"Today News":متابعة
أكثر ما هو ملحوظ في الأماكن العامة في البلدات والأقضية في منطقة حزام بغداد الجنوبي هي الخيم المنصوبة، التي تؤجر لمُرشحي الانتخابات النيابية، ليعقدوا فيها موائد الانتخاب.
يعمل الحاج نجيف الصديد متعهداً لإعداد الطعام للموائد الانتخابية، يسرد بحسب تقرير أوردته "سكاي نيوز عربية" تفاصيل تلك الموائد الانتخابية وتكلفتها وآليات استخدامها من قِبل المُرشحين "أعمل في هذه المهنة منذ أكثر من ثلاثة عقود، لكنها المرة الأولى التي نشهد به هذا الزخم من الطلبات من المُرشحين. فالمرشح يتعاقد معنا على أعداد الحضور المتوقعين لخيمته الانتخابية، ونحن نقوم بإعداد "مناسف الثريد" لتكون جاهزة خلال وصوله إلى الخيمة، ليقوم بـ"إكرام ضيوفه".
يضيف الصديد في شرحه لطريقة إعداد الوليمة وتكلفتها "طبخة الثريد تتلف من لحم الخاروف الصافي الموضوع على الأرز، نسميها في العراق "الطلي والتمن". وعادة ما نقوم بإعداد خروف واحد لكل عشرين ضيفاً متوقعاً، وبتكلفة تقدر بحوالي (700 ألف دينار)، أي بقرابة 250 دولار لكل عشرين ضيف، وتالياً فإن تكلفة الخيمة الانتخابية الواحدة التي تضم قرابة ثلاثمئة ضيف، تقدر بحوالي 4000 دولار، وغالباً فإن المرشح يتقصد تغطية خمسة خيم في كل منطقة خلال يوم واحد".
يشرح الباحث الاجتماعي العراقي نذير الخدعان تفاصيل الأحاديث التي يتداولها المرشحون خلال تلك الجلسات وآليات تواصلهم مع تلك القواعد الاجتماعية "خلال إعداد وتقديم الطعام، فإن المرشحين يتقصدون تقديم خدمة الاستقبال والترحيب والطعام وتقديم المشروبات والحلوى بأنفسهم، مما يقربهم من القواعد الشعبية المدعوة وخلق وشائج نفسية وعاطفية مباشرة فيما بينهم. بعد ذلك يتقصد المرشح إلقاء كلمة خطابية بالحاضرين، التي عادة تكون مزجاً بين الحديث عن الخدمات المناطقية التي سيقوم بتقديمها لهذه المنطقة، وبعض التفاصيل العشائرية والمناطقية والعائلية التي تربطه بالسكان المحليين المدعوين، لخلق رابطة سياسية/نفسية بين الطرفين".
كانت الموائد الانتخابية حاضرة في مختلف الانتخابات البرلمانية العراقية السابقة، إلا أنها تأخذ طابعاً مكثفاً راهناً بسبب قانون الانتخاب الجديد. فالقانون الانتخابي العراقي كان في بداياته يعتبر العراق دائرة انتخابية واحدة، وتالياً فإن أدوار الأحزاب وخطابها السياسي الكلي والهويات الأهلية المذهبية والقومية هي التي تُستخدم خلال تلك الحملات. لكنها حُجمت بالتقادم لتعتبر المحافظة دائرة انتخابية، وأخيراً ليكون القضاء أو بعض الأحياء من المدن الكبرى هي الدائرة الانتخابية التي تُصعد المُرشح الانتخابي، وتالياً فإن الدعايات الانتخابية تأخذ طابعاً محلياً للغاية.
تأخذ تلك الخيم عناوين ومسميات مختلفة، وإن كان واضحاً بأنها تُعقد لأسباب انتخابية. فالكثير منها تتقصد مناسبات دينية أو عشائرية أو اجتماعية، مثل حفلات نجاح الطلبة أو حصول مصالحات بين العائلات المتخاصمة، أو حتى مناسبات "الختان" والزواج وافتتاح بعض المؤسسات الخدمية.
لاقت "خيم الثريد" نقداَ لاذعاً من قِبل النشطاء المدنيين والشُبان العراقيين، بالذات من المنخرطين في الانتفاضة الشعبية العراقية. يقول شعبان الربيعي وهو أحد الناشطين الذين ينون تقديم حملات دعائية للمرشحين المديين في عموم البلاد، تأثيرات هذه الظاهرة "بوضوح ثمة محاولة لإذلال الفقراء، عبر القول الصريح له بأن صوتهم الانتخابي أنما يساوي وجبة ثريد فحسب. ليس في ذلك أمر غريب، خصوصاً وأن ثلثي الشعب العراقي يعيش في أتعس حالات الفقر، ويعتبر حضور ندوات الثريد مكسباً له ولأبنائه".
المراقبون العراقيون للمشهد الانتخابي ذكروا بأن هذه الشكل من الحملات هو من أكثر اشكال الدعاية القادرة على النفاذ من مراقبة المفوضية العليا للانتخابات العراقي، سواء من ما يُطرح فيها من خطابات أو مصاريف. وحيث أن المفوضية نفسها اعترفت بأن الانتخابات السابقة قد كلفت أكثر من خمسة مليارات دولار، لم يُرصد منها إلا القليل جداً.
تعليقاً على "موائد الثريد" تقول الناشطة المدنية العراقي "شمم الخبري" بحسب التقرير "في كل تفصيل منها، فإن تلك الموائد تدل على تهافت الأحزاب والشخصيات السياسية العراقية، التي يبدو وكأنها لا تملك أي شيء تستطيع أن تٌقدمه خلا وجبة الثريد". تضيف الخبري "لكن هذه الخيم الانتخابية تُضاف إلى جهود بناء صفحات مزيفة في وسائل التواصل الاجتماعي، لتوزع خطاب سياسي ودعائي شخصي لنفس المنطقة التي يقيم فيها المُرشح تلك الخيمة، بحيث أن مُدراء تلك الصفحات يعرفون المستهدفين تماماً، ويرسلون لهم رسائل انتخابية مباشرة أو مغلفة، لكنها تحمل نفس الخطابات التي تُنشر عبر موائد الثريد".