"Today News": بغداد
كانت رئاسة شبكة الاعلام العراقي، وربما مازالت، تمثل مصدر قلق لرؤساء الحكومات العراقية. والسبب واضح ومعروف، وهو ان تكون الشبكة في خدمة الحكومة ورئيسها.
يحق لرئيس الحكومة ان يطلب من الشبكة، وهي اكبر وسيلة اعلامية في البلد، ان تغطي نشاطاته ومنجزات حكومته. فهذا احد واجبات الشبكة التي هي مؤسسة الدولة الاعلامية. والحكومة طرف اساسي في الدولة. وعليه من المتوقع ان تحظى الحكومة بقسط ومعقول، او ربما وافر، من تغطيات الشبكة المقروءة والمسموعة والمرئية. والامر ٦٦ كان ينص على ذلك. لكن هذا لا يعني ان الشبكة اداة اعلامية حكومية. فهنا يجب التمييز بين اعلام الدولة واعلام الحكومة. اعلام الدولة يشمل الحكومة والبرلمان والجيش والشعب والمحافظات والمعارضة والاقتصاد والدين والفن والمناسبات الخ. وعلى الشبكة ان تغطي كل هذه المفردات. اما اعلام الحكومة فهو مختص فقط بالحكومة، وهذا امر يغطيه الناطق الرسمي للحكومة والمكاتب الاعلامية في الوزارات والمؤسسات الحكومية.
شبكة الاعلام ليس مؤسسة تابعة للحكومة، بل هي احدى مؤسسات الدولة، وان شئت فهي السلطة الرابعة في الدولة. لكنها لا تعارض الحكومة، ولا تسير بالضد منها. وهي تقف مع الحكومة اذا تعرض البلد او الدولة او الشعب او الحكومة او القضاء او الجيش الى الخطر. فهي مسؤولة عن الدفاع عن الدولة ومؤسساتها. لكنها من جانب اخر تقوم بوظائفها الاعلامية الاخرى المعروفة، الى جانب التغطية الخبرية. فهي تنتقد، وتؤشر على السلبيات، وتحذر من الاخطاء، وتعبر عن معاناة الشعب.
بحكم خبرتي، كوني قضيت سنوات طوالا في الشبكة، كرئيس لتحرير جريدة "الصباح"، وعضو مجلس امناء الشبكة، واخيرا: رئيس الشبكة لمدة خمس سنوات، فاني استطيع ان اقول ان رؤساء الحكومات العراقية لم يشعروا بالراحة الى نظرية اعلام الدولة، ويفضلون اكثر نظرية اعلام الحكومة. وحاولوا كل بحسب ظروفه جر الشبكة الى دائرة اعلام الحكومة. ويقع فأس هذه المحاولات على رأس رئيس الشبكة عادة. ولهذا، يأتي هذا المنصب على راس اهتمامات اي رئيس وزراء جديد، لانه يفضل ان يضع على رأس الشبكة شخصا من رجاله. حدث هذا معي، حين تولى حيدر العبادي رئاسة الحكومة، لذلك اخبرته منذ البداية ان يعتبر استقالتي بين يديه، ويستطيع ان يفعّلها متى ما وجد البديل المناسب له. وهذا ما حصل. وقد تفهمت الامر، لاني لم ارغب ان اكون سببا لوجع رأس رئيس الحكومة!
بموجب القانون، رئيس الشبكة ليس خاضعا لرئيس الوزراء، وهو ليس مشمولا بالمادة ٧٨ من الدستور. وسبب ذلك ان للشبكة قانونها الخاص، والخاص يقيد العام كما هو معروف. باعتبار ان الشبكة هيئة مستقلة اسست بموجب المادة ١٠٨ من الدستور. وقد نظم قانون الشبكة رقم ٢٦ لسنة ٢٠١٥ المعدل الوضع القانوني لرئيس الشبكة وقرر انه يعين من قبل مجلس الامناء، الذي يملك وحده صلاحية اقالته لاسباب حددها القانون. وهذا يعني ان رئيس الوزراء لا يملك صلاحية تعيين او اقالة رئيس الشبكة. وان الامر موكول الى مجلس الامناء. طبعا يستطيع رئيس الوزراء ان يطلب من وراء الكواليس من مجلس الامناء اقالة رئيس الشبكة. وهذا تصرف ان حصل، فهو غير قانوني وغير اخلاقي.
الشيء المهم، اعلاميا ومؤسساتيا، ان تستقر رئاسة الشبكة. والاستقرار يعني ان يعرف رئيس الشبكة انه سوف يتم ولايته القانونية في المنصب وهي اربع سنوات، وان لا يشعر بالقلق من احتمال تغييره في اية لحظة. وهذا لم يحصل في السنوات السابقة، فما عداي، لم يكمل اي رئيس للشبكة قبلي ولا بعدي، اربع سنوات في المنصب. وهذه حالة مرضية مضرة بالشبكة.
اكتب هذا وانا آمل ان يقرأ مصطفى الكاظمي مقالي، ويعفي نفسه من التفكير بمسالة رئاسة الشبكة، و يتركها لسياقها القانوني، ويتفرغ لمشكلات البلد الاخرى.