المشروع العالمي حرامٌ على الشيعة.. حلالٌ على غيرهم
"Today News": بغداد
إذا وضعنا الأصول التشريعية لعالمية الإسلام ووحدة المسلمين ووجوب الاهتمام بشؤون المسلمين دون النظر الى الجنسية والقومية والحدود، وعالمية النظام الاجتماع الشيعي، جانباً، وقاربنا موضوع المشاريع العالمية أو الدولية أو الأممية وفق قواعد المصالح والمفاسد الدنيوية والمادية؛ فسنرى أن الإنجازات الكبرى التي حققتها وتحققها البشرية تقوم على المشاريع العالمية العابرة للحدود، كالتحالفات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، أو التحالفات الشاملة أو الوحدات الاندماجية، ليس بين الدول وحسب، وإنما بين الأفراد والجماعات والشركات، على أساس المشترك المناطقي أو العقدي أو القومي أو الاجتماعي الديني، وغيرها من المشتركات الإنسانية. في حين أن الذي يدمر الدول والمجتمعات والجماعات الإنسانية، ويحجِّمهما ويضعفهما، هو الفكر الانعزالي المحلي وتطبيقاته العملية، وهي سنة إلهية وتاريخية.
ومثال ذلك: المشاريع الأمريكية العالمية والإقليمية، التي لا تقتصر على الدول، بل تشمل الجماعات والعصابات أيضاً، وهي منتشرة في كل قارة وبقعة جغرافية في العالم، ولا تبدأ بحلف شمال الأطلسي، ولا تنتهي بمشروع الشرق الأوسط المتغير.
وكذا الحال بالنسبة للمنظومة الشيوعية، التي كانت تناطح الغرب بأسره باقتدار، منذ أربعينات القرن الماضي، بسبب مشروعها العالمي، رغم حداثته آنذاك، والذي لم يكن قد بلغ ربع قرن من عمره. ولم تتفرد واشنطن بالعالم إلّا بعد تفكك المنظومة الشيوعية العابرة للحدود. وقد ورثت روسيا كثيراً من تحالفات وامتدادات المنظومة الشيوعية العالمية، وظلت محافظة عليها بقوة، لكي تعزز حضورها قوةً عالمية في مقابل الغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.
وكذلك المشروع الصهيوني العالمي، الذي بدأ في نهايات القرن التاسع عشر، وتحوّل بمرور الزمن إلى أقوى وأنجح مشروع قومي ــ ديني في العالم، رغم حداثته من جهة، ورغم قلة عدد اليهود (5 ملايين نسمة في مطلع القرن العشرين)، ورغم أنهم كانوا أكثر الجماعات الإنسانية المنبوذة والمحتقرة في أوروبا وأمريكا وروسيا، لكنهم تحولوا بفضل مشروعهم العابر للحدود إلى أهم أقلية بشرية مؤثرة في العالم.
وهكذا الأمر بالنسبة للكيان الوهابي السعودي، الذي يبذل منذ تأسيسه، مليارات الدولات سنوياً لإنجاز مشاريع عقدية ــ سياسية عابرة للحدود، وقد نجح بعضها، وتجد له أصداء في جزء من الدول العربية والأفريقية والشرق آسيوية؛ حتى أن الأحزاب العقدية ــ السياسية والجماعات المسلحة المرتبطة بالسعودية، والمشاركة في السلطة في بعض بلدان شرق آسيا ووسط أفريقيا، هي التي تقف وراء ضرب الحضور الإنساني الشيعي هناك بقسوة وقوة. وقد حققت السعودية هذه النجاحات دون أن يكون لديها أية لوازم وأنساق موروثة، سوى المال، أي أنها بدأت في ثلاثينات القرن الماضي من الصفر، حتى بات لدى الوهابية السعودية، عبر ضخ المال، أكبر مشروع طائفي وهابي ـ سني في العالم.
وما الحراكات العابرة للحدود التي تنفّذها تركيا الأرودغانية منذ العام 2003، بدءاً بآذربيجان، ثم الدول الناطقة بالتركية، ثم ليبيا ثم العراق ثم سوريا، إلّا مساعي حثيثة سريعة للحاق بركب المشاريع الشاملة العابرة للحدود، وهي ليست مجرد حراكات مصالح سياسية واقتصادية، إنما هو مشروع مركب، قومي مذهبي سياسي اقتصادي عالمي؛ إذ تتحرك تركيا الأردوغانية على مستويين: قومي، من خلال الدول الناطقة بالتركية، والتي جمعتها في منظمة الدول التركية (Turkish state organization) واتحاد البلديات في العالم التركي، ومستوى مذهبي، وهو يعتمد على احتواء الجماعات الإسلامية السنية غير الوهابية.
وإذا كانت جميع الدول والجماعات الإنسانية الطموحة والصاعدة، تحظى بمشاريع عملاقة عابرة للحدود؛ فلماذا عندما يصل الأمر إلى الشيعة ووحدتهم وتحالفاتهم البينية التي تضمن حقوقهم وحرياتهم ومصالحهم المذهبية والسياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المشتركة، يكون الموضوع محرّماً ومتعارضاً مع الوطنية ومصالح الوطن. في حين أن ما يحقق المصالح الخاصة والمحلية والوطنية، على كل الصعد، هي التحالفات والمشاريع الإقليمية والعالمية، سواء تعلق الأمر بالأفراد أو الجماعات أو الدول. ولعل الشيعة هم أكثر جماعة إنسانية في العالم تمتلك أدوات وأنساقاً لمشاريع عابرة للحدود، سواء على المستوى العقدي والاجتماعي الديني أو على المستوى المادي.
وإذا كانت المشاريع العالمية والإقليمية: الأمريكي الصهيوني، والروسي، والسعودي الوهابي، والتركي القومي السني، مشاريع مصطنعة طارئة لا عمق تاريخي وفكري لها؛ فإن المشروع الشيعي العالمي المقاوِم المستند بالكامل إلى النظام الاجتماعي الديني الشيعي، هو نظام عالمي أصيل وطبيعي ومتجذر يبلغ عمره (1200) عاماً، أي من عمر منظومة المرجعية الدينية الشيعية العالمية، وخاصة بعد أن بلورها الشيخ الطوسي وأعاد هيكلتها وصنع من النجف عاصمة لها. ولم يكن هذا النظام يوماً نظاماً دينياً محضاً، بل ظل منظومة شاملة لأغلب جوانب الحياة، من العلوم الدينية، إلى الآداب والفلسفة، إلى النظام الاجتماعي، إلى السياسة والاقتصاد والمال، بما يمكن تسميتها بالدولة ناقصة السيادة.
وقد تطور النظام الاجتماعي الديني الشيعي العالمي في القرن العشرين، تطوراً غير مسبوق، وبات يضم أحزاباً سياسية عابرة للحدود، وجماعات جهادية، ورأس مال عالمي، وأوقاف عالمية، ومؤسسات تبليغية عالمية، وصولاً إلى تأسيس دولة كبيرة. وبقي هذا النظام في حالة صعود سريع ونوعي خلال العقود الأربعة الأخيرة، حتى بات أحد الفواعل الأساسية عالمياً، والفاعل الأول في الشرق الأوسط، إلى جانب المشروع الإقليمي الصهيوني ـ الأمريكي، ثم المشروع السعودي الوهابي الطائفي المتحالف مع المشروع الأمريكي، ثم المشروع التركي القومي الطائفي السني الجديد. وبالتالي؛ فإن المشروعين الأساسيين المتصارعين في الشرق الأوسط، هما المشروع الشيعي المقاوِم الذي تقوده إيران، والمشروع الأمريكي ـ الإسرائيلي ـ السعودي المهاجِم، وعلى أطرافها يتمدد المشروع التركي النامي.
وبالتالي؛ هل من الحكمة أن يتنكر الشيعة لنظامهم الاجتماعي الثقافي السياسي الجهادي الديني، والتضحية بإنجازاتهم ومكتسباتهم السياسية والمذهبية والتنموية والثقافية والإعلامية التي حققوها عبر مشروعهم الأممي الطبيعي خلال العقود الأربع الأخيرة، لمجرد وجود فحيح يتهمهم بعدم الوطنية؟، أو لحدوث خسارة هنا وثغرة هناك؟، أو لوجود عقدة لدى بعض القوميين العرب الشيعة عنوانها إيران، على اعتبار أن إيران هي التي تقود هذا المشروع الشيعي الأُممي لزاماً، بوصفها الأخ الأكبر؟، أو لوجود أوهام تذهب إلى أن المشروع الأُممي يحول دون تركيز كل مجتمع شيعي تفكيره وأداءه في واقعه الوطني؟
ولا شك أن هذه الهواجس والحساسيات موجودة في الواقع الشيعي؛ فهناك تيارات شيعية دينية انعزالية وخائفة أساساً، وكانت خائفة ومنعزلة حتى قبل نشوء المشروع العالمي الشيعي الجديد بعد العام 1979، وظل يزداد خوفها ودعوتها للانعزال بشكل مطرد، كلما حقق المشروع الشيعي إنجازاً أو تعرّض لخسارة، وهناك خطوط شيعية مرجعية وسياسية خاصة، بعضها جديد، وبعضها قديم، وهي ــ بالأساس ــ لم تكن منسجمة مع الخط المرجعي الشيعي العام وخط ولاية الفقيه. وتنطلق هذه الخطوط من هواجس فئوية ضيقة متخمة بالحسد والعُقد، وتمارس مناكفات ضد الخط المرجعي العام، وتتمنى لو تحطمت كل المكتسبات الشيعي الجديدة، لمجرد أن الذي يحققها هو الخط المرجعي العام أو خط ولاية الفقيه. وتشمل هذه التيارات أيضاً الجماعات والأفراد الذين لديهم عقدة مستعصية من إيران؛ فهؤلاء يروِّجون بأن كل عمل تقوده إيران أو تشترك فيه إيران، هو عمل مرفوض ومشكوك به، لأنه يحقق مصلحة لإيران، حتى لو كانت نتائج هذا العمل مهمة واستراتيجية لكل شيعة العالم وتضمن لهم كثيراً من مصالحهم.
وهناك أيضاً تيارات حذرة متوجسة، ترعبها التهم التي يوجهها الخصوم الطائفيون للشيعة بعدم الوطنية وبالتبعية للخارج، وتحديداً لإيران، ولذلك؛ تقوم هذه التيارات بالانكفاء محلياً، وطرح خطاب معاد للمرجعيات والجماعات والحكومات الشيعية في البلدان الأخرى، وخاصة المنخرطة في المشروع الشيعي العالمي، وتردد المصطلحات نفسها التي يرددها الإعلام الطائفي والصهيوني والأمريكي، بل لا تخفي براءتها أحياناً من الرموز المعبرة عن الهوية الشيعية العالمية، لكي تثبت وطنيتها واندكاكها بالوطن.
وهذه التيارات، تساهم عمداً أو غفلة، في محاولات تقطيع أوصال حلقات النظام الاجتماعي الديني الشيعي العالمي، وتفكيك التحالفات بين شيعة البلد الواحد، بذريعة أنها تحالفات طائفية، وكذلك تفكيك التحالفات بين شيعة البلدان المختلفة، بذريعة أنها تتعارض مع الانتماء الوطني. وهي بذلك تقدم أكبر مساعدة للمشروع الأمريكي الصهيوني الإقليمي، والمشروع الوهابي السعودي والمشروع التركي القومي السني، بالرغم من كونها مشاريع شمولية عابرة للحدود، ومعادية للشيعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64
اليوم, 19:09 المشروع العالمي حرامٌ على الشيعة.. حلالٌ على غيرهم
د. علي المؤمنأمس, 16:22 قامات عراقية خالدة - ٢٠ .. زها حديد ألمع مهندسة معمارية في العالم
د. صلاح عبد الرزاقأمس, 12:00 ملامح التوحيد عند الامام علي (ع) دعاء كميل نموذجا…3
عبدالأمير الهماشي13-01-2025, 15:55 ملامح التوحيد عند الامام علي (ع) دعاء كميل نموذجا…2
عبدالأمير الهماشي