• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

الفجوة الرقمية في المؤسسات .. الأسباب والحلول في عصر التحول التكنولوجي

الفجوة الرقمية في المؤسسات .. الأسباب والحلول في عصر التحول التكنولوجي

  • أمس, 21:20
  • مقالات
  • 13 مشاهدة
د. محمد عصمت البياتي

"Today News": بغداد 


خلال السنوات الأخيرة، أصبحت الرقمنة محور اهتمام المؤسسات في مختلف القطاعات، حيث تتسابق المؤسسات لاعتماد التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي، الحوسبة السحابية، وإنترنت الأشياء في محاولة لتحسين عملياتها وزيادة كفاءتها. لكن المعضلة الكبرى التي تواجه العديد من هذه المؤسسات هي الفجوة الواضحة بين استراتيجيات التحول الرقمي والبنية المؤسسية. فالتكنولوجيا وحدها ليست كافية لضمان تحول رقمي ناجح، بل يجب أن تكون جزءًا من نظام متكامل يجمع بين الأهداف الاستراتيجية، البنية التحتية التقنية، والحوكمة الفعالة.
تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 70% من مبادرات التحول الرقمي تفشل في تحقيق أهدافها بسبب غياب التخطيط الاستراتيجي وعدم مواءمة التكنولوجيا مع متطلبات الأعمال. فوفقًا لدراسة أجرتها شركة ماكينزي، فإن 80% من المؤسسات التي استثمرت في التحول الرقمي دون بناء هيكل تنظيمي قوي لم تتمكن من تحقيق العائد المتوقع من هذه الاستثمارات. ويعزى ذلك إلى أن العديد من المؤسسات تعتمد نهجًا قائمًا على الحلول التقنية فقط، دون الأخذ في الاعتبار التغيير المطلوب في ثقافة العمل والعمليات التشغيلية.

*التحدي الرئيسي: غياب التكامل بين الاستراتيجية والتقنية والحوكمة*
أحد أهم الأخطاء التي تقع فيها المؤسسات هو الافتراض بأن شراء أحدث الحلول التقنية يعني نجاح التحول الرقمي. على أرض الواقع، هذه الحلول ليست سوى أدوات مساعدة، ولا يمكن أن تؤتي ثمارها إلا إذا كانت مدمجة ضمن استراتيجية رقمية واضحة مدعومة بحوكمة فعالة. على سبيل المثال، كشفت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة غارتنر أن 56% من المؤسسات التي قامت بتطبيق حلول الذكاء الاصطناعي دون وجود إطار تنظيمي قوي واجهت تحديات كبيرة في التنفيذ، مما أدى إلى تعطل المشاريع الرقمية أو انخفاض عائد الاستثمار.
البنية المؤسسية هنا تلعب دورًا حاسمًا في نجاح التحول الرقمي، حيث يجب أن يكون هناك توافق بين رؤية المؤسسة، عملياتها التشغيلية، والأنظمة التقنية التي تعتمدها. غياب هذا التكامل يؤدي إلى تضارب الأولويات، مما يعرقل عملية التنفيذ ويؤدي إلى استنزاف الموارد دون تحقيق نتائج ملموسة.

*أهمية ربط أهداف الأعمال بالبنية المؤسسية*
لضمان نجاح التحول الرقمي، يجب أن يكون هناك ربط واضح بين أهداف الأعمال والاستثمارات التقنية. بمعنى آخر، لا ينبغي أن تكون التكنولوجيا هي التي تحدد الاستراتيجية، بل العكس؛ حيث يجب أن تكون هناك خارطة طريق رقمية متكاملة توضح كيف يمكن للتكنولوجيا أن تخدم الأهداف المؤسسية.
تجربة الشركات الكبرى مثل أمازون ومايكروسوفت توضح أهمية هذا النهج، حيث قامت هذه الشركات بتصميم استراتيجيات رقمية متكاملة تركز على تحسين تجربة العملاء وتعزيز كفاءة العمليات الداخلية. في المقابل، نجد العديد من الشركات التقليدية التي استثمرت في حلول رقمية دون وجود إطار تنظيمي متكامل تعاني من عدم تحقيق القيمة المرجوة من هذه الاستثمارات.

*الأخطاء الشائعة في بناء الاستراتيجية الرقمية*
العديد من المؤسسات تقع في أخطاء تؤثر بشكل كبير على نجاح عملية التحول الرقمي. أول هذه الأخطاء هو الاعتقاد بأن التكنولوجيا وحدها قادرة على إحداث التغيير المطلوب. على سبيل المثال، هناك شركات استثمرت ملايين الدولارات في أنظمة تخطيط الموارد المؤسسية (ERP) لكنها لم تحقق الأثر المتوقع بسبب عدم تدريب الموظفين بشكل كافٍ أو بسبب غياب التغيير في العمليات التشغيلية.
ثانيًا، الإهمال في بناء القدرات البشرية يمثل عقبة رئيسية أمام التحول الرقمي الناجح. فبحسب تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن 54% من الموظفين سيحتاجون إلى إعادة تأهيل وصقل مهاراتهم بحلول عام 2025 لمواكبة التطورات الرقمية. ومع ذلك، نجد أن العديد من المؤسسات تستثمر في التكنولوجيا دون التركيز على تنمية رأس المال البشري، مما يؤدي إلى مقاومة التغيير وفشل تنفيذ المشاريع الرقمية.
ثالثًا، غياب نموذج حوكمة واضح يمكن أن يؤدي إلى مشاكل تشغيلية خطيرة، حيث لا توجد معايير محددة لإدارة البيانات أو التعامل مع التحديات الأمنية. وفقًا لتقرير صادر عن شركة أكسنتشر، فإن 60% من المؤسسات التي واجهت مشكلات في التحول الرقمي عانت من ضعف في إدارة البيانات وحماية المعلومات، مما أثر على قدرتها على الامتثال للمتطلبات التنظيمية وأدى إلى فقدان ثقة العملاء.

*تحقيق التوازن بين الابتكار والحوكمة*
أحد أكبر التحديات التي تواجه المؤسسات خلال التحول الرقمي هو تحقيق التوازن بين الابتكار والحوكمة. فمن ناحية، تحتاج الشركات إلى تبني تقنيات جديدة للبقاء في المنافسة، ومن ناحية أخرى، يجب أن تضمن أن هذه التقنيات تُدار ضمن إطار تنظيمي يضمن الامتثال والشفافية.
هناك عدة طرق يمكن من خلالها تحقيق هذا التوازن. أولًا، وضع أطر حوكمة مرنة تضمن الامتثال دون أن تعيق الابتكار. يمكن تحقيق ذلك من خلال اعتماد نهج الحوكمة القائمة على البيانات، حيث يتم اتخاذ القرارات بناءً على تحليلات دقيقة وليس مجرد توجهات تكنولوجية عشوائية. ثانيًا، تشجيع ثقافة الابتكار داخل المؤسسة عبر تحفيز الموظفين على استكشاف الأفكار الجديدة والاستفادة من التكنولوجيا لتحسين العمليات اليومية. وأخيرًا، تبني منهجيات إدارة المخاطر الرقمية لضمان أن كل خطوة في التحول الرقمي تتماشى مع المعايير الأمنية ومتطلبات الامتثال.

*التحول الرقمي كمصدر رئيسي للإيرادات للدولة*
إلى جانب تحسين العمليات الداخلية للمؤسسات، يلعب التحول الرقمي دورًا جوهريًا في تعزيز الإيرادات العامة للدولة. فوفقًا لتقارير البنك الدولي، يمكن أن يؤدي تبني التقنيات الرقمية إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح بين 1.5% و2.5% سنويًا في البلدان النامية. على سبيل المثال، نجحت إستونيا في مضاعفة إيراداتها الضريبية بنسبة 30% خلال عقد واحد بعد تطبيق نموذج الحكومة الإلكترونية، الذي يعتمد على الرقمنة في تقديم الخدمات العامة.
كما أن التحول الرقمي يعزز القدرة على تحصيل الضرائب بفعالية أكبر من خلال الحد من التهرب الضريبي وتعزيز الشفافية المالية، مما يساهم في زيادة الموارد المالية للدولة. كذلك، فإن اعتماد التجارة الإلكترونية والتوسع في الخدمات الرقمية يفتح فرصًا اقتصادية جديدة تساهم في خلق وظائف وتحفيز النمو الاقتصادي. وفي ظل التحولات العالمية، أصبحت الدول التي تستثمر في التحول الرقمي قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية، مما يعزز صادراتها الرقمية ويوفر تدفقات مالية إضافية.

في النهاية، التحول الرقمي ليس مجرد عملية اقتناء أحدث الحلول التقنية، بل هو رحلة معقدة تتطلب تكاملًا بين الاستراتيجية، التكنولوجيا، والحوكمة لضمان نجاحها. المؤسسات التي تدرك أهمية بناء بنية مؤسسية قوية وتعمل على تحقيق تكامل حقيقي بين التكنولوجيا وأهداف الأعمال ستكون أكثر قدرة على تحقيق تحول رقمي مستدام. وبالنظر إلى التحديات الحالية، يجب أن تركز المؤسسات على الاستثمار ليس فقط في التكنولوجيا، ولكن أيضًا في تطوير قدراتها التنظيمية وتعزيز مهارات رأس المال البشري لضمان مستقبل رقمي ناجح ومستدام، يحقق النمو الاقتصادي ويزيد من الإيرادات العامة للدولة.

أخر الأخبار