الرئيسية / زراعة الخوف في المجتمع…!!

زراعة الخوف في المجتمع…!!

"Today News": بغداد 

أنا أرى أن المفكر والمفكر  ورجال الدين   كالاباء الذين يزرعون في أبنائهم القيم والعادات ،ويعلمونهم السلوك القويم حسب نظرتهم للحياة .
وحينما نشخص أن طفلاً ما يخاف من ال(جني ) أو (السعلوة ) وهو لم يرَ ذلك نذهب الى أن هذه الامور زرعها الاب أو الام فيه ،  وكذلك الخوف من (الحرامي) أو (الظلمة) والى اخره من المخاوف التي تتراود أمامه .
وقد يكون لدينا أبوان خائفان فعلاً من بعض الامور  بصورة قسرية فينتقل ذلك بصورة لا ارادية الى الطفل الذي يرى في الاب او الام قدوة له..
والمجتمع يمكننا أن ندرسه كوحدة واحدة وهو كالطفل الذي يتلقى من المثقف او المربي او رجل الدين او المفكر مخاوفه و محاسنه  وبذلك يبني عليه السلوك أو الظاهرة التي تنتشر فيه .
 هذه المقدمة  اسوقها بعد رؤية الكم الهائل من المخاوف التي يُراد لها أن  تستقر في وعي المجتمع  العراقي من التغيير في سوريا وكأنها مؤامرة او بداية مخطط لسحق العراق !!.
وتذكرني هذه الموجة بما كان يجري من تثقيف ممنهج  بعد  الاحتلال الامريكي  ومنذ 2005حتى 2014حيث خفت هذه الموجة  بعد فتوى الجهاد الكفائي  حيث استقرت الاراء انذاك لدعم حرب التحرير ولم يعد مكاناً للخوف ، فمعظم فئات المجتمع اصبحت تشتري الموت الذي أصبح في سبيل الله .
ولكن  زرع المخاوف عادت بقوة وكأنهم يهيؤن المجتمع لقبول فكرة الذبح و السحق  فكما تُساق الشاة التي تعزل عن قريناتها ، ويتم إعطاءها الماء ومن ثم  ربطها ، فتوقن أنها قريبة من أمر ما ،وهكذا يُراد لمجتمعنا  أن يتهيأ لذلك ،وعند قراءتي للموجة التثقيفية في تلك السنوات العجاف  (2005 -—2014 ) كنت أرى أبناء المجتمع وكأنهم
 في حالة ( تنويم ) بحتمية المصير  ومع الاسف ساعد على انتشار هذه الحالة هو غياب الوعي للطبقة السياسية التي انساقت ووقعت تحت تأثير ذلك لمداراة الفشل او انها لم تستطع ان تخرج من الصندوق الذي وضعت فيه لتقود الامة الى بر الامان من خلال وعي متقدم عن وعي المجتمع بل ان حركة الطبقة السياسية كانت رد فعل لارهاصات الخوف والتوجس الذي زُرع في المجتمع ، وبعضهم ربط وجوده بهذه المخاوف ، واليوم نعيش نفس الحالة !!.
ما أراه اليوم ومنذ الايام الاولى لمؤشرات سقوط بشار ونظامه الفاسد في سوريا، وحتى هذه اللحظة  كماً هائلاً من المنشورات المكتوبة او المصورة او على شكل كلمات متلفزة  في وسائل التواصل الاجتماعي أو في اللقاءات التلفزبونية لتزرع الخوف فيَّ من القادم في عملية ممنهجة  تستهدف ثبات المجتمع واستقراره النفسي .
وكأننا لاحول ولا قوة لنا وعلينا أن نتقبل القضاء والقدر  المُعد لنا من الاخرين !!.

أنا لا ادع الى التغاضي عما يجري بل بدلا من زراعة الخوف لابد من استشعار نقاط القوة ، وما قمنا به في معارك التحرير بعد 2014 لابد أن تكون الهاماً فيما نملكه لتجنب السيناريوهات التي كانت قبل هذا التاريخ ،والرجال هم الرجال الذين استلهموا خطبة الجمعة  الجهادية التي كانت نقطة تحول في وعي الجماهير التي انقلبت من حالة الخوف والترقب الى حالة اخرى { إنَّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} .
يجب الدفاع عن تجربتنا وإنَّ أي تراجع عن ذلك فقد لا نستطيع القيام به لاجيال قادمة ، لأن الارتدادات السلبية لا تتعلق بالواقع الحالي فقط .
فنحن لم نتخلص من أثار  الاستعمار العثماني ولا البريطاني ، ولازلنا نعيش ماجرى مع الاحتلال الامريكي ، الذي انتهى  بالرغم مما يراد اشاعته بين طبقات المجتمع .
 إنَّ الاستسلام   لهذه الثقافة الانهزامية  و سلب الارادة ستزرع في وعي أجيالنا الخنوع والرضوخ للوهم من تضخيم قوة الاخرين ،وتحجيم  قدراتنا ، وعرض رقابنا للذبح وجلودنا للسلخ وعظامنا للسحق ..
ليكون في وعينا انه انتهى زمن سحق العراقيين  وما انجزناه لايمكن التفريط به  مهما كانت التحديات ،وعلى (المفكرين) ورجال الدين أن يغيروا من منهج البكائية وتراتبية المظلومية  وأن يقرأوا التاريخ والواقع السياسي ويفهم ما معنى صراع الارادات ..
وأخشى أن بعضهم يحسبُ { كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ }فسيكونون { هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ } وعلينا ايقافهم بشتى الوسائل { قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ}  فمن يوهن ويستضعف المجتمع هو عدو له وليس راعياً ، ألم يشخص الاطباء  النفسيون المخاوف والامراض النفسية لدى الاطفال سببها الأباء ، وهم الخطر على أبنائهم ، فمن يوهن ويزرع الخوف في المجتمع خطر علينا .
إنَّ تشخيص ومحاربة هذا المنهج قبل محاربة الاعداء الحقيقين أمر لابد منه من أجل رصانة المجتمع  كي يرتقي بوعيه  وتكون طبقاته  صفوفاً مرصوصة في مواجهة التحديات .

علي  الهماشي
أمس, 18:24
عودة