"Today News": بغداد
#٥_أيام_باقي_على_التعداد
١-اللقاء الاول مع المشهداني كان في غرفة التعذيب في مديرية أمن الموصل..حيث كان بين المعتقلين ..شاب (رائد طبيب)اسمه(محمود المشهداني) …كان يتمتم عند ادخاله معتقلاً كلاما..لم أستطع تمييزه(بين القران أو الشعر)…وتبين مع مرور الايام إنه (قرآن مجيد) يتدلى على شفتي المشهداني (المعتقل)..وكان حريصاً على ترتيله رغم ان (صوته) كان (غير مشجع) لسماعه… ولكن في معتقل (الدين والسياسة) كان القرآن ملاذنا الوحيد…
٢-المشهداني كان يقرض الشعر ..ويعبر على (كل بحوره) …ولكن كان (يتخوف) من حفظ الشعر…ويحاول ان (يهرب منه) …ولكن الشعر ظل يركض خلف (الطبيب الشاعر) …وحاولت أن أقطف (سبب) هروبه من الشعر ..ولم أتعرف على ذلك الا بعد (تنقيب) طويل…
٣- كان المشهداني قد استمع وصية من أحد معلميه تقول..(اذا حفظت الشعر ..ستنسى ما حفظت من القرآن) …والمشهداني (المتصوف) على طريقة السلف (المتلذذ )بالقرآن …ورداً و (تغنيّاً ).. وعبادة.. كان يشعر بحريق في أحشائه وهو ينشد الشعر ..فيسرع الى إطفائه بشهد (فيه شفاء للناس)… وله…فكان وكان
٤-كنا مجموعة من الطلبة المعتقلين ..من محافظات متعددة من البصرة وديالى وبغداد والنجف وكربلاء وأقضية صلاح الدين والموصل والناصرية..كانت أول مجموعة طلابية (تدشن) بناية أمن الموصل الجديدة ..ومعظمنا كان معجباً بما يحفظه المشهداني من القرآن ..ومن جمعه للطب والقرآن والشعر…والفكاهة في الظروف القاسية…حين تتنقل بين مفردات (الفلقة والتعليگ والپلايس و مصطلحات عناصر الامن الشاذة…) تسمعها وأنت القادم من بحور المتنبي ..وميزان القرآن..ورسالة الغفرآن..ومحمد الماغوط وعبد الرحمن منيف..حين تركنا الجسر..وقبل ان نهجر مدن الملح..فترتطم بجدار الخوف والبربرية و( بوجودك احنه بخير بوجودك) يرددها الجلادون وهم يرشون البنزين على سيقان الطلبة لحرقها..
٥-غادرنا المشهداني مع مجموعة من (الخط السلفي) بوداع دامع ..ودعاء لنا بقرب الافراج من المعتقل…كانت سفرة (قاسية) ولكنها (ممتعة) لشباب من نكهتين (سلفية و حركية) ..منحتنا الكثير من الود ..والكثير من الوعي..والكثير من اللحن والوزن …والامل..
٦-لم ألتقِ المشهداني الا بعد ان هرب الطغاة..في جلسة مسائية في بيت سياسي ..تذاكرنا وتذكرنا..وأسترجعنا حديث الفلقة والشوربة الصباحية و (خوفه) من حفظ الشعر ..لانه ربما(ينسيه ما حفظ من القران)…لم يتغير من المشهداني (أي شئ) …كبغدادي يتنقل بالحديث ببرود ولطافة وواقعية (سياسية) هذه المرة…ممزوجة بفكاهة أطول ..
٧- ومرت الليالي…وأرتقى منصة مجلس النواب ..لفترة (استمتع) بها المشاهدون والنواب رغم (عنف تلك الايام ) وانفجاراتها المدوية وهي تصعق شوارع بغداد ..كانت طريقة المشهداني (تبريداً) للسخونة السياسية على جانبي دجلة..فهو يحاور ويناور ويخاطر ب(جملة طرية وندية) ترقق المشاعر والقلوب ..رغم مرارة الاشياء المتحركة بين الاسنان..كان (مصرّاً)على التقريب والتبريد ..وكان له ذلك رغم تأخر الايام …
٨-زرته قبل يومين للتهنئة بالعودة (المباركة) الى مجلس النواب لدورة (بدأها رئيساً للسن) ..ويحاول ان يختمها (رئيساً للمسك) الذي تناثر من خطبة التنصيب على ربوع فلسطين ولبنان..فندد واستنكر.. ووعد و استنصر…و دعا وأمطر.. غيثا على شفاه المعذبين والمهاجرين والمجاهدين..
ولم ينس أن يستعيذ من(شرور أنفسنا وسيئات حكامنا)…على طريقة الشهيد عبد العزيز البدري حتى أصبحت لازمة له…وكانت من اسباب اعدامه في ليلة من ليالي (البعث) السوداء..
٩-عجيب هذا المشهداني…خرج من رئاسة السن الى المستشفى محمولا على أكتاف الحرس..ولم يكمل (يومه)…ثم عاد محمولا على أكتاف رؤوساء الكتل السياسية الى دكة الرئاسة.. وهو في الحالتين (يضحك) من الزمن ومقاديره وأحواله ..وضحكنا سوية (كنائبين ..تذكرا يوميات السجون)…………………كان جميع النواب منشغلين بفرز الاصوات وعددها في ليلة التصويت وقد غمرهم الحماس والترقب…ولكن المشهداني كان متأملاً(يكتب كلمة التتويج) وهو يصر على ان تكون هدية لغزة ولبنان ..بسخاء الزاهدين..وسماحة عراقية..ولله في خلقه شؤون..وأسرار…
١٠-المشهداني أجمل مابه حين يتكلم (بلا ورقة) أي يرتجل الكلام ..فستسمع حينها (درويشاً) يتجول في درابين بغداد بصحبة شيخ بشار .. وجنيد البغدادي..وهم يعظون الناس …ويمازحونهم بسرديات الجنة والحور العين وانهار اللبن والعسل.. وحين يقترب من القدس يتحدث بأخوة وانصاف … وحتى حين زارته السفيرة الاميركية للتهنئة..لم ينس أن يشرح لها شعوره(العربي والمسلم) وهو يشاهد القرى والمدن تحترق وتتهدم على ساكنيها..فيقرر الوقوف(الطبيعي) مع اخوته ..بالقلب واللسان والاحسان..على طول الطريق الممتد من النجف الى غزة مروراً بدمشق وبيروت..مواكباً وقوافلاً و( فتوى) …وتمراً ..وقصائد…
عباس الجبوري
مجلس النواب العراقي