شهادتي الشخصية حول اعدام الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر
كنت اواخر شهور احتجاز السيد الشهيد الصدر ملازمًا لخالي العلامة الشهيد الشيخ عبد الرحيم فرج الله ( احد أقرب اصحاب السيد الشهيد الصدر و تلامذته و ألصقهم به )
و قد مكثت معه في بيته رهن امره أخدمه و أحرسه و اقضي حاجاته و اتولى شؤونه و شؤون عائلته ..
و كان خالي الشهيد الشيخ عبد الرحيم فرج الله - حسب حدود علمي - احد اثنين او ثلاثة من خواص السيد الشهيد الصدر لم تنقطع الصلة بينهم و بين السيد الشهيد
فكان خادم السيد الشهيد المدعو الحاج عباس يتسلل الى بيت خالي كل يومين او ثلاثة في وقت معين فيطرق الباب علينا طرقات خاصة اتفقنا عليها فأبادر انا مسرعًا الى فتح الباب و إدخاله حيث يجتمع بخالي الشيخ و ينقل اليه ما كلفه السيد الصدر بنقله ثم يأخذ الجواب و يخرج مسرعًا متوجسًا
و قد تكرر ذلك دائما حتى يوم 5 نيسان 1980 حيث انقطع الحاج عباس عنا
و حيث شوهدت بوادر حركة غير عادية لأزلام النظام من داخل النجف و خارجها اضافة الى انقطاع التيار الكهربائي بصورة غير معهودة
فأمرني خالي الشيخ ان استعلم حقيقة الحال فخرجت فوجدت ان الطوق الأمني المحكم حول بيت السيد الشهيد الصدر قد تلاشى و ان هناك انتشارًا أمنيًا خفيًا في مركز مدينة النجف الاشرف عبر العديد من ازلامه الغرباء ذوي الوجوة و النظرات الحادة المرتدين للقماصل المطرية و تحتها السلاح الملثمين باليشامغ الحمر المزودين بأجهزة اللاسلكي ..
ثم بعد يومين تسلل الينا الحاج عباس مضطربًا باكيًا معلنًا اعتقال السيد الشهيد فبقينا في توجس و اضطراب و ترقب
حتى ليلة 9 نيسان 1980 ثم يومها حيث خرجت انا من البيت فشاهدت امتلاء النجف الأشرف على سعتها بعناصر الأمن و الرفاق و انتشار بعض السلاح المتوسط و الثقيل في اماكن محددة و حركة خفية غير مسبوقة استمرت حتى الصباح ..
و كان خالي الشيخ و كنت معه في غاية الترقب و الاضطراب
فأمرني ظهر اليوم الثاني ان استخبر حقيقة الحال فأذهب مبعوثًا عنه الى بيت الحجة السيد صادق الصدر في محلة العمارة و أسأله عن خبر السيد الصدر
فذهبت انا ابن العشرين عاما مرتديًا دشداشة واضعًا في جيبي جهاز راديو صغير و قد فتحته على أغاني الإذاعة للتخفي مسرعًا في المشي
حتى اذا وصلت الى فرع بيت المرحوم السيد صادق الصدر و نظرت الى اول الزقاق و آخره فلم أجد احدًا و قد وجدت باب البيت مفتوحًا بصورة قليلة دخلت بسرعة
و لكن حدث في تلك اللحظة ان نساءً ضافيات الحجاب من داخل البيت كن يردن الخروج فوجئن بدخولي فأسرعن الى الداخل مرتدات
ثم مرت دقائق عديدة حتى نزل إليّ من درج الطابق العلوي سماحة السيد الشهيد محمد الصدر ( الشهيد الثاني ) فلما رآني و عرفني اطمأن قليلا ثم سلمت عليه معانقًا و سألني لماذا دخلت و ماذا جاء بك ؟!
فأخبرته بأن خالي الشيخ عبد الرحيم فرج الله قد أرسلني الى والده المكرم لتقصي خبر السيد ابي جعفر السيد محمد باقر الصدر
فأطرق السيد الشهيد محمد الصدر برأسه قليلًا ثم أجابني :- ان والده السيد المكرم لا يستطيع استقبال أحد الآن
و ان رجال السلطة قد هجموا على البيت الليلة الماضية و اصطحبوه معهم الى المقبرة و أحضروا امامه تابوتًا فيه جثة السيد الشهيد محمد باقر الصدر و قالوا له :- هذا هو ابن عمك باقر الصدر قد أعدمناه و امروه ان يصلي عليه قبل دفنه
و كانت على وجه السيد الشهيد آثار التعذيب و الحرق و التشويه و قد نزف دمًا كثيرًا من وجهه و اعضاء بدنه الطاهر ..
فصلى سماحة السيد صادق الصدر عليه ثم تم دفنه في مكان لم يتبينه تماما
ثم إنني بادرت و سألته عن مصير اخته السيدة امنة الصدر ( بنت الهدى ) فأجابني ان والده السيد صادق لم يطلّع على مصيرها و هو مجهول حتى الساعة ..
ودعت السيد الشهيد محمد الصدر ذاهلًا مدهوشًا و خرجت من باب بيتهم لا ألوي على شئ و لا أعي من انا و الى اين اتجه لهول الصدمة و فرط التأثر
ثم أفقت على نفسي و انا في بيت خالي الشيخ و هو امامي يسألني و يلح في سؤالي فأخبرته بما سمعت ثم لطمت على رأسي صارخًا باكيًا
اما خالي الشهيد الشيخ عبد الرحيم فرج الله فقد تماسك لحظات عديدة ثم استدار و أسرع الى المغسلة و قاء من جوفه دمًا عبيطًا و وقع على الأرض و بقي عازفًا عن الطعام و الكلام ثلاثة ايام ! ..
و قد اختاره الله للشهادة و اللحاق بمحبوبه الصدر بعد فترة حيث تم اعتقاله و تعذيبه و اعدامه و لم تسلم جثته الطاهرة .
10-04-2020, 12:22
عودة