"Today News": متابعة
يواجه العراق أزمة خطيرة تتعلق بمواقع طمر النفايات غير المطابقة للشروط البيئية والصحية. وتعد هذه الأزمة أحد أخطر التحديات التي تهدد صحة السكان واستدامة الموارد الطبيعية. وأصبحت هذه المواقع، التي تنتشر في مختلف مناطق العراق، مصدراً رئيسياً للتلوث يؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين واقتصاد البلاد. وبحسب آخر التقارير الصادرة عام 2023، ينتج العراق 20 مليون طن يومياً من النفايات، فيما تفرز أمانة بغداد لوحدها 9 آلاف طن يومياً.
وفي الوقت الحالي، يسعى ناشطون حقوقيون إلى إثبات زيادة حالات الإصابة بسرطان الجلد والدم والثدي والرحم في المناطق القريبة من مطامر النفايات. في هذا السياق، يقول الناشط محمد سعدون، وهو أحد المهتمين برصد التغيرات البيئية في بغداد، إنه يتم رصد ارتفاع الإصابة بأمراض السرطان بين القاطنين في المناطق القريبة من مواقع الطمر. ويشير إلى أن العراق لا يزال يطمر ملايين أطنان النفايات بلا معالجة، عدا عن مليارات المكعبات من مياه مجاري الصرف الصحي والمصانع، التي تصب في الأنهار من دون معالجة.
وتفيد بيانات الجهاز المركزي للإحصاء بأن عدد مواقع الطمر الصحي في العراق بلغ 221 موقعاً، وأن 149 موقعاً منها مخالفة للشروط. ويقول الخبير والباحث البيئي أوس الطياوي، إنّ غالبية مواقع طمر النفايات في العراق تعتمد أساليب غير قانونية للتخلص من المخلّفات. ويرى أن الأرقام الرسمية المعلنة حول عدد مواقع الطمر الصحي المراعية للشروط البيئية في العراق لا تزال غير دقيقة، لافتاً إلى أن 17% فقط من مواقع الطمر الصحي تراعي الشروط البيئية.
يفتقر العراق إلى بنية تحتية متكاملة لإدارة وتدوير النفايات
ويوضح أن انعدام الرقابة هي أحد أسباب زيادة أزمة النفايات في البلاد، لافتاً إلى أن بعض الجهات التي تتولى نقل المخلفات إلى مواقع الطمر تتخلص منها برميها في مساحات فارغة خارج أو داخل المحافظات، ما يؤدي إلى انتشار النفايات في مواقع عدة.
ويشير إلى أن مواقع تدوير النفايات في البلاد قليلة جداً. ويتحدث عن "بعض المبادرات والمشاريع المتعلقة بالفرز الانتقائي للنفايات (فصل التدفقات العضوية والورق والكرتون والزجاج وغيرها من المواد وتدوير النفايات)، علماً أن البنية التحتية لإدارة النفايات لا تزال تواجه تحديات كبيرة. ويعطي بعض الأمثلة، قائلاً إنه "في محافظة نينوى، يعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على تنفيذ مشروع لمعالجة النفايات، يشمل بناء محطات معالجة وتدريب الكوادر المحلية".
وفي محافظة ذي قار، وتحديداً في مدينة الناصرية، تم تنفيذ مشروع يهدف إلى فصل النفايات الرطبة (ﺑﻘﺎﻳﺎ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ، ﺍﻟﺨﻀﺎﺭ، ﺍﻟﻔﻮﺍﻛﻪ) ﻋﻦ ﺍﻟﻨﻔﺎﻳﺎﺕ ﺍﻟﺠﺎﻓﺔ (ﺍﻟﺒﻼﺳﺘﻴﻚ، ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ، ﺍﻷﻟﻣﻴﻨﻴﻮﻡ، ﺍﻟﺰﺟﺎﺝ، ﺍﻟﻮﺭﻕ ﻭﺍﻟﻜﺮﺗﻮﻥ، ﺇﻟﺦ...). أما في مدينة إربيل، أطلقت مجموعة من المتطوعين ضمن منظمة "غلوبال شيبرز" مشروعاً لفرز النفايات البلاستيكية وإعادة تدويرها بهدف حماية البيئة من التلوث.
ويؤكد الطياوي أن العراق "لا يزال يفتقر إلى بنية تحتية متكاملة لإدارة النفايات، ويتم التخلص من معظم النفايات في مطامر غير منظمة، ما يؤدي إلى تلوث التربة والمياه".
وكانت لجنة الخدمات والإعمار النيابية قد كشفت عن وجود مقترحات عدة لتحسين إدارة النفايات في العراق، مشيرةً إلى أن حوالي 80% من مواقع الطمر الحالية تفتقر إلى الشروط البيئية.
ويتحدث الناشط البيئي والصحي المهندس الزراعي محمد الصميدعي، عن "مخاطر كارثية بحق البيئة والإنسان" بسبب المطامر. وسبق للصميدعي أن حذّر في مناسبات عدة من مخاطر مواقع طمر النفايات. ويؤكد أنه تعرض لتهديدات أجبرته على عدم الاقتراب من مواقع طمر النفايات، إذ يلفت إلى أنها تمثل "مصدر رزق لأعداد كبيرة ممن يستغلون الظروف الصعبة للنساء والأطفال لتشغيلهم في فرز النفايات بشكل غير قانوني".
ويوضح أن "مواقع الطمر الصحي تُدار في معظمها بأساليب بدائية تفتقر إلى المعايير العلمية والبيئية، إذ تُترك النفايات مكشوفة أو تُغطى بشكل عشوائي، ما يؤدي إلى انبعاث غازات سامة مثل الميثان وثاني أكسيد الكربون. هذه الغازات لا تسبب فقط تلوث الهواء، بل تساهم أيضاً في ظاهرة الاحتباس الحراري".
ويشير إلى مخاطر أخرى تتعلق بالتربة والمياه الجوفية، مبيناً أن "تسرب السوائل السامة الناتجة عن تحلل النفايات يؤدي إلى تلوث خطير يهدد الموارد المائية التي يعتمد عليها ملايين العراقيين للشرب والزراعة". وتزداد مخاطر هذه المواقع بشكل يؤثر على سكان المناطق القريبة من مواقع طمر النفايات غير المراعية للشروط البيئية.
من جهته، يقول الطبيب المتخصص في الصحة العامة، حسين جواد، إن مخاطر هذه المواقع تؤثر بشكل كبير على من يعانون من أمراض مزمنة مثل أمراض الجهاز التنفسي، والحساسية الجلدية، والتسمم جراء استنشاق الغازات السامة. يضيف أنه علاوة على ذلك، فإن هذه المواقع تعد بيئة خصبة لتكاثر الحشرات والقوارض، ما يزيد من خطر انتشار الأوبئة.
أما الخبير الاقتصادي عمر البياتي، فيقول إن المخاطر لا تقتصر على البيئة والصحة، بل تمتد إلى الاقتصاد، لافتاً إلى أن هذه المطامر تؤدي إلى تدهور الموارد الطبيعية جراء تلوث القطاع الزراعي الذي يعتمد عليه جزء كبير من سكان العراق.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التكاليف الباهظة لعلاج الأمراض الناجمة عن المطامر تزيد الضغط على النظام الصحي المتدهور أصلاً. ويؤكد البياتي أن هذه الظاهرة لا تضر فقط بالمجتمع ككل، بل تؤثر مباشرة على الأعمال الصغيرة للأفراد، وتزيد من تكاليف الإنتاج وتضعف فرص الاستثمار في المناطق المتضررة.