"Today News": متابعة
يتزايد زواج القاصرات في العراق بالرغم من الجهود العالمية لمعالجة هذه الظاهرة، وهو ما يخلق العديد من التحديات أمام السلطات وعلى المجتمع الذي تتفاقم فيه حالات الطلاق، إلى جانب المخاطر التي يشكلها الزواج المبكر على صحة الفتيات نفسيا وجسديا.
صحيح ان الظاهرة لا تقتصر على العراق، وهي عالمية، وتحدث بشكل مكثف في دول العالم الثالث وخاصة في افريقيا، الا ان تزايدها في العراق في الفترة الاخيرة اصبح مثيرا للقلق. ويحدث ذلك في العراق بالرغم من ان الامم المتحدة تدعو في اهدافها للتنمية المستدامة إلى اتخاذ إجراءات على مستوى العالم لإنهاء هذه الظاهرة التي تمثل انتهاكا لحقوق الإنسان بحلول العام 2030. وبحسب تقرير لمنظمة "اليونيسيف" التابعة للامم المتحدة، فإن 5% من الأطفال العراقيين يتزوجون بعمر 15 سنة و24% بعمر 18 سنة.
والملفت في هذه الظاهرة ان لها اثار سلبية غير مرئية ان صح التعبير، فهي على سبيل المثال تتسبب فعليا في حرمان الفتيات من خوض تجربة الحياة الطفولية والمراهقة الطبيعية اذ تثقل عليها الحياة بالأعباء والمسؤوليات مبكرا، كما يضطر العديد منهن الى التخلي عن استكمال دراستهن بسبب الحمل او المسؤوليات المنزلية والزوجية المستجدة على حياتهن.
ويكشف مراقبون ان ظاهرة تزويج القاصرات بدأت تنتقل في المرحلة الاخيرة من الأرياف الى المدن ما يحمل العديد من الاسباب والقصص المؤثرة لفتيات أصبحن أمهات وهن في عمر الطفولة والمراهقة المبكرة.
مريم طالبة جميلة تبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، كانت تتمنى أن تحقق جميع أحلامها وتصبح طبيبة اسنان، لكن الحلم تحول إلى وهم وضياع. كانت مريم تأمل ان "تكتمل عائلتي الطبية، فأبي دكتور صيدلاني وأمي طبيبة ممارسة".
وتروي مريم "في يوم من الأيام تدهورت حالت امي الصحية وأخبرني أبي أنها مصابة بالسرطان، وكان يوما مشؤوما بالنسبة لي، ولا أنسى تلك اللحظات عندما كانت امي تتدهور حالتها الصحية يوما بعد يوم، وطلبت مني في أحد الايام ان اتزوج من ابن خالتي، لكي تطمئن عليّ وهي في أيام احتضارها الاخيرة".
وتابعت مريم "تزوجت ابن خالتي وقررت الاستمرار في الدراسة، لكن سرعان ما انقلب كل شيء ضدي اذ رفض زوجي ان اكمل الدراسة، ويجب علي أن أنجب أطفال وادير المنزل رغم اني كنت مدللة عند أهلي".
وتابعت انه مع مرور الايام "بدأت أمي تتحسن حالتها، وانا عشت في عالم الفوضى والضياع، ولم استطيع أخبار أمي بما أعيشه لانني أخشى أن تنتكس صحيا مرة أخرى، ولم يبقى سوى ذكريات الطفولة الجميلة وأمنيات على قيد الأحزان".
ويفترض بالقانون العراقي انه يحدد سن الزواج ب18 سنة، لكنه ايضا يسمح للقاضي بتزويج الفتيات ممن تقل اعمارهن عن 15 سنة، لاسباب مختلفة، ولهذا فانه في العديد من الحالات، تلجأ العديد من العائلات الى خيار الزواج الديني. وفي المادة السابعة من قانون الاحوال الشخصية هناك شرط الاهلية والعقل من اجل عقد الزواج، وهو ما قد لا يكون متوفرا لدى فتاة في عمر طفولتها. كما ان المادة السابعة تزيج فعليا الزواج لمن بلغت عمر ال15 طالما ان ذلك يحظى بموافقة المحكمة نفسها وولي أمر الفتاة، اما اذا كانت دون ال15 سنة، فان الزواج لا يسجل في سجلات المحكمة.
لكن ذلك لا يمنع العديد من العائلات من تزويج بناتهن ممن لم يبلغن عمر ال15، طالما ان القانون العراقي لا يضع شروطا قانونية صارمة على زواج القاصرات ويعرف الزواج بانه "عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعا". وحتى الان، يتجاهل القائمون على تطبيق القانون ان تزويج القاصرات يتسبب ايضا في زيادة حالات الطلاق واحيانا كثيرة بسبب عدم قدرة الفتاة على التعامل وادارة تحديات الزواج ومسؤولياته الكبيرة.
ويقدر مجلس القضاء الاعلى في العراق حالات الطلاق المسجلة قبل اقل من عامين، باكثر من 6 الاف حالة، الا ان هذا الرقم قد يكون اكبر من ذلك بكثير الان في ظل التحديات المعيشية والاقتصادية القاسية التي فرضها وباء كورونا منذ العام الماضي.
وتقول سيدة تسكن في حي فقير في أطراف محافظة بابل، لوكالة شفق نيوز، انه "بسبب الفقر الذي نعيشه انا وعائلتي، تمر علينا أيام لا نملك حتى وجبة غداء وعشاء أنا وأطفالي، ولهذا قررت أن أزوج ابنتي الكبيرة التي يبلغ عمرها 11 عاما كي اخفف الاعباء".
وتابعت السيدة العراقية موضحة "زوجت ابنتي من شاب ميسور ماليا، وكنت احلم ان تعيش ابنتي اياما جميلة وتتخلص من الفقر والحرمان الذي تعيشه في منزلنا، لكن حصل عكس ذلك اذ استغل زوجها فقرها وجعلها جارية في منزله ومن اجل ان تلبي رغباته الوحشية".
واضافت "ابنتي لا تعرف شيئاً من الزواج، فأنا من أجبرتها على ذلك وأصبحت ضحية الفقر والعوز والحرمان وهي الآن معلقة بين زوجها ومنزل أبيها، وهجرها زوجها وهي في واقع معلق لانها بدون عقد زواج شرعي ولا استطيع اخذ حقوقها من المحاكم".
وردا على سؤال حول ظاهرة زواج القاصرات، تقول الباحثة الاجتماعية سهى علي ، "ان اكثر ما نلاحظه هو فقدان الثقة بالنفس أو الخلافات العائلية التي انتشرت بشكل واسع او الخوف من المجهول مما أجبر أغلب الفتيات على الزواج أو ان البعض منهن ربما يتسمن بالعناد ويتم تزويجهن بعمر 11 او 13 سنة وبالتالي لا تكون مؤهلة نفسيا وصحياً واجتماعيا في هذا العمر". واضافت "البعض ينتظرن ولادة طفل وتكون الفتاة غير مؤهلة الأمومة لذا تكون أغلب حالات الطلاق هي بين هم بهذا العمر".
ويحذر العديد من الخبراء حول العالم من ان زواج القاصرات يتسبب في حالات كثيرة بنزيف حاد خلال الولادة، مما يؤدي إلى الوفاة، او الى اجهاض مبكر نتيجة عدم اكتمال البنية الجسدية".
وتؤكد الأخصائية النسائية الدكتورة نرمين الجاف إن "بلوغ الفتاة عادة هو بعمر 11 سنة او قد تكون بلغت وبالحالتين رأيت في بعض الأحيان ان فتيات غير بالغات يأتين إلى العيادة وهن متزوجات. وبهذا العمر يكون الجهاز التناسلي غير مكتمل. وبحسب المتعارف عليه طبياً انه بعمر ال16 سنة يكون الرحم مؤهل للزواج والعلاقة الزوجية، لكن حتى الولادة تكون غير طبيعة بهذا العمر حيث اغلب الأعمار تلجأ إلى عملية جراحية قيصرية".
كما يلاحظ الخبراء ان زواج القاصرات يزداد في المجتمعات التي تسودها النزاعات والفقر والفوضى وعدم الاستقرار. وتؤكد منظمة اليونيسف انه في الوقت الذي تتناقص فيه انتشار زواج الاطفال في جميع أنحاء العالم، من واحدة من بين كل أربع فتيات تزوجن قبل عقد من الزمن إلى حوالي واحدة من كل خمس فتيات في يومنا، لا تزال هذه الممارسة واسعة الانتشار.
وتحذر "اليونيسف" على موقعها الالكتروني من انه "إذا لم يتم تسريع الجهود، فإن أكثر من 120 مليون فتاة سيتزوّجن قبل عيد ميلادهن الثامن عشر" بحلول العلام 2030.
وفي الخلاصة، يبدو بحسب الخبراء ان تفاقم هذه الظاهرة في العراق يحتاج الى مجموعة من الحلول والمبادرات المتداخلة لمعالجتها، تبدأ بالقوانين الواضحة والاكثر تشددا، وتمر عبر معالجة الاحكام والمفاهيم الدينية والاجتماعية السائدة، وصولا الى العمل على تنمية الوعي المجتمعي ازاء هذه الظاهرة التي تلحق الاذى بالفتيات نفسيا واجتماعيا وصحيا، وتفرض تحديات اضافية على الاقتصاد العراقي ومجتمعه.