تفاصيل جديدة حول ابتلاع الأرض لكردستان العراق .. نيوتيثيس تتحرك
- 19-02-2025, 17:32
- تقاير ومقابلات
- 28 مشاهدة
"Today News": متابعة
منذ ملايين السنين، تشكّلت سلسلة جبال زاغروس في العراق وإيران نتيجة تصادم الصفيحة العربية بالصفيحة الأوراسية.
ويؤدي انكسار صفيحة "نيوتيثيس" إلى "ابتلاع الأرض" للجزء الواقع في كردستان العراق، وسط توقعات بغرق الجبال، ولكن ليس في موعد قريب، بل بعد ملايين السنين، وفق ما خلص إليه بحث مشترك لفريق علمي مع خبراء من جامعتي "غوتنجن" في ألمانيا و"برن" في سويسرا.
وقاد هذا البحث فريق علمي دولي بقيادة الجيولوجي الباحث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)ريناس كوشناو، حيث ان جهود عامين من البحث العلمي الدقيق كشفت تفاصيل غرق هذه الجبال في طبقات الأرض، مما أدى إلى تكوين السهول الرسوبية في مناطق مثل كركوك والسليمانية وحلبجة وكرميان في شمال العراق.
ووفقًا للبحث، فإن جبال زاغروس، التي تشكّلت قبل حوالي 30 مليون سنة نتيجة تصادم الصفيحة العربية بالصفيحة الأوراسية، تغوص ببطء في طبقات الأرض بسبب انكسار صفيحة محيطية قديمة تُعرف باسم صفيحة نيوتيثيس.
وهذه الصفيحة، التي يبلغ طولها الآن 350 كلم وتقع على عمق 300 كيلومتر تحت سطح الأرض، هي من بقايا محيط سابق يعود إلى 70 مليون سنة مضت.
وانكسار صفيحة نيوتيثيس يتسبب بسحب الجبال نحو الأسفل، وفق ريناس كوشناو.
وقال كوشناوإن "العملية تحدث بشكل بطيء جدًا، حيث استغرقت ما بين 20 إلى 30 مليون سنة، ولا يمكن للإنسان أن يشعر بها. ومع ذلك، فإن هذا الغوص أسفر عن انحناءات في الأرض بلغت 4 كلم، مما أدى إلى تكوين كميات كبيرة من الصخور الرسوبية في السهول المحيطة بها".
وأضاف كوشناو، الذي درس المنطقة المحيطة بجبال زاغروس "ميدانيًا"، أن "السبب وراء ارتفاع السهول الرسوبية حول جبال زاغروس يعود إلى فرق الكثافة بين الجزء الواقع تحت الأرض من الجبال والسهول الرسوبية".
وأوضح أنه "عندما تغوص الجبال، تدفع السهول المحيطة بها إلى الأعلى، تاركة حولها أنواعًا مختلفة من الصخور الرسوبية".
تقنيات متطورة تكشف أسرار الأرض
وللتوصل إلى هذه النتائج، استخدم الفريق البحثي تقنيات متطورة مثل التوموغرافي (Tomography)، التي تسمح بالتقاط صور ثلاثية الأبعاد ومفصلة لقشرة الأرض.
هذه التقنية سمحت للفريق بتحليل التكوينات الصخرية والتربة في "أعماق بعيدة"، بحسب كوشناو، مما أكّد فرضيتهم حول انكسار الصفيحة المحيطية "نيوتيثيس"، وتأثيرها على سحب جبال زاغروس نحو باطن الأرض.
ونوه الباحث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بأن هذه الدراسة لا تكشف معلومات عن فهم الماضي الجيولوجي للمنطقة فحسب، بل أيضًا تمنح العلماء "فهمًا أعمق لحركة طبقات الأرض البعيدة وكيفية الاستفادة منها في المستقبل".
وأوضح أن "معرفة سمك طبقات الصخور الرسوبية تتيح للخبراء الوصول إلى أعماق أبعد تحت قشرة الأرض، واستغلال الحرارة الجوفية لباطن الأرض كطاقة بديلة "لتوليد الكهرباء"، بدلًا من الاعتماد على الوقود الأحفوري".
الغرق مستمر
وأكد كوشناو أن "انكسار صفيحة نيوتيثيس يمتد على أكثر من 300 كلم من منطقة جنوب غرب تركيا وشمال شرق سوريا، ما بين منطقة القامشلي السورية وديار بكر التركية، حيث توجد أيضًا سهول رسوبية، لكنها ليست بعدد ومساحة السهول الرسوبية في شمال العراق".
وأضاف أن "الصفيحة المحيطية "نيوتيثيس" مستمرة في سحب جبال زاغروس نحو باطن الأرض، حيث غرقت الجبال على مدار 30 مليون سنة الماضية بحدود 200 كلم باتجاه عمق الأرض".
زلازل يومية في تلك المناطق
وأكد مدير الرصد الزلزالي في الهيئة العامة للأنواء الجوية، علي عبدالخالق، أن "مناطق شمال العراق، على غرار مندلي وخانقين وبنجوين وحلبجة، تعتبر من المناطق النشطة زلزاليًا".
وأوضح أن "الهيئة ترصد يوميًا ما بين 4 إلى 5 هزات أرضية، تتراوح قوتها بين 1 إلى 3 درجات على مقياس ريختر".
وقال عبد الخالق، إن "الهزات هي حالة طبيعية في هذه المناطق، فهي ناتجة عن حركة "الصفيحة العربية" بعكس اتجاه عقارب الساعة، بمعدل 2 سنتيمتر سنويًا".
وتصطدم "الصفيحة العربية" بـ"الصفيحة الأوراسية" في "حركة بطيئة" تؤدي أيضًا إلى "توسع البحر الأحمر بنفس المعدل".
وأشار إلى أن "هذه الحركة التكتونية تؤدي إلى تشكيل تضاريس جديدة وحدوث زلازل في بعض المناطق، لكنها تبقى ضمن الحدود الطبيعية ولا تشكل خطرًا كبيرًا على حياة الإنساند".
ويذكر علماء جيولوجيون أن "الصفائح التي تشكّلت منها القشرة الأرضية ذات حركة مستمرة، وتؤدي هذه الحركة المستمرة والبطيئة على مدار آلاف السنين (لا يدركها الإنسان) إلى حدوث تغيّرات مستمرة في تضاريس الأرض السطحية".
بدوره، أكد المختص بالزلازل، حسنين جاسم، أن "تحرك الطبقات الأرضية هو عملية طبيعية مستمرة ولا تشكل خطرًا على حياة الإنسان، نظرًا لبطئها الشديد".
وقال جاسم إن "التغيرات التضاريسية اليومية قد تؤدي أحيانًا إلى حدوث زلازل، لكنها تبقى ضمن الحدود الطبيعية".
وأضاف حسنين أن "هذه التغيرات تحدث على مدى فترات زمنية طويلة جدًا، مما يجعلها غير محسوسة للإنسان. ومع ذلك، فإنها قد تؤدي إلى تشكيل تضاريس جديدة أو حدوث هزات أرضية في بعض المناطق".
وأردف قائلا إن "فهم هذه العمليات الجيولوجية يساعد في تحسين أنظمة الإنذار المبكر للزلازل وتقليل المخاطر المحتملة على السكان".
ويُعتبر هذا البحث خطوة مهمة في فهم حركة طبقات الأرض "العميقة" وتأثيراتها على التضاريس والزلازل.
كما يفتح الباب أمام المختصين لاستغلال الطاقة الجوفية "كبديل" نظيف للوقود الأحفوري، بحسب كوشناو، مما قد يُسهم في حل أزمة الطاقة في المنطقة.
وأوضح كوشناو أن "دراستهم قدمت معطيات جديدة لمختصي الزلازل، لتحديد المناطق الأكثر عرضة للهزات الأرضية، مما يُسهم في تحسين أنظمة الإنذار المبكر وتقليل المخاطر المحتملة".
وأكد أن "فهم هذه العمليات الجيولوجية يمكن أن يساعد في التخطيط العمراني والبنية التحتية في المناطق النشطة زلزاليًا، مما يقلل من الأضرار المحتملة في حالة حدوث زلازل قوية".
وتظل جبال زاغروس شاهدة على قوة الطبيعة وتفاعلاتها الجيولوجية التي تشكل ملامح الأرض على مدى ملايين السنين.
وتشير هذه الدراسة إلى أن فهم الإنسان للأرض لا يزال في بدايته، فثمة الكثير من الأسرار تنتظر إماطة اللثام عنها.