"Today News": بغداد
المجتمع العراقي حاله كحال اي مجتمع أنساني اخر، يعاني من حالات عنف مسجلة وجرائم نختلف مستويات خطورتها، فقد ظهرت في السنوات الاخيرة عدة حوادث بسبب انتشار المخدرات وغيرها من الامور، فيما كان اكثر الحالات خطورة هو العنف الاسري، لما يسببه تفكك الاسرة من مشاكل اجتماعية جمة.
في الآونة الاخيرة فاقت هذه المشكلة جميع المستويات في المجتمع العراقي بحسب الاحصاءات الرسمية، فقد سجلت المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق حوالي 15 الف حالة عنف اسري خلال عام 2020، الامر الذي استوجب منا تسليط الضوء على هذه المشكلة المهمة.
ويعد العنف الاسري واحد من اكثر الانتهاكات لحقوق الانسان انتشارا وتدميرا تواجهه المرأة اليوم في المجتمع العراقي ويمكن ان يشمل هذا العنف الاعتداء الجسدي او النفسي والاقتصادي اما اسبابه فهي كثيرة منها انخفاض مستوى التعليم وانعدام الفرص الاقتصادية وارتفاع البطالة والتمييز بين النساء والرجال بالإضافة الى عدم وجود عقوبات لمرتكبي العنف ضد المرأة.
وبحسب الارقام الصادرة عن الشكاوى التي وصلت الى الأجهزة الامنية فقد بلغت عدد الشكاوي المسجلة في وزارة الداخلية اكثر من خمسة الاف تضمنت هذه الشكاوى اعتداءات من قبل الزوج على الزوجة وبين الاخوة والاخوات وبين الاب والابناء.
واشارت مديرية العلاقات والاعلام في وزارة الداخلية الى انها سجلت اكثر من خمسه عشر الف قضية عنف اسري في عموم بغداد والمحافظات.
تقول السيدة فاطمة البالغة من العمر 40 عاما انها تزوجت في عمر 20 عام حيث كانت تتعرض للعنف منذ بداية زواجها كانت تتعرض الى الضرب المبرح والحرق في اماكن من جسدها من قبل زوجها وامام اطفالها يوميا بسبب او بدون سبب.
وتوضح انها "لجأت الى اخوانها وذكرت ايضا انها لجأت الى القضاء ولكنها لم تكسب شيء فزوجها هو من كسب القضية لان العراق لا يملك قانون يحمي المرأة من العنف ويعتمد على مواد قانونية تسمح للزوج بتأديب الزوجة ضربا ما دام لم يتجاوز حدود الشرع حيث تذكر المادة 41 من قانون العقوبات العراقي إنه (لا جريمة إذا وقع الفعل الضرب استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالاً للحق، تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الاولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعاً او قانوناً او عرفاً)".
فاطمة ذكرت انها "مضطرة للعيش مع زوجها وتتحمل العنف من اجل اطفالها اولا ولأنها لم تجد الدعم من اهلها ولا تمتلك مصدر مالي تستطيع العيش به".
اما من خلال الحديث مع ابنتها زينب التي تزوجت في عمر 12 سنة فقط للتخلص من العنف التي كانت تعيشه تقول انها "اضطرت على الزواج من شخص لا تعرفه ولا يناسبها فقط للتخلص من العنف الاسري التي كانت تعيشه"، مشيرة الى ان "هذا العنف اثر بشكل سلبي على طريقة تعاملها مع زوجها واطفالها"، فيما لفتت الى ان "اختها التي تصغرها بأربع اعوام هي ايضا تزوجت في عمر 12 سنه للتخلص من العنف الاسري التي كانت تعيشه هي واخوانها ووالدتها".
في السياق ذاته، يرى المحامي طه الجبوري ان "الاجراء ات القانونية التي تتخذها المرأة ضد الرجل هي اقامة الدعاوى للحد من هذا العنف بالإضافة الى التوعية من قبل اللجان الخاصة بحماية المرأة ومنضمات حقوق الانسان وهناك قاضي خاص للدعاوى العنف حيث يعتمد ع التقرير الطبي المقدم من قبل المرأة المعنفة وتقدم شكوى على العنف السري".
وتابع انه "لا يوجد قانون خاص في الوقت الحالي ولكن هناك مطالبات بتفعيل قانون المناهض للعنف ضد المرأة الذي قدمه الرئيس العراقي الى البرلمان ولكن لم يتم التصويت عليه".
وتؤكد أستاذة القانون في جامعة المأمون العراقية خنساء الشمري إن "المادة 41 من قانون العقوبات تتسبب بقيام الشرطة باعتماد أسلوب المصالحة بين الطرفين لإنهاء النزاعات الأسرية وتعني المصالحة بشكل عملي".
الشمري اشارت الى إن "قانون العنف الأسري يمثل حماية للأسرة لأنه يمنح خيارات للصلح والتراضي كما إنه يضمن حصول الطرف المعتدي على التقويم النفسي لعدم تكرار الاعتداء".
في قصة اخرى، تقول اميمة عقيل انها "تعرضت الى العنف من قبل والديها واجبروها على الزواج من ابن عمها وهي تبلغ 11 سنة"، كما توضح، "خرجت من البيت في الساعة الثانية عشر ليلا بعد ان تعرضت للضرب المبرح من قبل ابي وامي وهددوني بالقتل اذا رفضت الزواج وجدوني الشرطة واعادوني والدي الذي ضربني وقام بجبسي اسبوع في غرفة بمجرد خروج الشرطة والذي تعهد بعدم ضربي وعدم اجباري على الزواج".
وتبين، "بعد موافقتي على الزواج اخرجني والدي من الغرفة ومررت بحالة اكتئاب شديدة وحاولت الانتحار ولكني لم انجح وها انا اليوم متزوجة من ابن عمي الذي كان زواجي منه اشبه باغتصاب وما زلت اعاني بالرغم من مرور 5 سنوات على زواجي".
ومع ارتفاع حالات التعنيف ضد المرأة في المجتمع العراقي، تعزو الباحثة الاجتماعية علياء محمد ذلك الى "غياب الوعي والفهم وانخفاض المستوى الثقافي وغلبة الاعراف العشائرية وانخفاض مستوى التعليم بالإضافة الى عدم معاقبة مرتكبي العنف".
واكدت علياء محمد ان "حالات العنف الأسري زادت بشكل كبير في العراق، خاصة بعد انتشار جائحة كورونا والتزام الكثيرين بالبقاء في المنازل"، لافتة الى ان "العنف ضد المرأة يترتب عليه اثار خطيرة منها قد تؤدي الى الوفاة والاصابات الجسدية والاكتئاب والضغوطات النفسية والانتحار وتنعكس بشكل سلبي على طريقة تعامل المرأة المعنفة مع اطفالها والمجتمع".
وعلى مدى الأشهر الأخيرة، علت أصوات عراقية مطالبة بسنّ تشريع يجرّم العنف الأسري في ظل تزايد هذا النوع من الجرائم، وعلى وقع الآثار الاجتماعية المترتبة عن حالة الحجر لمكافحة انتشار فيروس كورونا.
وتبنى العديد من الناشطات العراقيات عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملة للتصويت على قانون مناهضة العنف الاسري ففي 15\ايلول 2019 ا اعلن رئيس الجمهورية برهم صلح عن الانتهاء من إعداد مشروع قانون "مناهضة العنف الأسري" تمهيداً لتشريعه في مجلس النواب.
وأشادت مبادرات ومنظمات حقوقية ونسوية بهذه الخطوة، ولا سيما أن مشروع القانون يلغي عدة نصوص تشرّع للزوج ضرب زوجته بذريعة "التأديب" وللمعلم ضرب تلامذته للسبب نفسه.
"تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR - صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا".
تقرير : حمزة سلام