"Today News": بغداد
يتأرجح الإنسان في حياته بين مفهومين متناقضين: القيمة والثمن. بينما يُعبّر الثمن عن ما يمكن قياسه بالنقود والمناصب والمظاهر، تُجسد القيمة جوهر الإنسان وأصالته، تلك العناصر التي لا يمكن تقديرها بأي ثمن. فمن منا لا يتوق إلى أن يكون ذا قيمة لا تُقدّر بثمن، بدلاً من أن يُقيَّم وجوده بموازين زائلة؟ إن البحث عن هذا الجوهر الإنساني هو ما يميز القلوب الصادقة عن تلك التي تهيم خلف مظاهر زائفة.
القيمة الحقيقية للإنسان ليست في مظاهره أو ممتلكاته، بل في روحه التي تنبض إنسانية وأخلاقًا. قد يبدو للوهلة الأولى أن المال أو الجاه أو المنصب يمنح المرء قيمة اجتماعية، لكن الحقيقة هي أن كل هذه الأمور زائلة، ولا تترك أثرًا بعد الرحيل. الإنسان الذي يحترم الآخرين، يعطف عليهم، ويتعامل معهم برحمة ورفق هو من يترك بصمة أعمق من أي ثروة أو مكانة. فالقيمة الحقيقية تُبنى بالصدق والنقاء الداخلي، وبالعطاء الذي لا ينتظر مردودًا.
في عالم يعج بالتشابه، حيث أصبح الكثيرون نسخًا متكررة من بعضهم البعض، تتجلى القيمة الحقيقية في التميز. ليس المهم أن تكون كالجميع، بل أن تكون فريدًا. أن تكون لك بصمتك وأفكارك وصوتك الخاص. الاختلاف ليس ضعفًا، بل مصدر قوة. الزمن الذي نعيش فيه يمجّد الصورة الخارجية والمظاهر الفارغة، لكنه يفتقد جوهر الأصالة. الأشياء القليلة الصادقة في الحياة تحمل قيمة تفوق بكثير الزيف المنتشر. امتلاك القليل الحقيقي خير من الغرق في وهم الزيف. لذا، ركّز على جودة حياتك، عش بقلبك وعقلك، لا بمظاهر زائلة.
الماء، هذا العنصر البسيط الذي لا يلفت الانتباه إلا حين نفتقده، هو أحد أعظم الأمثلة على القيمة الحقيقية. لا يحتاج إلى زخارف أو بهرجة ليُثبت قيمته، فهو ضروري للحياة نفسها. الماء لا يُقاس بجماله أو مظهره، بل بأثره. كذلك الإنسان، قيمته ليست فيما يظهر به، بل في أثره على حياة الآخرين. اجعل وجودك نافعًا كالماء، يقدم الخير للجميع بلا تفريق. البساطة، كما يعلمنا الماء، لا تعني الضعف، بل هي قوة خفية تتجلى في العطاء دون ضجيج، وفي التواضع دون تهاون.
وفي أعماقنا، عندما نتجرد من كل ما هو مادي وزائف، تظهر حاجتنا للتواصل مع الله. هذه العلاقة الروحية هي ما يُعيد إلينا إنسانيتنا ويضعنا في مسار القيمة الحقيقية. عندما نرسل رسائلنا إلى الله، نفعل ذلك بلا وسائط ولا أوراق. هي كلمات تخرج من القلب لتصل إلى خالق السماوات. تلك المناجاة الصامتة، التي لا يسمعها أحد سواه، تذكيرٌ بأن القيمة الحقيقية تكمن في صلتنا بالله، وفي صفاء نوايانا وأفعالنا.
هنيئًا لمن جعل إنسانيته وأخلاقه جوهر حياته. هؤلاء هم من يتركون أثرًا خالدًا في العالم. الزمن قد يطوي الثروات والمظاهر، لكنه يحفظ القيم التي تبني الأجيال. كن إنسانًا ذا قيمة حقيقية، وارسم بصمتك الفريدة، لأنها وحدها ستخلد اسمك في سجلات الزمن.