"Today News": متابعة
خلال حرب الخليج الثانية، أسر ليث منير، اللواء السابق في الجيش العراقي، كلا من بوب ويتزل وجيف زون، وهما طياران أميركيان، بعد أن سقطت طائرتهما في إحدى صحاري العراق، ومنع منير الذي كان يقود فرقة بحث عنهما الجنود من قتل الطيارين.
وبعد 21 عاما، جلس الرجال الثلاثة يتناولون العشاء في ولاية فيرجينيا الأميركية، وعرض الطياران الأميركيان اللذان يبلغان من العمر 60 عاما و 58 عاما، على منير (74 عاما) مساعدته في سعيه لاكتساب حق اللجوء، ولاحقا المواطنة، في الولايات المتحدة، كما يشير تقرير نشره موقع Military Times الأميركي.
كانت مهمة الطيارين، واثنين آخرين من زملائهما، شل قدرات قاعدة H-3 الجوية والدفاعات الصاروخية ضد الطائرات المنتشرة فيها، خلال حرب الخليج الثانية عام 1991.
دخل الطيارون الذين كانوا يقودون طائرة من طراز A-6 الحدود العراقية على علو منخفض، وهما يهدفان لضرب قواعد الدفاع الجوية العراقية، ترافقهم طائرات مقاتلة وطائرات تشويش على الرادار.
وعلى بعد دقيقة واحدة من القاعدة العراقية، أطلق الدفاع الجوي صاروخا من نوع سام مر قرب الطائرة، وبعد 30 ثانية مر صاروخ آخر من يمينها، كما ذكر ويتزل سابقا لموقع The Aviation Geek Club.
ويقول الموقع إن استخدام القوات العراقية لصواريخ سام، من نوع رولان الفرنسي، فاجأ الطائرات الأميركية التي لم يشعل رادار الصاروخ أجهزة التنبيه فيها، وبحسب الموقع، أصاب هذا النوع من الصواريخ أربع أو خمسة طائرات أميركية خلال الحرب.
وبينما كان ويتزل يراقب الصاروخ الذي أفلت منه وهو يمر بعيدا عنه، هز انفجار صاروخ سام لم يره الطياران قادما قبل أن يضرب المحرك الأيمن للطائرة بعنف.
قفز الطياران من الطائرة، لكن الخروج تسبب في فقدانهما الوعي وأصيب ويتزل بكسور متعددة في العظام، وعلى الرغم من حالتهما السيئة فقد عرفا، بعد استعادة وعيهما، إنهما بحاجة للتحرك لأنهما سقطا على مقربة من القاعدة.
وبدأ الاثنان في المشي والزحف على الكثبان الرملية شديدة الانحدار في اتجاه الحدود الأردنية إلى جنوبهما الغربي، لكنهما شاهدا عربات عسكرية تبحث عنهما وعرفا إنها "مسألة وقت" قبل أن يتم القبض عليهما.
لاحقا، وخشية من "الدهس" في مكان اختبائهما، لوح زون بيديه لسيارة عسكرية كانت تقترب مسرعة منهما ليستسلم الطياران للقوات العراقية.
"أنقذ منير حياتنا في تلك الليلة، ونقلونا إلى سيارته الجيب، وحرص على أن نسلم بأمان إلى مستوصف القاعدة حيث تلقينا الرعاية الصحية قبل أن ننقل إلى بغداد بسيارته الشخصية وسائقه الشخصي"، يقول ويتزل لموقع The Aviation Geek Club في تصريحات سابقة.
قاعدة H-3 الجوية
كان اللواء ليث منير من قدامى المحاربين المحنكين في سلاح الجو العراقي، وكطيار مقاتل، أمضى السنوات الأولى من حياته المهنية في التدريب في باكستان والعراق على منصات أميركية وروسية الصنع، بما في ذلك طائرات T-37 وF-86 وMiG 21s و 23s.
كما عمل في مهمات طيران لدول حليفة مثل الهند ومصر. وفي عام 1991، كان يشغل منصب قائد قاعدة H-3 الجوية العراقية على بعد حوالي 300 ميل غرب بغداد في محافظة الأنبار.
أعطى منير الأوامر بضرب الطائرات المهاجمة، بعد أن اكتشفها الرادار العراقي قبل دقائق فقط من وصولها.
رافق منير الطيارين الأميركيين بأمان إلى سيارته الجيب ثم تركهم في مستوصف القاعدة تحت مراقبة الحراس الذين يثق بهم شخصيا.
في ذلك الوقت، قدمت حكومة صدام حسين مكافآت للمواطنين الذين جلبوا مقاتلين أعداء، أحياء أو أموات، لكن العسكريين لم يكونوا مؤهلين للحصول على مثل هذه المكافآت، لذلك أراد بعض الجنود والطيارين العراقيين تسليم الطيارين إلى السكان المحليين وتسلم الجائزة، وفقا لمنير.
وعلى الرغم من الضغوط التي قام بها مسؤولون آخرون في القاعدة، لم يسمح لهم منير بأخذ السجناء. وفي اليوم التالي، أرسل الجنرال أسرى الحرب الاثنين إلى بغداد، كما ذكر ويتزل سابقا لصحيفة Middlesex cc الجامعية الأميركية.
كانت حاملة الطائرات التي انطلق منها ويتزل وزون راسية في البحر الأحمر على بعد 500 ميل من القاعدة العراقية، ولم يكن لقادتها فكرة عن وضع الطيارين أو ما إذا كانا لا يزالان حيين.
في ذلك الوقت، كان الطياران يتجهان إلى بغداد، ليفصلا ويمنعان من رؤية بعضهما البعض لأكثر من شهر.
تعرض زون إلى التعذيب من قبل الأمن العراقي "بالمطارق المطاطية أو خراطيم المياه أو العصي"، حسب تقرير Military times.
وقال له المحققون في نهاية المطاف إنهم سيقتلونه ما لم يذهب إلى التلفزيون ويجيب على أسئلة المقابلة كما صدرت إليه تعليمات.
يقول زون لموقع Military Times "أخبروني بكل الأسئلة التي سيطرحونها مع كل الإجابات التي كان من المفترض أن أعطيها"، مضيفا "لقد حاولت أن أبدو غير صادق قدر الإمكان كنت متأكدا جدا من أن الأميركيين لن يصدقوا ما أقوله".
وكانت المقابلة هي المرة الأولى التي عرف فيها عائلة زون وزملاؤه في السفينة أنه لا يزال على قيد الحياة.
وبعد وقت قصير من إحضاره إلى محطة التلفزيون، نقل زون إلى عهدة الحرس الجمهوري، حيث خفت حدة الضرب والمضايقة. وعلى الرغم من سوء التغذية، إلا أنه ركز على على المحفاظة على لياقته البدنية.
وعندما وصل ويتزل إلى بغداد، نقل على الفور إلى المستشفى وعولج من كسر في الزند الأيسر، وكسر في عظم العضد الأيمن، وكسر في فقراته، وكسر في الترقوة اليمنى، وكسر في إصبعه.
وبعد ستة أيام من التعافي في المستشفى، وضع هو الآخر في السجن لاستجوابه.
لم يظهر ويتزل في مقابلة تلفزيونية، وحتى إطلاق سراح الطيارين، لم تكن عائلته تعرف ما إذا كان حيا أو ميتا.
وفى 24 فبراير، وهو اليوم الذى بدأت فيه الحرب البرية لإخراج العراق من الكويت، قصف طيارون أميركيون مقر السجن، ونتيجة لذلك نقل زون وويتزل إلى أبو غريب ثم إلى سجن آخر في بغداد، ولم يمضيا أكثر من بضعة أيام في كل منهما قبل إطلاق سراحهما من العراق.
ورفع زون و16 أسيرا أميركيا آخر لاحقا دعاوى قضائية يطالبون فيها بالتعويض بسبب المعاملة غير القانونية والتعذيب الذي تعرضوا له، بحسب موقع South Jersey الإخباري.
من سوريا ومصر إلى الولايات المتحدة
استمر منير في العمل كقائد القاعدة الجوية H-3 وأيضا في القوات الجوية العراقية لسنوات بعد عاصفة الصحراء، وترك الجيش في عام 2003 عندما بدأ التدخل الأميركي في العراق، وبعد سقوط نظام صدام، خرج منير من العراق باتجاه سوريا.
انتقل منير بعد ذلك إلى مصر حيث عمل مدربا في الأكاديمية الجوية المصرية، كونه أحد الطيارين العراقيين الذين اشتركوا في حرب أكتوبر تحت قيادة قائد القوات الجوية آنذاك، اللواء حسني مبارك الذي أصبح رئيسا للجمهورية لاحقا، حسب تقرير Military times.
وصل الجنرال العراقي السابق إلى الولايات المتحدة في عام 2012 لزيارة ابنه المقيم في البلاد، وبدلا من العودة إلى مصر بعد زيارته، تقدم منير بطلب اللجوء في الولايات المتحدة عام 2012، ولم يتم الموافقة على طلبه بعد.
رفض طلب منير وأعيد النظر به، ثم أحيلت القضية إلى محاكم الهجرة حيث يقرر أن تعقد جلسة استماع لقضية منير في عام 2024.
وفي الأشهر التي تلت وصوله إلى الولايات المتحدة، عمل منير بجد لتحديد مكان أسرى الحرب اللذين أنقذهما في الصحراء قبل عقود، وعلى الرغم من الجهود التي بذلها ابنه ومحاميه، لم يتمكنا من القيام بذلك.
وأخيرا، وجد صديق لمنير معلومات الاتصال بوالدة زون الذي يقول أن أمه اتصلت به لتخبره أن "جنرالا عراقيا يريد الحديث معه".
اجتمع الضباط الثلاثة مع ليث وزيا منير في 2012، وهم يجتمعون كل عام تقريبا لرواية قصصهم عن الحرب.
"أفكر في الأمر وما زلت أشعر بالقشعريرة"، يقول زون إنه "لأمر مدهش أننا التقينا به مرة أخرى".
بالنسبة إلى ويتزل وزاون، من الصعب أن يتخيلا أن "صديقهما غير قادر على الحصول على الجنسية بعد كل ما فعله".
وتعهد ويتزل بالذهاب مع زون إلى المحكمة للشهادة مع منير، مضيفا "أعرف أن هناك الكثير من الناس وراءنا على استعداد لدعمه".