"Today News": بغداد
عبد الحسين فرج شاعر المقاومة الذي جسد الألم والتحدي في قصائده و في عالم الشعر الذي يتداخل فيه الحزن بالأمل، برز عبد الحسين فرج كشاعر مقاوم، جعل من كلماته سلاحاً في وجه الظلم والطغيان. “نحن لا نهزم ومنا عطاء الدم” لم تكن مجرد كلمات، بل أنشودة خالدة للمقاتلين من أجل الحرية، نابعة من تجربة شخصية شديدة القسوة والمعاناة.
وُلد عبد الحسين فرج في البصرة عام 1955، المدينة التي شكلت ملامح طفولته وشحذت روحه بمزيج من الحنين والمقاومة. انتقل مع عائلته إلى بغداد في بداية سبعينيات القرن الماضي، حيث أكمل دراسته في أزقة مدينة الصدر التي عُرفت بصلابة أبنائها ومواقفهم المعارضة للنظام البعثي.
تجربته السياسية بدأت مبكراً، إذ دفعه انتماؤه الوطني الصادق إلى مواجهة السلطة الدكتاتورية التي لم تتوانَ عن قمع الأصوات الحرة. تعرض الشاعر للاعتقال والتعذيب مراراً، بدءاً من عام 1983 حينما ذاق مرارة السجن وفقد إحدى عينيه وتحطمت أسنانه وكُسرت يده. إلا أن هذه المآسي لم تُخمد عزيمته، بل زادت من صلابته وجعلت كلماته أكثر حرارة وقوة.
في إحدى محطات حياته، استعاد عبد الحسين شريط ذكرياته قائلاً _
“سقا نخلة الصبر رغم ريح الهم، شراع الإباء يمم إلى ضفة النصر”،
كلمات تلخص مسيرته النضالية التي لم تقتصر على مقاومة الظلم بل امتدت لتكون مرآة لمعاناة شعب بأكمله.
ظل عبد الحسين فرج ملاحقاً حتى سقوط النظام عام 2003، وبعدها انطلق في مسار جديد، حيث عمل في قسم الإعلام بمؤسسة السجناء السياسيين، وتولى منصب سكرتير تحرير جريدة “الأحرار”، ليواصل رسالته الوطنية من زاوية أخرى، حتى أحيل إلى التقاعد.
رغم القهر الذي عاشه، و بقي كالطود الشامخ، كالنخلة الباسقة في وجه الريح. قصائده ستظل شاهدة على مرحلة مظلمة من تاريخ العراق، وذاكرة حيّة تُلهم الأجيال القادمة بمعاني الصمود والإباء.
رغم كل الجراح، ظل فرج حاملاً لراية الكلمة الحرة، مؤمناً بدورها في إشعال شرارة الأمل في قلوب المظلومين. فالشعر بالنسبة له لم يكن مجرد وسيلة تعبير، بل كان ساحة معركة يواجه فيها الظلم بالكلمات، ويزرع بها بذور الحرية في أرضٍ أثقلها الطغيان.
بعد سنوات النضال والاعتقال، لم يتوقف عن إبداعه، بل واصل كتابة القصائد التي تعبر عن حب الوطن ومعاناة شعبه. كانت كلماته أشبه بمرآة تعكس أوجاع العراقيين وأحلامهم. ولم تكن قصائده بعيدة عن الواقع، بل كانت وثائق حية لأحداث مؤلمة وشهادات على بطولات أبناء العراق في مواجهة الظلم.
نحن لا نهزم ومنا عطاء الدم
سقينا نخلة الصبر رغم ريح الهم
شراع الإباء يمم إلى ضفة النصر
وحطمنا قيود الليل بقلبٍ لا يُظلم
فمنّا تولد الحياة رغم جراح الألم
ومنّا ينهض الوطن من ركام العدم
على الرغم من قساوة الحياة التي عاشها، لم يتخلَّ عبد الحسين عن قيمه الإنسانية، فقد كان رمزاً للتحدي والصبر، ومصدر إلهام لكل من عرفه أو قرأ أشعاره. تلك الأشعار التي لم تُكتب فقط بالحبر، بل بالدموع والآلام والآمال التي حملتها روحه المناضلة.
في مرحلة ما بعد سقوط النظام، دور المثقف الواعي الذي ينقل معاناة السجناء السياسيين من خلال عمله في مؤسسة السجناء السياسيين. وبمنصبه كسكرتير تحرير لجريدة “الأحرار”، كان صوته صادحاً بقضايا الوطن، مدافعاً عن حقوق من عاشوا القهر مثلما عاشه هو.
اليوم، وبعد رحلة طويلة من النضال، يستريح عبد الحسين فرج من عناء العمل الرسمي وانتقل الى الكريم ، لكنه لم يتوقف عن كتابة الشعر ونقل رسالته. فشعره سيظل ينبض بروح الوطن، وستبقى كلماته شاهداً على حقبة ناضل فيها أبناء العراق من أجل الحرية والكرامة.
إن مسيرته تلهمنا جميعاً أن الكلمة قد تكون أقوى من السلاح، وأن روح الإنسان المناضل يمكنها أن تتغلب على كل قسوة الحياة. ستبقى أشعاره علامة فارقة في تاريخ الأدب العراقي، وصوتاً خالداً يعبر عن آلام وأحلام شعب عانى لكنه لم ينحنِ.