والفانوس عبارة عن فتيلة من القطن غميس بالنفط عبر خزان صغير ، وتحفظ بواسطة زجاجة تحيط بها من كل الاتجاهات ، تمنع الريح عنها كي لا تنطفئ. واللمبة مشابهة لعمل الفانوس لكن خزان النفط من الزجاج ، وتحتاج لعناية أكثر من الفانوس. وأما اللوكس فهو اختراع يعتمد على ضخ النفط المضغوط بواسطة مكبس خاص مثبت في الخزان، وأما الفتيلة فهي من قماش خاصة حالما تحترق تتوهج بالضوء الأبيض القوي.
مراسم عاشوراء في بيت مكية
يتذكر مكية طقوس عاشوراء ويصفها بأنه لن ينساها ، لأنها يوم ميلادي ، كان ذلك العام ١٩١٦. فميلاد الولد سعداً على العائلة ، ويوم عشرة عاشوراء عادة هو الحزن السنوي. ففيه مأساة كربلاء ، وهكذا تعايش الفرح والحزن بمخيلة والدتي في يوم واحد. والاحتفال في عاشوراء له طابعه الخاص ، فبقدر ما يعبر عن عاطفة الحزن والأسى ، فإنه يعبّر عن المهرجان الاجتماعي ، ومناسبة للتعاون بين أبناء المكان الواحد في الإعداد لذلك المهرجان ، من تنظيم المجالس والمواكب ، التي تُعدّ إعداداً ذا معان اجتماعية في مواكب المحلات البغدادية الشيعية.
كان أفضل قراء مجلس حسيني ، لدى عامة الناس ، هم القادرون على إثارة مشاعر الحزن من خلال الحركات التي يؤدونها والأشعار التي يقولونها. في ذلك اليوم يتحول الماء إلى مادة مقدسة ، وكأن العطش ظل متصلاً من يوم قتل الحسين عطشاناً حتى اليوم. وللماء مكانة خاصة في عاشوراء ، وعلى وجه الخصوص في فصل الصيف ، فالطقس في بغداد يكون حاراً جداً. وكنا نسمع في مجلس التعزية عبارة (اشرب الماء والعن يزيد) ، التي كان يرددها أخي عبد العزيز ، وهو يسقي الحاضرين. وكانت زوايا السقائين مزدحمة بعبارات مثل (ماء سبيل ، اشرب بثواب الحسين ، لعن الله أمة حرمتك الماء يا أبا عبد الله ، يا حسين يا عطشان). في هذه الأجواء كنا نرتدي أنا وأخي عبد العزيز الثياب السود سنوياً.
تنتهي مراسم عاشوراء بانتهاء قراءة قصة المصرع ، وحينذاك يعلن القارئ جلوس الشمر على صدر الحسين ، ثم يذبحه من القفا ، مع خلع القارئ عمامته واللطم على رأسه ، والتوقف عند اللحظة المرعبة. وينطلق موكب التعزية يصاحبه الضرب على الطبل كإيقاع للضرب بالزناجيل ، واللطم على الصدور ، ورفع الأعلام التي تزيد الموكب هيبة. ومن النذور في هذه المناسبة كانت الرايات بألوان خضراء وحمراء وسوداء، ويُكتب عليها (يا حسين يا مظلوم يا شهيد كربلاء) ، تنشر هذه الرايات في واجهة الطابق العلوي من البيت ، رايات بيضاء مخطوط عليها باللون الأسود ، أو سود مخطوط عليها باللون الأبيض . كان أخي عبد العزيز أحد حملة هذه الرايات.
كان الزنجيل الذي ضربت به في الموكب مناسباً لعمر الطفولة ، الضرب به لا يؤلم. يتكون من مقبض خشبي ربطت به سلاسل من الحديد الرفيع. تفتح دشداشة الضارب من جهة الظهر ، من اليمين واليسار ، كي تستقر السلاسل على الظهر مباشرة دون حاجز. كنت أتعثر بالسير مع كوكبة الأطفال ، ولم أتمكن من مجاراة الجوق الموسيقي الذي يسير الموكب على إيقاعه ، فأضطر إلى تركه والعودة إلى البيت ، وخصوصاً إذا لم ألمح الوالدة بين المتفرجين على الموكب بين النساء. استمرت مشاركتي في الموكب ثلاث أو أربع سنوات بداية من عام ١٩١٩، كنت خلالها أحمل الزنجيل بفرح وسط الاحتفال الجماعي. حافظت والدتي على الزنجيل حتى سلمته إلى زوجتي أم كنعان ، وما زال موجوداً.
في العشرينيات كان الموكب ببغداد ينطلق من جامع المصلوب متوجهاً إلى جامع الخلاني ثم يعود لينتهي عند جامع المصلوب المجاور لمنزل الشخصية الوطنية المعروفة جعفر أبو التمن. ينتهي الموكب عند ذلك المنزل وكأنه اعتراف بمكانة أبي التمن الاجتماعية ، فغالباً ما تنعقد مجلس التعزية ومواكب العزاء عند ديوان وجيه المحلة أو المختار.
كنا نشهد العاشر من محرم في جامع الخلاني ، حيث موكب اللاطمين والتشابيه ، ومسرح المنازلات القتالية من على ظهور الخيول ، ومشهد حرق المخيم ، يستمر حتى انتهاء الطبق (الطبگ). ولعل تسمية ذلك اليوم بالطبق جاءت من قراءة قصة المقتل الحسيني كاملة ، وأن الجميع قتلوا في عشرة عاشوراء ، لكن العادة جرت أن توزع تسعة أيام كل يوم لواحد من أهل البيت الذين قتلوا مع الحسين عليه السلام. ويحتل مسلم بن عقيل اليوم الأول بينهم. كانت المواكب تنسب إلى أسماء المحلات البغدادية أو المهن، أتذكر منها موكب الأكراد الكبير ، تتوقف المواكب خلال مسيرتها في مناطق هامة لإلقاء الخطب والأشعار.
اهتم مشروع (جامعة الكوفة) بتهذيب مراسم عاشوراء ، تتحقق عبر مسيرات تليق بمستوى المناسبة ، مثل إقامة مهرجان كبير يشترك فيه الفنانون بلوحات فنية ، وبالفعل أعد الفنان كاظم حيدر أربعين لوحة من أجواء المناسبة تحت عنوان (الشهيد) واحدة منها محفوظة بديوان الكوفة.
مغادرته العراق
في عام 1959، أسس أول قسم معماري عراقي ضمن كلية الهندسة في جامعة بغداد، وأصبح عميدًا له وشغل هذا المنصب حتى عام 1968. كمعلم، شجع طلابه على الاهتمام بالتصميم العراقي التقليدي وشجعهم على رسم ارتفاعات الشوارع المحيطة بالمباني التقليدية.
بحلول أوائل سبعينيات القرن الماضي، صار عدوًا للنظام البعثي وظهر اسمه في قائمة الحزب البعثي لمن يجب اعتقالهم. غادر العراق عام 1971 بعد أن أجبرته الحكومة العراقية على بيع منزله لصهر صدام حسين عدنان خيرالله.
هاجر إلى البحرين عندما علم بهذا الخبر المقلق، لكن بما أنه كان بصدد إنشاء مكتب في لندن، انتقل هو وعائلته إلى لندن. أثناء إقامته في لندن، أسس معرض الكوفة في لندن كمركز للفن الإسلامي والعربي.
في عام 1980 دعاه رئيس بلدية بغداد للعودة إلى بغداد للمشاركة في برنامج إعادة إعمار كبير. بعد أن حصل على ضمان سلامته الشخصية، قرر مكية العودة، ولكن في المناقشات العائلية، تقرر ألا يسافر ابنه كنعان، إلى بغداد، وأن يبقى بدلاً من ذلك في إنجلترا وأن يدير فرع شركاء مكية في لندن.
لفترة من الوقت، كان أحد كبار المهندسين المعماريين في عهد صدام حسين، وشارك في مشاريع صدام لإعادة البناء والتي بلغت تكلفتها عدة ملايين من الدولارات وساعد في بناء قصوره. كما قام ببناء العديد من المباني التجارية، بما في ذلك البنوك والمكتبات والمكاتب الحكومية والمساكن الخاصة. بالإضافة إلى ذلك، فاز بمسابقات لتصميمات المشاريع العامة، مثل مسجد الدولة.
صدر عن المعماري الراحل أكثر من كتاب منها (محمد مكيه: مائة عام من العمارة والحياة) لخالد السلطاني الذي يعتبر ان مقاربة مكية المعمارية ارتبطت بـ(الاهتمام والتأكيد على خصوصية المكان، وثقافته، و"روحه"؛ كمفردة أساسية في عملية الخلق التكويني المؤسسة لعمارة جديدة، كان من ضمن مقوماتها تأويل وإعادة قراءة المنجز المعماري المحلي، ذلك المنجز، الذي تشكل عبر أزمنة طويلة، وإضافات مبدعة، تعاقب معماريون وبناة مبدعون على إثرائه وديمومته).
وهناك كتاب (محمد مكية والعمران المعاصر) لحسين الهنداوي، يقول في مقدمته: (لعل محمد مكيّة هو الفنان المعماري الأكثر صدقاً في التعبير العمراني عن حيوية وغنى الهمّ الجمالي العربي في القرن العشرين، ذلك عبر سلسلة تصاميم هندسية جميلة وأصيلة، عكست أيضاً نـزعة إنسانية عالمية التطلع وعراقية الجذور في آن معاً، تأصلت في مجالات عدة لتسهم في تجديد وتطوير الطراز العمراني التقليدي في الشرق العربي الإسلامي).
كما صدر عنه كتاب للدكتور علي ثويني بعنوان (المعماري محمد صالح مكية..تحليل للسيرة والفكر والمنجز)، وهو سفر موسوعي يتطرق إلى شجون العمارة والفكر والتاريخ والمجتمع والنفس المرافقة لسيرة الدكتور مكية.
اعتبر مكية أن العمران هو قبل كل شيء انتماء إلى المكان والزمان معاً، وألا انفصام بين القيم الإنسانية والروحية وبين العمران ووظائفه البيئية والجمالية، ومنذ إنجاز تصميمه الشهير لجامع الخلفاء ومنارته البديعة (منارة سوق الغزل في بغداد) قبل نحو نصف قرن، وأعمال مكية المعمارية تنهض تباعاً في عواصم عربية وإسلامية أخرى، وحتى أوروبية، مثيرة الاهتمام بجماليات مفرداتها الإسلامية المجددة وابتكاراتها المتميزة فنياً وتقنياً، إلى جانب نجاحها في ضمان تلبية شاملة لأهدافها الوظيفية الواقعية. وهو غالباً ما تحدث بمرارة عما حل في القرن العشرين بعمران مدن عربية عريقة مثل بغداد وصنعاء وجدة والقاهرة، لقد فقدت هويتها القديمة في رأيه، من دون أن تكتسب هوية جديدة.
ويرى مكية أن الوهم الكبير الذي يقع فيه الكثير من معماري العالم العربي والعالم الثالث أجمالا هو اعتقادهم الغربي بأن معطيات التكنولوجيا والعلوم الحديثة وإنجازاتها هي معطيات وإنجازات حيادية أو أنها مجرد أدوات صماء موضوعة في متناول أي إنسان يستطيع تسخيرها لفائدته، في أنها في واقعها الفعلي معطيات وانجازات خاصة بحضارة محددة وقائمة بذاتها، وبالتالي فهي منسجمة بشكل خاص، بل ومنبثقة من قيم تلك الحضارة وتراثها وخصوصية روحيتها ونمط علاقاتها الانسانية ومؤسساتها الروحية والاجتماعية ومناخاتها المختلفة وبيئتها.
جامع الخلفاء
من أبرز أعمال مكية المهنية والمعمارية هي تصميم والإشراف على تعمير صيانة وبناء جامع الخلفاء.
يقع الجامع في جانب الرصافة على شارع الجمهورية في منطقة صبابيغ الآل ، محلة سوق الغزل قرب سوق الشورجة. ويقابل كنيسة اللاتين التي أنشئت الكنيسة عام ١٨٧١ وافتتحت رسمياً باسم (كنيسة القديس يوسف) بعد عمل استغرق خمس سنوات. إذ بدأ البناء فيها عام ١٨٦٦ وانتهى عام ١٨٧١. ويذكر الرحالة الهولندي تينكو اينهولت ، الذي زار العراق عام ١٨٦٦-١٨٦٧ ، ان الاب ماري جوزيف ومعاونيه من القساوسة والرهبان كانوا من أحب الناس له في بغداد وكان يكثر المجالسة معهم طيلة فترة إقامته في بغداد .
يعد من أقدم جوامع بغداد من العصر العباسي وعمره يتجاوز ١١٠٠ عاماً. وقد بناه الخليفة علي المكتفي بالله (٢٦٤-٢٩٥ هج/ ٨٧٧-٩٠٨ م) وهو ابن المعتضد بالله. بني المسجد عام (٢٨٩-٢٩٥ هج / ٩٠٢-٩٠٨ م) ليكون المسجد الجامع لصلاة الجمعة في شرقي القصر الحسني. وكان يعرف بجامع القصر، ثم أطلق عليه جامع الخليفة ، وسمي بجامع الخلفاء في عهد متأخر.
أما منارة جامع الخلفاء المتميزة بعمارتها ، وأنها الاثر المعماري الباقي من دار الخلافة العباسية ومساجدها. وقد بنيت المنارة قبل (٧٠٠) عام وهي بارتفاع (٢٦) متراً. والمنارة مبنية بالطابوق والجص، وعليها نقوش من الطابوق بأشكال معينية ، إضافة إلى النقوش والآيات القرآنية في القسم العلوي من المنارة. وتوجد في أسفل المئذنة أربع طبقات من المقرنصات تدعم قاعدة المئذنة المكونة من اثني عشر قسماً. كما تعلوها طبقات من المقرنصات التي تبرز جمالها. وتشبه المنارة في تصميمها مئذنة النخيلة الذي يضم مرقد ذي الكفل في محافظة بابل.
تعرض الجامع لأضرار كبيرة عند الغزو المغولي لبغداد حيث تعرض الجامع للحرق والهدم، لكن المنارة بقيت، كما ذكر ابن الأثير في حوادث عام ٤٧٩ هج / ١٠٨٦ م. ويلاحظ أن بناء المنارة جاء بعد بناء المسجد بأربعة قرون. ويبدو آنه كانت هناك مئذنة قديمة تهدمت ثم بنيت هذه بدلاً عنها ليرفع فيها الأذان. وهناك روايات بأن المنارة سقطت وهدم الجامع عام ٦٧٠ هج / ١٢٧١ م ، وأعيد بناءهما عام ٦٧٨ هج / ١٢٧٩ م، وهي المنارة الباقية حالياً. وقد أمر بالبناء علاء الدين الجويني ( - ١٢٧٦م) صاحب الديوان في عهد ابن هولاكو وتجديد بناء المنارة. وذكر ابن الفوطي (١٢٤٤-١٣٢٣م) أنه في عام ٦٧٨ هج / ١٢٨٩ م أعيد بناء المنارة من جديد. كما وذكر المسجد ابن بطوطة عند زيارته لبغداد عام ٧٢٧ هج / ١٣٢٧ م.
في القرن الثامن عشر ذكر الرحالة الألماني كارستن نيبور (١٧٣٣-١٨١٥) المسجد القديم، ووصف المدخلين الجميلين أحدهما مزين بالكتابة المزخرفة. وكانت المنارة أعلى منارة في بغداد يمكن من خلالها رؤية المدينة كلها. في عام ١٩١١ قام مصور ألماني خلال زيارته لبغداد بتصوير منارة جامع الخلفاء، وهي أقدم منارة باقية في بغداد.
وقد سميت بمنارة سوق الغزل بعد اقتطاع أرض الجامع ، وإنشاء سوق الغزل في أحد جوانبه الشرقية. وقد أعيد بناء الجامع من قبل والي بغداد سليمان باشا الكبير (١١٩٣- ١٢١٧ هج / ١٧٧٩- ١٨٠٢ م). وشيد مسجداً جامعاً غرب المنارة ويعرف بجامع سوق الغزل الذي بقي قائماً حتى عام ١٩٥٧ م. وقد هدم هذا الجامع لفتح شارع الملكة عالية.
تجديد جامع الخلفاء
في عام ١٩٦١ كلفت مديرية الأوقاف العراقية المهندس المعماري محمد صالح مكية (١٩١٤– ٢٠١٥) بإعادة وتصميم وتشييد جامع الخلفاء بما يتوافق مع الهندسة المعمارية للعصر العباسي. وقد حافظ مكية على التصميم المعماري الإسلامي مع الإبقاء على مئذنة الجامع الأثرية.
قدم مكية تصوراته ورؤيته لتطوير الجامع تضمنتها مجموعة «محمد مكية ومشروع جامع الخلفاء» وضمت ( 25 ) صورة من الرسومات وملاحظات على التصميم ومخططات وصورا مأخوذة من الأصل المحفوظ في الأرشيف.
وتروي الصور قصة هذا المشروع الذي تم تطويره مع الحفاظ على التحفة الفنية الوحيدة الباقية من المسجد في العهد العباسي الذي يرجع إلى القرن التاسع في المكان ذاته: منارة مئذنة سوق الغزل المتهدمة.
لقد جسد تصميم مكية المبتكر للجامع، الذي يقع في منطقة صبابيغ الآل في بغداد القديمة، أفكار المحافظة المدنية على التراث وإضفاء الطابع الإقليمي على الشكل واستمرارية التراث المعماري، وهي الأفكار التي كانت ملهمة لأعماله منذ ذلك الحين بالإضافة إلى الأجيال الأصغر من المعماريين.
يُعد جامع الخلفاء أهم إنجازات مكية التصميمية ، وأحد أهم المأثر المعمارية العربية في فترة الستينيات ، لجهة نوعية حلولها التصميمية ، ولناحية مقاربتها المعمارية. وهي إضافة مميزة في منتج العمارة الإقليمية.
تبلغ مساحة الجامع (٢٦٠٠) متر مربع ، وتبلغ مساحة الحرم (٧٥٠) متر مربع. ويستوعب لـ (٥٠٠) مصلي.
لم يبق من الجامع سوى منارته التي كانت تعرف بمنارة سوق الغزل المجاور للجامع. ويبلغ ارتفاعها (٢٦) متراً ، وهي أعلى منارة يمكن رؤية بغداد من أعلاها. وبقيت هذه المنارة بهندسة معمارية نادرة حيث تحتوي على سلّمين يصلان إلى حوض المنارة ، ولا يلتقيان ، ولهما بابان في الأسفل ، وآخران في أعلى المنارة.
لقد اعتمد محمد مكية في تصميمهِ للجامع على هندسة العمارة الإسلامية في زمن العباسيين، ولكنه حافظ على تكوينه المعماري الحالي، مع الإبقاء على مئذنة الجامع الأثرية، ويوجد في أسفل المئذنة أربع طبقات من المقرنصات تدعم قاعدة المئذنة المكونة من اثني عشر قسما، كما تعلوها خمسة طبقات من المقرنصات التي تبرز جمالها، لقد دمج محمد مكية مبنى المئذنة بتصميم المسجد الحديث، لكي يبدو المسجد كأنه لم يهدم من قبل.
يحتوي مبنى جامع الخلفاء الحديث على حرم مصلى ثماني الشكل يعلوه قبة مزخرفة بالخط العربي الكوفي، ويبلغ ارتفاع القبة حوالي سبعة أمتار بالإضافة إلى الارتفاع الأساسي للبناء والذي يبلغ حوالي 14 متر، كما يوجد هناك ثلاثة أروقة تؤدي إلى المصلى، وطلي السطح الخارجي للقبة باللون الأصفر الحنطي ليتناسب مع لون المئذنة، بالإضافة إلى تغطية قاعة الحرم بتدريجات اللون الأصفر أيضا وترتيبها في أشكال هندسية مختلفة، ولقد انتهى من بناء الجامع الحديث في عام 1964م.
افتتح الجامع في صلاة الجمعة يوم 6 حزيران 1966م، بعد تجديد بنائه. ولوحظ أثر ميلان للمنارة نحو الشرق بسبب نضوح المياه الجوفية أسفل قاعدتها. ونتيجة لعدم إجراء صيانة لمئذنة الجامع، كلف الوقف السني في العراق الدائرة الهندسية لأجل إجراء أعمال الصيانة في الجامع، بالاتفاق مع منظمة اليونيسكو لكي يحافظ على قيمتهِ الأثرية.
كما ويوجد حول الجامع سياج من حديد جميل الصنع. ويُعد آية من آيات الفن والابداع في هذا المجال حيث طلب الشيخ جلال الدين الحنفي من شيخ الحدادين في بغداد وهو الحاج عبد الأمير الحداد (1914 - 2003) بصنع سياج يليق بهذا الجامع، فأتم شيخ الحدادين هذا السياج سنة 1964 وكان مزخرفا بالخط الديواني مع العلم ان الحداد عبد الأمير الحداد كان أمياً لا يعرف القراءة والكتابة، ويستطيع زائر هذا الجامع أن يرى بأم عينه مدى إبداع هذا الحداد في تطويع الحديد لجعله بهذا الشكل الرائع الذي لا يوجد له مثيل في أي جامع من جوامع العالم الإسلامي.
أبرز التصاميم المعمارية لمكية
الأبنية في العراق:
-مستوصف صحي (منحة مؤسسة كولبنكيان) في منطقة باب الشيخ عام ١٩٤٩ ، وهو من أوائل أعماله.
- سينما السندباد في شارع السعدون ببغداد ، وهي من أوائل دور السينما الحديثة، نهاية الأربعينيات
- بناية بلدية الحلة عام ١٩٥١ ، مطلة على النهر ، وتحتوي برجاً للساعة.
- فندق ريجنت بالاس ، في أوائل الخمسينيات في منطقة السنك ببغداد ، عام ١٩٥٤ ، مقابل فندق تايكرس بالاس للمعمار أحمد مختار إبراهيم
- دار إبراهيم الراوي
-منزل محمد مكية في المنصور ، عام ١٩٥٨
- بيوت الأميرات في المنصور ، عام ١٩٥٥
- دار فاضل الجمالي في الأعظمية ، عام ١٩٥٥
- بناية مصرف بشارع الرشيد بمشاركة مع جبرائيل خمو ، ١٩٥٧
- دار الخضيري في بغداد ، عام ١٩٦٣
- مجمع الوزارات الحكومي في بغداد ، في الستينيات
- كلية الفقه ، كلية أصول الدين ، كلية التربية والجامع الملحق بها في باب المعظم ببغداد ، عام ١٩٦٦-١٩٦٨
- البنك المركزي العراقي فرع البصرة مع سعيد علي مظلوم ، عام ١٩٦٧
- البنك المركزي العراقي فرع الموصل مع سعيد علي مظلوم وهنري زفوبودا ، ١٩٦٧-١٩٧٣
- غرفة تجارة كربلاء ١٩٦٧-١٩٧٤
- جامعة الكوفة (المخطط العام) في النجف ، عام ١٩٦٧
- مكتبة ديوان الأوقاف في باب المعظم ببغداد ، عام ١٩٦٧ ، وقد تهدمت كلياً عام ٢٠٠٣
- مصرف الرافدين فرع الكوفة ، عام ١٩٦٨
- مصرف الرافدين فرع كربلاء ، عام ١٩٦٨
- مكتبة كربلاء العامة ، عام ١٩٦٩
- شركة التأمين الوطنية فرع كربلاء ، ١٩٧٥
- متحف الموصل (منحة كولبنكيان) ، عام ١٩٦٩-١٩٧٤
- المركز المدني لمدينة بغداد (لم ينفذ) ، عام ١٩٧٠
- مبنى إسالة الماء مع محمود العلي في منطقة العوينة ببغداد ، في الستينيات
- مصرف الرافدين في البصرة ، عام ١٩٧٠ – ١٩٧٤
- سفارة دولة قطر في بغداد ، ١٩٨٠
- مسكن سفير قطر ببغداد ، ١٩٨٠
- جامعة الرشيد مع مكتب هينل فيشر الألماني (استشارات فقط) ، عام ١٩٨١
في الخارج:
- سفارة الإمارات في مسقط بسلطنة عمان ، في السبعينيات
- المجمع السكني لموظفي الحكومة في المنامة بالبحرين ، ١٩٧١-١٩٧٥
- دار سكنية في مسقط بسلطنة عمان ، عام ١٩٧٢
- بوابة مدينة عيسى في المنامة بالبحرين ، عام ١٩٧٢-١٩٧٣
- دار غريزة في مسقط بسلطنة عام ، ١٩٧٣-١٩٧٦
- مكاتب ضاحية الحير في البحرين ، عام ١٩٧٣- ١٩٧٦
- مبنى تجاري في المنامة بالبحرين ، عام ١٩٧٥
- مسجد الكويت الكبير ، عام ١٩٧٦- ١٩٨٤
- تطوير ميناء سعيد في دبي بالإمارات ، عام ١٩٧٧
- مجمع ولي العهد في الرفاع بالبحرين ، عام ١٩٧٧- ١٩٧٩
- جامع الصديق في الدوحة بدولة قطر ، عام ١٩٧٨
- الشركة العربية المتحدة للنقل البحري في الكويت ، عام ١٩٧٩
- مسجد مدريد والمركز الثقافي في اسبانيا (مسابقة معمارية) ، عام ١٩٧٩
- تجديد دار ضيافة الشيخ زايد (قصر الأمير) في أبو ظبي بالإمارات ، ١٩٨٠
- ترميم دار ضيافة الشيخ سعيد في دبي بالإمارات ، ١٩٨١- ١٩٨٦
- مبنى المقر العام لمنظمة الدول العربية المصدر للنفط (أوابك) في الكويت، عام ١٩٨٢
- التصميم الداخلي للديوان القديم في إبو ظبي بالإمارات ، ١٩٨٣
- مبنى المقر العام لجامعة الدول العربية في تونس (مسابقة معمارية ، الجائزة الأولى) ، عام ١٩٨٣
- جامعة العين بالإمارات ، عام ١٩٨٣
- المقر الرئيس لمنظمة المدن العربية في الكويت ، عام ١٩٨٣
- وزارة العدل والمحكمة الاتحادية العليا في أبو ظبي بالإمارات ، ١٩٨٤
- جامع الدولة الكبير ببغداد (مسابقة معمارية) ، عام ١٩٨٣-١٩٨٤
- الديوان الأميري في دبي بالإمارات ، عام ١٩٨٤
- بنك التنمية الإسلامي في جدة بالسعودية ، عام ١٩٩٣
- جامع السلطان قابوس في مسقط بسلطنة عمان ، ١٩٩٥
- مجمع محاكم الرياض بالسعودية ، عام ٢٠٠٤
لقائي بالراحل محمد مكية في كاليري الكوفة
في عام ١٩٩٢ ، عندما كنت في المهجر ، زرت لندن . وخلال جولتي في أماكن تواجد العراقيين المهاجرين في المملكة المتحدة مثل الجمعيات والمراكز الثقافية والإسلامية ، زرت كاليري الكوفة أحد المعالم الثقافية والفنية في لندن.
في عام ١٩٨٦ قام مكية بتأسيس كاليري الكوفة ليكون محفلاً ثقافياً ليتحضن المحاضرات والندوات والمعارض الفنية. وكان الطابق الأرضي عبارة عن قاعة كبيرة تستوعب النشاطات الثقافية والفنية ، في حين تخصصت الطوابق العلوية لتكون مكتبة مكية ومكتبه حيث يستقبل زواره وضيوفه.
وسماه بالكوفة تيمناً بالمدينة الإسلامية التي اتخذها أمير المؤمنين علي عليه السلام عاصمة للدولة بعد توليه الخلافة عام ٣٦ هجرية. واجتذبت الكوفة العلماء والفقهاء والادباء وعلماء اللغة والشعراء حتى صارت هي والبصرة حاضرتين ثقافيتين ربما تقارن بروما وأثينا في العالم القديم. وتنافست المدينتان في النحو حتى برز علماء لغة فيها ، ونشأت مدرسة الكوفة ومدرسة البصرة لكل منهما منهجها الخاص بها.
وفي العصر كان محمد مكية أحد أعضاء لجنة تأسيس جامعة الكوفة الأهلية في الستينيات من القرن العشرين ، ومعه كوكبة من العلماء والمهندسين والأطباء الشيعة. وتم شراء الأرض وأعد مكية التصاميم اللازمة ولكن السلطة الطائفية برئاسة عبد السلام عارف المعروف بنزعته الطائفية رفضت المشروع. ثم قام النظام البعثي الذي استولى على السلطة عام ١٩٦٨ بمصادرة الأرض. وبذلك تبدد حلم إنشاء جامعة علمية رصينة منذ ذلك الوقت.
مشروع منتدى الكوفة، بقراءة عاجلة، بموقعه في وسط العاصمة البريطانية، في مبنى متعدد الطوابق كان المعماري قد اشتراه لهذا الغرض، كان يحوي بالإضافة للمنتدى المتوسط الذي يعلو على عدة طوابق، طوابق مكتبية لمكتبه المعماري الذي مارس منه العمل المهني، كما تطل مكتبة دار الساقي على الواجهة الأمامية للشارع الرئيس، وح
أمس, 21:23 قامات عراقية خالدة – ٩ .. محمد مكية رائد العمارة العراقية الحديثة
د. صلاح عبد الرزاقأمس, 19:08 “المسؤولية بين وهم المديح وواقع التحديات”
سمير السعد17-12-2024, 12:05 لن ننحني.. ومنا يولد الأمل
سمير السعد16-12-2024, 18:09 قامات عراقية خالدة - ٨ .. ميخائيل عواد مؤرخ الحضارة العربية والإسلامية
د. صلاح عبد الرزاق