الرئيسية / العراق والإسلام السياسي (١٠) .. المرجعية و أحداث ما بعد سقوط النظام

العراق والإسلام السياسي (١٠) .. المرجعية و أحداث ما بعد سقوط النظام

"Today News": بغداد 

١٥ آب ٢٠٢٤

بعد سقوط نظام صدام برز دور المرجعية الدينية الشيعية واضحاً في المشهد السياسي العراقي، إذ كان صوتها متميزاً وموقفها قوياً تجاه الاحتلال الأجنبي. فبعد أسبوع على احتلال بغداد، في 18 نيسان 2003 ، أعلن السيد السيستاني عن (رفضه أي سلطة أجنبية بعد الحرب التي تعرضت لها البلاد، وتمسكه بوحدة المقيمين في العراق ووحدة الأراضي العراقية). كما أكد رفضه أي نوع من أنواع الحكم الذي يكون مفروضاً من أي قوة أجنبية... وأن العراقيين هم الذين يديرون العراق وليس لهم أن يفعلوا ذلك تحت أي سلطة أجنبية). (١)
وهذا التأكيد يعبر عن نظرة ثاقبة وحكمة سياسية في تقييم الأوضاع في ذلك الوقت المبكر، حيث كانت الفوضى تعم المدن والشوارع والمؤسسات ، وانهارت الدولة وسقطت الحكومة. وكانت القوات الأمريكية تهيمن على كل المشهد العراقي، سياسياً وعسكرياً وإعلامياً وإدارياً.
في تلك الفوضى العارمة وانتشار مظاهر القتل والنهب والانتقام أصدر السيد السيستاني فتاواه لتضبط الشارع العراقي عما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع الأمنية من تدهور خطير. ففي 27 نيسان 2003 أصدر فتوى تحّرم نهب ممتلكات الدولة والوزارات والدوائر الحكومية، ودعا إلى المحافظة عليها بهدف إعادتها في الوقت المناسب. كما رفض قيام العوائل الفقيرة بالاستيلاء على البنايات الحكومية الفارغة وجعلها مساكن لهم. كما رفض قيام الناس باستخدام الأشياء المسروقة من الدوائر الحكومية كمولدات الكهرباء والسيارات في إطار الخدمة العامة. (٢)
وبهدف منع حالات الانتقام والثار الشعبي والاحتراب الداخلي وسفك الدماء دون مجوز شرعي وإجراءات قضائية، أصدر في 13 أيار 2003 فتوى تمنع قتل أزلام النظام السابق من قبل أولياء المقتول، بل أوجب رفع الأمر إلى المحكمة الشرعية وصدور حكم القاضي الشرعي. كما رفض اتخاذ أي إجراء عقابي ضد عناصر الأمن والبعثيين ، وأرجأ الأمر إلى حين تشكيل محكمة شرعية للنظر في تلك القضايا. كما منع سماحته فضح أسماء عملاء النظام البائد بعد وقوع ملفات الأجهزة الأمنية في أيدي الناس، ورفض التشهير بهم.(٣)
بعد سقوط النظام وانهيار الدولة وسلطة الحكومة، أخذ بعض طلاب الحوزة من بعض التيارات الإسلامية يتخذون منهج الإجبار والإكراه في تطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مثل إحراق دور السينما ومحلات الفيديو وغيرها. وأخذوا يجبرون طالبات المدارس والجامعات والموظفات والسيدات العراقيات على ارتداء الحجاب. وتلقت بعض النساء العاملات في منظمات الأمم المتحدة تهديدات بالقتل إذا لم يرتدين الحجاب. وقد أحدثت تلك التصريحات والممارسات استياءاً في الأوساط المثقفة والصحفية والسياسية، حتى ساد الذعر من احتمال إقامة دولة طالبان في العراق، تقمع المرأة وتضطهدها. إزاء ذلك ولتصحيح الصورة، أصدرت المرجعية الدينية بياناً صحفياً ترفض فيه هذه الممارسات.

المرجعية صمام أمان العراق
في ظل التحولات السياسية الكبيرة التي يشهدها العراق، برز دور السيد السيستاني كلاعب حقيقي في ضبط إيقاع الأحداث السياسية الهامة والتي تقع تحت تأثير نفوذه لما يتمتع به من احترام واسع في صفوف الجماهير العراقية، وكذلك الأحزاب والشخصيات السياسية المؤثرة في الساحة العراقية. إذ بقي منزله قبلة للزائرين من مختلف الطوائف والمذاهب والقوميات العراقية. إذ كان يستقبل مسؤولين من رؤساء جمهورية ورؤساء وزارات ووزراء ونواب برلمان وشخصيات ذات مناصب عالية في الدولة. كما كان يستقبل السفراء ومبعوثي الأمم المتحدة وأمينها العام أمثال أشرف قاضي والأخضر الإبراهيمي وسيرجيو دي ميللو. وكان يرفض استقبال مبعوثين ينتمون للدول المشاركة في القوات متعددة الجنسية.

إنهاء النزاع في كربلاء 2003
لقد ساهم السيد السيستاني في نزع فتيل أول صراع مسلح داخل الصف الشيعي. ففي منتصف تشرين الأول 2003 حدث نزاع مسلح بين أطراف شيعية في كربلاء المقدسة تنافست حول السيطرة على المراقد المقدسة هناك. وبعد حدوث اشتباكات تدخلت بعض القوى الإسلامية والحكومية للوساطة. وشارك مكتب السيد السيستاني في إيجاد صيغة لإخراج المسلحين من العتبات المقدسة، ثم أصدر مكتبه البيان التالي:(٤)                                      
       بسمه تعالى
1-النزاع المسلح الذي وقع في كربلاء المقدسة نجم عن غياب السلطة الوطنية العراقية عن الساحة بصورة فاعلة، ووجود أعداد كبيرة من الأسلحة غير المرخصة بأيدي الجماعات غير المنضبطة. وقد تم التوصل إلى حل النزاع بمساعي ممثل مكتب سماحة السيد دام ظله، والمحاكم العراقية الصالحة هي وحدها التي يحق لها محاسبة المقصرين أياً كانوا.
2-يلزم تعزيز القوات الوطنية العراقية المكلفة بتوفير الأمن والاستقرار ودعمها بالعناصر الكفوءة والمعدات الضرورية، ولسنا مع تشكيل أية ميليشيات.
3-يتحدد ذلك كله من قبل أعضاء المؤتمر الدستوري المنتخبين من قبل الشعب العراقي.
   مكتب السيد السيستاني في النجف الأشرف
    27 شعبان 1424 هـ (24 تشرين الأول 2003)

معركة النجف 2004
لعل واحداً من إنجازات السيستاني البارزة هو إطفاء الفتنة التي كادت تعصف بالعراق في آب 2004 . إذ كانت عناصر جيش المهدي (ع) قد دخلت الحرم العلوي في النجف الأشرف في بداية نيسان 2004، عندما استولت على مفاتيح المرقد، وطردت الحراس الموجودين. واتخذ السيد مقتدى الصدر من إحدى قاعات المرقد مكتباً له، يستقبل فيه أتباعه والزوار والمبعوثين والمراسلين والصحفيين. وعندما أرادت الحكومة العراقية برئاسة أياد علاوي اقتحام المرقد، تساندها قوات أمريكية وعراقية، اتضح أن دخول القوات العسكرية المرقد يعني حدوث مذبحة كبيرة، يذهب ضحيتها الآلاف من الطرفين، إضافة إلى تدنيس المرقد الطاهر، وانتهاك حرمة العتبة المقدسة. وكان السيد السيستاني قد سافر إلى لندن للعلاج قبل نشوب الأزمة وتوتر الأوضاع. وفي اليوم التالي لعودته اتصل بالطرفين (الحكومة العراقية والسيد مقتدى الصدر)، وأجرى مفاوضات مكثفة حتى تمكن بحكمته وسعة صدره من نزع فتيل الحرب،  وإقناع الطرفين من الانسحاب من المدينة ومن الحرم العلوي المطهر. وتكللت المحادثات بتوقيع اتفاق بينه وبين السيد مقتدى الصدر هذا نصه:
 ( بسمه تعالى
إن سماحة السيد السيستاني دام ظله يدعو إلى ما يلي:
أولاً: إعلان مدينتي النجف الأشرف والكوفة خاليتين من السلاح، وخروج جميع العناصر المسلحة منهما، وعدم عودتهم إليها.
ثانياً: تولي الشرطة مسؤولية حفظ الأمن والنظام في أرجاء المدينتين.
ثالثاً: خروج القوات الأجنبية منهما.
رابعاً: تعويض الحكومة العراقية جميع المتضررين في الاشتباكات الأخيرة.
خامساً: مساهمة جميع القوى والتيارات الفكرية والاجتماعية والسياسية في خلق الأجواء المناسبة لإجراء التعداد السكاني، ومن ثم الانتخابات التي من خلالها يمكن استعادة السيادة الكاملة).

هذا وبادر السيد مقتدى الصدر بالتوقيع على الاتفاق مع كلمة دونها سماحته كما يلي:
 ( بسمه تعالى
هذه طلبات بل أوامر المرجعية ، وأنا مستعد لتنفيذ كل أوامرها الكريمة مع فائق الشكر.
 مقتدى الصدر)  9 رجب 1425 (26 آب 2004) (٥)
وفي نفس اليوم ، وباقتراح من السيد محمد رضا السيستاني، أصدر السيد مقتدى الصدر بياناً يدعو فيه جيش المهدي للانسحاب من الحرم العلوي متسترين بالزوار وبدون حمل السلاح لتفادي اعتقالهم من قبل القوات الأمريكية والعراقية. جاء في البيان:
 ((   بسمه تعالى
إلى إخوتي في جيش الامام المهدي (عج)
أرجو منكم رجاءاً أكيداً بل لزام عليكم، إذا جاءت الحشود المسالمة بل المناصرة لأمير المؤمنين (ع) فاخرجوا معهم من دون سلاح من مدينتي الكوفة والنجف في مدة أقصاها العاشرة صباحاً من يوم غد الجمعة. ولا تعصوا الأوامر وإلاّ كان فيه الضرر الكبير عليّ وعليكم . وإنها لأوامر المرجعية والحوزة العلمية ، فأطيعوا واسمعوا ولا تكونوا ممن عصى فتهلكوا . وأنتم يا إخوتي دافعتم ولم تقصّروا طرفة عين ، ودافعتم عن إمامكم خير دفاع ، فجزاكم الله خير جزاء المحسنين.
 مقتدى الصدر )  ( 9 رجب 1425 / الموافق 26 آب 2004 )) (٦)

استلام الوقف الشيعي للعتبة العلوية
وكان وفد ديوان الوقف الشيعي من أوائل الوفود الرسمية التي زارت السيد السيستاني بعد عودته من لندن، حيث كان يقيم في منزل الشيخ محمد حسن الأنصاري خارج المدينة القديمة. ففي مساء يوم الجمعة 27 آب 2004 وصل الوفد برئاسة رئيس الديوان مع وفد هندسي وإداري وإعلامي. وكنت أحد أعضاء الوفد حيث سلمنا على سماحته وتهنئته بسلامة العودة من الرحلة العلاجية. وتحدث رئيس الديوان حيث قال إن العتبة العلوية تتبع قانوناً لديوان الوقف الشيعي ، وأن الوفد جاء لاستلام العتبة بعد خروج جيش المهدي منها صباح اليوم. أوعز السيد السيستاني للمشرف المؤقت السيد الغريفي بإجراء مراسم التسليم والاستلام في اليوم التالي.
 في يوم السبت 28 آب 2004 توجه وفد ديوان الوقف الشيعي إلى الحرم العلوي. وكانت المدينة القديمة قد بدت عليها آثار المعركة والحواجز والأسلاك الشائكة. كان الحرم العلوي خالياً ومغلقاً، ثم تم فتح باب واحد لدخول الوفد الذي كان السيد الغريفي باستقباله، وسلمه المفاتيح.  

الموقف من الفتنة الطائفية
في ظل تصاعد الأعمال الإرهابية التي ترتكبها الجماعات التكفيرية والبعثية، حيث أخذت طابعاً طائفياً حين يجري القتل على الهوية، تعرّض الشيعة إلى مجازر وحشية. وأصبح طريق اللطيفية بؤرة للإرهابيين والقتلة الذين ينفذون جرائمهم ضد المواطنين المسافرين بين بغداد والحلة أو النجف أو الجنوب العراقي. الأمر الذي أخذ ينذر بحدوث فتنة طائفية في حالة قيام الشيعة بالرد بالمثل، مما يجر العراق إلى حرب طائفية شرسة لا تبقي ولا تذر. وازدادت العمليات سعة وحدة بعد تصريحات أبو مصعب الزرقاوي الذي دعا إلى الحرب على الشيعة في أيلول 2005 ، قامت مجموعة من العراقيين من أهالي الكوفة بتوجيه استفتاء إلى السيد السيستاني تطلب رأيه في كيفية الرد على الزرقاوي وأتباعه، بعد أن أصبحت حرباً مكشوفة، وعن الموقف الشرعي، فأجابهم بضرورة ضبط النفس وعدم الرد ، محذراً من الفتنة ، كما أوصاهم بالتعاون مع الأجهزة الأمنية في مكافحة الزمر الإرهابية، جاء فيه:
( سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني (دام ظله)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا يخفى على سماحتكم التهديدات التي أطلقها عملاء الثالوث المشؤوم ضد أتباع أهل البيت سلام الله عليهم، حيث أعلنها من يسمى بالزرقاوي حرباً على الشيعة في العراق.
فما هو رأيكم حول هذه المسألة الخطيرة، وما هي السبل لدفع الضرر عن أتباع أهل البيت عليهم السلام؟ وما هي توصياتكم للشيعة خصوصاً وللعراقيين عموماً؟ جزاكم الله خير جزاء المحسنين.
أبناء الشهيد الصدر الثاني (قدس سره)
الكوفة العلوية المقدسة

أجاب مكتب السيد السيستاني كما يأتي:                                  
  بسم الله الرحمن الرحيم
إن الهدف الأساس من إطلاق هذه التهديدات ومما سبقها وأعقبها من أعمال إجرامية استهدفت عشرات الآلاف من الأبرياء في مختلف أنحاء العراق هو إيقاع الفتنة بين أبناء هذا الشعب الكريم ، وإيقاد نار الحرب الأهلية في هذا البلد العزيز للحيلولة دون استعادته لسيادته وأمنه، ومنع شعبه المثخن بجراح الاحتلال وما سبقه من القهر والاستبداد من العمل على استرداد عافيته والسير في مدارج الرقي والتقدم.
ولكن معظم العراقيين – ولله الحمد- على وعي تام بهذه الأهداف الخبيثة، وسوف لن يسمحوا للعدو الطامع بتحقيق مخططاته الإجرامية، مما نالهم من ظلم وأذى وأريق على ثرى بلدهم الطاهر من دماء زكية لأهليهم وأحبتهم.
وإننا في الوقت الذي نعبّر فيه عن بالغ الأسى لكل قطرة دم عراقية تسفك ظلماً وعدواناً ، ونتألم لآهات الثكالى وبكاء الأيتام وأنين الجرحى، ندعو المؤمنين من أتباع أئمة أهل البيت عليهم السلام إلى الاستمرار في ضبط النفس مع مزيد من الحيطة والحذر ، ونحثّهم على التعاون مع الأجهزة العراقية المختصة لاتخاذ ما يلزم من إجراءات الحماية والمراقبة منعاً لتسلل المجرمين وأعوانهم إلى مدنهم ومناطق سكناهم، كما ندعو سائر العراقيين إلى العمل على ما يعزّز وحدة هذا الشعب ويشدّ من أواصر الألفة والمحبة بين أبنائه. ويكون ذلك بالمنع –قولاً وعملاً- من الانتماء إلى هذه الفئة المنحرفة ومن تقديم العون لها بأيّ ذريعة كانت، وتحت أيّ عنوان كان. كما يلزم توعية المغفّلين الذين يظنون بهؤلاء خيراً، وتنبيههم على انحراف أفكارهم وسوء أهدافهم وتبعات أفعالهم ومخاطرها.
وندعو الحكومة العراقية إلى العمل الجادّ والدؤوب لتوفير الأمن والاستقرار لجميع العراقيين ورعاية كامل حقوقهم ومنع الأذى عنهم بغضّ النظر عن انتماءاتهم العرقية والمذهبية والفكرية.
كما ندعو القضاء العراقي إلى أن يمارس دوره بالإسراع في محاكمة المتهمين في قضايا القتل والإجرام وإقرار العقوبات المناسبة في حق من تثبت إدانتهم، ولا تأخذه في ذلك لومة لائم.
نسأل الله العلي القدير أن يأخذ بأيدي الجميع إلى ما فيه خير العراق وعزّته واستقراره واستقلاله، ويجنّب العراقيين جميعاً كل سوء ومكروه، إنه سميع مجيب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مكتب السيد السيستاني في النجف الأشرف (ختم)
21 شعبان 1426 هـ (27 أيلول 2005) (٧)

مجلس الحكم الانتقالي
بعد سقوط الدولة وانهيار الحكومة، حدث فراغ سياسي وإداري عدا قوات الاحتلال التي أخذت تفكر بتأسيس إدارة جديدة ، بدأت بمجيء الجنرال جي غارنر مع مساعديه، في إطار (مكتب إعادة الإعمار والمساعدة الإنسانية) للفترة من 9 نيسان 2003 ولغاية 16 أيار 2003. فشلت جهود هذا الفريق في تشكيل حكومة عراقية مقبولة من الشعب العراقي، فسادت حالة الفوضى وفقدان الأمن والقانون.  الأمر الذي حدا بواشنطن إلى إرسال السفير بول بريمر الحاكم المدني الذي ترأس سلطة التحالف المؤقتة، التي تأسست بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1483 الصادر في 22 أيار 2003.
وحددت المادة الثامنة- الفقرة ج - من القرار اعتبار ممثل الأمين العام للأمم المتحدة السيد سيرجيو ديميللو (قتل فيما بعد في حادث إرهابي على مكتب الأمم المتحدة في بغداد) مسؤولاً عن (العمل بصورة مكثفة مع السلطة ومع شعب العراق، والجهات المعنية الأخرى لتعزيز الجهود المبذولة لاستعادة وإنشاء المؤسسات الوطنية والمحلية اللازمة للحكم التمثيلي، بما في ذلك العمل الجماعي من أجل تيسير العملية التي تقضي بقيام حكومة تمثيلية معترف بها دولياً في العراق).
في 13 تموز 2003 أعلن عن تأسيس مجلس الحكم الانتقالي الذي ولد في ظروف غير طبيعية سياسياً وأمنياً واقتصادياً وعسكرياً. إذ تشكل من قبل الأحزاب السياسية الستة التي كانت تعارض نظام صدام (المؤتمر الوطني العراقي وحركة الوفاق الوطني والحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وحزب الدعوة الإسلامية والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية). وانضمت إليه أربعة أحزاب سياسية أخرى هي تجمع الديمقراطيين المستقلين والحزب الوطني الديمقراطي والحزب الإسلامي العراقي والاتحاد الإسلامي الكردستاني، إضافة إلى شخصيات مستقلة.
عكس مجلس الحكم الانتقالي مكونات الشعب العراقي، حيث ضم 25 عضواً من الشيعة والسنة والعرب والكرد والتركمان والكلدوآشوريين. وتوزعت نسب التمثيل كالتالي: الشيعة 13 عضواً (52%) والسنة 11 أعضاء (44%) إذا ما أدخلنا الكرد ضمن السنة. أما من الناحية القومية فقد مثل العرب 17 عضواً (68%) والكرد 5 أعضاء (20%) ولكل من التركمان والكلدوآشوريين عضو واحد (4%). كما ضم ثلاث نساء شكلن 12% من أعضاء المجلس.
استمد مجلس الحكم الانتقالي شرعيته من الفقرة التاسعة من القرار 1483 التي تنص على (قيام شعب العراق، بمساعدة السلطة (سلطة الاحتلال) وبالعمل مع الممثل الخاص، بتكوين إدارة عراقية مؤقتة بوصفها إدارة انتقالية يسيرها العراقيون، إلى أن ينشئ شعب العراق حكومة تمثيلية معترف بها دولياً وتتولى مسؤوليات السلطة). وألزم القرار أعضاء مجلس الأمن الدائميين بتنفيذ هذا القرار وهذه الفقرة.
منح القرار 1483 صلاحيات واسعة لمجلس الحكم تتمثل في تمثيل المصالح العراقية، وتعيين أعضاء الحكومة الانتقالية، وإدارة التمثيل الدبلوماسي العراقي في الخارج، وإدارة السياسة الخارجية، والإشراف على المالية والأمن والشرطة والقضاء، وسن تشريعات جديدة. ولعل أهم صلاحية كانت له هي حق تعيين مجلس تأسيسي يشرف على عملية إعداد دستور دائم للبلاد، يطرح على الاستفتاء العام، ثم تجرى انتخابات عامة لتشكيل مجلس وطني ثم قيام حكومة عراقية منتخبة، تتمتع بكامل السيادة، وتؤول إليها جميع سلطات ومسؤوليات سلطة التحالف.
في 14 آب 2003 أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1500 الذي وافق فيه على قيام مجلس الحكم الانتقالي. وقام مجلس الحكم بتشكيل أول حكومة عراقية تعقب سقوط النظام.
لم ينج مجلس الحكم من مؤيدين ومعارضين داخلياً وخارجياً، إقليمياً ودولياً. ففي العراق عارضت (هيئة علماء العراق) السنية تأسيس مجلس الحكم الانتقالي على اعتبار انه (قسّم العراق تقسيماً طائفياً، وأنه أعطى لطائفة معينة صفة الأغلبية على فئات الشعب العراقي، وذلك دون استفتاء دقيق). وادعت في بيان لها أن (الفئة التي أعطيت الأغلبية لا تمثل في الواقع غالبية مكونات الشعب العراقي، بل لا تمثل الغالبية في الوسط الإسلامي). ومن الأطراف الشيعية التي عارضت تأسيس مجلس الحكم السيد مقتدى الصدر الذي اعتبر (المجلس غير شرعي لأن الأمريكان وأعوانهم قد أوجدوه) ، وطالب بتشكيل مجلس حكم جديد تتزعمه الحوزة العلمية.
اعتبر السيد السيستاني تأسيس المجلس أمراً واقعاً يتحمل مسؤولية إدارة البلاد بدلاً من الحكم الأمريكي المباشر. وكان سماحته يستقبل أعضاء مجلس الحكم ويناقش معهم كثيراً من القضايا والشؤون السياسية والقانونية، الداخلية والدولية. وكان يسدي بنصائحه لهم، ويعلق أحياناً على بعض الأمور والأحداث. وكانوا يستشيرون سماحته في أغلب مشاريع المجلس أو خططه ومقترحاته، حيث يجدون بابه دائماً مفتوحاً لهم، وصدره رحباً لجميع مشاكلهم وهمومهم.
الهوامش
١- محمد الغروي / المرجعية ومواقفها السياسية/ ص69
٢- محمد الغروي / المرجعية ومواقفها السياسية / ص71-72
٣- المصدر السابق / ص73-75
٤- محمد الغروي / المرجعية ومواقفها السياسية / ص 111
٥- توجد نسخة مصورة من الاتفاق
٦- حامد الخفاف (الرحلة العلاجية لسماحة السيد السيستاني وأزمة النجف) / ص 154 . وذكر الكاتب أن السيد محمد رضا السيستاني قدم تعهداً مكتوباً على لسان السيد مقتدى الصدر ، فاطلع عليه السيد مقتدى وقال للسيد محمد رضا: سيدنا هذا أنت كاتبه، خليني أكتب على طريقتي. هذولة جماعتي يفهمون كلامي، فأعطي ورقة كتب عليها البيان أعلاه.
٧- توجد نسخة مصورة من الاستفتاء، وبختم مكتب السيد السيستاني
15-08-2024, 20:20
عودة