تطورت الكتب المدرسية بدرجة ملحوظة في الشكل والمضمون منذ سقوط النظام الصدامي حتى الان.
ولعل اهم ما تحقق حتى الان هو تحرر هذه الكتب من عقيدة عبادة الشخصية وتأليه صدام والشوفينية القومية والطائفية البعثية.
ولكن هذا لا يمنع من مواصلة التفكير بتطوير هذه الكتب شكلا ومضمونا من اجل ان تصل الى درجات ارقى تجعلها قادرة على المساهمة الكبيرة في بناء #الدولةالحضاريةالحديثة في العراق.
اعكف منذ فترة ليست بالقصيرة على دراسة هذه الكتب منذ الصفة الاول ابتدائي حتى الصف السادس ثانوي لمعرفة مدى انسجام هذه الكتب مع هذا الهدف البعيد الذي نتمنى تحققه في وقت ما في بلدنا، في وقت ارجو ان لا يكون بعيدا جدا، رغم انني اعرف ان اقامة الدولة الحضارية الحديثة من الاهداف الستراتيجية بعيدة المدى.
وسبب اهتمامي بالكتب المدرسية يكمن في الاهمية القصوى للمدارس في احداث التغيير الايجابي للمجتمع العراقي واحداث النقلة الحضارية التاريخية الكبرى له.
اقول هذا وانا اعرف مدى صعوبة المهمة المذكورة؛ لا لأن المهمة صعبة بحد ذاتها فقط، لكن بسبب طبيعة المجتمع العراقي ذاته، ايضا، التي شرحها الدكتور على الوردي وبخاصة الخصائص الريفية والبدوية والتناشز الاجتماعي في العراق.
واضيف الى ذلك ما استجد من ظروف اخرى مثل تأثيرات الدكتاتورية، ونتائج "الحصار الاقتصادي"، والحروب، والطائفية، وغلبة الهويات الفرعية على الهوية الوطنية العراقية الجامعة، والتشدد الديني، والارهاب، فضلا عن التخلف الحضاري الموروث من عصور سبقت والخلل الحاد في #المركب_الحضاري والقيم السلوكية الحافة بعناصره الخمسة وهي: الانسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل.
وكل هذه الملابسات تزيد من اهمية الدور الذي يجب ان تقوم به المدرسة في تنشئة جيل عراقي جديد على المواطنة والديمقراطية والقانون وحب الوطن والتعايش والحداثة والفهم الحضاري للدين. وهذه وغيرها كلها مفردات تؤدي بمجموعها الى ولادة #المواطن_الفعال بعد ١٢ سنة يقضيها في المدرسة، التي تؤلف المؤسسة الاساسية، او الاداة الاساسية، بيد الدولة لتربية مواطنيها تربية صحيحة سليمة. وتؤدي المدرسة هذه المهمة من خلال الكتاب المدرسي، والنشاط الصفي واللاصفي، والمعلم او المدرس (من الجنسين)، وغير ذلك من العناصر الداخلة في العملية التربوية طويلة الامد.
ومن اجل ضمان ان تسير العملية التربوية بهذه الاتجاه بشكل متناسق وتراكمي اقترحت في وقت سابق تشكيل #المجلسالاعلىللتربية الذي يشرف على هذه العملية الطويلة.
ومن البديهي ان ينعكس ذلك على الكتب المدرسية كلها في مختلف المواد والدروس، ومن المفروض ان يستوعب مؤلفو الكتب المدرسية هذه الرؤية وان يشكلوا خلية نحل متكاملة ومترابطة لكي تشكل الكتب المدرسية جميعها حلقات منسجمة تجري كلها في مجرى واحد يصب في النهاية في الهدف المركزي الستراتيجي للعملية التربوية الذي يفترض ان يكون: تنشئة المواطن الصالح الفعال الحاضر في عصره بمحتواه المعرفي وسلوكه اليومي والمؤهل ان يلعب دورا ايجابيا بنّاء في الحركة الحضارية لمجتمعه.
ومن خلال مراجعتي لبعض الكتب المدرسية وجدت بعض الاشارات و البذور التي يمكن ان تنمو بالاتجاه الذي اشير اليه هنا. فقد وجدت في مقدمة كتاب "الاجتماعيات" للصف الرابع ابتدائي عبارة "تعزيز الانتماء الوطني لبلدنا العراق"، و "احترام الانظمة والقوانين المدرسية"، و "احترام زملائك التلاميذ في الصف والمدرسة". وفي مقدمة كتاب "الاجتماعيات" للصف الخامس ابتدائي قرات عبارة "تعزيز قيم المواطنة الصالحة القائمة على ترسيخ مبدأ حب الوطن وبناء الشخصية الوطنية ..".
لكن هذه العبارات المتناثرة لا تعطي ضمانا على قدرة هذه الكتب على تحقيق المطلوب لاسباب سوف اتعرض لها في مناسبات اخرى.