تعزيز الذاكرة المؤسسية في المؤسسات الحكومية العراقية
"Today News": بغداد
*مقدمة*
تواجه المؤسسات الحكومية العراقية العديد من التحديات المتعلقة بفقدان المعلومات والبيانات، نتيجة لضعف عمليات التوثيق في مجالات العمل الإداري والفني والخدمات المقدمة. يشمل هذا الفقدان مجموعة واسعة من الوثائق الإدارية، السياسات، الإجراءات، المشاريع، فضلاً عن البيانات المتعلقة بالموظفين. وفي غياب نظام فعال لحفظ الذاكرة المؤسسية، تتعرض هذه المؤسسات لخطر تكرار الأخطاء وفقدان التراكم المعرفي، مما يؤدي إلى ضياع الوقت والجهد في إعادة بناء ما تم فقدانه. إن هذا الواقع يشكل تحدياً كبيراً أمام تطور المؤسسات الحكومية واستدامتها، ويُحتم علينا البحث عن حلول فعّالة لضمان حفظ المعرفة المؤسسية وتعزيزها.
*أهمية الذاكرة المؤسسية*
تعد الذاكرة المؤسسية من الركائز الأساسية لاستمرارية العمل الحكومي ورفع كفاءته. من خلال توثيق العمليات والإجراءات، يصبح بإمكان المؤسسات الاستفادة من الخبرات السابقة وتعزيز المعرفة التراكمية. فهذه الذاكرة تمثل منبعاً للشفافية والمساءلة، حيث يساهم التوثيق في ضمان وجود سجلات واضحة حول كيفية تنفيذ العمليات. كما أنها تسهم في تعزيز الاستدامة، حيث تضمن استمرار العمل حتى في ظل تغيّر الكوادر البشرية، وهو ما يعزز قدرة المؤسسات الحكومية على مواجهة التحديات المستقبلية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الذاكرة المؤسسية تحسن اتخاذ القرارات من خلال توفير بيانات موثقة ودقيقة، يمكن الاعتماد عليها كمرجع لاتخاذ قرارات مدروسة وقائمة على أسس علمية سليمة.
*اقتراح إنشاء وحدة الذاكرة المؤسسية*
من أجل مواجهة هذه التحديات وضمان وجود نظام مستدام لتوثيق المعلومات، يُقترح إنشاء وحدة إدارية مختصة بالذاكرة المؤسسية في كل مؤسسة حكومية. تكون مهمة هذه الوحدة ضمان توثيق الإجراءات والعمليات عبر إنشاء أدلة مرجعية واضحة تحدد كيفية تنفيذ المهام المختلفة. كما ستقوم الوحدة بجمع وتصنيف وحفظ جميع الوثائق المتعلقة بالموظفين والخدمات والمشاريع لضمان وصولها بشكل منظم وآمن. في الوقت نفسه، يجب أن تساهم الوحدة في التحول الرقمي من خلال استخدام تقنيات حديثة لإدارة الأرشيف الرقمي، مما يسهل الوصول إلى البيانات ويعزز من أمانها. بالإضافة إلى ذلك، ستقوم الوحدة بتقديم برامج تدريبية للموظفين تهدف إلى بناء ثقافة توثيق فعّالة داخل المؤسسات الحكومية، مما يسهم في رفع مستوى الأداء وتحقيق الاستدامة المؤسسية.
*التجارب الدولية الناجحة*
هناك العديد من التجارب الدولية التي أثبتت نجاحها في تطبيق نظم إدارة الذاكرة المؤسسية. في سنغافورة، على سبيل المثال، اعتمدت الحكومة نظاماً رقميًا متقدمًا لإدارة المعلومات الحكومية، حيث يتم توثيق جميع العمليات والخدمات بشكل مركزي، مما يسهل استرجاع البيانات ويعزز الكفاءة والشفافية. كما أن كندا قد أنشأت وحدة متخصصة تحت اسم "برنامج إدارة المعرفة" داخل الوزارات الحكومية، حيث تركز هذه الوحدة على جمع وتحليل البيانات وتوثيق العمليات بهدف تحسين عملية اتخاذ القرارات وصياغة السياسات العامة. وفي أستراليا، اعتمدت الحكومة "إطار العمل الوطني لإدارة المعلومات"، الذي يتضمن إرشادات شاملة لتوثيق المعلومات باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الكبيرة. أما في الإمارات، فقد أُطلقت مبادرة "الجيل الجديد من الأرشفة" التي تهدف إلى توثيق العمليات والخدمات بشكل رقمي، مما يساهم في بناء قاعدة بيانات وطنية شاملة لضمان الحوكمة الرقمية واستدامة العمل الحكومي.
*الهيكل التنظيمي للوحدة*
من المهم أن ترتبط وحدة الذاكرة المؤسسية مباشرة بمكتب المدير العام أو الوزير، وذلك لضمان استقلاليتها وأهمية عملها داخل المؤسسة الحكومية. يتكون الهيكل التنظيمي لهذه الوحدة من عدة فرق متخصصة، حيث يكون رئيس الوحدة مسؤولاً عن إدارة العمليات والإشراف على تنفيذ السياسات. كما يتضمن الهيكل فريقاً مختصاً في التوثيق، يتولى مهمة توثيق الإجراءات والعمليات، وفريقاً آخر لتحليل البيانات الرقمية وإدارة الأرشيف الرقمي باستخدام الأنظمة التقنية الحديثة. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تشكيل فريق للتدريب والتطوير يقدم برامج تدريبية دورية لبناء ثقافة التوثيق داخل المؤسسات الحكومية.
*الخطوات العملية لتنفيذ المشروع*
من أجل تنفيذ هذا المشروع بشكل فعّال، يجب أولاً إعداد التشريعات اللازمة التي تُلزم المؤسسات الحكومية بإنشاء وحدات للذاكرة المؤسسية. تلي هذه الخطوة تخصيص الموارد اللازمة، بما في ذلك التمويل والكفاءات البشرية والتقنيات الحديثة، لدعم الوحدة وتفعيل دورها في المؤسسات الحكومية. كما يجب إطلاق حملات توعوية تهدف إلى تعزيز ثقافة التوثيق وأهمية المعلومات داخل المؤسسات. ثم يتم بناء نظام إلكتروني مركزي يربط جميع وحدات الذاكرة المؤسسية في المؤسسات الحكومية بقاعدة بيانات موحدة تسهم في تسهيل الوصول إلى البيانات وحمايتها. وأخيراً، من الضروري إنشاء آلية فعّالة لمتابعة وتقييم أداء الوحدة لضمان تحقيق أهدافها.
*الفوائد المتوقعة*
من خلال تطبيق هذا النظام، يُتوقع أن تتحقق العديد من الفوائد على مستوى المؤسسات الحكومية. أولاً، ستتحسن الكفاءة من خلال تقليل الوقت والجهد المبذولين في البحث عن المعلومات أو إعادة بناء العمليات. كما ستساهم الذاكرة المؤسسية في تعزيز الاستدامة المؤسسية، حيث تضمن استمرارية العمل الحكومي حتى في ظل تغييرات الكوادر أو الإدارات. بالإضافة إلى ذلك، سيسهم المشروع في زيادة الشفافية والمساءلة، مما يعزز الثقة بين المواطن والمؤسسة. وأخيراً، سيساعد في تحقيق التحول الرقمي للمؤسسات الحكومية، مما يعزز من استخدام التكنولوجيا في إدارة الأعمال الحكومية.
*خاتمة*
إن إنشاء وحدة للذاكرة المؤسسية يعد خطوة استراتيجية بالغة الأهمية لتحسين أداء المؤسسات الحكومية في العراق. من خلال الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة وتطبيق أفضل الممارسات، يمكن ضمان نجاح هذا المشروع وتحقيق أهدافه. ومن خلال تقديم هذا الاقتراح إلى الجهات العليا، بما في ذلك رئيس الوزراء، يمكن البدء في تطبيقه في جميع المؤسسات الحكومية، مما يسهم في بناء عراق قوي ومستدام قادر على مواجهة تحديات المستقبل.
أمس, 18:45 النجاح الحقيقي: بعيدًا عن الطموحات المادية الزائفة
د.محمد عصمت البياتيأمس, 11:36 كيف استطاع السيد المالكي الحفاظ على حضوره السياسي في العراق ؟
الحقوقية انوار داود الخفاجي4-01-2025, 18:51 تعزيز الذاكرة المؤسسية في المؤسسات الحكومية العراقية
الدكتور محمد عصمت البياتي3-01-2025, 23:42 "تعفن الدماغ" .. كلمة عام 2024 تعكس تحديات العصر الرقمي
الدكتور محمد عصمت البياتي