"Today News": بغداد
تمر علينا ذكرى اكتشاف اول مقبرة جماعية عام 2003 وحدد على اساسها السادس عشر من ايار من كل عام يوما للمقابر الجماعية في العراق ..
ولمن لم يعش حقبة البعث المظلمة اود ان اوضح ان المقبرة الجماعية هي آخر المطاف الذي يزج فيه المعارض للطاغية .. فكل من لم يسر في ركب البعث المشؤوم كان يمر بسلسلة محن عصيبة تتشابه نوعا ما في كل محافظات العراق المبتلى بحكومة القرية !
الاعتقال : وهي عملية خطف من قبل ازلام الطاغية في من اي مكان يتواجد فيه المرء بيت ،مدرسة ، جامعة ، سوق .. يقتادونه كما هو في لحظتها دون ان يمهلوه انتعال نعله او ارتداء قميصه ، او اكمال وجبة طعامه!
يسوقونه الى دائرة الامن (امن حماية الطاغية وليس المواطن )..وما اكثرها فقد استحدثت دوائر في بيوت المسفرين قسرا لتكون مقارّاً لتلك المهمات القمعية بعد ان تسلم الطاغية صدام الحكم وشن حملات اعتقال لم تشتثن رجلا او امرأة في كل مراحل اعمارهم..
بعد سلسلة مريرة من الاستجواب والتعذيب بابشع الوسائل بعيدا عن اي بند من بنود حقوق الانسان يساق البعض منهم الى محكمة الثورة لتحكم باحكامها الجائرة اعداما او سجنا موبدا .. اما البعض الاغلب فهم يساقون الى الدفن الجماعي في تلك المقابر التي ملأت ارض العراق من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه واحيانا كثيرة دون المرور بالمحكمة..
وخاصة بعد الانتفاضة الشعبية الشعبانية اذ تأتي الحافلات محملة بالعوائل وتدفن حيثما شاء الجلاد وحتى وجدت سيارات كاملة زجت بمن فيها في مقبرة جماعية في مدينة الحلة !
فضلا عن كتائب الاعدام التي ترافق السيارات الناقلة للمعتقلين وتنصب على حافة حفر كبيرة اعدتها اليات الحفر المرافقة ثم تطلق العيارات عليهم وترمى الجثث بين قتيل او منازع للروح ..وتهيل نفس الاليات التراب عليهم دون اي وازع من ضمير بل طاعة عمياء للاوامر الطغاة.. اذ يتواجد مسوول حزبي يتابع التنفيذ !
ولعل من اكبر المعتقلات التي اخفت خيرة ابناء العراق هي ما سمي بالشعبة الخامسة وقيل ان المفرمة البشرية نصبت فيها لاحالة المعتقل الى قطعا ترمى في نهر دجلة .. فضلا عن احواض الاذابة في التيزاب وترحيل ما تبقى للدفن الجماعي .
المقابر الجماعية لم ينتهي عددها لحد اليوم .. ولم تاخذ الاهتمام المطلوب بها ! لا كرامة للشهداء الراقدين فيها ..ولا تعريفا بجرائم صدام وزمرته المجرمة..
لم نجد ولا شاخصا في اي مقبرة يدون فيه تاريخ افتتاحها وعدد المغدورين فيها !!ولا سياج يليق بما تحويه تربتها من ابطال وأباة ..
ليبقى الاهل في لوعة دائمة منذ اعتقال الاحبة ينتظرون رفاتهم ..ولعمري هذا اشد عذاب نفسي لذوي الشهداء في العراق اختصهم به طاغيتهم فهم لن تهدأ نفوسهم ولم يفقدوا الامل في العثور عليهم حتى تلقى بارئها تشكوه ظلم الظالمين ..
وفي هذا اليوم نناشد الحكومة بتحويل مقرات القمع البعثي الشعبة الخامسة واخواتها اينما كنّ الى معالم تورخ تلك الحقبة وتؤرشف طرفي معادلة الضحية والجلاد .. لقد مضى اكثر من عشرين عاما ولم يشيد امام الشعبة الخامسة الا نصب الشهيدة العراقية الذي كان اختيار الساحة من قبل الامانة العامة لمجلس الوزراء عام 2011 بمثابة تكريم لضحايا الشعبة الخامسة على مر عقود البعث الدامية ..
نعم شخص النصب شامخا لشهيدة ارتدت العباءة العراقية وحملت بيدها اليمنى طيورا ذهبية تعانق الشمس نورا وسموا … بدت هذه الشهيدة متسامية على كل صفحات الالم والعذابات التي جسدتها جداريات قاعدة النصب ببراعة الفنان
.. تألقت في ارض مدينة مولانا راهب آل محمد عليهم السلام وكانها تشاركه سجون بني العباس وتستمد من مناراته شعاعات الاباء والشموخ ..
فالله الله بإرث الشهداء .. الله الله بتاريخ ناصع لم ولن يتكرر .. الله الله باماكن اضطهد فيها المومنين ولو اذن لها الكلام لروت لنا أساطير من بطولات ذهلت حتى الجلادين .. لنحيي ذكراهم والا لن يرحمنا التاريخ ولن تغفر لنا الاجيال ان اهملنا وتعمدنا النسيان.. فالشعوب تستمد وجودها من تراث شهدائها ..
16/5/2024
6 ذي القعدة1445