"Today News": متابعة
سقط رهان العراقيين على القمة التي انتظروها لأسابيع من أجل مساعدتهم على حلحلة أزمات البلاد بعد أن تحولت النقاشات بين الزعماء والمسؤولين الحاضرين إلى معالجة قضايا المنطقة وتبريد الخلافات الإقليمية وخرج العراق فارغ اليدين من قمة عمل الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ما في وسعهما لإنجاحها.
وكان لافتا أن القمة شهدت لقاءات مصالحة على مستوى عال بين أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وبينه وبين نائب الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. في الوقت الذي تبادل فيه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ونظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان رسائل التهدئة.
وقال مراقبون عراقيون إن القمة ربما تخدم أجندة الكاظمي في البقاء على رأس الحكومة في مرحلة قادمة، لكنها لم تخدم العراق بشكل واضح، مشيرين إلى أن المتحدثين في القمة تجنبوا الإشارة إلى الأزمة الأمنية التي يعيشها العراق وخطر الجماعات المسلحة على علاقاته الخارجية، والتدخل التركي في الشمال.
وأشار هؤلاء المراقبون إلى أن القمة لم تكن كما سعى الكاظمي لتسويقها كحدث لخدمة العراق بل لقاء بأجندة خارجية هادفة إلى إذابة الجليد بين إيران ومحيطها العربي برعاية من فرنسا التي تقدم نفسها كعرّاب لإخراج إيران من أزماتها في العراق ولبنان والتخفيف من حالة العداء الإقليمي لها، وهو ما يفسّر حضور الرئيس إيمانويل ماكرون كطرف وحيد من خارج المنطقة وحماسه للقمة وتحركاته اللافتة فيها.
وفي كلمته الافتتاحية للمؤتمر الذي جمع على طاولة واحدة دولاً متخاصمة في المنطقة لاسيما دول الخليج وإيران، شدد الكاظمي على رفض أن "تستخدم الأراضي العراقية كساحة للصراعات الإقليمية والدولية ورفض أن يكون العراق منطلقا للاعتداء على جيرانه من أيّ جهة كانت".
وقالت مصادر عراقية متابعة إن القمة من البداية كان الهدف منها هو إضفاء غطاء إقليمي على التقارب الإيراني – السعودي الذي شهد أولى لقاءاته في العاصمة العراقية بغداد، وهي أجندة تصب في صالح باريس وطهران بالدرجة الأولى واكتفى رئيس الوزراء العراقي بدور الواجهة، أي التحرك لعقد القمة ورعايتها.
وأكد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أن "العراق احتضن في السابق اللقاءات بين السعودية وإيران"، مشددا على أن "هذه اللقاءات مستمرة".
وأضاف "من المعروف أن اللقاءات السعودية – الإيرانية مستمرة، وأنها بدأت في العراق، وما فهمناه من الطرفين أن لديهما الرغبة في الوصول إلى النتائج الإيجابية لحل المشاكل العالقة والموجودة بين الطرفين".
وأرسل وزير الخارجية الإيراني إشارة إلى رغبة بلاده في دعم مسار التهدئة الإقليمية بقوله “نريد تحقيق السلام عبر الحوار والثقة المتبادلة لدول المنطقة، وتحقيق سياسة حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لتحقيق الأمن المستدام والتنمية المستدامة”.
لكن مسار التهدئة الذي ألمح إليه عبداللهيان لا يبدو أكثر من كلام للاستهلاك الإعلامي خاصة بعد زيارته إلى النصب التذكاري في موقع اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني والقيادي في هيئة الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس قرب مطار بغداد، وتصريحاته بشأن الملف النووي.
من جانبه اكتفى وزير الخارجية السعودي بالتأكيد على استعداد بلاده لمساعدة العراق قائلا "نحن ندعم العراق، ومستمرون في دعم أمن واستقرار العراق لتحقيق المصالح المشتركة، وتكثيف التعاون في مجالات الطاقة والربط الكهربائي وتطوير المعابر الحدودية".
ومن الواضح أن فرنسا عملت ما في وسعها لتجنب أيّ تصعيد في القمة خاصة من جانب إيران، وهي تعرف أن وجودها في القمة ليس مقبولا من الخليجيين، وخاصة من السعودية بسبب الدور الإيراني في اليمن.
وقال مصدر دبلوماسي فرنسي إنه “كان صعباً جمع السعوديين والإيرانيين في الغرفة نفسها”.
وقبل ثمانية أشهر من الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي لم يعلن بعد ترشّحه رسمياً لها، يريد الرئيس الفرنسي على الأرجح من خلال زيارته التي تستمر يومين، أن يعزّز موقعه على الخارطة الدولية.
وقال الرئيس الفرنسي في كلمته الافتتاحية "بفعل التطورات الجيوسياسية، يتخذ هذا المؤتمر منحى خاصاً"، مشدداً على "العزم على مكافحة الإرهاب".
وذكر مصدر مقرّب من الرئيس الفرنسي أن الأخير استغل المؤتمر للقاء أمير قطر للحديث عن الطرق التي يمكن للدوحة من خلالها مساعدة فرنسا على إجلاء اللاجئين الأفغان قبل الحادي والثلاثين من أغسطس عبر طائرات الخطوط القطرية من مطار كابول.
وأشار مستشار في قصر الإليزيه إلى أن ماكرون يريد أن يثبت أن فرنسا لا تزال تحتفظ بدور في المنطقة وتواصل مكافحة الإرهاب، وتدعم جهود العراق “هذا البلد المحوري (…) والأساسي، في تحقيق استقرار الشرق الأوسط”.
ويزور ماكرون اليوم، كردستان العراق، ثم الموصل التي كان ينظر إليها على أنها بمثابة “عاصمة الخلافة” التي أعلنها التنظيم الإسلامي المتطرف على أجزاء واسعة من سوريا والعراق.
ويقول المسؤول الفرنسي "كما في منطقة الساحل، يتعلق الأمر بمحيطنا وبأمننا الوطني. فرنسا عازمة على مواصلة هذا القتال في العراق وخارجه لتفادي عودة لا تزال ممكنة لتنظيم داعش". وتسهم باريس بنحو 600 عسكري في إطار التحالف الدولي في العراق.
وأعلن ماكرون في مؤتمر صحافي بعد القمة أن فرنسا ستبقي على قواتها في العراق في إطار عمليات مكافحة الإرهاب مادامت الحكومة العراقية تطلب ذلك وسواء قررت الولايات المتحدة سحب قواتها أم لا.
وبالتوازي نشطت على هامش القمة اللقاءات الثنائية بين المسؤولين المشاركين وكان أبرزها لقاء أمير قطر بنائب الرئيس الإماراتي. ووصف الشيخ محمد بن راشد الشيخ تميم بأنه “شقيق وصديق.. والشعب القطري قرابة وصهر.. والمصير الخليجي واحد”.
ويأتي هذا اللقاء بعد الزيارة التي قام بها مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان إلى الدوحة ولقائه أمير قطر، ما يؤكد أن العلاقات بين الدولتين دخلت مرحلة جديدة.
كما اجتمع أمير قطر بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أول اجتماع من نوعه منذ اتفاق البلدين في يناير الماضي على إنهاء خلاف استمر طويلا بينهما.
وقال بيان للرئاسة المصرية إنه "تم التوافق خلال اللقاء على أهمية مواصلة التشاور والعمل من أجل دفع العلاقات بين البلدين خلال المرحلة المقبلة".