• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

قامات عراقية خالدة - ١٣ .. الدكتور فرحان باقر عميد الطب الباطني في العراق

قامات عراقية خالدة - ١٣ .. الدكتور فرحان باقر عميد الطب الباطني في العراق

  • أمس, 22:05
  • مقالات
  • 83 مشاهدة
د. صلاح عبد الرزاق

"Today News": بغداد 


٢٨ كانون اول ٢٠٢٤

الدكتور فرحان باقر (١٩٢٦- ٢٠٢٠) من أشهر أطباء العراق في الطب الباطني ومرض السكري. وفاقت شهرته العراق إلى دول الخليج وأمريكا . مثل هذه القامة الطبية حوربت من قبل حكومة البعث فأقيل من منصبه عام ١٩٧٩ مما دفعه إلى مغادرة العراق لتحتضنه دولة الإمارات العربية. ولهذه الإقالة قصة تمثل عمق التعسف ضد العلماء والأطباء المرموقين في العراق.

الأسرة والنشأة
ولد فرحان باقر الخفاجي في محلة (أم النومي) بمدينة الكاظمية عام ١٩٢٦. وتنتمي الأسرة إلى قبيلة خفاجة العربية ، حيث هاجر أجداد من مدينة النجف الأشرف إلى العاصمة بغداد. وكان والده الحاج باقر من سكنة مدينة عگرگوف غربي بغداد ، قرب أبي غريب، ثم انتقل إلى الكاظمية وعاش حياته فيها إلى أن وافاه الأجل عام ١٩٧٩.
أنهى الدكتور فرحان باقر الدراسة الابتدائية في مدرسة المفيد سنة 1937 ، ثم دخل متوسطة الكاظمية سنة 1940 ، وانهى الدراسة الاعدادية في الثانوية المركزية للبنين سنة 1942 . تخرج من الكلية الطبية الملكية في بغداد عام 1948 وكان من السبعة الاوائل على دورته – اعلى درجاته حصل عليها في الامراض النسائية والتوليد.
التقى الدكتور فرحان باقر بزوجته عندما كانت مازالت طالبة في كلية الصيدلة وهو يعمل معيد لتدريس مادة الادوية (Pharmacology) والصحة العامة في نفس الكلية. ثمرة هذا الزواج هو ابن واحد وثلاث بنات.

الحياة العملية
بعد التخرج من الكلية الطبية عمل في مستشفى ميداني على الجبهة في فلسطين وبالتحديد في جنين عام 1948 حيث تتجحفل قوات الجيش العراقي. وبعد انتهاء الحرب وعودته الى البلاد تم تعيينه كأول طبيب مقيم في مستشفى خاص للأمراض النسائية والتوليد. بعدها بشهور فتح الدكتور فرحان باقر عيادته الخاصة الاولى في مدينة الكاظمية بدوام مسائي فقط كون الدوام الصباحي كان في الكلية الطبية حيث عمل كمعيد بشعبة الفسيولوجي بكلية الطب في الفترة بين 1949 و 1952.

دراسته في الخارج
في عام ١٩٥٢ توجه الدكتور فرحان باقر الى الولايات المتحدة لإكمال دراسته في جامعة جورج تاون  (Georgetown University )  وحصل على شهادة التخصص والماجستير في الطب الباطني عام 1953. أكمل تدريبه كمقيم أقدم في قسم الباطنية في مستشفى نيويورك في الفترة بين 1954 و 1956. وأصبح مسؤولاً عن تدريب (٢٦) طبيباً من مختلف بلدان العالم.
بعد حصوله على الزمالة FCCP من كلية اطباء الصدر الامريكية في عام 1956 ، سافر الى بريطانيا. هناك أنهى تدريبه في فرع الامراض العصبية بمستشفيات Queen Square و  Hammersmith المعروفة عالمياً. لكن الانجاز الاكبر وخلال فترة تسعة اشهر استطاع الدكتور فرحان باقر ان يجتاز امتحانات الكفاءة في تموز١٩٥٦ للتأهل على شهادة  MRCP ، او شهادة عضوية الزمالة البريطانية للطب الباطني والتي تعتبر منال وهدف كل طبيب متخصص من كل انحاء العالم.
يعتبر الدكتور فرحان باقر ثالث عراقي بالتاريخ يجتاز تلك الامتحانات، بعد الأستاذ الدكتور محمود الجليلي والاستاذ الدكتور عبد الجبار العماري.

عودته إلى العراق
بالرغم من المغريات في البقاء في أمريكا والحصول على الجنسية الأمريكية فقد قرر العودة إلى العراق  في 16 تشرين الاول 1956 . وبعد فترة قصيرة تلت طلبه الدكتور نوري ميري عميد كلية الصيدلة لتدريس مادة الادوية (Pharmacology) والصحة العامة.
وبعد محاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم جرى استدعاؤه بصورة مستعجلة من وزير الصحة للإشراف على الوضع الصحي لقاسم.

إنجازاته
في الفترة بين 1956 و 1979 حقق الدكتور فرحان باقر إنجازات طويلة جدا وحافلة بالنجاحات نظرا لمسيرة يفخر بها كل العراقيين لما فيها من طموح وتميز وابداع واهمها عشق للوطن وخدمة لأهله.
من هذه الانجازات الاتي:
في الفترة بين عامي 1957 و 1960 تم تعيينه مشرفاً ومدرساً في قسم الباطنية بكلية الطب في بغداد
في عام ١٩٦٠ أصبح سكرتيراً للجمعية الطبية
في عام 1961 تمت ترقيته إلى مرتبة أستاذ مساعد في الطب الباطني
في عام 1964 منح شهادة الزمالة من كلية الاطباء الملكية البريطانية في أدنبره
في عام 1966 تمت ترقيته بجدارة إلى مرتبة أستاذ في الطب الباطني في الكلية الطبية العراقية.
في صيف 1966 و 1967 انتشر وباء الكوليرا فقام بدور فعّال في تنظيم الخدمات الصحية والعلاجية للتعامل مع المصابين والمرضى.
من عام ١٩٧٤ إلى عام ١٩٧٦ تم تعيينه رئيس قسم الباطنية في مدينة الطب.

استطاع الدكتور فرحان باقر ومعه مجموعة من رواد الطب في العراق مثل زهير القصير ومهدي مرتضى ولأول مرة في تاريخ العراق ادخال عضوية الMRCP  الجزء ١. وبفضل الجهود والطموح لدى المنظمين والمشاركين فقد حققت الدورة الاولى اكبر معدل نجاح في العالم كله – وهي 57%، مقارنة بمثيلاتها في بريطانيا والتي حققت نسبة 17% فقط.
-بين عامي 1977 و 1978 عين مستشارا للجنة البحوث الطبية في منظمة الصحة العالمية،
- في عام 1979 منح شهادة الزمالة من كلية الاطباء الملكية في لندن
- كان له دور في تأسيس نقابة الأطباء والتي كانت تسمى سابقا بالمهن الطبية.
- أول من انشأ عيادة لمرضى السكر
- أول من اسس مختبرا لأمراض الرئة
- استحدث نظام الندوة السريرية الباثولوجية في المستشفى الجمهوري ببغداد.
- أحد المشرفين الاساسيين في وضع دستور الادوية العراقي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي.
- من الاوائل في استخدام الزرع المختبري في حالات الالتهاب عند علاج وتشخيص تلك الحالات.
- استحدث أسلوب لتحديد عدد المرضى والمراجعين في العيادة الخاصة، بدأها من عيادته الخاصة التي كانت تقع في (شارع المشجر) المتفرع من شارع السعدون ببغداد، حيث لم يسمح في اليوم باستقبال اكثر من 12 مريضا لليوم.
- كان محل اعجاب الهيئات التدريسية في الجامعات وكان يقوم بزيارات دورية الى الكلية الطبية في البصرة والموصل لإلقاء المحاضرات والاشراف على الامتحانات.
- شارك في مختلف المؤتمرات والملتقيات العلمية عربيا وعالميا وتمت دعوته من جامعات ومؤسسات ومنظمات في دول كثيرة منها الكويت، الهند، الاتحاد السوفيتي السابق، المكسيك، المانيا وغيرها

طبيب الرؤساء الاربعة
يطلق على الدكتور فرحان باقر لقب (طبيب الرؤساء الأربعة) وهم عبد الكريم قاسم وعبد الرحمن عارف واحمد حسن البكر واخرهم صدام حسين. على يديه تعافت حالات مرضية معقدة، وذاع صيت علمه بين مواطنيه ، فكانت عيادته تكتظ بالمرضى القادمين من بغداد ومحافظات العراق.

كانت محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم في 16 تشرين الثاني / اكتوبر 1959 الفرصة الاولى للدكتور فرحان باقر لقاء الزعيم الذي كان يرقد في مستشفى السلام آنذاك بعد محاولة الاغتيال الفاشلة. يقول الدكتور فرحان باقر في مذكراته: ان الحراسة كانت شديدة على المستشفى وحشد الناس امام المستشفى كان كثيف جدا ، مما دفعه الى القفز من فوق السياج، وكان قد سبقه الدكتور هادي السباك و الدكتور خالد القصاب. بعد الفحص وجد ان الصدر غير مصاب وان الرئتين سالمتان ولم تتأثر بطلق ناري. ويضيف الدكتور باقر : بعدها ألحت عائلة الزعيم وأخوه حامد وزوجة حامد وإلحاح من شقيقته ام رعد وزوجها الزعيم عبد الجبار جواد ان يتخذني طبيبا خاص له).

مع عبد السلام عارف
لم تكن للدكتور فرحان باقر صلة مع عبد السلام عارف حتى بعد ان اصبح رئيسا عقب انقلاب 1963 وذلك لوشاية من احد زملائه لعارف بان الدكتور باقر كان على علاقة وطيدة بالزعيم. لكن الرئيس السابق أرسل في طلب الدكتور. في مرة من المرات الى القصر الجمهوري ، ولاحظ عنده انخفاض هائل في الوزن عند معاينته. قبل ذلك اللقاء أرسل الرئيس عبد السلام عارف مبعوثا شخصيا لعزاء الدكتور باقر بأحد أفراد عائلته.

مع عارف والبكر
على عكس علاقته الفاترة بشقيقه فإن علاقة الدكتور فرحان باقر بالرئيس الراحل عبد الرحمن عارف وعائلته كانت طيبة. عبد الرحمن عارف استلم الرئاسة بعد حادث مقتل عبد السلام عارف في حادث تحطم طائرته. اتسمت العلاقة بين الاثنين وعوائلهم بالاحترام وبالطيبة والمودة حيث كان يقدم لهم الخدمات والرعاية الطبية الى ان حدث انقلاب تموز 1968 وعُزل عبد الرحمن عارف.

بعد تولي احمد حسن البكر رئاسة البلاد طلب من الدكتور فرحان باقر ان يكون الطبيب الخاص للقصر الجمهوري ، وحتى عرض على الدكتور تجهيز دار قريبة منه، لكن الدكتور اعتذر لالتزاماته بالتعليم الطبي والمهنة ، ولكنه ابدى استعداده للحضور عند الطلب . يقال ان احمد حسن البكر اعتاد ان يتناول الغداء وعن يمينه حردان التكريتي وصالح مهدي عماش وعن يساره الدكتور فرحان باقر.
يذكر الدكتور فرحان باقر في احدى مقابلاته عن لقاء جمعه مع احمد حسن البكر في صيف 1969 عندما كان يعد العدة للسفر من اجل حضور مؤتمر للتدرن في الولايات المتحدة الامريكية. طلب البكر من الدكتور باقر ان يحاول جلب مجموعة من الاطباء العراقيين المقيمين في الولايات المتحدة الامريكية و(اقناعهم) بالعودة والعمل في العراق ، يقول فرحان باقر:
فسألته ببراءة: ماذا أقول لهم؟ فقال: كما شاهدتنا وعرفتنا سنعطي كل ذي حق حقه ونمنح كلا منهم ما يستحقه من لقب مهني أو تدريسي ونسهل له أمور السفر، ثم قدم لي ظرفاً يحوي نقوداً حسب ما يظهر، فاعتذرت بأدب وخجل واضحين عن قبوله، لكنه أصر على ذلك ذاكراً بأني قد أحتاج إليه في دعوتهم على العشاء أو الشاي ، فأجبت بأن لديّ من المال والحمد لله ما يكفي ، وإن فعلت ذلك فسيكون على حسابي الخاص وسأكون سعيدا بذلك. بدا الامتعاض واضحا على ملامحه وليس في كلامه، ولما دخل عليه الدكتور عزت مصطفى وزير الصحة آنذاك وجده ممتعضاً بعينين حمراوين دامعتين كما أخبرني، فعاتبني على ما بدر مني، فقلت له: إنني لم أفعل ما يغضب، ولم أسيء التصرف ولم أتفوه بما لا يليق وكل ما فعلته أني اعتذرت عن عطية مالية فقط ، فأجاب: بأن هذه عادة متبعة وليس فيها ما يضر أو يهين. لكنه عرف أني لا أباع ولا أشترى).

مذبحة مدينة الطب
بعد ان اصبح صدام حسين رئيسا للعراق بأربعة اشهر، وبالتحديد في يوم 29 تشرين الثاني عام 1979 ، أصدر قراراً مفاجئاً بإقالة الدكتور فرحان باقر من مدينة الطب ، وكان على رأس القائمة  ومعه ( 48 ) من عمالقة الطب مثل الدكتور زهير البحراني، الدكتور حسين طالب ، والدكتور خالد القصاب والاستاذ مكي الواعظ وطلال ناجي شوكت وخالد ناجي، عبد الامير الازري والدكتور صلاح العاني والدكتور غالب العاني، والدكتور نجم الحديثي والدكتور سالم الدملوجي وغيرهم.
أطلقت على تلك الحادثة (مذبحة مدينة الطب) لما تركته من اثر كبير بين الاوساط الطبية والاجتماعية في داخل البلاد وخارجها، حيث كتبت صحيفتان بريطانيتان عن الموضوع وفيهما انتقادات شديدة لهذا الاجراء المفاجئ والظالم: أحدهما بعنوان: مجزرة مدينة الطب  (Massacre of Medical city)، والأخرى بعنوان: (العراق: ثمن الحرية Iraq: The Price of Freedom ). كما أطلقت مجلة  British Medical Journal   العنوان نفسه على هذه الحادثة مع ذكر والاشادة بالدور الكبير للدكتور باقر واخرين بما قدموه للطب في العراق من انجازات مشرفة.
ولما كانت أجواء المؤامرات تسيطر على سياسة حزب البعث ، ومنها مؤامرة محمد عايش حمد الحلبوسي (١٩٣٢- ١٩٧٩) التي أعدم صدام فيها (٢٤) من أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث والوزراء في ٨ آب ١٩٧٩  بعد محاكم (قاعة الخلد) بتهمة التآمر مع الرئيس السوري حافظ الأسد لمنع صدام من الوصول إلى السلطة.
 وأثار قرار إقالة الأطباء اندهاش وتساؤل فرحان باقر ، واعتقد فرحان أن وشاية ربما وصلت إلى صدام دفعته إلى اتخاذ هذا القرار المتسرع والخطير على الطب العراقي. وقيل أن صداماً زار مدينة الطب ولم يخرج أساتذة الطب لاستقباله وكان الوقت صباحاً والأساتذة في صفوفهم ومختبراتهم مشغولين بالمحاضرات وتعليم وتدريب طلاب الطب، فاستشاط صدام غضباً ، واعتبرها إهانة شخصية له ، ولذلك قرر إقالة هؤلاء الأساتذة فوراً.

قائمة أساتذة الطب المقالين
نشرت الصحف الرسمية خبر إقالة هؤلاء الأساتذة في كلية الطب ومدينة الطب كالآتي:
قرر مجلس قيادة الثورة إحالة ٤٨ طبياً وطبيبة على التقاعد من بينهم (٢٤) طبيباً في كلية الطب جامعة بغداد وهم:
١-فرحان باقر
٢- خالد ناجي
٣- زهير رؤوف البحراني
٤- علي غالب
٥- عبد الجليل ثويني
٦- عز الدين شكارة
٧- خالد عبد العزيز القصاب
٨- محمد علي خليل
٩- حامد المنذري
١٠- عبد الكريم الخطيب
١١- هاشم عبد الرحمن
١٢- نجم عبد الله الحديثي
١٣- مهدي مرتضى
١٤- أحمد ناصر نصر الله
١٥- لمعان أمين زكي
١٦- غازي الحاجم
١٧- حاجم السامرائي
١٨- مردان علي
١٩- غالب كاظم الأعرجي
٢٠- محمد صالح العاني
٢١- فائدة كابان
٢٢- فاضل القدسي
٢٣- نهلة الشابندر
٢٤- محمد حسن عبد العزيز (كلية طب الموصل)
٢٥- خليل الشابندر (كلية طب الموصل)
أما الباقون فهم من الأطباء العاملين في المستشفيات ودوائر وزارة الصحة وهم:
٢٦- جواد العبادي مفتش الصحة العام
٢٧- أكرم عبد المهدي الهلالي (مختبر الصحة المركزي)
٢٨- هاشم توفيق السامرائي (مختبر الصحة المركزي)
٢٩- كامل إسماعيل الجواهري (مختبر الصحة المركزي)
٣٠- خيري حميد محمد (معهد الاشعاع والطب الذري)
٣١- جعفر صادق الحسيني (مؤسسة التدريب والتعليم الصحي)
٣٢- حسين طالب محمد علي (مدينة الطب) (شقيق ناجي طالب)
٣٣- صاحب زيني (مدينة الطب)
٣٤- هادي السباك (مفصول سنة واحدة)
٣٥- علاء الدين الخالدي (مفصول سنة واحدة)
٣٦- مؤيد مصطفى العمري (مفصول سنة واحدة)
٣٧- فريد محمد علي أسعد (مفصول سنة واحدة) في مستشفى الطوارئ في الكرخ
٣٨- طلال ناجي شوكت
٣٩- محمد هادي جواد




مغادرة العراق
بعد هذه الحادثة شعر الدكتور فرحان باقر بعدم الارتياح لوجوده في بغداد ، وأنه ربما تجري تصفيته أو إيذاءه أو مضايقته. فقرر مغادرة العراق إلى أمريكا ، حيث عمل فيها لفترة تدريسياً نظراً لخبرته وشهاداته العالية.
بقي في أمريكا فترة حتى دعته دولة الإمارات العربية لاستلام مركز إداري مرموق. إذ عُيّن رئيساً لقسم الطب الباطني في مستشفى الجزيرة للفترة ١٩٨٣- ١٩٨٧ . ويقال ان وزير الصحة بدولة الامارات العربية المتحدة حمد المدفع التقى بالدكتور فرحان باقر سنة ١٩٨٣ طالباً منه العمل بالإمارات . وبالفعل وصلها وصار رئيسا للقسم الباطني الذي طوّره وسهر على تقدمه بمستشفى الجزيرة في مدينة ابو ظبي. ولباعه الطويل في مهنته لم يؤخذ وصوله سن التقاعد بنظر الاعتبار انما جدد له عقد العمل حتى ترك دولة الامارات العربية المتحدة الى الولايات المتحدة الامريكية برغبته ثم أصبح مقيما فيها.
يذكر الدكتور أديب الفكيكي (١٩٣٤- ٢٠٠٣) بكتابه (تاريخ اعلام الطب العراقي الحديث) فيقول: (كثيرا ما كنت اراقبه وهو يراقب طلابه من الاطباء ويحثهم على عدم اهمال اية نقطة وان الجامعات العالمية الاجنبية لم تيأس من كسب رضا الاستاذ الدكتور فرحان باقر حتى استطاعت كلية مونت كلير في كالفورنيا في الولايات المتحدة من جذبه اليها ليتسلم الطب الباطني في مستشفاها عام 1987 ويعتبر الاستاذ الدكتور فرحان باقر أول من انشأ عيادة لمرضى السكر في العراق ، وأول من أسس مختبراً لأمراض الرئة ، وترأس قسم الامراض الباطنية في كلية الطب للفترة 974 ـ 976 ، وصار رئيسا او عضوا في لجنة منح الدبلوم في الطب الباطني.
 ويذكر الدكتور الفكيكي وهو يستعرض التاريخ العلمي للدكتور فرحان باقر يصفه بأنه أمام عملاق من عمالقة الطب والعلوم لا في العراق والوطن العربي فحسب بل امام عمالقة الطب والعلوم في العالم ولا يقدّر عبقرية هذا الرجل الا الذين صار لهم شرف العمل معه في الحقل الطبي متعلمين منه او مساعدين له وتسابقت امهات الجامعات العالمية لتتشرف بزيارة فرحان باقر لها محاضرا او ممتحنا لطلابها او مقوما لمناهجها فكان استشارياً للجنة البحوث الطبية لمنظمة الصحة العالمية خلال 977 ـ 978 واختارته جامعة عين شمس المصرية كفاحص للامتحانات في كليتها الطبية عام 968 ودعته الكلية الطبية لجامعة روجستر كأستاذ زائر لمدة اربعة اشهر ثم دعته جامعة كاليفورنيا سان فرنسيسكو كعالم زائر).

بعد عام 2003 يعود فرحان باقر الى العراق وبالرغم من عمله لفترة قصيرة مستشارا لرئيس الوزراء نوري المالكي عام 2007 وبرغم حبه للتدريس في كلية الطب ،  الا أن وطأة السنين والمرض دفعتاه الى الاعتذار عن مواصلة وظيفته فضلا عن الظروف العامة ، فغادر بلده ثانية ليبقى متنقلا بين الإمارات العربية والولايات المتحدة.

المؤتمر العالمي الأول للكفاءات والخبرات العراقية في المهجر
بغداد ٢٢-٢٤ كانون الأول ٢٠٠٨
كلمة ا.د. فرحان باقر نيابة عن المغتربين خلال مؤتمر الكفاءات و الخبرات العراقية في المهجر
بسم الله الرحمن الرحيم
صاحب الفخامة رئيس الجمهورية ونوابه المحترمون
السيد رئيس المجلس النيابي ونوابه المحترمون
فخامة السيد رئيس الوزراء المحترم
اصحاب المعالي الوزراء المحترمون
والسادة رؤساء الجامعات المحترمون
السيدات والسادة الحضور
  سلام الله عليكم وبركاته
 شرفتني اللجنة العليا لهذا الاجتماع المرموق لألقي كلمة المغتربين، انها لفتة كريمة من فضيلة الشيخ الجليل السيد خالد العطية بالمبادرة وفكرة الدعوة لهذا التجمع الكبير والذي لاقى الاستحسان والاسناد من قبل الدوائر الرئاسية.
إنني أحد هؤلاء المهجرين او المهاجرين وليس اولهم تركت هذا البلد الحبيب في سنة 1981 بما سميناها آنذاك بمذبحة مدينة الطب ولي الشرف ان اكون على رأس تلك القائمة التي ضمت 48 استاذا واخصائيا في فروع الطب المختلفة، لم اكن اكبرهم سنا ولم تكن احرف الابجدية مفسرا ليكون اسمي في المقدمة، لا اريد ان اكيل الصفات لهؤلاء لأني واحد منهم ومن البديهي ان اكون منحازا . وقد وصفت الصحف الطبية الاجنبية بما سمي ( بمذبحة مدينة الطب ) ولكنه في الواقع ليس كبيرا لما للعراق من الالاف المؤلفة من الكفاءات المنتشرة في كل العالم ومن كلا الجنسين وفي مختلف فروع العلوم واطياف المعرفة. واذا ما اقتصرت الآلاف الى مئات فأسال المعذرة للجان القائمة على الدعوات لأسباب وجيهة ومنها عدم وجود مخزن للمعلومات الاساسية للكفاءات ( DATA BASE ) انها لمبادرة نبيلة حقا تجلت بعدم نسيان قيادة البلد ومسؤوليها لأبنائهم في المهجر ، وتجسم الاحساس بمسؤولية البناء وتعمير ما خربته العاديات.
 المهجرون العراقيون او المهاجرون ظاهرة فريدة بين الكثير من الاقوام ، وهي شديدة الايلام على ابناء الرافدين ، والذين لا يفارقهم الشعور بانهم تركوا خلفهم جزءاً مهماً منهم في العراق وأهله ، جزءاً من أهله وترابه وهوائه ومائه ، صفة لا يوازيه احد من الشعوب الاخرى بها. ودعوتهم هنا واجتماعهم فيه هو حقهم عليه . وفي المقابل لبلدهم عليهم حقوق ولا ارى ظرفاً او وقتاً آخر يعكس حاجة العراق الى أبنائه وكفاءاتهم وقابلياتهم اكثر من هذا الظرف الذي نعيشه لإسداء ما اكتسبوا من خبرة ومعرفة لبناء بلدهم العزيز ، بعدما أصابه من نكسات ونكبات ، وما فيه وله من اندفاع وطموح من اعادة مجده وشموخه ، وان يبني الكيان الذي يستحقه بين الامم.
 لا اعتقد ان أبناءنا وزملائي في المهجر سيبخلون بقابلياتهم على الوطن الام، ولمن لم يتمكن من الرجوع لسبب او لآخر الركون الى (( أضعف الإيمان )) ، وهو بتخصيص أشهر أو أسابيع لبناء ما تهدم او انشاء بناء، او شعبة جديدة لما لم يتوفر وجوده هنا أو ما فات علينا تطويره خلال العقود العجاف أو اثناء الدكتاتورية الفردية والتخلف والحروب والحصار وحرمان الشعب الصابر الكريم سبل التطور والارتقاء.
وإني لأرى في الماضي القريب ، بزوغ شعاع ونور جديد ، يبشر بكل خير وصلاح ، ومحاولة اللحاق بركب الامم الأخرى. وأرى في المسؤولين ونهم اندفاع صادق لإسناد التوجهات الخيرة. وما هذه الدعوة وهذا الاجتماع الا مثلاً لإحداها.
ورسالتي الى اولادي وزملائي الخريجين الرجاء أن يكونوا سفراء فعالين في المهجر. وذلك بتنظيم الجمعيات والندوات للكفاءات والطاقات ، والتواصل مع لجنة مركزية في البلد الام لإعطاء المشورة وتبادل الزيارات المتبادلة. وأن يسعى كل واحد بجمع المعلومات عن كل عراقي يمثل عقلا مبدعا وطاقة بناءة ، وتحفظ هذه المعلومات في مركز رئيسي، كدائرة الملحق الثقافي على سبيل المثال، او ما يوازيها في الوظيفة لتكون مرجعاً موثقاً لدعوات المستقبل والتي تستوجبان تكون على اسس رصينة.
واخيرا لا يسعني الا ان اتقدم بالنيابة عنكم بأسمى آيات الشكر والامتنان لهذه الدعوة الكريمة ، وللاستقبال الحار والضيافة الاصيلة. وكلي ثقة أن يسدد المشاركون الجميل بأحسن منه ، وأن يكونوا عند حسن الظن للمشاركة ببناء ما خرب ، والارتقاء ببلاد الرفدين الى المصاف التي تستحقه. سائلين المولى القدير أن يأخذ بيد المسؤولين وأبناء شعبنا المعطاء بكل خير ونجاح.
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته              


كتاب (لمحات من الطب المعاصر في العراق)
صدر في هذا العام، 2011، الكتاب الثاني، للأستاذ الدكتور فرحان باقر، بعنوان (لمحات من الطب المعاصر في العراق)، بعد كتابه الأول الموسوم: (حكيم الحكام من قاسم إلى صدام) الذي صدر قبل ثلاث سنوات. والكتاب الجديد يقع في 432 صفحة من الحجم الكبير، بتصميم جميل، وطباعة أنيقة.
وصورة الغلاف الأخير للكتاب، تعبر عن آلاف الكلمات، إذ توجز لنا رحلة طويلة للمؤلف، حيث نجد في أعلى الغلاف، صورة الشاب الدكتور فرحان باقر عند تخرجه من كلية طب بغداد عام 1948، وفي الأسفل، صورة الشيخ الأستاذ الدكتور فرحان باقر عام 2010، وبينهما رحلة طولها 62 عاماً، حافلة بالجد والاجتهاد في كسب العلم وتعليمه وممارسته، والترحال في غربته الطوعية و القسرية. فهو من القلة الباقية من الأطباء العراقيين، ومع رفاقه في أوائل الخمسينات من القرن العشرين، إذ كما تخبرنا سيرته الذاتية، أنه بعد تخرجه من الكلية الطبية في بغداد عام 1948، وإنهاء الخدمة العسكرية، وخدمته في كلية الطب العراقية، سافر إلى أمريكا وإنكلترا، وانتسب إلى جامعات ومعاهد مرموقة وحصل على أعلى الشهادات في الطب وفي الأمراض الصدرية. أحدث نقلة نوعية في تدريس وممارسة الطب العراقي... كان الرائد في إدخال التفرغ العلمي في الكلية في سنة 1972، وأول من أدخل امتحانات الكلية الطبية الملكية البريطانية حيث حصل العراق على أعلى النتائج في تلك السنة في العالم. والدكتور فرحان شديد الانتماء لعراقيته، ومن هذا المنطلق فقد أسس رابطة الأطباء العراقيين في أمريكا (IMCA/IMSA) إثناء غربته الإجبارية. وقد نشر الكثير من البحوث وشارك بفعاليات تدريسية ومحاضرات في دول إقليمية وعالمية.
كما وطبقت شهرته العلمية الآفاق في الأوساط الأكاديمية الطبية خارج العراق أيضاً، كباحث تشهد له المجلات الطبية العالمية، الأمريكية والبريطانية واليابانية، وغيرها، وكأستاذ زائر لكليات الطب في هذه الدول.
 
ولم يسلم الأستاذ باقر من أذى حكم البعث، إذ تأكيداً لما قلناه في مقالات سابقة، أن غرض حزب البعث الأساسي من اغتصاب السلطة في العراق هو تدمير الوطن، وطاقاته البشرية، وثرواته المادية. وهكذا استحوذ الشرير صدام حسين على قيادة الحزب والدولة بشكل كامل في تموز/يوليو 1979 بعد أن أزاح الرئيس أحمد حسن البكر بمسرحية مفضوحة. وأول ما دشن به سيطرته الكاملة، وبعد أن أباد كل من يشك بولائه في القيادة في حمامات دم فظيعة ضد رفاقه، قام صدام بجريمة مروعة أخرى ضد صفوة الصفوة من الأساتذة الأطباء، حيث أصدر قراره الإجرامي بإحالة 48 منهم على التقاعد القسري، دون أن يبلغ أي منهم سن التقاعد، وهم في أوج عطائهم الفكري والعملي.
وفي هذا الخصوص يقول المؤلف: "بتاريخ 29/11/1979، فوجئ الوسط الطبي في العراق، ووزارتا التعليم العالي، والصحة، والمطلعون والمتابعون، وقراء الصحف بقرار رئاسي بإحالة ثمان وأربعين أستاذاً وأخصائياً من كليات طبية ومؤسسات مدينة الطب على التقاعد بدون ذكر السبب، وكان هؤلاء هم الصفوة في الهيئات التدريسية وفي خدماتهم الطبية، وفي قمة إنتاجهم العلمي في البحث والنشر. وكان هذا هو الانطباع العام وليس انطباعي."
 
بداية الخدمة الطبية في العراق
كما ويتطرق الكتاب إلى بدء الخدمات الصحية في العراق بعد الاحتلال البريطاني له، ونشوء وزارة الصحة التي بدأت كمديرية تابعة لوزارة المعارف، لها مستشار تفرغ في سنة 1921 ليكون مستشاراً ومديراً عاماً للصحة التي أصبحت في 12 أيلول 1921 وزارة الصحة، والتي عهدت إلى الدكتور حنا خياط، وكان التقدم ملحوظاً في هذه الفترة. ثم ألغيت وزارة الصحة لفترة قصيرة وأصبحت مديرية عامة ملحقة بوزارة الداخلية في 8 حزيران 1922م، لتتحول إلى وزارة من جديد لاحقاً.
ثم يعرج المؤلف على المستشفيات الجديدة، ودور الأطباء البريطانيين في الجيش البريطاني في تأسيسها، وتجهيزها، ورفدها بالكوادر الطبية التدريسية، وتدريب الكوادر العراقية لها، وقد عمل هؤلاء البريطانيون بكل إخلاص وكفاءة، إضافة إلى عدد كبير من الكوادر الوسطية من الهنود، فيقول: كانت هذه المستشفيات في أول الأمر تعج بالمستخدمين والموظفين الهنود، حتى إن الداخل إليها يظن أنه في قرية هندية!

تأسيس كلية الطب
بدأت فكرة الكلية الطبية لدى الأطباء البريطانيين، حيث لعبوا دوراً مشرفاً في تأسيسها، وخاصة الميجر هيكس (الطبيب) الذي ترأس اجتماعاً في حزيران 1921، والذي حضرَتْه جماعة من الأطباء العراقيين العائدين من الخارج. فتطرق إلى نسبة الأطباء إلى عدد السكان، وتوصل إلى وجوب وجود 1200 طبيباً في العراق، في حين كان العدد الموجود آنذاك لا يتجاوز الثلاثين طبيباً. وتحمس الحضور لفكرة تأسيس كلية طبية.
ولكن واجهت الفكرة معارضة المسؤولين في البداية بسبب نقص الكوادر، لذلك تأخر تأسيس الكلية ست سنوات. وأخيراً أثمرت الجهود، فافتتحت بتاريخ 29 تشرين الثاني سنة 1927، كفرع لجامعة آل البيت. وتقدم 80 طالباً بين عامي 1927-1928 في السنة الأولى للكلية، وكان هناك امتحان قبول، فقبل منهم عشرون طالباً: ثمانية يهود، سبعة مسلمين، وخمسة مسيحيين.
الملاحظ هنا، وكما يعلّق المؤلف، عدم وجود الحاجز الديني في القبول. ولكن في نفس الوقت نلاحظ أيضاً، النقص الكبير في نسبة قبول المسلمين، رغم أنهم كانوا يشكلون أكثر من 90% من السكان. والسبب في رأيي هو حرمان المسلمين من التعليم في العهد العثماني، بينما توفره لدى المسيحيين واليهود، لأن هذين المكونين أوليا اهتماماً كبيراً للتعليم، فاعتمدوا على أنفسهم في فتح المدارس الأهلية الخصوصية لتعليم أبنائهم. لذلك كانت نسبة المتعلمين، وكذلك نسبة القبول في صفوف اليهود والمسيحيين أعلى بكثير من نسبتهم السكانية. وهذه نقطة تسجل لصالحهم، ودورهم الفعال في النهضة الحديثة.
ويسرد الدكتور باقر، بتسلسل زمني، مراحل تطور الكلية الطبية، فيقول: افتتحت الكلية في البداية داخل المستشفى الملكي (عام 1927)، ثم افتتحت بناية جديدة لها، وهي البناية الحالية التي لا تزال قائمة
بجمالها العمراني الملحوظ، في 30 نيسان 1930 من قبل المغفور له الملك فيصل الأول. وكان افتتاح الكلية الطبية حدثاً تاريخياً مشهوداً حضره الوزراء والأعيان، والنواب والسفراء والوجهاء.
 
ويضيف المؤلف بحق قائلاً: وأفضل عمل قام به المسؤولون (الأساتذة الأطباء البريطانيون، وأغلبهم من سكوتلاندا) هو جعل المناهج مطابقة لمناهج الكليات الطبية البريطانية، وبعدئذ مطابقة للكلية الطبية الملكية في أدنبرة ذات التاريخ الناصع، ما هيأ العالم للاعتراف بالكلية الطبية العراقية.
ثم يذكر الكاتب عدد الطلبة المتقدمين والمقبولين والخريجين لكل سنة، وعلى سبيل المثال: في السنة الدراسية السابعة للكلية (1933-1934) بلغ عدد المتقدمين 150 طالباً، قبل منهم 28، فقط. وفي نفس هذه السنة تخرج خمسة أطباء فقط، وهم: عبدالرحمن الجوربجي، ومهدي فوزي، وصادق علاوي، وسليم شكرجي، ويوسف دانيال.
نلاحظ هنا، التشدد في معايير القبول، إذ ليس الاعتماد في قبول الطلبة المتقدمين على معدلات درجات التخرج من الثانوية، بل إضافة إلى ذلك، كانت تجرى لهم امتحانات القبول، ويبدو أنها كانت صعبة، وذلك لحرص المسؤولين على اختيار الشخص المناسب لهذه المهنة الصعبة، وتخريج من يستحق أن يكون طبيباً بجدارة. ولذلك كسبت الكلية الطبية العراقية مكانتها اللائقة في العالم قبل أن يأتي البعثيون فيدمروا سمعة التعليم في العراق، إذ لم يلتزموا بعدد المقبولين، حيث كان القبول في الأربعينات بحدود خمسين طالباً، ثم زاد عدد المقبولين سنة بعد أخرى إلى 100، ولكنه ارتفع في التسعينات إلى 200، ثم إلى 300 ، وأخيراً ازداد عدد القبول إلى 500 طالب في سنة 1997، تخرج منهم 447 في حزيران، ودون أن ترافق هذه الزيادة في عدد الطلبة أية زيادة في عدد التدريسيين. وهذا شذوذ، يبين حجم الصعوبات التي واجهها الأساتذة في التعليم الطبي.
ثم أنشأت كليتان إضافيتان للطب في العراق، واحدة في الموصل سنة 1954 وبدأ التدريس فيها في العام الدراسي 1959/1960، والأخرى في البصرة سنة 1967. وكلتاهما كانتا على نمط الكلية الأم في بغداد، أي تتبع نظام كلية أطباء أدنبرة، وثبت موقعاهما وأداؤهما على مر السنين.
أما مؤسسة مدينة الطب فقد بدأ تصميمها في العهد الملكي من قبل مجلس الإعمار، ولكن حجر الأساس أرسي في العهد الجمهوري الأول في 8 آذار سنة 1961، وأشرف على تخطيطاتها قبل ذلك الدكتور صائب شوكت، واستغرق البناء فيها بضع سنوات، حيث افتتحت سنة 1970، وانتقل إليها معظم أقسام المستشفى الجمهوري، واحتل الطابق الأرضي منها الإدارة وقاعات المحاضرات، وخصص الطابق الثاني للمختبرات...الخ.
إضافة إلى قبول الطلبة في طب بغداد بأعداد هائلة لا تتناسب مع المتوفر من الكادر التدريسي في عهد حكم البعث، حصل خطأ آخر في هذا العهد، وهو التوسع العشوائي في فتح الكليات الطبية في العراق، حيث بلغ عددها 22 كلية، أربعة منها في بغداد. وهذا بطبيعة الحال بعثرة للجهود والطاقات في عدد كبير من الكليات، بدلاً من تركيزها في عدد أقل. وقد تم هذا التوسع لصالح الكمية على حساب النوعية والأداء، وعدم أخذ حاجة البلد في الحسبان، بل لأغراض دعائية. ويعلق الأستاذ الدكتور فرحان باقر على هذه الظاهرة الشاذة فيقول: .. ولا أرى ذلك يحدث في دول الجوار، ولا في الدول المتقدمة، إذ لا أرى في التسابق بإنشاء كلية في كل محافظة إنجازاً في المحافظة، في الوقت الذي لا تبعد إلا مسافة قصيرة، ووقتاً قصيراً لجارة لها. والحاصل من هذا عدم وجود كادر كافٍ وكفوء للتدريس في الكلية الجديدة، ما يؤدي إلى انخفاض المستوى، وهو تحقيق الهدف من تلك الكليات الطبية، وخدمات الطبيب عند التخرج.
ويضيف المؤلف فيقول: قد يفاجأ القارئ أو المسؤول عندما أُخبره بالأعداد الهائلة من الأطباء العراقيين في الخارج، ففي المملكة المتحدة وحدها خمسة آلاف طبيب في مختلف الاختصاصات والكفاءات، ونسبة عالية منهم استشاريون وأساتذة، وعلى سبيل المثال، هناك ما لا يقل عن خمسين استشارياً في التشريح النسيجي (Histopathology) في بريطانيا، بينما كان في بغداد في وقت من الأوقات، تدريسي واحد في كل اختصاص وبدرجة ماجستير، وهذه مأساة!
كما ويذكر المؤلف نبذة مختصرة عن السيرة الحياتية للعديد من زملائه الأستاذة في كلية طب بغداد، والموصل والبصرة، مع صور البعض منهم، وهي التفاتة جميلة منه. والأجمل، أنه بدأ بالأساتذة البريطانيين، وخاصة الأوائل منهم الذين يرجع لهم الفضل الكبير في تأسيس الكلية الطبية، والخدمات الصحية في العراق في العشرينات من القرن العشرين، يوم كان العراق يعيش في ظلام دامس وتحت وطأة التركة الثقيلة التي ورثها من الحكم العثماني الطويل.
وعلى رأس الأساتذة البريطانيين الذين يخصهم المؤلف بالذكر هو، السير هاري سندرسن باشا (Sir. Harry Sinderson)، الذي يعتبر مؤسس الكلية، وكان الطبيب الخاص للمرحوم الملك فيصل الأول، وهو الذي أجرى للملك عملية الزائدة الدودية، فيقول عنه بحق: لعله أهم شخصية في تاريخ كلية الطب في جامعة بغداد، وألمع شخصيات الطب في العراق الحديث. هو اسكتلندي الأصل، ولم يحتفظ بلكنة اسكتلندا عند قدومه إلى العراق. تخرج في الكلية الطبية الملكية بأدنبرة سنة 1914، والتحق بالخدمة العسكرية طبيباً برتبة رئيس أول (ميجر)، وارتبط بالحملة العسكرية على العراق، التي وصلها في سنة 1918. كانت أعماله إدارية في أول الطريق في القسم الطبي، ولرغبته في الطب انتقل إلى رئاسة صحة لواء الحلة. أهتم بالأمراض المتوطنة في العراق حيث حصل على شهادة (DTM & H) ثم شهادة (M.D) عن بحثه  في دودة الأنكلستوما من جامعة أدنبرة، ثم على عضوية الكلية الملكية بأدنبرة (MRCPE)....الخ. وبرز اسمه مرشحاً لعمادة الكلية الطبية العراقية الوليدة سنة 1927، وللحق والتاريخ عمل الكثير لتطوير الكلية الناشئة... واستقطب مجموعة من خيرة الأطباء البريطانيين للتدريس فيها.
 
لقد أحب الأساتذة البريطانيون العراق بكل صدق وإخلاص، فشاركوا في تدريب عدة أجيال من الأطباء العراقيين، و يذكر المؤلف، على سبيل المثال، الأستاذ أرنولد ملز (Prof. A. Mills) الذي قدم إلى العراق مع الجيش البريطاني، وأعيرت خدماته إلى دوائر الصحة العراقية سنة 1922... ولكن من المؤلم و المؤسف أنه بعد سنين طويلة من خدماته الجليلة، (كوفئ)  بهجوم الغوغاء على مختبره وأتلفوا كل شرائحه التي جمعها في سنوات عمله الشاق، والتي لا تقدر بثمن. ومن فرط حبه للعراق والعراقيين، وعند تقاعده بعد ثورة 14 تموز 1958، ، طلب الأستاذ ملز من الزعيم عبدالكريم قاسم أن يقيم ويموت في العراق، وقد منح هذا الطلب، وصرح بأن لا أهل له ولا وطن إلا العراق، ويرغب أن يدفن فيه... ولكن تدهورت حالته الصحية، وأصيب بحالة من الذهول والنسيان، وقدمت سيدة أسترالية وتكفلت به، وأخذت محتويات داره ورصيده. وتوفي في لندن ولم تلبي رغبته في دفنه في بغداد.
   
مؤلفاته:
١-حكيم الحكماء من قاسم الى صدام ، عام 2008
٢- تاريخ الطب المعاصر في العراق ، عام 2011

وفاته
توفي الدكتور فرحان باقر يوم الخميس المصادف ١٨ تشرين الأول ٢٠١٧  في أبو ظبي بدولة الإمارات.

المصادر
- موقع البرلمان العراقي https://parliamentiraq.com/
     -  عبد الخالق حسين (قراءة في كتاب الأستاذ الدكتور فرحان باقر)
         مدونة الكاتب: http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
          https://islamicbooks.info/ المصدر
-البروفسور والطبيب والجراح فرحان باقر في ذمة الله
-https://iraqieconomists.net/ar ، ١٩ تشرين الأول ٢٠١٧
-دكتور الرؤساء.. وفاة قامة طبية عراقية ، المورد نيوز https://almawrid.news/ ، ٢٧ تشرين الأول ٢٠٢٠
-

أخر الأخبار