الفرضية التي نشتغل عليها في تحليلاتنا السياسية وافكارنا العملية هي ان الحياة السياسية سوف تختلف بعد التظاهرات الاحتجاجية عما كانت عليه قبلها.
وهذه الفرضية مشتقة من نص للمرجعية الدينية العليا في ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٩ قالت فيه:
"واذا كان من بيدهم السلطة يظنون أنّ بإمكانهم التهرب من استحقاقات الإصلاح الحقيقي بالتسويف والمماطلة فإنهم واهمون، إذ لن يكون ما بعد هذه الاحتجاجات كما كان قبلها في كل الأحوال، فليتنبهوا الى ذلك".
سوف تشهد مرحلة ما بعد التظاهرات الاحتجاجية المتغيرات التالية:
المتغير الاول: تشريع قانون جديد للانتخابات يقوم على اساس الانتخاب الفردي. صحيح ان الاقطاعيات السياسية داخل برلمانها تحاول الان الخروج بقانون يضمن بقاءها في السلطة، الان وعي الجمهور سوف يمنع اية محاولة للالتفاف على مطلب الانتخاب الفردي.
المتغير الثاني: ارتفاع مستوى الوعي السياسي لدى الناخبين. سوف تجري انتخابات مبكرة يفوز بها اشخاص يحظون فعلا بثقة الناخبين المباشرة. وهذه هي احدى مزايا الانتخاب الفردي. وهنا لا يمكن ان نقيس سلوك الناخب بعد التظاهرات بسلوكه قبلها. وذلك كما يلي:
اولا، سوف يشارك الكثير ممن قاطعوا انتخابات عام ٢٠١٨ في الانتخابات القادمة بعد ان اعاد قانون الانتخاب الفردي ثقة الناخبين بالعملية الانتخابية.
ثانيا، سوف يكون الناخبون اكثر وعيا هذه المرة لاهمية اصواتهم، حيث سوف يدلي الكثير منهم (خاصة من المقاطعين السابقين) باصواتهم بناء على معايير موضوعية وليس بناء على المعايير السابقة. ومن هنا نتوقع ان تتغير الوجوه والاسماء في مجلس النواب الجديد بدرجة ملموسة.
المتغير الثالث، اختفاء الكتل البرلمانية الصغيرة جدا. صحيح ان الانتخابات سوف تجرى على اساس فردي، لكن الناخب العراقي ومعه عدد كبير من الفائزين سوف يدركون خطورة الاحزاب او الكتل النيابية الصغيرة الحجم، او المجهرية، او الموسمية، او الشخصية، ولذلك فسوف يسارعون منذ اللحظات الاولى لظهور نتائج الانتخابات الى تشكيل كتلة برلمانية كبيرة جدا لا يقل عدد اعضائها عن ١٠٠ نائب وربما يصل العدد الى ١٦٥ نائبا لتكون هي الكتلة الاكثر عددا صاحبة الحق الدستوري في ترشيح رئيس الوزراء الجديد. وسوف يسهل هذا المتغير عملية تشكيل الحكومة في المرحلة القادمة.
المتغير الرابع: تفكك الاقطاعيات السياسية. سوف يؤدي الانتخاب الفردي الى حصول تفكك ملموس في الاقطاعيات السياسية الراهنة، وهي اقطاعيات قائمة على اسس شخصية فردية، او طائفية، او عرقية. وهذا يؤدي لا الى اختفائها الفوري والتام من المسرح السياسي، وانما على الاقل الى ضعفها العددي بدرجة ملموسة. وهذا سوف يساعد على تحقيق النتائج التالية:
اولا، ضعف مبدأ "الاستحقاق الانتخابي" الذي وضعته الاقطاعيات السياسية لضمان حصتها في الكعكة الحكومية.
ثانيا، ضعف مبدأ المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية الذي وضعته الاقطاعيات السياسية لضمان حصتها في الحكومة.
المتغير الخامس: تشكيل حكومة الاغلبية السياسية. بعد تحقق المتغيرات السابقة، سوف يكون من الممكن تشكيل الحكومة الجديدة على اساس الاغلبية السياسية، التي تمثلها الكتلة الاكثر عددا. ولن تكون هذه الحكومة من لون قومي او طائفي معين، لانها سوف تضم وزراء من مختلف الالوان ولكن ليس على اساس المحاصصة وانما على اساس البرنامج السياسي الذي تتبناه الكتلة التي سوف تظهر في المتغير الثالث.
المتغير السادس: ظهور المعارضة البرلمانية الفاعلة. وبسبب تشكيل الحكومة على اساس اغلبية سياسية، فان النواب الاخرين الذين لا يتبنون النهج السياسي للاغلبية سوف يتاح لهم تشكيل معارضة سياسية برلمانية قوية تضم بدورها مختلف الالوان القومية والدينية والمذهبية. ويمكن لهؤلاء تشكيل "حكومة ظل" انذاك.