الرئيسية / العراق والإسلام السياسي (٢٨) .. الانتفاضة السنية في الغربية عام 2012

العراق والإسلام السياسي (٢٨) .. الانتفاضة السنية في الغربية عام 2012

"Today News": بغداد 


منصات الاعتصام

منذ عام 2003 باتت المحافظات السنية تدار من قبل أبنائها حيث أن مجلس المحافظة والمحافظ وقائد الشرطة ومدراء الدوائر التنفيذية كلهم من سكنة تلك المحافظات. كما أن المحافظات تستلم ميزانية تنفقها في إقامة المشاريع وتقديم الخدمات للمواطنين. كما أنها تنتخب نوابها الذين يمثلونها في مجلس النواب العراقي، ويحصل السنة على مناصب سيادية ووزراء ورؤساء هيئات وسفراء وقضاة ورؤساء جامعات ومدراء عامين وقادة فرق عسكرية وشرطة. كل ذلك لم يجعل السياسيين السنة يندمجون في النظام السياسي الديمقراطي ، وصاروا يلعبون دور السلطة والمعارضة في مجلس النواب وفي وسائل الإعلام والمساجد وخطب الجمعة ووسائل الاعلام . كانوا لا يتوانون في الدعم السياسي للقاعدة ومن ثم داعش.    
لم يكن السنة راضين عن استمرار الشيعة في الهيمنة على الحكم في بغداد. كما أن القوات الأمنية زادت في مواجهتها للجماعات السنية المتطرفة والمتغلغلة بين العشائر السنية ، وتجد لها حواضن في مناطقها. وارتفع عدد المعتقلين المتهمين بالإرهاب. بدأ تململ بعض السياسيين لتسلق مطالب الجمهور السني في رفض قانون مكافحة الإرهاب وقانون المساءلة والعدالة التي يشعرون بأنها تم تشريعها ضدهم لأن الإرهابيين المتورطين هم من السنة ، كما أن البعثيين السنة ما زالوا يجدون القانون عائقاً أمام استلام مناصب ووظائف رغم أن هيئة المسائلة والعدالة قد استثنت الآلاف منهم ، وآلاف آخرون يعملون في وظائفهم الحكومية.
كل ذلك زاد من تصاعد التوتر مع القوات الأمنية والحكومية ، ثم اتجهت النية لإسقاط النظام السياسي تحت مبررات عديدة. فتم الإعداد لحركة شعبية قادرة على جذب الجمهور السني من خلال مجموعة شعارات ونشاطات تشمل المدن السنية كالرمادي والموصل والفلوجة والحويجة، وإلى حد ما في ديالى وبغداد (الأعظمية والدورة والغزالية والعامرية) .

في 21 كانون الأول 2012 لغاية أيلول 2013 بدأت حركة الاحتجاحات التي سميت (ساحات الاعتصام) بعد اعتقال أفراد حماية وزير المالية السابق رافع العيساوي. كان من الواضح أن الموضوع مخطط له جيداً وكانت ينتظر أي حدث يمكن استغلاله لتعبئة الشارع السني. إذ سبق قبل عام أن تم اعتقال حماية نائب رئيس الجمهورية السابق طارق الهاشمي ولم تخرج مظاهرات مثل ما حدث مع اعتقال حماية العيساوي.  
سارع المتظاهرون إلى الشوارع في الرمادي والفلوجة بعد صلاة الجمعة. وفي 26 كانون الأول 2012 جرى غلق الطريق الحيوي الواصل بين العراق وكل من سوريا والأردن. وتعطلت حركة البضائع والتجارة والمسافرين .
ومنذ تلك الجمعة تسارعت الأحداث وتوالت البيانات والخطب والهتافات ، ورفع العلم العراقي السابق في عهد صدام، إضافة صور صدام . وتم رفع شعار (قادمون يا بغداد) في إشارة واضحة إلى الزحف نحو العاصمة وإسقاط نظام الحكم والاستيلاء عليه.
  تم نصب مخيمات ومنصات خطابة وإعداد ساحات للتجمع وإقامة صلاة الجمعة فيها. ترافقت معها إضرابات عن العمل وتعطيل الأسواق والدوائر الحكومية ، ومظاهرات ترفع لافتات وهتافات مناوئة للحكومة وللقوات الأمنية مطالبة إياها بالخروج من المحافظات السنية. وكانت بيانات وخطب الخطباء تزداد سعاراً يوماً بعد آخر. وشارك في المنصات وزراء ونواب ومسؤولون وسياسيون سنة وهم يثيرون من حماس الجمهور وتعبئته أكثر فأكثر ضد الحكومة الاتحادية. كما صار سب وشتم الشيعة جزءً هاماً في الخطب والكلمات، حتى وُصفوا بالخنازير والحية الرقطاء وأتباع النظام الايراني الصفوي.
تضمنت مطالب المنصات: إيقاف النهج الطائفي للحكومة، إلغاء قانون مكافحة الإرهاب، إلغاء قانون المساءلة والعدالة، إيقاف التدخل الإيراني، إطلاق سراح المعتقلين، ثم وصلت إلى إلغاء الدستور. وقد حدثت مواجهات بين المتظاهرين والقوات الحكومية. إذ تم قتل أربعة مسعفين من الفرقة الذهبية بعد استدراجهم في مضيف أحد شيوخ العشائر. كما تم قتل منتسبي شرطة وحرق جثثهم على الشارع العام.

مطالب المتظاهرين
نشر المعتصمون بياناً يتضمن مطالبهم رما يريدونه من الحكومة جاء فيه:
(( بسم الله الرحمن الرحيم
نرفع إليكم مطالب الشعب العراقي اجمع بعد اطلاع جميع المحافظات عليها وبمباركة سماحة العلامة المرجع الكبير الدكتور عبد الملك السعدي لمتابعتها والوقوف على الحلول معكم أو اللجنة المخولة من قبلكم للعبور بهذا البلد من جميع المآسي التي يعيشها ، فضلاً عن ذلك سلامة التعايش للحفاظ على اللحمة الوطنية والتي تضمن للجميع حقوقهم وكوننا سنة عرب وكرد وتركمان ، لا نتخلى عن عقيدتنا أو عن عراقنا ، لا تثنينا عن المطالبة بحقوق العراقيين أجمع. فكما إننا نحب الخير لأهلنا وأبناء محافظاتنا نتمناه لكل أبناء شعبنا الطيب بكل أطيافه علماً أن التظاهر السياسي حق مشروع كفله الدستور .
من أجل ذلك تضع أمامكم هذه المطالب :
1-إطلاق سراح جميع المعتقلات المتهمات وفقا لقانون الإرهاب سيء الصيت بكل فقراته وإحالة المتهمات بقضايا جنائية إلى محافظتهن ونساء بغداد إلى الأنبار حصراً، ونقل قضية الدكتور رافع العيساوي وحمايته إلى المؤسسات القضائية في محافظة الأنبار ومحاسبة المقصرين والمغتصبين في الانتهاكات أعلاه علناً.
2- إيقاف تنفيذ أحكام الإعدام استجابة للدعوات الدولية بوقف تنفيذ هذه الأحكام.
٣-تعليق العمل بالمادة (4) إرهاب بجميع مواده وإيقاف جميع القضايا المتعلقة بهذا القانون لحين إلغائه من قبل مجلس النواب.
4- على مجلس النواب الإسراع بتشريع أو إقرار قانون العفو العام مع حذف الاستثناءات، وإطلاق سراح جميع المعتقلين.
5- إيقاف العمل بقانون المسائلة والعدالة سيء الصيت لحين إلغائه من قبل مجلس النواب.
6- تحقيق التوازن في جميع مؤسسات الدولة وبخاصة العسكرية والأمنية والقضاء والمباشرة بالإجراءات التنفيذية اللازمة وضمان العيش الكريم لكل العراقيين.
7- إلغاء قيادات العمليات في جميع محافظات العراق والأجهزة الأمنية غير الدستورية ، وسحب الجيش من المدن والأحياء السكنية في بغداد والمحافظات ورفع الحواجز الكونكريتية لكونها تمثل تمييزاً عنصرياً ، والعمل الجاد لضمان امن المواطنين في العراق الجديد وإناطة حفظ الأمن للشرطة المحلية من أهل البلد.
8- إعادة التحقيق في القضايا التي تخص الرموز الدينية والوطنية في داخل وخارج العراق أمام جهات قضائية محايدة بعيدة عن التأثير السياسي.
9- تحريم استخدام العبارات والشعارات الطائفية في مؤسسات الدولة - وبخاصة الأمنية - وكذلك جهات قضائية محايدة بعيدة عن التأثير السياسي.
10- إجراء تعداد سكان شامل قبل إجراء الانتخابات العامة مع ذكر تفاصيل الانتماء لجميع العراقيين من مذهب وقومية ودينية.
11- تجنب المداهمات الليلية العشوائية والمتهم يتم القبض عليه نهاراً وبالأساليب القانونية وإلغاء قانون المخبر السري وعدم السماع له لأن معظمهم يكيدون العداوة الشخصية أو الطائفية.
12- الإسراع في تشكيل المحكمة الاتحادية العليا من القضاة النزهاء المهنيين الذين لا ينتمون إلى كتلة سياسية أو حزب مشارك في الحكم ليكون للقضاء استقلاليته وعدم تسييسه.
13- إعادة جميع المساجد ودور العبادة وأملاك الوقف وأملاك المواطنين الخاصة المغتصبة تحت مفهوم المصادرة وإلغاء قانون (19) لعام 2005 (المقصود العتبة العسكرية).
ملاحظة: يقرر المعتصمون عدم إنهاء الاعتصام إلا بعد تنفيذ جميع المطالب.))


اتضح أن تنظيم القاعدة كان بين المعتصمين حتى أن أحد عناصر القاعدة (١) اعتلى منصة الاعتصام في الرمادي في 15 شباط 2013 منشداً نشيد القاعدة الذي مطلعه:
إحنا تنظيم اسمنا القاعدة              نقطع الرأس ونقيم الحدود
والميليشيات ودباباتها                  فجروها بطيارات أسود
نسأل الله يفك أسرنا                   نسأل الله إنما نعود
كان أهم الشخصيات المحركة لمنصات الاعتصام هي الدكتور رافع العيساوي، أحمد أبو ريشة، أسامة النجيفي، علي حاتم السليمان، أحمد العلواني، ظافر العاني، أحمد المساري، سلمان الجميلي، أثيل النجيفي وعبد الملك السعدي. كما وردت مساعدات مالية من بعض الدول الخليجية أنفقت للطعام والخيام وهدايا مالية للمتظاهرين.
في 26 كانون الأول 2012 أعرب بعض الزعماء الشيعة دعمهم للتظاهرات في الأنبار. إذ أعلن السيد مقتدى الصدر في بيان له عن تأييده للاحتجاجات ورفضه لسياسات رئيس الوزراء نوري المالكي. وصرح في جملة شهيرة (صوت السنة سيعلو). من جانب آخر أبدى السيد عمار الحكيم تفهمه لمطالب المتظاهرين ، ودعا إلى تخصيص أربعة مليارات دولار تنفق في الأنبار.

وقائع الاحتجاجات
في 28 كانون الأول 2012 قام المتظاهرون بإحراق العلم الإيراني متهمين حكومة المالكي بالولاء لإيران وتهميش السنة ((بعد أن كان السنة هم المسيطرون في العراق خلال حكم الرئيس صدام حسين ، مما يجعل الشراكة مع الطوائف الأخرى وكأنها تهميش لهم ولعلمائهم)). (٢)
وفي سامراء خرجت تظاهرات مؤيدة لتظاهرات الأنبار ردد فيها المعتصمون هتافات تطالب بإسقاط النظام . يأتي ذلك في نفس اليوم ظهر رئيس الوزراء نوري المالكي في مؤتمر بعنوان (مؤتمر المصالحة والسيادة الوطنية) وهو يدعو للحوار وليس من المقبول أن نعبر عن الآراء بقطع الطرق وإثارة الفتن والطائفية والاقتتال والجعجعة بالحرب والتلويح بتقسيم العراق.

30 كانون الأول 2012
قام نائب رئيس الوزراء صالح المطلك بزيارة إلى المعتصمين لكنه لم يلق ترحيباً حيث قام المتظاهرون برشقه بالحجارة والهتاف ضده بعد أن حاول أن يلقي كلمة أمامهم،  مما جعل أفراد حمايته يفتحون النار على المتظاهرين في محاولة لتفريقهم مما أدى إلى إصابة اثنين من المتظاهرين . وفي مساء نفس اليوم ظهر المالكي في لقاء تلفزيوني عبر قناة الجزيرة وقال إن أجندات أجنبية تقف خلف التظاهرات ،  ودعا المتظاهرين بالعودة إلى منازلهم قائلاً : إن الرسالة التي كانوا يريدون نقلها وصلت و أن هذا يكفي حتى لا تتعقد الأمور.

31 كانون الأول 2012
خرجت تظاهرات في سامراء والرمادي والموصل مطالبين بإسقاط النظام وإقامة إقليم سني. وفي جنوب ووسط العراق حدثت أعمال عنف وتفجيرات عديدة في المناطق ذات الأغلبية الشيعية حيث قتل أكثر من 255 شخصا ًوأصيب 877 آخرين بجروح.  واستهدفت الانفجارات بشكل خاص الزائرين المتوجهين سيراً على الأقدام إلى كربلاء في ذكرى الأربعين. وقد اعتبرت تنظيمات مسلحة أن هذه الانفجارات تأتي رداً على عدم تنفيذ مطالب المتظاهرين السنة . وقام مسلحون مجهولون بإطلاق النار على نقطة تابعة للجيش العراقي في الفلوجة وقتل من فيها.
 وفي مساء نفس اليوم حذر رئيس الوزراء نوري المالكي المتظاهرين من وجود أجندات أجنبية وراء احتجاجاتهم التي وصفها بأنها غير دستورية وقال المالكي: لقد صبرنا عليكم كثيرا ولا تتوقعوا أن المسألة مفتوحة. كما أوضح موافقته على الإفراج عن السيدات المعتقلات بتهم إرهابية.
في ذروة التصعيد ضد الحكومة دخل حزب البعث على الخط . ففي 5 كانوا الثاني 2013 ظهر عزة الدوري في كلمة مصورة بثتها قناة (العربية) السعودية يعلن فيها تأييده (للانتفاضة السنية في الأنبار) . لقد زاد هذا التصريح من مخاوف الشارع العراقي من أن حزب البعث المحظور في العراق هو المحرك الرئيسي للاحتجاجات.

7 كانون الثاني 2013
خرج آلاف المحتجين في شوارع مدينة الموصل شمال غرب العراق وقامت قوات الأمن العراقي  بإطلاق أعيرة نارية في الهواء أثناء محاولة مئات المحتجين التجمع في ساحة الأحرار بالموصل . وأكد مسؤولون أن عجلات قوات الأمن قامت بدهس أحد المتظاهرين ، واستخدمت الهراوات لتفريقهم فيما استمرت التظاهرات في الأنبار حيث خرج خمس آلاف شخص إلى الشوارع في احتجاجات منددة بالحكومة.

8 كانون الثاني 2013
خرج سبعة آلاف متظاهر في مدن العراق الجنوبية وهي كربلاء و بابل في مظاهرات مؤيدة لحكومة المالكي وهم يلوحون بصوره مع لافتات تؤيد الأحزاب الشيعية في الحكومة،  فيما قاطع وزراء القائمة العراقية بزعامة اياد علاوي والأكراد جلسة مجلس الوزراء لإبداء تأييدهم للاحتجاجات التي تندد بالحكومة.

9 كانون الثاني 2013
أعلنت الحكومة العراقية إغلاقها لمعبر طريبيل على الحدود العراقية مع الأردن الواقع في محافظة الأنبار. وبررت ذلك بأن العمل توقف تماماً ولا تمر من المعبر أية شاحنات أو سيارات ركاب. وأن المسؤولين عند البوابة لا يعملون وذلك بسبب إغلاق المحتجين السنة الطريق الرئيسي الواصل إلى المعبر.

الجمعة 15 شباط 2013
بعد أن دعا بعض زعماء الاعتصامات في الأنبار والموصل وسامراء المتظاهرين بالتوجه إلى بغداد للتظاهر فيها يوم الجمعة التي سميت تحت عنوان (جمعة بغداد صبراً ) إلا أنهم أعلنوا لاحقاً عدولهم عن الذهاب إلى بغداد درءاً للفتنة كما وصفوه. فيما واصل المحتجون تظاهراتهم التي مضى عليها 50 يوماً في ساحات الأنبار والموصل وسامراء وسط إجراءات أمنية مشددة من قوات الجيش العراقي.

أحداث الحويجة (كركوك)
على خلفية قيام مسلحين مجهولين بإطلاق النار على دورية للجيش بالقرب من ساحة الاعتصام في مدينة الحويجة في كركوك وفرارهم إلى داخل مخيمات المعتصمين قامت القوات الأمنية بفرض حصار وطوق أمني مشدد على ساحة التظاهر ومطالبة العشائر والمتظاهرين بتسليم مهاجمي دورية الجيش. فيما رفض المتظاهرون ذلك قامت قوات الأمن فجر يوم الثلاثاء 23 نيسان 2013 بمهاجمة ساحة التظاهر والاشتباك مع المعتصمين. وأكدت السلطات انه كان بحوزتهم أسلحة . وقد قتل عدد من المتظاهرين وأصيب آخرون بجروح، فيما قتل 6 جنود بنيران المسلحين داخل ساحة الاعتصام. وتم اعتقال ما يقرب 93 شخصاً.
 بعد ساعات قليلة من الهجوم أعلنت وزارة الدفاع عن ضبطها كميات كبيرة من الأسلحة والعتاد كانت مخبأة في خيام المعتصمين ومنها قذائف صاروخية وبنادق وأسلحة ثقيلة وخفيفة أخرى. على خلفية الهجوم قام مسلحون مجهولون بهجمات متفرقة في مختلف المناطق من شمال غربي وغرب العراق على نقاط ودوريات الجيش والشرطة. وقالت وزارة الدفاع العراقية أن مسلحين أطلقوا النار على رتل عسكري للجيش بالقرب من ساحة الاعتصام في الرماي الواقعة على الخط السريع خارج المدينة، وأحرقوا عجلتين من طراز هامفي ، فيما قتل ما لا يقل عن 13 مسلحاً مع أفراد من الجيش أثناء اشتباكات في كركوك . وقتل أربع جنود ومسلحين في هجوم على دورية للجيش في إحدى قرى طوز خورماتو. فيما أكدت القوات الأمنية أن المسلحين يستخدمون المساجد للتحشيد والتعبئة قبل الاشتباك.

 الأربعاء 24 نيسان 2013
على خلفية أحداث الحويجة حدثت اشتباكات عنيفة بين مسلحين من ما تم تسميته بـ (جيش العشائر) الذي شكله المعتصمون السنة وقوات الأمن العراقية أدت إلى مقتل وإصابة ما لا يقل عن 30 شخصاً ، حيث قام المسلحون بالسيطرة على مركز شرطة وقاعدة عسكرية تابعة للجيش في منطقة سليمان بك ، وأحرقوا مسجداً شيعياً قبل أن تقوم القوات الجوية بشن غارة جوية أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 188 مسلحاً وإصابة آخرين. بالرغم من ذلك فقد فرض المسلحون سيطرتهم على المدينة ، فيما قتل 5 جنود خلال الاشتباكات.
أما في تكريت فقد أدى كمين لرتل عسكري للجيش استخدم فيه قنابل حرارية وقذائف صاروخية إلى مقتل ثلاث جنود و4 مسلحين. وقتل 33 جنود آخرون في اشتباك في محافظة ديالى. في وقت لاحق حدثت اشتباكات عنيفة في مدينة الموصل شمال البلاد حينما شن المسلحون هجمات متفرقة على مراكز الشرطة والقواعد العسكرية للجيش ما أدى إلى مقتل 3 من الشرطة وأربعة جنود من الجيش وسيطروا على أجزاء كبيرة من غرب المدينة واستولوا على مركز للشرطة فيها.

الخميس 25 نيسان 2013  
أعلنت القوات العسكرية العراقية عن استعادة سيطرتها على المناطق الغربية من مدينة الموصل التي سيطر عليها المسلحين السنة بعد محاصرة مركز شرطة كان قد سيطر عليه المسلحون واحتجزوا فيه 17 رهينة من قوات الشرطة ولقي 31 مسلحاً حتفهم خلال الاشتباكات في أنحاء المدينة، فيما قتل 15 شرطياً بالاشتباكات . وفي سليمان بك التي سيطر عليها المسلحون فقد حاصرت القوات الأمنية المدينة وطوقتها بالدبابات والعجلات العسكرية ، وأمهلت المسلحين 48 ساعة لتسليم أنفسهم وأسلحتهم وإلا تم الهجوم عليهم . بعد ساعات قليلة من الحصار توصل الطرفان إلى اتفاق يقضي بانسحاب كامل للمسلحين من المدينة ، حيث تمكنت العشائر المتواجدة في المنطقة من عقد اتفاق بين الطرفين للحل السلمي وإخراج كل المسلحين من المنطقة وتسليمها لقوات الجيش والأمن العراقية. وأكدت القوات الأمنية أن هناك منازل وسيارات تم تفخيخها في المدينة من قبل المسلحين .

الجمعة 26 نيسان 2013    
خرجت تظاهرات حاشدة في المناطق السنية تحت عنوان (جمعة حرق المطالب) في إشارة إلى تحول المطالب من السلمية إلى الصراع العسكري ، حيث أعلن خطيب جمعة الرمادي عن تشكيل جيش تحت اسم (جيش العزة والكرامة) موضحاً أن مهمته الدفاع عن (( أهل السنة في العراق. وإن هذا الجيش سيعتمد على العشائر في إعداده وتسليحه)).  فيما خرج خطيب الفلوجة مرتدياً الزي العسكري وهو يطالب المحتجين بـ (الثأر لدماء الحويجة) في إشارة إلى القتال ضد الحكومة العراقية . وتعرضت عدة نقاط ومراكز تفتيش للجيش والشرطة العراقية إلى هجمات مختلفة بعبوات ناسفة أو بقذائف ار بي جي من قبل مسلحي أسموا أنفسهم بجيش العشائر.

الأحد 28 نيسان 2013    
أعلنت الحكومة العراقية صباح يوم الأحد عن إغلاق مكاتب عشر قنوات تلفزيونية في العراق ومنعها من تغطية أي أحداث في البلاد لتحريضها على العنف والطائفية على حد وصفها. وشمل القرار أغلب القنوات التي غطت أحداث الاحتجاجات العراقية منذ اندلاعها في نهاية 2012 ومنها قنوات الشرقية والجزيرة وبغداد والبابلية وصلاح الدين والأنوار2 والتغيير والفلوجة والغربية . وقتل صباح اليوم الأحد خمسة جنود من الجيش العراقي بالقرب من ساحة الاعتصام في الرمادي برصاص مسلحين مما يسمى (جيش العزة والكرامة)، فيما أمهلت القوات الأمنية المعتصمين 48 ساعة لتسليم قتلة الجنود الخمسة وإلا تم الهجوم على الساحة وإخراجهم بالقوة.

الاثنين 29 نيسان 2013    
طرح أسامة النجيفي رئيس البرلمان آنذاك مبادرة لحل الأزمة ومنع دخول البلاد في حرب أهلية ، حيث دعا فيها إلى استقالة الحكومة العراقية التي يرأسها نوري المالكي وحل البرلمان وإجراء  انتخابات برلمانية مبكرة. فيما أصيب ثلاث جنود وقتل اثنين آخرين في اشتباك مع مسلحين في الموصل ، وقتل جندي وأصيب آخر أثناء قيامهما بدوية في منطقة المدائن حينما أصابهم قناص.  فيما تحشدت القوات الأمنية في مدن وأنحاء الأنبار ، وقامت بحملات دهم وتفتيش في مختلف مناطقها بحثاً عن المسلحين. وحدث اشتباك بين العمليات الخاصة (سوات  SWAT) التابعة لوزارة الداخلية ومسلحي عشائر البو علوان بعد مهاجمتهم لمنزل أحد وجهاء القبيلة بحثاً عن مشتبه به يعتقد انه كان ضيفاً لديه .

الثلاثاء 30 نيسان 2013  
صرح مفتي الديار العراقية رافع الرفاعي ((إن الحكومة تريد ايقاظ الفتنة في محافظات العراق ، وإنها تستهدف الرموز لكي تركع الجماهير)).

الإفراج عن معتقلات متهمات
استجابة لمطالب المتظاهرين أعلنت الحكومة العراقية إفراجها عن 12 معتقلة في سجونها و كذلك أصدرت قراراً بأنه يمكن للمعتقلات غير المفرج عنهن قضاء فترة الحكم المتبقية في محافظاتهن الأصلية . وجاء ذلك بعد مطالبات بالإفراج عن المعتقلات في السجون العراقية من قبل المتظاهرين.  فيما أعلنت قيادة شرطة الأنبار في يوم الجمعة 15 شباط 2013 عن إطلاق سبع نساء معتقلات من أهالي المحافظة من سجن الرمادي المركزي وفق أمر قضائي تم تنفيذه وتسليم المفرج عنهن إلى ذويهم.

رفع الخيام وإنهاء الاعتصامات
 كلف رئيس الوزراء نوري المالكي وزير الدفاع وكالة سعدون الدليمي بالتفاوض مع المعتصمين ، وتنفيذ ما يمكن من مطالبهم بما يقع تحت صلاحية الحكومة ، وأن لا تكون مخالفة للدستور والقانون. في 29 كانون الأول  2013 اجتمع الدليمي بالحكومة المحلية واللجان المسؤولة ، فتوصل الطرفان إلى قرار رفع الخيام خلال أسبوع مقابل إطلاق سراح النائب أحمد العلواني الذي تم اعتقاله في منزل شقيقه بعد قيامه بإطلاق النار على القوات الأمنية وقتل اثنين من أفرادها. وكان العلواني أحد المشاركين في منصة الاعتصام في الرمادي، ويلقي خطابات تحريضية ضد الحكومة ويدعو للقتال ضدها، ويرفع شعارات ضد الأغلبية الشيعية. كما تعهد الدليمي بسحب قطعات الجيش المتمركزة حول محيط الرمادي . وكانت القوات العسكرية العراقية قد بدأت عملية عسكرية واسعة النطاق في صحراء الأنبار شاركت فيها قطعات قتالية تابعة للفرقتين الأولى والسابعة من الجيش العراقي على خلفية مقتل الفرقة السابعة اللواء الركن محمد الكروي (سني) وعدد من الضباط والجنود أثناء مداهمتهم وكراً تابعاً لتنظيم القاعدة في وادي حوران غربي محافظة الأنبار.

ما كشفته خيام الاعتصام
في 31 كانون الأول 2013  قامت الشرطة المحلية للمحافظة بمساندة عشائر الأنبار برفع الخيام. جرت العملية بهدوء ، بعد أن هربت العناصر المحركة للتظاهرات وكذلك المسلحين الذين كانوا متواجدين فيها.
كشفت التحريات التي أجريت في الخيام أن منصات الاعتصام في الرمادي تحولت إلى قيادة عسكرية لعناصر القاعدة وداعش. (٣) كما كشف عن وجود سيارات تم تفخيخها هناك بهدف إرسالها إلى بغداد. وكشف أيضاً عن هويات مزورة لمؤسسات أمنية وإدارية عراقية كانت تستخدم في عمليات إرهابية. إضافة إلى وجود أرقام سيارات سعودية وأسلحة .  
وكشفت التحقيقات التالية بأن المنصات حظيت باهتمام سعودي إذ حدث لقاء بين شخصية سياسية عراقية وممثل عن المخابرات السعودي، وذلك في أحد بساتين قضاء راوة غرب العراق. وفي اللقاء الذي حضره الإرهابي شاكر وهيب (قُتل بعد 20 يوماً)، تمت مناقشة الخطوات التي سيتم اتخاذها بعد إزالة الحكومة لخيام المعتصمين. وكشف أحد المعتقلين من قيادات داعش قد اعترف باستلام التنظيم مبلغ (15) مليون دولار قبل رفع الخيام بيوم واحد، إلى جانب 60 سيارة دفع رباعي نوع بيك أب مكتوب عليها (صنعت خصيصاً للمملكة العربية السعودية). (٤)
لقد كشفت إزالة الخيام عن الخطة الاقليمية والمحلية في تأسيس داعش في ظل توتر أمني وحماس سني معارض للحكومة بشكل بات أكثر صراحة في رفض بقاء الحكومة ، ورفض الشيعة واتهامهم بالعمالة والخيانة وارتباطهم بالأجنبي.
وهي المرة الأولى ، بعد 2003، التي يُخطب في العراق بخطب سنية طائفية ، واستدعاء التاريخ والأحاديث النبوية والآيات القرآنية للتهجم على الأغلبية الشيعية. كما أن أحد المطالب يسعى إلى (تحريم استخدام العبارات والشعارات الطائفية في مؤسسات الدولة - وبخاصة الأمنية ). وهذا المطلب ذو حساسية مذهبية لدى الشيعة الذين اعتادوا على الاحتفاء بالمناسبات الدينية وخاصة في محرم وصفر.
ومن الأمور التي كشفت عنها الخيام أن السنة في العراق ما زالوا غير مندمجين بالنظام السياسي الجديد رغم مشاركتهم في كل مفاصله السياسية والتشريعية والحكومية والقضائية والعسكرية والتعليمية والصحية والاقتصادية. وأن قطاعاً واسعاً ما زال يصر على إسقاط النظام الديمقراطي والعودة إلى نظام يكون للسنة فيه كل السلطات كما في الوضع قبل 2003 .
كما كشفت الخيام أنه من السهولة إثارة النعرة الطائفية في المزاج السني، وتعبئته ضد الشيعة من أجل أهداف سياسية دون الالتفات إلى النتائج الخطيرة في تصعيد الحس الطائفي والكراهية والحقد بين أفراد الشعب الواحد. وهذا ما أكده شعار (قادمون يا بغداد) الذي رفعه المتظاهرون مستهدفين إسقاط العاصمة ، ثم الحكومة والدستور . ولم يلتفتوا إلى خطورة هذا التفكير، وما هي ردود الأفعال من الحكومة والأغلبية الشيعية التي شعرت بالخطر من شركاء الوطن قبل العدو الخارجي. كما أن الاستعانة بجماعات إرهابية أجنبية ، غريبة عن أخلاقنا وثقافتنا وعقائدنا، دليل على نفي الادعاءات بالوطنية وحب العراق.
ومما يثير الانتباه أن الطبقة السنية المثقفة لم تقف إلا نادراً بوجه الموج الطائفي المدمر القادم من منصات الاعتصام. ولم يعترض أحد على الهتافات والمشاعر الطائفية التي يجري تأجيجها في المناطق السنية ، وما يترتب على ذلك من تخريب النسيج الاجتماعي. ربما اعتقدت بعض النخب السنية أنه قد آن الأوان للتخلص من الكابوس الشيعي ولو بأدوات القاعدة وداعش، أو بأية طريقة وحشية أقلها قطع الرؤوس وتفجير المدارس والأسواق والمساجد والحسينيات. ربما كانت بعض الأصوات الدينية أو الإعلامية السنية التي واجهت الإرهاب فتعرضت للقتل والتصفية.

الهوامش
١- تم اعتقال المنشد واسمه أحمد علي صالح (مواليد 1991) من منطقة حصيبة الشرقية
٢- المصدر  https://ar.wikipedia.org/wiki  مادة (الاحتجاجات العراقية عام 2013 )
٣- وكالة المدى برس في 12/2/2013
٤- وكالة السومرية نيوز 10/1/2014
3-09-2024, 15:11
عودة