• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

الإعلام الرقمي وسلطة التأثير : من يتحكم في الرأي العام العراقي؟

الإعلام الرقمي وسلطة التأثير : من يتحكم في الرأي العام العراقي؟

  • أمس, 13:22
  • مقالات
  • 14 مشاهدة
الدكتور محمد عصمت البياتي

"Today News": بغداد 


لا يخفى على الجميع أن الرأي العام يُعَدُّ من الركائز الأساسية لاستقرار أي مجتمع. فهو يُعبّر عن المزاج الجمعي للأفراد ويعكس نظرتهم تجاه الأحداث الجارية في البلاد. وفي العراق، الذي يمر بمرحلة تحول سياسي واقتصادي واجتماعي، يبرز دور الرأي العام كعامل حاسم في توجيه بوصلة الأحداث وتعاطي المجتمع مع التحديات. لتحقيق استقرار الرأي العام، يتطلب الأمر تعاملاً واقعياً ومهنياً مع تلك الأحداث، مع التركيز على السيطرة على مصادر تشكيله ورفده بالمعلومات الصحيحة والموثوقة.
في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة، أصبح الإعلام الرقمي هو الساحة الجديدة التي يُدار من خلالها الرأي العام. هذه الساحة، بما تحمله من إمكانيات واسعة في الانتشار وسرعة إيصال الرسائل، تمثل تحدياً وفرصة في آنٍ واحد. فقد تحولت وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية إلى منصات رئيسية للتواصل بين الأفراد، لكنها في الوقت ذاته أصبحت بيئة خصبة لنشر المعلومات المغلوطة والشائعات.


*الإعلام الرقمي وتشكيل الرأي العام*

شهد العالم خلال العقد الأخير طفرة نوعية في الإعلام الرقمي، حيث أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"تويتر" و"إنستغرام" أدوات يومية يعتمد عليها الملايين للتواصل والحصول على الأخبار. تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 70% من العراقيين يستخدمون الإنترنت، ويُعزى جزء كبير من هذا الاستخدام إلى وسائل التواصل الاجتماعي. هذا الحضور الرقمي الواسع يجعل من الإعلام الرقمي سلاحاً ذا حدين، حيث يمكن أن يكون أداة لتعزيز الوعي المجتمعي، لكنه أيضاً قد يُستخدم لنشر الأخبار الزائفة والمعلومات التي تؤدي إلى زعزعة الاستقرار.
على سبيل المثال، خلال الاحداث التي شهدها العراق في السنوات الأخيرة، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً بارزاً في نقل الأخبار وتوثيق الأحداث. في حين ساعدت هذه الوسائل في تسليط الضوء على جوانب من الاحداث، إلا أنها كانت أيضاً بيئة لنشر شائعات أثارت الفوضى وأحدثت انقسامات بين أفراد المجتمع. هذه الحوادث تسلط الضوء على أهمية التحقق من المعلومات قبل تداولها وتأثير الإعلام الرقمي في توجيه مسارات الرأي العام.

*مصادر معلومات إدارة الرأي العام في العراق*

تُعتبر مصادر المعلومات التي تُدير الرأي العام في العراق متنوعة ومعقدة، حيث تشمل الإعلام التقليدي مثل التلفزيون والإذاعة والصحف، والإعلام الرقمي مثل المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي.
من أبرز الأمثلة على التأثير الكبير للمصادر الرقمية، دراسة أجرتها منظمة "نيت بلوكس" عام 2019 أظهرت أن 80% من الأخبار المزيفة التي انتشرت أثناء الاحداث العراقية مصدرها صفحات مجهولة الهوية على وسائل التواصل الاجتماعي. كما كشفت دراسة أخرى صادرة عن "مركز الإعلام الرقمي العراقي" أن أكثر من 60% من العراقيين يعتمدون على "فيسبوك" كمصدر أساسي للحصول على الأخبار اليومية، ما يُبرز الحاجة إلى تنظيم هذه المنصات ومراقبتها.
الإعلام الحكومي يُعتبر أيضاً مصدراً مهماً لإدارة الرأي العام، حيث يجب العمل على تطوير إمكانياته لتكون أكثر احترافية وجعله مصدر أساسي للمعلومة من خلال توفير سهولة الوصول للمعلومة وخاصة في الاستجابة للأحداث. من جهة أخرى، هناك تصاعد لدور المؤثرين الرقميين الذين يمتلكون جمهوراً واسعاً على منصات مثل "إنستغرام" و"يوتيوب"، حيث أصبحوا قادرين على تشكيل الآراء ونقل الرسائل بشكل مباشر وسريع.

*التحديات التي تواجه إدارة الرأي العام*

إن أبرز التحديات التي تواجه إدارة الرأي العام في العراق تتمثل في انتشار الأخبار المزيفة والمعلومات المغلوطة. على سبيل المثال، تشير دراسة حديثة إلى أن أكثر من 40% من الأخبار التي تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي في العراق تحتوي على معلومات غير دقيقة أو مضللة. هذه الظاهرة تضعف من قدرة المجتمع على اتخاذ قرارات مستنيرة وتؤثر على استقراره.
من التحديات الأخرى، ضعف التشريعات والقوانين التي تنظم عمل الإعلام الرقمي. في الوقت الذي تطورت فيه وسائل التكنولوجيا بوتيرة سريعة، بقيت القوانين عاجزة عن مواكبة هذا التطور. وهذا الأمر يجعل من الصعب محاسبة الجهات التي تنشر الأخبار المزيفة أو تُسيء استخدام المنصات الرقمية.
إضافة إلى ذلك، يُعد التطور المستمر للتكنولوجيا عاملاً معقداً في إدارة الرأي العام. فالتقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات الآلية أصبحت تُستخدم لإنشاء محتوى زائف بشكل يصعب اكتشافه، مما يضاعف من التحديات التي تواجه الحكومات والمؤسسات الإعلامية.

*استراتيجيات التعامل مع الإعلام الرقمي*

في ظل هذه التحديات، يصبح من الضروري تبني استراتيجيات شاملة لإدارة الرأي العام عبر الإعلام الرقمي. على المستوى الحكومي، يمكن إنشاء هيئة مختصة برصد وتحليل المحتوى الذي يتم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي. هذه الهيئة يمكن أن تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات والكشف عن الأخبار المزيفة.
كذلك، من المهم إصدار قوانين صارمة تُنظم عمل الإعلام الرقمي وتُجرِّم نشر الأخبار المزيفة. هذه القوانين يجب أن تكون مدعومة بحملات توعية لتعريف المواطنين بضرورة التحقق من مصادر المعلومات قبل تداولها.
أما على المستوى الفردي، فيجب أن يتحلى المواطنون بالوعي الإعلامي الكافي للتعامل مع المحتوى الرقمي. على سبيل المثال، يمكن للمؤسسات التعليمية أن تُدرِّس مواد متخصصة في التفكير النقدي وكيفية التحقق من المعلومات. كما يمكن للمجتمع المدني أن يلعب دوراً فاعلاً من خلال تنظيم ورش عمل وحملات توعية.

*الإعلام الرقمي ومستقبل الرأي العام في العراق*

لا شك أن الإعلام الرقمي سيستمر في لعب دور محوري في تشكيل الرأي العام. ومع ذلك، فإن التحدي الحقيقي يكمن في كيفية توجيه هذا الدور نحو تعزيز استقرار المجتمع بدلاً من زعزعته. لتحقيق ذلك، يجب أن يكون هناك تعاون وثيق بين الحكومات والمؤسسات الإعلامية والمجتمع المدني.
في العراق، يمكن أن يُسهم الإعلام الرقمي بشكل إيجابي في معالجة القضايا الوطنية إذا ما تم استخدامه بشكل مسؤول. على سبيل المثال، يمكن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتسليط الضوء على قصص النجاح والمبادرات الإيجابية، مما يُعزز من الروح الوطنية ويُساهم في بناء مجتمع متماسك.
في الختام، إن إدارة الرأي العام في عصر الإعلام الرقمي ليست مهمة سهلة، لكنها ليست مستحيلة. بتكاتف الجهود وتبني استراتيجيات فعالة، يمكن تحويل الإعلام الرقمي إلى أداة للتنمية والاستقرار بدلاً من أن يكون سبباً في الفوضى. إن مستقبل العراق يعتمد على قدرتنا على مواجهة هذه التحديات بروح المسؤولية والعمل الجماعي.

أخر الأخبار