"Today News": بغداد
٢٥ كانون الأول ٢٠٢٤
جواد علي (1907–1987) مؤرخ وأكاديمي عراقي متخصص في التاريخ الإسلامي والعربي. كتب تاريخ العرب قبل الإسلام الدي يُعد من أفضل وأرصن المراجع في تاريخ العرب . هذا الكتاب استغرق أربعة عشر عاماً في تأليفه ، وجمع له مراجع بالعربية والإنكليزية والألمانية فجاء فريداً في معلوماته ومنهجه وعلميته وموثوقيته بين الأكاديميين والباحثين. وقد حقق وغربل آلاف القصص والروايات والخرافات والأساطير التي وردت في التاريخ الجاهلي ، فاستطاع أن يقدم عملاً أكاديمياً فريداً يخدم الباحثين والمؤرخين والمنهج العلمي وكتابة التاريخ.
السيرة والدراسة
ولد جواد محمد علي العُقيلي في الكاظمية عام ١٩٠٧ . بعد إكمال دراسته في المتوسطة انتقل إلى المدرسة الثَّانوية، وآنذاك لم توجد ببغداد سوى مدرسة ثانوية واحدة، وهي الثَّانوية المركزية، وهناك تعرف إلى محمد بهجة الأثري(ت 1996) مدرس النَّحو والصّرف فيها، واستمر ملازماً له طوال حياته، ويذكر فضله في مقدمات كتبه . ودرس في كلية الإمام الأعظم أبي حنيفة بالأعظمية ثم أكمل دراسته في دار المعلمين العالية (كلية التربية لاحقاً).
وبعد تخرجه منها سنة 1931 عُيّن مدرساً في إحدى المدارس الثانوية، وسرعان ما رُشّح ليكون ضمن بعثة علمية إلى ألمانيا، حيث حصل هناك على شهادة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي من جامعة هامبورغ سنة 1939، وذلك عن رسالته الموسومة (المهدي وسفراؤه الأربعة) بالألمانية.
عاد إلى العراق وصادفت عودته قيام انقلاب مايس ١٩٤١ بزعامة رشيد عالي الكيلاني والعقداء الأربعة ، وأعقبه نشوب الحرب العراقية–البريطانية، فانضم إلى الانقلابيين. وبعد فشل الانقلاب تم اعتقاله في معتقل الفاو، قبل أن يطلق سراحه ويعود إلى الوظيفة في وزارة المعارف، حيث اختير ليكون أمين سرّ لجنة التأليف والترجمة والنشر، والتي قُدّر لها أن تكون نواة للمجمع العلمي العراقي سنة 1947. وفي 1956 أصبح عضواً عاملاً في المجمع واختير عضواً مراسلاً ومؤازراً في مجامع أخرى عربية وعالمية.
عمل جواد علي في قسم التاريخ بكلية التربية في جامعة بغداد منذ الخمسينات من القرن العشرين، وتدرج في المناصب العلمية في كلية التربية مدرّساً فأستاذاً مساعداً فأستاذاً، حتى تقاعده عام 1972. وفي عام 1957 -١٩٥٨ عمل أستاذاً زائراً في جامعة هارفارد الأميركية. ثم تقاعد فمنحته جامعة بغداد لقب أستاذ متمرس، وهو أعلى لقب يمنح لمفكّر عراقي.
أتقن اللغات العربية والإنكليزية والألمانية.
أسرته
تزوج جواد علي من السيدة زهرة طاهر محمد عارف العبيدي بعد إتمامه الدكتوراه في ألمانيا . وجاءت معه إلى العراق بتأريخ 8 كانون الثاني سنة 1942م، وهي من أقارب الدكتور ناجي معروف. وكانت مع أفراد أسرته (أبنائه) مرافقة لهُ في سفراته العلمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتحديداً إلى جامعة هارفرد عام 1956م، وإلى المملكة المتحدة في بريطانيا في معهد الدراسات الشرقية عام 1961، مما أسهم في التخفيف من سنوات الوحدة التي كان يعيشها في أيامهِ الأخيرة، وبعد وفاتهِ أستقر بقية أفراد عائلتهِ في لندن.
وأبنائه الثلاث الذين غالباً ما يؤكد جواد علي، انه كان يعيش معهم حياة سعيدة هانئة ومتجانسة، قد اصطحبهم معه في رحلاته العلمية في الولايات المتحدة، وبريطانيا، أن لذلك تأثيراً في إتمامهم الدراسات العليا في أوروبا. فابنه البكر الذي يحمل اسم جده علي هو من مواليد 1 كانون الثاني 1943 أكمل الدراسة الإعدادية في ثانوية الأعظمية في بغداد، ثم أكمل الدراسات العليا ونال شهادة الدكتوراه، وتخصص في مجال البنوك والمصارف وإدارتها. ثم تلته آمنة المولودة في 14 تموز 1944، والتي حازت على شهادة ماجستير في الإدارة من جامعة ليدز، وعملت في المركز العربي للتطوير الإداري ثم تليها أسيل وهي الأصغر سنا المولودة في حزيران 1950، والتي انهت تخصصها بالكيمياء في لندن.
كتاب تاريخ العرب قبل الإسلام
اشهر جواد علي بكتابه (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ) ويتألف من عشرة أجزاء. هذا الكتاب استغرق العمل فيه أربعة عشر عاماً من ١٩٣٦ – ١٩٥٠ ، عندما كان جواد علي يدرس اللهجات العربية الجنوبية وتاريخ العرب قبل الإسلام علي يد المستشرق رودولف شتروتمان (١٨٧٧-١٩٦٠) Rudolf Strothmann في جامعة هامبورغ بألمانيا. وكان هذا المستشرق متخصصاً بالفرق الإسلامية ، فكتب عن الزيدية ومذهبها في الامامة والعبادات. كما درس بقية الفرق الشيعية مثل الاثنا عشرية والاسماعيلية والنصيرية والدروز والاباضية. كما بحث في مذهب اليزيدية. وشارك في كتابة (دائرة معارف الإسلام) الشهيرة .
يصف جواد علي في مقدمة الكتاب جمعه للمصادر والكتب من مختلف البلدان فيقول:
لقد جمعت ، وأنا في هامبورغ حتى عام سنة ١٩٣٩ ، كل ما أمكنني جمعه من مواد ، واقتنيت من الكتب ما اقتنيت ، وبعد أن أضفت إليها ما اشتريته من العراق ومصر وأروبا ، أخذت في تنسيق المواد وتشذيبها ، وتبويبها ، فعلت ذلك مراراً. وكنت كلما تخيلت أنني انتهيت من تأليفه ، وظننت أن البحث قد بلغ حده ومداه ، ثم أعدت النظر فيما كتبت ، بدا لي نقصه ، وتذكرت الحكمة الشرقية القديمة (العجلة من الشيطان) ، وأدركت سر تخوف العلماء من التأليف وتحرجهم من التصنيف ، وندم الكثير منهم على إقدامهم عليه ، وتمزيق بعضهم لكتبهم أو طرحها في النار ، بعد بلوغهم مراتب عالية في العلم والاجتهاد ، والانسان جاهل مغرور.
يتألف الكتاب من ثلاثة أقسام ، تناول في القسم الأول الحالة السياسية للعرب قبل الإسلام ، القسم الثاني يتناول الحالة الدينية ، وفي القسم الثالث يتناول الحالة الثقافية وحضارة شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام.
والكتاب بحث ، أردت جهد طاقتي أن يكون تفصيلياً ، وقد يُعاب على ذلك ، وعذري في هذا التفصيل أنني أريد تمهيد الجادة لمن يأتي بعدي فيرغب في التأليف في هذا الموضوع ، وأنني أكتب للمتتبعين والمتخصصين ، ومن حق هؤلاء المطالبة بالمزيد.
ثم يقدم جواد علي شكره وتقديره أستاذه محمد بهجة الأثري نائب رئيس المجمع العلمي العراقي ، الذي كان يراجع مسودات الكتاب وتقديم الملاحظات القيمة .
وشكر عدداً من الأشخاص الذين قدموا له مساعدات ثمينة بإعارتهم إياه بعض المراجع ، وكذلك امداده بالصور وهم كل من:
العميد طه الهاشمي (وزير الدفاع ورئيس الوزراء الأسبق) ،
والمستشرق جورج ماثيوس الموظف في شركة البترول العربية السعودية الأمريكية (أرامكو) ،
والسيد حمد الجاسر مفتش المعارف في المملكة العربية السعودية ،
والسيد كوركيس عواد ملاحظ خزانة كتب مديرية الآثار ، الذي استقصى كل ما في الخزانة مما يخص تاريخ العرب قبل الإسلام.
والمجمع العلمي العراقي ، فله فضل نشر الكتاب ، وما كان ليتمكن جواد علي من إخراج الجزء الأول لولا المساعدة المادية التي قدمها له. كما فتح المجمع العلمي مكتبته له ولكل باحث للانتفاع بها.
معاناة المؤلّف
في الطبعة الثانية للكتاب أضيف إلى عنوانه كلمة (المفصل) ، يبرر جواد علي ذلك بقوله:
وقد رأي أستاذي العالم الفاضل السيد محمد بهجة الأثري تسميته (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) ، لما فيه من تفصيل لم يرد في الكتاب السابق ، فوجدت في اقتراحه رأياً صائباً ينطبق كل الانطباق على ما جاء فيه ، فسميته بما سماه به ).
ويبث جواد علي شكواه من ضيق ذات اليد وعدم تيسر المال اللازم لجمع مواد الكتاب تأليفه ووم ثم طباعته. وهذه مشكلة مزمنة يعانيها المؤلفين والكتّاب. يقول في مقدمة الطبعة الثانية:
وكتاباي هذان ، هما عمل فرد عليه جمع المادة بنفسه ، والسهر في تحريرها وتحبيرها ، وعليه الانفاق من ماله الخاص على شراء موارد غير متيسرة في بلاده ، أو ليس في استطاعته مراجعتها بسبب القيود المفروضة على إعارة الكتب ، أو لاعتبارات أخرى ، ثم عليه البحث عن ناشر يوافق على نشر الكتاب ، ثم عليه تصحيح المسودات بنفسه بعد نجاحه في الحصول على ناشر ، إلى غير ذلك من أمور تسلبه راحته وتستبد به وتضنيه. ولولا الولع الذي يتحكم في المؤلفين في هذه البلاد ، لما أقدم انسان على تأليف كتاب.
علاقة العرب بالشعوب السامية
يذكر جواد على في مقدمة الطبعة الثانية أن بعض الأصدقاء أشاروا عليه أن يدخل في العرب كل السميين ، وأن يتحدث عنهم في كتابه هذا كما تحدث عن العرب ، لأن وطن الساميين الأول هو جزيرة العرب ، ومنه هاجروا إلى الأماكن المعروفة التي استقروا فيها. فهم في ذلك مثل القبائل العربية التي تركت بلاد العرب ، واستقرت في العراق وفي بادية الشام ، وبلاد الشام ، لا يختلفون عنهم في شيء، ثم قالوا له: فإذا كنتَ قد تحدثت عن تلك القبائل المهاجرة على أنها قبائل عربية ، فلم تسكتْ عن أولئك الساميين و ولم تجعلهم من العرب؟
يجيب جواد علي: إن القبائل العربية المهاجرة هي قبائل معروفة الأصل ، وقد نصّت الكتابات والمصادر الأخرى على عروبتها ، ونسبت نفسها إلى جزيرة العرب ، ولهجاتها لهجات عربية ، لا ريب في ذك ولا نزاع ، وثقافتها عربية. أما الشعوب السامية ، فليس بين العلماء اتفاق على وطنها الأول . وليس بينها شعب ولحد نسب نفسه إلى العرب ، وليس في المصادر التاريخية الواصلة الينا مصدر واحد يشير إلى أنها عربية. ولهجاتها وان اشتركت كلها في أمور ، فإنها تختلف في أمور كثيرة ، هي أكثر من مواطن الاشتراك والالتقاء. ففرق كبير إذن بين هذه الشعوب والقبائل العربية من حيث العروبة. ثم ان العروبة في نظرية ليس بها حاجة إلى ضم هذه الشعوب إليها ، لإثبات انها ذات أصل تؤول اليه ، فقد أعطى الله تلك الشعوب تاريخاً ثم محاه عنهم ، وأعطى العرب تاريخاً أينع في القديم واستمر حتى اليوم. ثم أن لهم من الحضارة الإسلامية ما يغنيهم عن التفتيش عن مجد غيرهم وعن تركاتهم لإضافتها اليهم. فليس في العرب مركب نقص حتى نضيف إليهم من لم يثبت أنه منهم ، لمجرد أنهم كانوا أصحاب حضارة وثقافة. وأن جماعة من العلماء ترى أنهم كانوا من جزيرة العرب. والرأي عندي أن العرب لو نبشوا تربة اليمن وبقية الترب لما احتاجوا إلى دعوة من يدعو إلى هذا الترقيع. فأنا من أجل هذا لا استطيع أن أضم أحداً من هؤلاء إلى الاسرة العربية بالمعنى الاصطلاحي المعروف المفهوم ، من لفظة العرب عندنا ، إلا إذا توافرت الأدلة ، وثبت بالنص أنهم من العرب حقاً ، وأنهم كانوا في جزيرة العرب.
الحكومات العربية وإهمال التاريخ العربي
قبل تسعين عاماً أدرك جواد علي أهمية المحافظة على التراث العربي وأثاره ومدوناته ، فتراه يلوم الحكومات العربية على إهمالهم تاريخهم وتركه نهبة للزمن والظروف الجوية والأحوال السياسية. يقول جواد علي في مقدمة الطبعة الثانية:
إن مما يثير الأسف والله في النفوس أن نرى الغربيين يعنون بتاريخ الجاهلية ، ويجدّون في البحث عنه والكشف عن مخلفاته وآثاره في باطن الأرض ، ونشره بلغاتهم ، ولا نرى حكوماتنا العربية ولاسيما حكومات جزيرة العرب ، إلا منصرفة عنه ، لا تعنى بالآثار العناية اللازمة لها. ولا تسأل الخبراء رسمياً وباسها البحثَ عن العاديات والتنقيب في الخرائب الجاهلية لاستخراج من فيها من كنوز ، وجمعها في دار (متحف) للمحافظة عليها ولاطلاع الناس عليها. وقد يكون عذر هذه الحكومات أن الناس ينظرون إلى التماثيل نظرتهم إلى الأصنام والأوثان ، وإلى استخراج الآثار والتنقيب عن العاديات نظرتهم إلى بعث الوثنية وإحياء معالم الشرك ، وهي من أجل هذا تخشى الرأي العام . وإني على كل حال أرجو أن تزول هذه الأحوال في المستقبل القريب، وأن يدرك عرب الجزيرة أهمية الآثار في الكشف عن تاريخ هذه الأمة العربية القديم.
ثم يوجه جواد علي خطابه إلى الحكومات العربية ويلفت نظرها إلى أهمية التخصص بتاريخ العرب القديم. وأن تكلف شبابها دراسة علم الآثار ودراسة لهجات العرب قبل الإسلام والأقلام العربية الجاهلية ليقوموا هم أنفسهم بالبحث والتنقيب في مواطن الآثار القديمة.
كما يتمنى جواد على جامعة الدول العربية والدول العربية نفسها أن تقوم بإرسال بعثات من المتخصصين بالآثار وباللهجات والأقلام العربية القديمة إلى مواطن الآثار في اليمن وفي بقية العربية الجنوبية والمواضع الأخرى من جزيرة العرب للتنقيب عن الآثار ، والكشف عن تاريخ الجزيرة المطمور تحت الأتربة والرمال ، ونشره نشراً علمياً ، بدلاً من يكون اعتمادنا في ذلك على الغربيين. أفلا يكون من العار علينا أن نكون عالة عليهم في كل أمر ، حتى الكشف عن تاريخنا القديم.
وأضيف إلى هذا الرجاء رجاء آخر هو أن تقوم أيضاً بتدوين معجم في اللهجات العربية الجاهلية ، تستخرجه من الكتابات التي عُثر عليها ، وبتأليف كتب في نحوها وصرفها ، وترجمة الكتب الأمهات التي وضعها المؤلفون الأجانب في تاريخ الجاهلية ، ترجمة دقيقة تنأى عن المسخ الذي وقع في ترجمة بعض تلك المؤلفات فأشاع الغلط ونشر التخريف.
مصطلح الجاهلية
يناقش جواد علي مصطلح الجاهلية ، وهو ما يسمى بالعصر الذي سبق الإسلام. يقول أن مصطلح الجاهلية مستحدث ، أطلقه المسلمون على الحالة التي كان عليها العرب قبل الإسلام. وهذا الاطلاق يدل ضمناً على شيء من الازدراء والاستهجان لحالة الوثنية التي سبقت التوحيد.
وقد فهم جمهور من الناس ، ومنهم طائفة من المستشرقين ، أن الجاهلية من الجهل الذي هو عدم العلم ، أو عدم اتباع العلم ، أو من الجهل بالله سبحانه ورسوله وشرائع الدين ، والمفاخرة بالأنساب والتكبر والتجبر وغير ذلك. وهذا المعنى قديم ومعروف . وقد ورد في شطر بيت من شعر عنترة بن شداد قوله (إن كنتِ جاهلة بما لم تعلمي) ، وورد أيضاً في شعر النابغة الذبياني وطرفة بن العبد والمتلمس. وقال عمرو بن كلثوم: (ألا لا يجهلن أحد علينا***فنجهل فوق جهل الجاهلينا) ، أي لا يسفه أحد علينا ، فنسفه عليهم فوق سفههم ، أي نجازيهم جزاء يربى عليه.
ويرى المستشرق المجري إكنز غولدتسهير أن هذا المعنى هو في الدرجة الثانية من الأهمية ، وأن المقصود من الكلمة هو (السفه) الذي هو ضد (الحلم) ، والأنفة والخفة والغضب وما إلى ذلك من معان. وهي أمور كانت جد واضحة في حياة العرب قبل الإسلام ، ويقابلها (الإسلام) وعماده الخضوع لله والانقياد له.
واستخدم القرآن الكريم لفظ (الجاهلية ) فيقول ( أفحكم الجاهلية يبغون ، ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) (سورة المائدة) ، أي أحكام الملة الجاهلية ، وما كانوا عليه من الضلال والجور في الأحكام ، والتفريق بين الناس في المنزلة والمعاملة. وأطلقوا على الجاهلية (الجاهلية الجَهلاء) ، والجهلاء صيغة للأولى يراد بها التوكيد ، وتعني (الجاهلية القديمة) . وكانوا إذا عابوا شيئا واستبشعوه قالو (كان ذلك في الجاهلية الجهلاء). و(الجاهلية الجهلاء) هي الوثنية التي حاربها الإسلام. وقد أنّبَ القرآن المشركين على حميتهم الوثنية فقال (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية) ( سورة الفتح: ٢٦).
وقد اختلف المفسرون في المراد من الجاهلية الأولى في قوله تعالى (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) (الأحزاب: ٣٣). قال ابن سعد في طبقاته: (الجاهلية الأولى التي ولد فيها إبراهيم ، والجاهلية الأخرى التي ولد فيها محمد). وقيل (الجاهلية الأولى بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم). وقد أدى اختلافهم في مفهوم الآية إلى تصور بعضهم وجد جاهليتين: جاهلية قديمة ، وجاهلية أخرى هي التي كانت عند ولادة الرسول (ص).
واختلف العلماء في تحديد مبدأ الجاهلية ، أو العصر الجاهلي ، فذهب الطبري إلى أن الجاهلية كانت فيما بين نوح وادريس. وذهب آخرون إلى أنها كانت بين آدم ونوح ، أو أنها بين موسى وعيسى ، أو الفترة التي كانت بين عيسى ومحمد.
وأما منتهى الجاهلية ، فظهور الرسول ونزول الوحي عند الأكثرين ، أو فتح مكة عند جماعة. وذهب ابن خالويه إلى أن هذه اللفظة أطلقت في الإسلام على الزمن الذي كان قبل البعثة. وهو قول سأذهب اليه في كتابي هذا ، فأقصد بالجاهلية الزمن الذي مر على العرب قبل البعثة ، وبالتاريخ الجاهلي تاريخ العرب قبل الإسلام.
مصادر التاريخ الجاهلي
تاريخ الجاهلية هو أضعف قسم كتبه المؤرخون العرب في تاريخ العرب ، يعوزه التحقيق والتدقيق والغربلة. وأكثر ما ذكروه على أنه تاريخ هذه الحقبة ، وهو أساطير ، وقصص شعبي ، وأخبار أُخذت عن أهل الكتاب ولا سيما اليهود ، وأشياء وضعت في الإسلام ، لمآرب اقتضتها العواطف والمؤثرات الخاصة.
وقد تداول العلماء وغير أصحاب العلم هذه الأخبار على أنها تاريخ الجاهلية حتى القرن التاسع عشر. فلما انتهت إلى المستشرقين شكّوا في أكثرها ، فتناولوها بالنقد استناداً إلى طرق البحث الحديثة التي دخلت على العلوم النظرية ، وتفتحت بذلك آفاق واسعة في عالم التاريخ الجاهلي لم تكن معروفة ، ووضعوا الأسس للجادات التي ستوصل عشاق التاريخ إلى البحث في تاريخ شبه جزيرة العرب.
وكان أهم عمل رائع قام به المستشرقون هو البحث عن الكتابات العربية التي دونها عرب ما قبل الإسلام ، وتعليم الناس قراءتها بعد أن جهلوها مدة تنيف على ألف عام. وقد فتحت هذه النصوص باب تاريخ الجاهلية ، ومن هذا الباب يجب أن نصل إلى التاريخ الجاهلي الصحيح. لقد كلّف البحث عن هذه الكتابات العلماء والسياح ، ثمناً غالياً ، كلفهم حياتهم في بعض الأحيان. ولم يكن من السهل تجوّل هؤلاء الأوربيين بأزياء مختلفة في أماكن تغلب عليها الطبيعة الصحراوية للحصول على معلومات عن الخرائب والعاديات والحصول على ما يمكن الحصول عليه من نقوش وكتابات.
لم يطمئن المستشرقون إلى هذا المروي في الكتب العربية عن التاريخ الجاهلي. ولم يكتفوا به ، بل رجعوا إلى مصادر وموارد ساعدتهم في تدوين هذا الذي نعرفه تاريخ الجاهلية. وهو شيء قليل في الواقع ، ولكنه مع ذلك خير من هذا القديم المتعارف وأقرب منه إلى التاريخ.
وقد تجمعت مادته من الموارد الآتية:
١-النقوش والكتابات
٢- التوراة والتلمود والكتب العبرانية الأخرى.
٣- الكتب الكلاسيكية والسريانية ونحوها.
٤- المصادر العربية والإسلامية.
النقوش
وهي في طليعة المصادر التي تكون التاريخ الجاهلي ، وهي وثائق ذات شأن ، لأنها الشاهد الوحيد الباقي من تلك الأيام. ويمكن تقسيمها إلى قسمين:
الأول ، نقوش وكتابات غير عربية تطرقت إلى ذكر العرب ، كبعض النصوص الآشورية أو البابلية.
الثاني، كتابات عربية كتبت بلهجات مختلفة ، وتكون غالبيتها النصوص التي عثر عليها في العربية الجنوبية. ويدخل ضمنها تلك التي وجدت في مصر أو في بعض جزر اليونان أو في الحبشة ، وهي من كتابات المعينيين والسبئيين ، وأدخل في الكتابات العربية الثمودية والصفوية والنبطية واللحيانية والعربية الجنوبية على اختلافها. وكل ما عثر أو سيعثر عليه من نصوص في شبه جزيرة العرب مودناً بلهجة قريبة من اللهجات التي تعارف علماء العرب والمستشرقون على اعتدادها من العربية.
وأغلب الكتابات التي عثر عليها في مختلف أنحاء جزيرة العرب هي في أمور شخصية. ولذلك انحصرت فوائدها في نواح معينة ، ولا سيما الدراسات اللغوية ، وأقلها النصوص التي تتعرض لحالة بلاد العرب السياسية ، مثل علاقات ممالكها بعضها ببعض ، أو علاقات شبه جزيرة العرب بالعالم الخارجي ، فظلت معارفنا قليلة جداً في هذه الناحية وفي النواحي المشابهة لها التي تكون أصل التاريخ ، مستمدة من الكتب الكلاسيكية أو السريانية أو العبرانية ، وهي غير كافية.
وقد بحث المستشرقون في موضوع الكتابة والتدوين عن العرب الشماليين ، فأنكر بعضهم وجود كتابة عندهم. ورأى آخرون المستشرق اليهودي الهنغاري إغنس غولدتسهير (١٨٥٠- ١٩٢١) والمستشرق الألماني كارل بروكلمان (١٨٦٨-١٩٥٦) المستشرق الإنكليزي وليم موير (١٨١٩-١٩٠٥) والمستشرق الألماني فريتس كرنكو (١٨٧٢- ١٩٥٢) ، إلى أن العرب كانوا يعنون بكتابة أشعارهم. وأن عرب الحيرة النصارى كانوا يدونون أخبارهم. ويظهر من بيت ورد في شعر الشاعر الجاهلي (تميم ابن مقبل) (٥٥٤-٦٥٧م) أن عرب أواسط شبه الجزيرة كانوا يدونون أشعار الشعراء في أيام الرسول (ص).
وجاءت الأخبار تفيد أن أهل الحيرة كانوا يرسلون أبناءهم إلى (الكتّاب) ، وأنهم كانوا يعلمونهم الكتابة والقراءة العربية. كما كان بعضهم يختلف إلى (الكتاتيب) الفرسية كالذي رواه أبو الفرج الأصفهاني صاحب كتاب (الأغاني) عن (زيد بن حماد بن زيد بن أيوب) الذي تولى الكتابة للنعمان الأكبر. وكالذي رواه عن زبنه (عدي بن زيد) الكاتب الشاعر الشهير.
وقد جاء القرآن الكريم ما يفيد معرفة عرب الجاهلية القريبة من الإسلام القراءة والكتابة. فقد ورد (والقلم وما يسطرون) (القلم: ١) و(اقرأ بسم ربك الذي خلق ، خلق الانسان من علق ، اقرأ ولبك الأكرم ، الذي علم بالقلم ، علم الانسان ما لم يعلم) (العلق: ١- ٥) و (إن هذا لفي الصحف الأولى ، صحف إبراهيم وموسى ) (الأعلى : ١٨-١٩). ولا يُعقل مخاطبة القرآن الكريم قوماً بهذه الآيات لو لم يكونوا على علم وبصيرة ، بالقراءة والكتابة. كما تردد في الكتب ذكر (مجلة لقمان٩ و(الزُبُر) و (صحيفة لقيط) وغير ذلك.
منهجه في كتابة التاريخ
كان الدكتور جواد علي مؤرّخاً رانكوياً، نسبة إلى المؤرخ الألماني ليوبولد فون رانكه (١٧٩٥- ١٨٨٦) Leopold von Ranke٬ الذي يقول إن وظيفة المؤرخ هي إعادة تشكيل الحدث التاريخي كما وقع بالضبط. وبشأن منهجه قال: إن ثمة مشاكل تعترض المؤرخ، منها مشكلة الرجوع إلى المصادر الحقيقية، ومشكلة المؤلفات القديمة باللغات المختلفة، ومشكلة تشتّت المصادر وتبعثرها.
ويعيب الدكتور علي على المؤرخين أخذهم بالعموميات بدلاً من اعتماد المنهج العلمي، ويضيف أن على المؤرخ أن يدرس التاريخ وفقاً للظروف والحوادث التي وقعت، وليس كما هو الحاضر. ويحذر المؤرخين من تدخّل العواطف وتحكّم المذهبية واصطباغ التاريخ بصبغة عقائدية، حيث يقول: يقتضي على المؤرخ ليكون تاريخه علمياً منزهاً تجنيب نفسه المذهبية المتزمتة، وعليه نقد الروايات نقداً علمياً محايداً... ثم يقوم بربط الأخبار بعضها ببعض، وشدّ أجزائها شداً محكماً بأسلوب يتناول كل الوجوه، واعتبار التاريخ تاريخ بشر، وهو حكم وسياسة، والسياسة سياسة في كل وقت ومكان ولن يختلف فيها إنسان عن إنسان.
ويرى أن العرب يمتلكون تاريخاً ثرياً، وهم في غنى عن الإضافة إلى تاريخهم وتحميله ما ليس منه. ويدين استخدام الدولة للتاريخ أداةً بيدها، ويقول إن هذا مرض مزمن في البشرية، مما حمل الناس على الشك في صحة التاريخ واعتباره مجرد كذب وتلفيق، ويضيف : لا زال التلفيق والتنميق جاريين في التاريخ، ولا سيما في السياسات المذهبية وفي الأمور الشخصية وفي الحروب وفي الجدل بأنواعه، غير أن بوسع المؤرخ في الوقت الحاضر الكشف عن الواقع بفضل تعدد المصادر والمقارنة بينها واستخلاص الحقائق.
وفيما يتعلق بالدعوات لإعادة كتابة التاريخ، يقول إن تلك الدعوات لم تنبع من فلسفة أصيلة مدروسة وإنما من ميول ومحاكاة ومحاباة، وهي نابعة من توجيه البيئة والعصر وإخضاع التاريخ لمنطق الرأي السائد في عصر المؤرخ.
وبشأن عوامل تفسير التاريخ التي يجب على المؤرخ أن يتسلح بها، يقول الدكتور جواد علي:
١-التاريخ يستمد وحيه من واقع الظروف التي صُنع فيها، وذلك بعد تحليل وعمل فكر واحاطة بالروايات وبالوثائق الواردة عن الحادث.
٢- تدوين التاريخ وفقاً للاجتهاد الذي يتوصل إليه وجدان المؤرخ عنه.
٣-عدم الرضوخ لمدرسة معينة من المدارس تفسر التاريخ وفقاً لديانتها وعقيدتها في تفسير التاريخ، لأن التاريخ لرأي معين معناه أننا نزيّف ونحوّر التاريخ ونصوغه وفقاً لعقيدتنا الضيقة، فهنا إخضاع لحكم جامد يتنافى مع ضرورات المنهج العلمي في تفسير التاريخ.
٤- على المؤرخ أن يشخص كل جوانب التاريخ، فلا يقتصر على التمجيد والمديح، وفي الوقت نفسه لا يحاول تسقّط العثرات ومواطن الضعف.
٥-أن يكون المؤرخ وصافاً عالماً عادلاً، أي أن ينظر إلى منشأ الروايات واتجاه رواتها والزمن الذي عاش فيه صاحب الرواية وناقلها.
٦-وإزاء هذه المواصفات علينا أن نحذر من النظرة القسرية إلى تاريخنا، ويجب التبصر فيما يكتب في كل بيئة معارضة، وعلى المؤرخ عدم الاقتصار على الجوانب السياسية بل شمول كل جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية بالاهتمام.
٧-يقدم جواد علي وصيته الأخيرة للمؤرخ المعاصر، وهي أن عليه أن يتحدث عن كل جوانب الحياة، عن كل الطبقات، عن الخاصة وعن السواد.
يقول الدكتور خلدون درويش لطفي في مقال له عن الدكتور جواد علي نشره في مجلة (المؤرخ العربي) وبالعدد ٥٦ (١٩٩٨) : أن الدكتور جواد علي يُعد من كبار المؤرخين العرب المعاصرين ، وقد اشتهر بمؤلفاته الرصينة وأبحاثه القيمة التي أكسبته هذه الشهرة والمنزلة الرفيعة بين المؤرخين البارزين على الساحتين العربية والعالمية.
من آرائه
-عندما سئل عن (ما هو حذرك ازاء التاريخ؟) أجاب: ما نراه في الموارد الإسلامية عن الجاهليين يجب ان يفحص ويدقق بعناية لاحتمال وجود التحامل فيه على العرب، من قبل اناس ظنوا ان في التشهير بهم قربة وحسبة إلى الله، وان محاسن دين الله لا ترقى الا بتجريد عباد الاصنام من كل حسن وجيد، ومن كل علم وفهم والإسلام كما نعلم ثورة على الشرك، فوجهة نظر روات التاريخ الجاهلي نابعة من هذا الاتجاه، وما نراه عن الخلافة والخلفاء الراشدين (رضي الله عنهم)، يجب دراسته بكل عناية، فما من خليفة منهم الا وله مبغضون ومعادون، فالخلفاء أمراء المؤمنين ساسة وحكام أمة ولكل حاكم محب ومبغض، ومن طبيعة الحكم ان يخلق للحاكم معارضة بين الناس، وقد تكون بغير سبب مباشر وتماس بالحاكم وانما مجرد تسلمه الحكم.
- وعندما سئل، عن أسباب ازدراء بعض المؤرخين للتاريخ.- نحن نعلم، إن التاريخ هو من أهم المعارف الحساسة التي تحاول الدول استخدامها آلة بيدها، بتجنيد إعمالها، وبكتابة التاريخ حسب هواها، وهو مرض قديم مزمن في البشرية، حمل كثيراً من الناس على الشك في صحة التاريخ واعتباره مجرد كذب وتلفيق.. وبين الذين شكوا به عدد من المؤرخين، وقد قيل ان أحد المؤرخين الإنكليز ألقى بمؤلفاته في النار حين راى حريقاً وهو في بيته فلما نزل ليراه وليبحث عن سبب حدوثه وسأل الناس، وجدهم يختلفون في وصفه وفي تفسيره فحنق على التاريخ وقال: إن تاريخاً يكتب على مثل هذه الروايات لا يكن تاريخاً. وقد ألف السنحاوي كتاباً في الرد على من ذم التاريخ، دعاه: (الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ.. وذم التاريخ هو سبب هذا الذي نسب إلى التاريخ..) وعندما سئل عن مذهبه الفقهي، قال أنه ينأى بنفسه عن هذه التسميات ولا يراها تليق بهذا العصر، فالمدارس الفقهية التاريخية كلها محترمة ومقدرة وتنتمي لهذا الدين، ولكني أنتمي للعروبة والإسلام والحضارة الإسلامية بلا مذاهب.
- ويقول عن التفسير العلمي والتاريخي للقرآن: ان التفسير العصري للقران وللإسلام يقر، ان كل جيل يجب ان يفسر الإسلام بعقلية جيله بينما يجب على المؤرخ ان يفسره وفقاً للظروف والحوادث التي وقعت في أيام النبي وأدت إلى صدور احكامه لمعالجتها وفقا لتلك الظروف.
عضوياته وتكريماته
فضلا عن عضويته في المجمع العلمي العراقي فأنه قد أصبح عضوا فعالا في مجامع علمية عربية وغربية شهيرة مثل عضوية مجمع القاهرة (1952) ، ومجمع اللغة العربية في دمشق ، والمجمع الملكي الأردني ، وعضويته في متحف برلين المعني بالتاريخ.
منح الدكتور جواد علي في حفل تكريمي في سنة 1953 وبحسب الإرادة الملكية المرقمة 642، والمؤرخة في ٨ تموز ١٩٥٣ وسام الرافدين من الدرجة الأولى مع كوكبة من منتسبي المراكز العلمية والبحثية العراقية مثل محمد مهدي البصير، طه باقر، فؤاد سفر، كوركيس عواد،
كما انه بتاريخ ٢ كانون الثاني ١٩٧٣ منح لقب أستاذ متمرس في جامعة بغداد.
حصل على تكريمات وأوسمة منها وسام المعارف اللبناني ووسام المؤرّخ العربي، وحضر ندوات ومؤتمرات عديدة كمؤتمرات المستشرقين التي كانت تعقد في ألمانيا، كما كان عضواً في الجمعية الآثارية الألمانية ومثّل العراق في عدة مؤتمرات عربية ودولية.
مؤلفاته
١- ( التاريخ العام ( بغداد 1927
٢- (أصنام العرب (بغداد 1967
٣- موسوعة تاريخ العرب قبل الإسلام) (ثمانية مجلدات)، طبعها المجمع العلمي العراقي بين سنتي 1956-1960.
٤- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ( (عشرة مجلدات)، طبعت في بيروت بين سنتي 1968-1974.
٥- ( تاريخ الصلاة في الإسلام (بغداد 1968.
٦- ( تاريخ العرب في الإسلام (بيروت 1961، عدة طبعات.
٧- (المهدي وسفراؤه الأربعة) (أطروحته للدكتوراه) بالألمانية في جامعة هامبورغ ١٩٣٨.
- له كتب غير منشورة، منها كتابه (معجم ألفاظ المسند.)
- نشر مع الدكتور أحمد سوسة والأستاذ محمد بهجة الأثري، خارطة الإدريسي المعروفة بصورة الأرض، وطبعت سنة 1951.
- لديه عشرات الأبحاث التي نشرها في المجلات العلمية المتخصصة، منها بحث موسّع نشر بالتسلسل في مجلة المجمع العلمي العراقي (١٩٥٠-١٩٥٤) حول موارد تاريخ الطبري.
كيف يكتب التاريخ
هذه آراء الدكتور جواد علي في كيفية كتابة التاريخ ، تمثل خلاصة تجاربه فيقول:
-(فأنا الرجل الذي فضل الإنسان أن يتعلم، فأنه يبقى في حلقة من حياته جاهلاً، كل ما يصل إليه هو نقطة من شاطئ لا ساحل له. ثم إني ما زلت أشعر أني طالب علم، كلما ظننت إنني انتهيت من موضوع، و فرحت بانتهائي منه، أُدرك بعد قليل إن مشهور كثيرًا فاتني، وكل جملة لم أتمكن من الظفر بها، فأتذكر الحكمة القديمة: العجلة من الشيطان).
- (النقد العلمي ينشئ القانون، والمدح والطراء في الناحية النظرية الأبعاد لطالبي العلم من أمثالي عن العمل والتقدم، وسبب يؤدي إلى الخيلاء والضلال، وفوق كل ذي علم عليم).
– (نسبة الاخطاء الخلقية والعلمية الى المؤرخين العرب، عمل جائر، وقول فيه اجحاف، فالمؤرخ هو مثل غيره من الناس بما فيهم العلماء متأثرون بمحيطهم وبيئتهم، ولذلك زمان ومكان أسباب وعقلية، فلا يجب لأناس مثلنا ان ترمي المتقدمين علينا بالوقوع في الخطأ).
- (تاريخ في حد ذاته هو وصف لفعل قوي وقضى استخرج من الوثائق، والوثائق هي مادة التاريخ، وتكون قوة حجة المؤرخ أو ضعفها في وصف الحادث ما، مستمدة من أوكر).
- (كنت أقول يقول المستشرقون كذا، والآن يستشرقون ويقول: يقول الدكتور جواد علي كذا).
- (أخذت منهجي في تدوين ما كتب في تاريخ العرب قبل الإسلام، وفي تاريخ العرب في الإسلام، من رأيي الذي توصلت إليه، من خلال مراجعتي لما كتبه العلماء والسياح عن أيام جزيرة العرب قبل الإسلام عن نتائج أبحاثهم واكتشافاتهم فيها، وما نقلوه، من صور نقشها اهلا قبل الجزيرة ايام التاريخ، أي قبل خمسة او ستة الاف سنة قبل الميلاد، وخلاصته ان قوميا خلدوا هناك لهم قبل ان لا يعرف القلم، وتركوا لهم صدم سكن عند مواضع الماء وفي الكهوف، حيث لهم الكتابة صلوات مع الاقوام المجاورة لهم، وكان لديهم قلم خاص بهم، عندما اكتشف الإنسان، ان قوماً هذا حالهم لا يمكن ان يصدق ما رواه اهل اخبارهم، وما يرويه بعض الناس حتى هذا اليوم عنهم، من خلق كانوا جهلة وفي عزلة عن العالم، وانهم لم يظهروا في التاريخ الا بظهور الاسلام، ظانين ان القول بخلافه هو غض من شأن الاسلام فما معنى هذه الاهمية التي نقيمها للإسلام، ان كان عرب ما قبل الاسلام على معرفة وكتابة، واصحاب قلم وحضارة! وهو كلام لايقبل به الاسلام بنفسه، ولا يرضى به، وما كانت الجاهلية التي نسبها القرآن الكريم لعرب هي جاهلية عنجهية وسفاهة بدت من صالح الاسلام بالسخرية والازدراء اختار من متهمته بالتي هي أحسن..
وقد ادرك احد الاعراب، على اميته، حين يتقن هذا سأل احد المستعربين (المستشرقين) عم ينقشه فقال له المستعرب طويل: هذه كتابات فلسطين بدو قبلكم الاتحاد الاشتراكي بزمان، وان هذه الأحجار التي تراها مكتوبة في البادية هي من كتاباتهم، عندئذ قال البدوي: يظهر ان اجدادنا كانوا خيراً منا، يقرأون ويكتبون.
من هذه القصة وأمثالها، توصلت إلى لا شيء تدوين تاريخي بالرجوع إلى كتب العرب الأولين، الوثيقة الوثائق والوثيقة هي المادة التي علمت بالتاريخ).
-(على مؤرخ اليوم أن غالبا ما يكون عن كل جوانب الحياة عن كل ما يتعلق بالسواد:
أولاً ـ التاريخ يستمد منه من حقيقة الظروف التي صنعت فيه وذلك بعد تحليل وإعمال فكر واحاطة بالروايات وبالوثائق تشير إلى الحادث .
وثانيا ـ تدوين حسب التاريخ للاجتهاد الذي تم التوصل اليه من قبل العلماء المؤرخين له.
وثالثا ـ عدم الرضوخ لمدرسة معينة من المدارس التي تفسّر التاريخ حسب ديانتها وعقيدتها في تفسير التاريخ ، لأن التأريخ لرأي معين معناه نحوّر التاريخ ونصوغه وفق عقيدتنا . فهنا إخضاع لحكم جامد يتنافى مع أساسيات علمية في تفسير التاريخ.
ورابعا ـ على المؤرخ أن يشخص كل جوانب التاريخ ، فلا الشائع على التمجيد والمديح ،وفي الوقت نفسه لا يحاول اكتشاف المواطنين و الضعفاء .
وخامسا ـ أن يكون المؤرخ وصافا عالما عادلا أي أن منشأ الروايات واتجاه رواتها والزمن الذي عاش فيه صاحب الرواية وناقلها.
وسادساً ـ وإزاء هذه المواصفات ،علينا ، الدكتور جواد علي ، أن نحذر من النظرة الفيزيائية إلى تاريخنا، ويجب التبصر فيما يكتب في كل بيئة معارضة وعدم المشارك الاقتصار على الشمولية والشمولية في كل جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية بالاهتمام).
وفاته
توفى ظهر يوم السبت 26 أيلول 1987 بعد مرض عضال لازمه أواخر عمره. وبوفاته خسر البحث العلمي عَلَما كرس حياته للبحث المتعمق والعمل في كشف المجهول ، وإجلاء الغوامض والإنتاج العلمي الرصين في ميدان التاريخ العربي . وفقد المجمع ركيزة من دعائمه بما أسهم فيه من أعمال علمية ، وما تحلى به من جدية واتزان وحرص على اداء الواجب ، وخلق عال أتسم بحب الخير والتعاون والاسهام المخلص بكل عمل علمي بنّاء.
المصادر
-(جواد علي والتاريخ للعرب في الجاهلية) ، موقع متحف جامعة بغداد https://museum.uobaghdad.edu.iq/
-(المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) ، موقع المكتبة الشاملة https://shamela.ws/
-آرام قاسم (بروفايل جواد علي موثق تاريخ العرب قبل الإسلام) ، القناة الثامنة https://channel8.com/arabic ، في ٨ حزيران ٢٠٢٤