الطريق إلى الفرج .. فلسفة غيبة الإمام المهدي ومسؤوليات الأمة في غيابه
"Today News": بغداد
إن الحديث عن الإمام المهدي عليه السلام ليس مجرد قضية دينية، بل هو أمل يتجدد في كل لحظة من لحظات الحياة، بلاغة رسالته تنبع من عمق إيماني يؤثر في وجداننا. الإمام المهدي عليه السلام، هو ذلك الموعود الذي ننتظر ظهوره بفارغ الصبر، ولكن فلسفة غيبته ووجوده الغائب عن أعيننا تسلط الضوء على ضرورة الوعي العميق بمسؤولياتنا في ظل غيبته، وإيماننا الراسخ بوجوده الذي لا يمكن لأي زمان أو مكان أن يمحيه.
*ولادة الإمام المهدي عليه السلام وضروري وجوده في العالم*
كانت ولادة الإمام المهدي عليه السلا لحظة مفصلية في تاريخ الإنسانية، ليست ولادة تقليدية، بل هي إشارة إلهية إلى أن النور الذي لا ينطفئ سيظل يشرق في السماء مهما عصفت به رياح الجهل والظلم. وُلد في ليلة تلبدت فيها سماء الأمة بالظلام، لكن وُجد المهدي عليه السلام ليكون الأمل الذي يعيد ضياء الحق إلى أرض غابت عنها العدالة. إن وجود الإمام المهدي عليه السلام هو وجود إلهي يتجاوز الأفق المادي، فوجوده ليس مجرد عنصر في معادلة الزمن، بل هو ضروري لضمان استقامة الحياة ورفع الظلم.
وتتجلى هذه الحقيقة في العديد من الآيات القرآنية التي تحدثت عن الأنبياء والمرسلين الذين سيكونون رحمة ونجاة للأمة. فقد ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى:
"وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ" ((القصص)
هذه الآية تشهد على أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يرسل من أهل الحق من يرفع الظلم عن الناس ويقيم العدالة، وهو ما يتحقق في الإمام المهدي عليه السلام الذي سيرث الأرض ويملؤها قسطًا وعدلًا.
*بقاء الإمام المهدي عليه السلام بصحة جيدة رغم طول الغيبة*
من بين الأسئلة التي تثيرها غيبة الإمام المهدي عليه السلام: كيف له أن يبقى على قيد الحياة، رغم مرور أكثر من ألف ومائتي سنة منذ ولادته؟ وكيف يمكن أن يظل بصحة جيدة في هذا العمر الطويل؟ إن هذه الأسئلة ليست مجرد تساؤلات دينية، بل تتطلب تحليلًا علميًا يتجاوز الفهم التقليدي للأمور.
أولاً، من منظور علمي، نجد أن بقاء الإنسان على قيد الحياة لفترات طويلة ليس أمرًا غير ممكن في ظل معجزات إلهية، خاصة إذا علمنا أن الله سبحانه وتعالى قد منح بعض الأنبياء والصالحين قدرات استثنائية. يمكننا أن نأخذ في الاعتبار مثلًا معجزة "عمر" نبي الله نوح عليه السلام، الذي عاش أكثر من 950 عامًا، وهو أمر يُثبت إمكانية أن يبقى الإنسان حيًا لفترة أطول من الزمن المألوف.
أما بالنسبة للإمام المهدي عليه السلام، فإن بقاءه ليس فقط من باب المعجزات الإلهية، بل يتجسد في معجزة أخرى تتعلق بعنايته ورعايته من قبل الله تعالى. نظرًا لأنه الإمام المنتظر الذي سيرتبط ظهوره بنهاية الظلم وإقامة العدالة الإلهية، فإن الحفاظ على صحته وحياته يُعتبر جزءًا من هذه المعجزة الإلهية التي لا تتعلق فقط بالزمان والمكان، بل تتعلق بتقدير الله لمهمة الإمام في الزمن المناسب.
من الناحية الطبية، فإن الأنبياء والأولياء الذين حظوا برعاية خاصة من الله لم يتأثروا بالقوانين الطبيعية التي تحدد عمر الإنسان. لا يمكن للعلم البشري أن يحدد لماذا وكيف يبقى الإمام المهدي حيًا، لكنه يبقى حياً بقدرة الله، وهي قدرة تتجاوز كل تصورات بشرية. الله سبحانه وتعالى قادر على حفظ الإمام المهدي في حالته البدنية والعقلية بشكل يتجاوز الزمن البشري المعتاد، بل إن وجوده المستمر بمثابة علامة على قدرته الإلهية المتجددة في كل لحظة.
*فلسفة غيبة الإمام المهدي عليه السلام*
أما بالنسبة لفلسفة غيبته عليه السلام، فإنها مسألة تفوق المعاني الظاهرة. لا تكمن غيبته في مجرد غيابه عن أنظارنا، بل هي مرحلة تمهيدية لتغيير جذري في الأرض. غيبته ليست غيابًا مطلقًا، بل هو غياب في الشكل الحسي الذي يجعل الإنسان يختبر الإيمان والصبر، ويقوي عزيمته في السير على الطريق الصحيح.
هذه الفلسفة تتجلى في العديد من الآيات القرآنية التي تركز على أهمية الصبر والثبات في أوقات البلاء، ومن بين هذه الآيات:
"وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ" ((القلم) فالرسول صلى الله عليه واله وسلم، الذي هو أسوة لنا، قد وُجه بالعديد من التحديات والابتلاءات في فترة من الزمن، وكان عليه الصبر والثبات، وهي نفس الفلسفة التي علينا أن نتمسك بها في انتظارنا للإمام المهدي عليه السلام.
*مسؤوليات الإمام المهدي عليه السلام في غيبته*
حتى في غيبته، تبقى مسؤوليات الإمام المهدي عليه السلام تجاه الأمة عظيمة، حيث يظل حفظه للأمة ورعايته لها جزءًا من تأثيره الروحي الذي لا ينقطع. إن ظهوره في المستقبل لن يقتصر على عودة جسدية فقط، بل هو استئناف لعدالة إلهية محكومة بموازين لا يمكن أن تتخلف. وفي غيابه، نحن مكلفون بالثبات على المبادئ التي أرساها، والعمل على تحقيق العدالة في حياتنا اليومية.
الانتظار في هذه المرحلة ليس مجرد استكانة، بل هو عمل مستمر من خلال استقاء الدروس من تعاليم أهل البيت عليهم السلام، في السعي لنشر قيم الحق والعدالة. نحن مسؤولون عن إعداد الأرض لاستقباله، من خلال مقاومة الفساد ورفع الظلم عن الأمة. نحن نعلم أن أملنا يتجدد في كل لحظة مع انتظارنا لظهور الإمام المهدي، ولكن لا ينبغي لنا أن ننتظر ببساطة، بل يجب أن نكون فاعلين في مجال الحياة، حامليًا لمشعل الحق في عالم مليء بالظلمات.
*تكليف الأمة في غيبة الإمام المهدي عليه السلام*
إن تكليف الأمة في غيبة الإمام المهدي عليه السلام لا يقتصر على مجرد الانتظار السلبي، بل هو مسؤولية عظيمة في العمل على نشر قيم العدالة والمساواة التي دعا إليها أهل البيت عليهم السلام. إن انتظارنا هو في حقيقته استعداد دائم، ويجب أن يكون مرتبطًا بالأعمال الجادة من أجل تأسيس مجتمع قائم على الأخلاق الإلهية.
من خلال استمرارنا في العمل من أجل العدالة ونشر الخير، نحن نتهيأ لملاقاة إمامنا في الوقت الذي شاء الله تعالى أن يختاره. إن التكليف هو أن نعيش كما علمنا أهل البيت عليهم السلام، وأن نكون مخلصين في عملنا، وأمناء في تعاملنا مع الآخرين، وأن نكون صوتًا لمن لا صوت لهم في ظل غياب الإمام المهدي.
إن غيبته تبقى أحد أعظم الدروس في الإيمان، فهي تُمتحن فيها الأمة في صبرها وعزمها على السير في الطريق الصحيح. وبينما ننتظر المهدي، يجب أن نكون في حالة من الاستعداد الروحي والعقلي، وأن نعمل كل يوم على ترسيخ قيم الحق والمساواة في الأرض.
*خاتمة*
إن الإيمان بالإمام المهدي عليه السلام ليس مجرد انتظار لرؤية جسدية، بل هو إيمان عميق بوجوده الذي يمدنا بالقوة الروحية في كل لحظة من حياتنا. غيبته علينا مسؤولية عظيمة في مواصلة العمل من أجل العدالة، وتكليف مستمر في تحقيق التغيير. من خلال غيابه، نحن مدعوون لنكون جزءًا من حركة الإصلاح، مؤمنين بأن الفرج قريب، وأن العدالة ستعود لتملأ الأرض كما ملئت ظلمًا.
*كل عام وانتم بالف خير ومتباركين بذكرى ولادة منقذ البشرية الامام المهدي عليه السلام*
16-02-2025, 18:00 رئاسة الجمهورية الحامي للدستور والظامن لحقوق المواطن
عبد الأمير المحمداوي14-02-2025, 13:41 بين الروايات والقرآن الكريم
رعدهادي جبارة14-02-2025, 13:04 الطريق إلى الفرج .. فلسفة غيبة الإمام المهدي ومسؤوليات الأمة في غيابه
د. محمد عصمت البياتي13-02-2025, 21:20 الفجوة الرقمية في المؤسسات .. الأسباب والحلول في عصر التحول التكنولوجي
د. محمد عصمت البياتي