"Today News": بغداد
٢٠ شباط ٢٠٢٥
أحمد الجلبي (١٩٤٤-٢٠١٥) سياسي عراقي قدير ، من عائلة سياسية وتجارية عريقة ، دكتوراه في الرياضيات من أرقى الجامعات الأمريكية ، عقلية مصرفية ، أدار مشاريع مالية ناجحة . عارض النظام البعثي بكل شراسة ، وسعى إلى إسقاطه ، مستفيداً من علاقاته مع واشنطن. كان من الشجاعة بحيث أنه قضى عدة سنوات (١٩٩٢-١٩٩٦) في جبال كردستان يخطط ويعبئ لتحقيق هدفه لرفع كابوس البعث عن صدر العراق وشعبه.
الأسرة والنشأة
آل الچلبي، من بيوتات بغداد العريقة، التي تنحدر أصولها، من قبيلة طئ العربية الشهيرة. ومصطلح (جلبي) مشتق من مفردة (جَلَبَ) التركية وتلفظ مثل الـ (CH) بالإنجليزية. وتعني المفردة (الرب). وعندما يضاف حرف (الياء) تدل على: (من هو على علاقة بالله أو قريب منه) ، ولكنها صارت تعني (رجل نبيل الأصل). وتستعمل أيضاً بصفتها لقب شرف أو تبجيل ، يُخصّ بها التجار الذين إن لم يكونوا أثرياء ، فإنهم من أصحاب المنزلة الاجتماعية العالية. وهذا اللقب من بقايا العهد العثماني ، ولكنه ظل سائداً حتى العام ١٩٥٨ . وكان له بريق عند كبار تجار العراق، وأصبح فيما بعد نسبة لبعض العائلات في الوطن العربي.
في بغداد ، كان أثرياء الچلبيين يقبلون عند (السادة) الملّاك على أساس المساواة فيما بينهم ، وكانت زيجات كثيرة تتم بين هاتين الطبقتين. وهكذا ، فقد وحّد رابط الزواج بين (سادة) الكيلاني والدلة الچلبي ، وبين (سادة) الآلوسي وشاهبندر الچلبي ، و(سادة) الحيدري وكبة چلبي.
وكان الچلبية في جزيرة ابن عمر شمال الموصل، ثم جاءت إلى بغداد مع السلطان سليمان القانوني عند زحفه عليها لاحتلالها عام ١٥٣٤ ، فأقطعهم بعض الأراضي ، وتوطن فريق منهم الكاظمية في اواخر القرن الحادي عشر الهجري / السابع عشر الميلادي. ومنهم حكام الكاظمية القدماء الذين ورثوا من آبائهم الرئاسة والحكم والأمر حتى سنة ١٨٦٥ . والى نسبهم تنتهي انساب بيت الچلبي وبيت حجيجي وبيت الحجية وبيت الحاج صالح وبيت علي الچلبي وبيت كوش وبيت المعمار وبيت ليلو.
وتحولت العائلة إلى المذهب الشيعي في القرن الثامن عشر، حينما تحول عدد كبير من السنة واختاروا التشيع من أجل الحصول على منفذ لمصادر المياه التي تحكم بها رجال الدين الشيعة.
أنجبت الأسرة العديد من الزعماء العراقيين منذ عام1637 وحتى عصرنا الحاضر. فقد كانوا حكام العاصمة ومستقرهم الأساس في منطقتي (الكاظمية) و(بلد). ويرتبط آل الچلبي بعلاقات عميقة مع العشائر العربية العراقية والسورية وعشائر شبه الجزيرة العربية. اشتهر به عدد من الأعيان والصوفية منهم:
١-حسام الدين الجلبي ، وهو صوفي خليفة جلال الدين الرومي ، مؤسس الطريقة المولوية.
٢- موسى جلبي ثاني أبناء السلطان العثماني بايزيد
٣- محمد الجلبي وهو لقب السلطان محمد الأول الابن الخامس للسلطان بايزيد ، وأخو موسى الجلبي.
٤- علي جلبي أحد أبرز رجال البحر العثمانيين.
٥- كاتب جلبي ، لقب المؤرخ العثماني الشهير باسم حاجي خليفة مؤلف كتاب (كشف الظنون) والمتوفى عام ١٦٥٦ م.
٦- عاصم جلبي زاده مؤرخ عثماني ، اسمه الحقيقي إسماعيل بن كوجك جلبي ، تولى مشيخة الإسلام في الدولة العثمانية ، وتوفي عام ١٧٥٨ م.
رئاسة بلدية الكاظمية
كان جد الأسرة كاظم الجلبي أول من ترأس بلدية الكاظمية بعد تأسيسها عام ١٨٧٠. وكاظم الجلبي هو جد عبد الحسين الجلبي. وقد تأسست أول بلدية في ولاية بغداد عام ١٨٦٩ ، في بداية الأمر تولى رئاسة البلدية إبراهيم أفندي الدفتري . وفي عام ١٨٧٠ صدر نظام إدارة الولايات العمومي الذي شكلت إثره مجالس بلدية في كل مدينة أو قصبة. وكان سنجق بغداد (لواء) يتكون من ستة أقضية ، وقضاء الكاظمية أحدها.
وكان اسمه الحاج كاظم جلبي الكاظمي ، ويلقب (الحجيجي) لأنه حج في أبان صباه ، فدعي كذلك تصغيراً لكلمة (الحاج). ثم تولى (نظام التزام الكاظمية) ركاب الحاج درويش الجلبي عام ١٧٣٧ م ، وبعده ابنه عبد الرضا جلبي في عام ١٧٦٢ ، ومن ثم ابنه محمد علي جلبي ، وبعد ذلك أخوه محمد صالح جلبي ، ومن ثم ابن عمه عبد الوهاب جلبي وكان سيء السيرة ، شديد الوطأة ، وقد ضُرب المثل في الكاظمية لقسوته ، وعنده حراس شخصيون من العبيد المسلحين ، وسجن خاص به. وعندما مات تنفس أهالي الكاظمية الصعداء ، وبموته خرجت حاكمية المدينة من يد هذه الأسرة ومن يد الكاظميين.
عندما أنشأ الوالي مدحت باشا (١٨٢٢- ١٨٨٤) خط الترمواي Tramway ويتألف من عربات تسير على سكة حديد وتجرها الخيول بين الكاظمية وبغداد. ولم يكن المشروع ناجحاً من الناحية المالية بالنسبة للدولة العثمانية ، لذا شجع مدحت باشا تشكيل شركة أهلية لإدارته ، تتكون ماليتها من ستة آلاف سهم ، بيع معظمها بسرعة ، لأن مدحت باشا تولى تشجيعها وتصريفها بنفسها. وكانت قيمة الحصة الواحدة (السهم) مائتين وخمسين قرشاً. وقد طلب مدحت باشا من الحاج عبد الهادي الاسترابادي ، وهو من أبرز وجوه الكاظمية وتجارها في تلك الأيام ، أن يبدأ بتشكيل هذه الشركة ، ففعل ذلك بالاشتراك مع علي الجلبي والد عبد الحسين الجلبي ، على أن عبد الهادي الاسترابادي انسحب بعد ذلك من الشركة ، لتبقى تحت سيطرة علي الجلبي . وقد نجحت نجاحاً منقطع النظير ، واستمرت في عملها تحت رئاسة عبد الحسين الجلبي حتى تضاءل شأنها بشيوع استعمال السيارات.
ومع أن آل الجلبي لم يعد لديهم دور في الحكم، لكنهم استمروا بالثراء والازدهار. واستطاع جد الجلبي وهو عبد الحسين في أعقاب خسارة ثورة 1920 أن يلعب دورا معتدلا ويشارك بالحكومة ويكون مقبولا عند الشيعة.
عبد الحسين الجلبي
توفي الحاج علي الجلبي وعمر عبد الحسين الجلبي ثمانية عشرة سنة ، فحلّ محله في رئاسة العائلة وإدارة أملاكها ، وفي عهده ازداد ثراء الأسرة ، وأصبح من كبار وجهاء الكاظمية وأوسعهم شهرة. وكان بيته بمثابة المنتدى لجمع كبير من مختلف الطبقات من التجار والأدباء. وكان مجلسه في حديقة منزله المطل على نهر دجلة ، عامراً كل يوم بالعشرات من الناس على اختلا طبقاتهم ، ومن أصدقاء ومن طالبي المعونة . وكان ابنه عبد الهادي لولب ذلك المجلس.
شغل عبد الحسين الجلبي (١٨٧٧- ١٩٣٩) عضوية مجلس إدارة بغداد في العهد العثماني . كما شغل عدة مناصب في العهد الملكي آنذاك. فقد شغل منصب وزير المعارف لثمان مرات ، الأولى في حكومة عبد المحسن السعدون في ٢٠ تشرين الثاني ١٩٢٢ ، والثانية عام ١٩٢٥ ، والثالثة عام ١٩٢٥ أيضاً ، والرابعة عام ١٩٢٩ ، الخامسة عام ١٩٢٩ أيضاً ، والسادسة عام ١٩٣٠ ، والسابعة عام ١٩٣١ ، والثامنة عام ١٩٣٥. كما شغل منصب وزير الزراعة في حكومة جعفر العسكري في ٦ آب ١٩٢٧ ،
إصلاح وزارة المعارف
اهتم عبد الحسين الجلبي بإصلاح الوزارة ، وأهمية إدارتها من قبل عراقيين. ففي ٩ كانون الأول ١٩٢٢ أقنع الملك فيصل الأول بأن منصب معاون وزير المعارف الذي كان يشغله السوري ساطع الحصري (١٨٨٠-١٩٦٨) هو حلقة زائدة ، وتم إلغاء المنصب بحجة الاقتصاد في النفقات. ولكن مع ذلك استحدثت وظيفة جديدة وهي (مدير المعارف العام) ، وأسندت لساطع الحصري. كما قام عبد الحسين الجلبي بتحويل بعض مديري المعارف إلى مفتشين ، وألغى وظيفة (رئيس الملاحظين) ، والاستغناء عن خدمات الموظف البريطاني (ويليامسن). وفي ١٩ أيلول ١٩٢٣ استحدث وظيفة (رئيس ديوان الوزارة) ، أنيطت بها مهام وظيفة سكرتير وزير المعارف ، والتي ألغيت بعد سنة من استحداثها.
عندما تولى الجلبي وزارة المعارف للمرة الثاني في ٢ آب ١٩٢٤ قام باستحداث (مديرية معارف كركوك) لتشمل ألوية كركوك وأربيل والسليمانية ، حيث أصبح العراق مقسماً إلى خمس مناطق تعليمية.
وعندما تولى الوزارة في عام ١٩٢٥ ألغى الجلبي (مديرية منطقة معارف الفراتين) ، وألحق دوائرها بـ(مديرية معارف بغداد) ، وبذلك أعاد مناطق معارف بغداد إلى أربع بدلاً من خمس.
وقرر الجلبي تشكيل لجنة علمية متخصصة عرفت باسم (لجنة الاصطلاحات العلمية) ، وحُددّت ضوابط تشكيلها ومهامها ، وأناط رئاستها بمفتش اللغة العربية الشاعر معروف الرصافي وعضوية الأب أنستاس ماري الكرملي.
وكان الوزير الجلبي يطالب المفتشين برفع تقاريرهم عن مناطقهم إلى الوزارة ، وإبداء الآراء بشأنها. وعندما استلم الوزارة في حكومة نوري السعيد الأولى في ٢٣ آذار ١٩٣٠ ، قرر عبد الحسين الجلبي إعادة وظيفة رئيس الديوان واستحداث وظيفتين ترتبطان معها هما وظيفة مترجم وظيفته ترجمة الكتب الواردة لمكتب الوزير من اللغة الإنكليزية إلى اللغة العربية ، ووظيفة كاتب تحرير يقوم بطباعة الأوامر والقرارات الصادرة من مكتب الوزير عبر ديوان الرئاسة.
لجنة مونرو لإصلاح التعليم
بعد مطالبة اللجنة المالية في مجلس النواب باستقدام لجنة من الخبراء الأجانب و لوضع خطة ملائمة تعمل وزارة المعارف على تنفيذها لتحقيق الأهداف المطلوبة ، وطالبت بإسناد منصب مدير المعارف العام إلى شخصية عراقية. إثر ذلك أرسل وزير المعارف عبد الحسين الجلبي كتاباً إلى مجلس الوزراء ، طلب فيه موافقة المجلس على استقدام لجنة الخبراء الأجانب. وقد وافق مجلس الوزراء على الطلب ، وخوّل الوزير اختيار أعضاء اللجنة وتعيين عددها. في ٨ حزيران ١٩٣٢ أرسلت الوزارة برقية إلى المربي الأمريكي الشهير بول مونرو (١٨٦٩- ١٩٤٧) Paul Monroe في كلية المعلمين بجامعة كولومبيا الأمريكية تدعوه لرئاسة (لجنة الكشف التهذيبي) المؤلفة من أربعة أشخاص ، على أن يكون أحدهم مختصاً بالاقتصاد. وقد سبق لمونرو أن ترأس بعثة من المدرسين من المعهد الدولي للتعليم لزيارة العراق عام ١٩٣٢ ، وقدم تقريره ونتائج زيارته إلي الحكومة العراقية ، وكان يرافقه طالب الدكتوراه محمد فاضل الجمالي ( ١٩٠٣- ١٩٩٧) من جامعة كولومبيا.
وصلت اللجنة إلي بغداد في ٦ شباط ١٩٣٣ ، وعقدت اجتماعات مع كبار موظفي الوزارة وعدد من مديري المدارس ، وأنهت أعمالها في آذار ١٩٣٣ ، وكتبت تقريراً مفصلاً عن جولتها سمي بـ (تقرير لجنة الكشف التهذيبي) ، تضمّن تسعة فصول ، مع التشديد على ضرورة أن تضمّ الوزارة التشكيلات الآتية: الإدارة ، شعبة الأبحاث الفنية ، المجلس الاستشاري ، إدارة السجلات ، الإرشاد العام ، مالية المعارف ، دائرة البحث والمسائل التعليمية الصرفة.
كان تقرير اللجنة شاملاً لكل عمل الوزارة ، لكنه عكس الاتجاهات الفكرية لرجال الاستعمار ، فوجهت له انتقادات كبيرة ، في حين أيدته جريدة الأهالي التي يصدرها كامل الجادرجي ، كما أيده مدير المعارف سامي شوكت في إحدى جلسات مجلس النواب. إثر ذلك قررت الوزارة عدم الأخذ به بصورة رسمية ، ولكنها مع ذلك ، أسست دوائر شبيهة بتلك التي اقترحها التقرير.
بناء المدارس والبعثات واللغة الكردية
دخل عبد الحسين الجلبي في حكومة علي جودت الأيوبي (١٨٨٦-١٩٦٩) التي شكّلها في ٢٧ آب ١٩٣٢ ، واحتفظ بمنصب وزير المعارف في حكومة جميل المدفعي (١٨٩٠-١٩٥٨) الثالثة التي شكلها في ٤ آذار ١٩٣٥ ، ولم تستمر سوى أحد عشر يوماً. ومن أهم إنجازات الجلبي في هاتين الحكومتين صدور قانون المعارف الجديد ، الذي نصّ على زيادة رواتب المعلمين. كما شرعت الوزارة ببناء (٨٢) مدرسة ابتدائية . وقامت الوزارة بتأليف لجنة وزارة لوضع خطة عمل أو منهاج للمعارف ، لمدة ستة سنوات لدراسة أوضاع وزارة المعارف وحاجة البلاد إلى فتح مدارس ابتدائية ، ودراسة أحوال المدارس الصناعة والزراعية ، ودراسة واقع المدارس الأهلية . وقد تم تأليف اللجنة من وزراء المالية والخارجية والاقتصاد والمواصلات والمعارف.
وفي عهد الوزير عبد الحسين الجلبي انعقد المؤتمر التربوي في بغداد من ٩- ١٥ نيسان ١٩٣٢ ، برعاية الملك فيصل الأول. وقد ظهر في هذا المؤتمر سيطرة خريجي الجامعة الأمريكية في بيروت.
وفي عهد الجلبي فتحت (كلية بغداد) الثانوية برعاية الجمعية العلمية – الأمريكية . وقد أصبحت بعد ذلك من الصروح العلمية البارزة ، وأنجبت نخبة من العلماء والساسة العراقيين.
ومن الأمور التي اهتمت بها وزارة المعارف في عهد عبد الحسين الجلبي مسألة اللغة الكردية واستخدامها في المناطق الشمالية. فقد أصدرت الوزارة بياناً في ١٠ نيسان ١٩٣٠ أعلنت فيه إعداد لائحة قانونية تُعرض على مجلس النواب لجعل اللغة الكردية لغة رسمية في الألوية الشمالية.
كما اهتمت الوزارة كثيراً بالبعثات الدراسية ، إذ أرسلت خلال الأعوام ١٩٢٣ ، ١٩٢٥ ، ١٩٢٦ ، ١٩٣١ ، ١٩٣٢ العديد من الطلبة إلى مختلف بلدان العالم.
دور عبد الحسين الجلبي في المشاريع العامة
عندما أصبح الجلبي وزيراً للأشغال والمواصلات في حكومة عبد المحسن السعدون الثاني التي تشكلت في ٢٦ حزيران ١٩٢٥ حقق إنجازات منها :
١-إنشاء مستشفى ومخفر صحي في الرمادي.
٢- الاهتمام بتصفية الماء في الكرادة ، إذ ضمّ مشروع التصفية في الكرادة إلى هيئة عامة لمياه الشرب في بغداد. وشملت اعمال لجنة إسالة الماء لمدينة بغداد مناطق الصرافية والميدان والباب الشرقي وخضر الياس وجسر الأحرار والمستشفى الملكي (التي سبقت مدينة الطب) .
عبد الهادي الجلبي
سار أبناء عبد الحسين الجلبي على نهج أبيهم ، فكان عبد الهادي الجلبي (١٨٩٧- ١٩٨٨) يهتم بالتجارة والأعمال. وقد شارك في ثورة العشرين ١٩٢٠ ، وتعرض بسبب ذلك للموت عندما قُبض عليه ، وزُجّ به في السجن حين سقطت بيد حكومة الاحتلال البريطاني بعض الرسائل السرية التي تشير الى ما كان يعمله الحاج عبد الهادي في الخفاء. ، كان من الناشطين بين وجوه الكاظمية في انعاش حركة البلد ومتطلباتها ، وظهر اشتغاله في ميدان السياسة بعد وفاة ابيه الحاج عبد الحسين ، فاستوزر وعين عضوا في مجلس الاعيان وشغل منصب رياسة الاعيان ، ومع ذلك لم يترك مزاولة الاعمال التجارية الخاصة به. ويملك منطقة الحرية في بغداد ، إذ كانت تسمى بمنطقة الهادي نسبة إلى مالكها . شغل منصب وزير الأشغال العامة في حكومة نوري السعيد (١٨٨٨-١٩٥٨). ومن أبرز مميزات الحاج عبد الهادي هو التواضع الذي اشتهر به. وكان صاحب المبرات الخيرية الكثيرة في العراق ، التي كان منها مشروع (مستشفى حماية الأطفال) في الكاظمية وهو أول مستشفى متخصص في العراق، وقد بناه وجهزه ، ثم قدمه هدية للحكومة العراقية . وما كان ينفق على المشاريع اضافة الى تبرعات كثيرة للمستشفيات. ولمشاريع مدينة الكاظمين خاصة.
وكان عبد الهادي الجلبي أحد أعضاء اللجنة الثلاثية التي يعينها الملك للقيام بمهمات الملك عند سفر الملك إلى خارج العراق طبقاً للدستور الملكي، ذلك إن الدستور منح الملك تعيين هيئة من ثلاثة أشخاص تقوم بالمهمات الملكية في حالة غياب الملك. وقد اشغل عبد الهادي الجلبي عضوية هذه الهيئة مرتين أولهما سنة 1956 وثانيهما سنة 1958.
وشقيقه رشدي الجلبي (١٩١٧- ١٩٩٨) كان وزيراً ونائباً عن الكاظمية عام 1948. وكان الدكتور حسن الچلبي هو من أبرز رجال القانون والاستاذ بكلية الحقوق ، وابنائه الآخرين الذين يعملون في التجارة من أشهرهم جواد الچلبي وحازم الچلبي والدكتور احمد الچلبي.
وقد نجح عبد الهادي في الشؤون المالية ومهّد لعلاقة متينة مع ولي العهد الأمير عبد الإله. وشاركه اللهو وسباق الخيول والمقامرة. وقدم للأمير قرضا عام 1938 ولم يسدد الأمير ديونه على الإطلاق. وبعد وفاة الملك واعتلاء الأمير العرش لمدة 14 عاما لم ينس عبد الهادي، وعينه وزيرا للأشغال العامة ثم رئيسا لمجلس الأعيان.
وأصبحت بيده تجارة 90٪ من غلال الحبوب والقطن. ثم اشترى ( 160 ) ألف فدان من أراضي بغداد القديمة. وامتلك مطحنة دقيق وأكبر نصيب من شركة الإسمنت ، وأصبح عام 1936 أول رئيس لسوق البورصة في العراق. وفي عام 1958 عندما سقطت الملكية كان عبد الهادي أغنى رجل في العراق ويمتلك (9 ) مليون دينار عراقي (يعادل 36 مليون دولار أمريكي).
مستشفى عبد الهادي الجلبي للأطفال
من أبرز مشاريع عبد الهادي الجلبي هو بنائه (مستشفى حماية الأطفال في الكاظمية ). وقد بوشر ببنائه عام ١٩٤٨ ، وانتهى عام ١٩٥٢ حيث افتتحه الملك فيصل الثاني يرافقه رئيس الوزراء نوري السعيد ووزير الصحة عبد الوهاب مرجان والحاج عبد الهادي الجلبي.
وقد حظي بناء المستشفى بدعم وتأييد المرجع الأعلى في النجف الأشرف السيد أبو الحسن الأصفهاني (١٨٦١- ١٩٤٦ ) ، فقد خاطبته (جمعية حماية الأطفال في العراق) ، وهي جمعية أهلية في ٩ نيسان ١٩٤٠ برسالة جاء فيها:
(سماحة حجة الإسلام وآية الله في الأنام سيدنا السيد أبو الحسن دام ظله العالي
بعد تقبيل أناملكم ، نعرض أن فتح في الكاظمية منذ بضعة شهور دار حماية للأطفال تشتمل على عيادة لمراجعة المرضى من أطفال فقراء المسلمين مجاناً . ولا يخفى على سماحتكم ما يستوجبه هذا المشروع الخيري من مساعدة وتشجيع من قبل الجميع.
ويقوم بهذا المشروع جماعة من أخيار الكاظمية وتجارها المعروفين. وغير خفي أن هذا المشروع يحتاج إلى المساعدات المادية من قبل ذوي الميسرة ، ولكننا لاحظنا أن بعض المتشرعين يتوقفون من صرف الصدقات والزكوات في هذا الوجه ، وعلّقوا الأمر على إذنكم الشريف . فما رأيكم دام ظلكم في صرف الحقوق من وجوه البر والزكوة والصدقة الجارية في هذا الموضوع ، أفتونا مأجورين.
التواقيع رئيس الأمانة (... الخياط) ، رئيس الدعاية خطيب الكاظمية ( كاظم آل نوح) ، مراقب الحسابات ( السيد حسن كاظمي ) ، أمين الصندوق ، السكرتير ، نائب الرئيس ، الرئيس ( محمد باقر الحسني)
جواب المرجع الأعلى
(هم مأذونون أن يصرفوا في هذا الموضوع من الزكوة ومن الأثلاث والأوقاف التي مصرفها أو أحد مصارفها وجوه البر وغير ذلك. زاد الله في توفيق القائمين بهذا المشروع ، والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته. (ختم)
(الأحقر أبو الحسن الموسوي الأصبهاني)
ونقل الشيخ كاظم آل نوح (١٨٨٥- ١٩٥٩) أن عبد الهادي الجلبي قد أنفق عشرين ألف دينار لبناء المستشفى . وهذا مبلغ ضخم في ذلك الوقت .
زيارة المستشفى
في يوم الاثنين الموافق ١٧ شباط ٢٠٢٥ زرت مستشفى الأطفال في الكاظمية . كان في استقبالي مدير المستشفى الدكتور مازن الموسوي ، يرافقه الدكتور حامد فخري المعاون الفني والدكتور غسان رشيد اختصاصي أطفال. تحدث الدكتور مازن فقال: كانت هناك مقبرة قريش في موقع المستشفى ، ويقابلها مغتسل الموتى.
تعد المستشفى أول مستشفى اختصاصية من نوعها في العراق. تم افتتاحها عام ١٩٥٢ . تبلغ مساحتها دونمين (خمسة آلاف متر مربع) ، ويتألف المبنى من ثلاث طوابق . تضم المستشفى أربع ردهات فيها ١٢٩ سريراً ، وكذلك ردهة طوارئ ، ردهة الوبائية ، ومختبر وغرفة أشعة وصيدلية ، ومجهزة بمصعدين . يعمل في المستشفى قرابة الألف منتسب ، بينهم عشرين طبيب اختصاصي ، وثمان عشرة طبيب مقيم ، وممرضين وإداريين وكادر هندسي. وتضم استشارية الأسنان ، واستشارية المفاصل والكسور ، واستشارية أنف وإذن وحنجرة ، وجراحة.
أضاف الدكتور غسان: يتردد عليها خمسة آلاف مراجع في الشهر ، وقسم منهم يأتي من خارج بغداد من الخالص والدجيل وبيجي وغيرها.
في العام الماضي سقط سقف إحدى الردهات ، وعندما فحصها فريق هندسي ، قرر هدم المستشفى وبناء أخرى مكانها ، فتوقفت أعمال الترميم. ولكن وزارة الإسكان والاعمار والبلديات أرسلت فريقاً هندسياً لفحص المبنى ، فقرر الإبقاء على المستشفى ، وترميم الجزء المتضرر في الردهة.
خارج مكتب مدير المستشفى عُلّقت لوحة تضم أسماء مدراء المستشفى الذين يعاقبوا على إدارتها ابتداءآً من عام ١٩٥٩ حيث تولى الدكتور عبد الكريم جميل وحتى مغادرته المنصب بعد أربع سنوات في عام ١٩٦٣. أما المدير الحالي الدكتور مازن عزيز علي الموسوي فقد تولى منصبه في ١٢ شباط ٢٠٢١ ولغاية الآن.
بوابة المستشفى
لعل الجزء المتبقي من المستشفى القديم التي بنيت قبل ٦٨ عاماً هي البوابة. فطوال هذه المدة ، تم ترميم الجدران والأرضيات والسلالم فتغيرت كلياً، وحتى الشبابيك والأبواب والمغاسل والأثاث تم استبدالها. ولم تبق سوى البوابة تصارع الزمن.
تتألف البوابة من إيوان عال يعلوه قوس مدبب. وتتدلى من مقرنصات من الطابوق المنجور ، تم صبغها عدة مرات ، تارة أخضر ، وآخرها الذي شاهدته باللون الذهبي.
يحيط بالإيوان شريط كتابة من الآيات القرآنية ، من اليمين واليسار والأعلى. خط عليها سورة الانسان التي تقول:
بسم الله الرحمن الرحيم
هَلۡ أَتَىٰ عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ حِينٞ مِّنَ ٱلدَّهۡرِ لَمۡ يَكُن شَيۡـٔٗا مَّذۡكُورًا (١) إِنَّا خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن نُّطۡفَةٍ أَمۡشَاجٖ نَّبۡتَلِيهِ فَجَعَلۡنَٰهُ سَمِيعَۢا بَصِيراً (ً٢) إِنَّا هَدَيۡنَٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرٗا وَإِمَّا كَفُورًا (٣) إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ سَلَٰسِلَاْ وَأَغۡلَٰلٗا وَسَعِيرًا (٤) إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ يَشۡرَبُونَ مِن كَأۡسٖ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (٥) عَيۡنٗا يَشۡرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفۡجِيراٗ (٦ ) يُوفُونَ بِٱلنَّذۡرِ وَيَخَافُونَ يَوۡمٗا كَانَ شَرُّهُۥ مُسۡتَطِيرٗا (٧) وَيُطۡعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسۡكِينٗا وَيَتِيمٗا وَأَسِيرًا (٨ ) إِنَّمَا نُطۡعِمُكُمۡ لِوَجۡهِ ٱللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمۡ جَزَآءٗ وَلَا شُكُورًا (٩) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوۡمًا عَبُوسٗا قَمۡطَرِيرٗا (١٠) فَوَقَىٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمِ وَلَقَّىٰهُمۡ نَضۡرَةٗ وَسُرُورٗا ( ١١).
وهي السورة التي أنزلت في أهل البيت (ع) في قصة مشهورة كما ورد في التفاسير المعروفة.
وعلى جانبي الإيوان يوجد عمودان بشكل سميك من الأسفل ، ثم يستدق نحو الأعلى ، ليرتفع تاج فوقه. والعمود باللون الأبيض ، والزخارف ملونة باللون الذهبي.
وفوق باب المدخل الرئيس ، ثُبّتت لوحة مستطيلة أفقياً محفورة في الجدار . عليها كتابة تضمنت اسم المتبرع بكلفة المستشفى جاء فيها:
(١٣٦٧ هـ) شيدت حماية الأطفال على نفقة الحاج عبد الهادي نجل المرحوم الحاج عبد الحسين الجلبي (١٩٤٨)
وهو تاريخ البدء ببناء المستشفى ، والذي أنجز بعد أربع سنوات ، حتى عام ١٩٥٢ .
احمد الجلبي
ولد أحمد عبد الهادي عبد الحسين علي هادي حسن محمد الجلبي الطائي في ٣٠ تشرين الأول ١٩٤٤ في بغداد، وأحمد هو الأبن الأصغر بين تسعة أبناء لوالديه اللذين كانا يعيشان في بحبوحة في بغداد.
أمضى أحمد صباه برعاية خادمة إفريقية تدعى سعيدة كانت تعيش في قبو الفيلا. أما أمه بيبي حسن البصام فقد كانت شيعية متدينة تصلي وتصوم شهر رمضان. وبعد انقلاب تموز 195٨ سافر أحمد الجلبي إلى لندن لينضم إلى والده الذي سبقه إلى هناك. وسريعا تبعته الوالدة وبقية أفراد العائلة.
تلقى تعليمه الأولي في (مدرسة عادل الابتدائية) ، ثم درس في كلية بغداد التي تعد أرقى مدرسة ثانوية في الشرق الأوسط ، تأسست من قبل الآباء اليسوعيين الأمريكان عام ١٩٣٢. وكان أولاد الذوات والأثرياء يدرسون فيها. ومن زملائه الدكتور اياد علاوي وعادل عبد المهدي.
وفي عام ١٩٥8 بعد سقوط الملكية ، نجح والده بتهريب بعض أمواله من العراق. ولذلك حافظت العائلة على رفاهيتها. ولكن فقدوا ما يعادل بقدرته الشرائية اليوم المليار. ولم يعد لدى عبدالهادي في لندن غير شقة بالإيجار تتألف من غرفتي نوم وعدد محدود من الصور الفوتوغرافية على الجدران. وكان رجال الانقلاب قد اعتقلوا رشدي عبد الهادي الجلبي ، وصادروا عقاراته مثل المطحنة والبساتين المقابلة لها في منطقة الحرية ، ومنزل في الوزيرية منح للسفارة الهندية وأراضي وخانات وغيرها.
غادر أحمد العراق مع عائلته وعمره ثلاثة عشر عاماً ، قضى أغلب أوقاته متنقلا بين الأردن ولبنان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية. انتسب الشاب أحمد لمدرسة ويست ساسيكس West Sussex وانفصل عن والديه بما يعادل ( 60 ) ميلا نحو الجنوب. وبذل جهده ليتلافى الفراغ الذي يباعد بينه وبين الطلبة الآخرين. وفي المدرسة حسب القانون كان المسموح للطالب ( 5 ) شلنات في الأسبوع، أو ما يعادل ( 40 ) سنتا. وهذا لم يكن يكفيه لثمن السجائر. ولذلك كان يتلقى من أهله معونة تقدر بـ 2 جنيه كل أسبوع. مع دفعة بلغت ( 20 ) جنيها بشيك واحد للطوارئ. وأودعوا في مكتب البريد بحسابه ( 100 ) جنيه أخرى. وفي العام اللاحق انتقلت العائلة إلى بيروت لكن استمر أحمد في إنكلترا.
عاد عبد الهادي للتجارة والعمل المصرفي واستعاد أمواله من العراق بالتدريج. وكان وقت العطلة من أفضل أوقات أحمد في بيروت بسبب الرفاهية وتحسن الأوضاع المالية. وخصص بقية الوقت للقراءة. وبدأ مع (الجريمة والعقاب) للكاتب الروسي ديستويفسكي. وقرأها خلال تقنين الكهرباء في المدينة الجامعية. ثم اطلع على رواية (المساكين) لديستويفسكي أيضا. وبعد تعلقه بالثقافة الروسية واشتهار رحلة الصاروخ سبوتنيك عام ١٩٥٧ ، انتقل لقراءة كتب عالم الفيزياء والرياضيات إسحاق نيوتن (١٦٤٣-١٧٢٧) وكتابات عالم الرياضيات يوهانس كبلير (١٥٧١-١٦٣٠) والجاذبية الأرضية والنسبية والسرعة. ثم درس التاريخ الإنكليزي وتابع سيرة عائلة تيودور House of Tudor التي حكمت إنكلترا في القرن السادس عشر ، والملك الإنكليزي هنري السابع (١٤٥٧-١٥٠٩). وانتهت دراسته الثانوية عام 1961. وسافر إلى الولايات المتحدة. وأدرج اسمه في كلية الرياضيات. ولكنه تابع مع النظرية الماركسية والتي تحولت لقوة مؤثرة في العراق. وخلال أيام الجامعة تعلق بأخبار العراق وانتهى لنتيجة جازمة: ما يقبله الزعيم السياسي الانكليزي ونستون تشرشل (١٨٧٤-١٩٦٥) يجب أن يقبله هو.
تخرج من جامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins الواقعة في بالتيمور بالولايات المتحدة ، ثم درس الرياضيات في جامعة شيكاغو Chicago ونال شهادة البكالوريوس عام ١٩٦١ . وحصل منها على درجة الدكتوراه بالرياضيات عام ١٩٦٩ ، وكانت أطروحته بعنوان (حول معامل جاكوبسون في المجموعات الجبرية). وهناك ارتبط بصديقة اشترى من أجلها سيارة فورد 1966 ماركة ثندر بيرد Thunderbird ثم درس بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا . وعمل استاذا للرياضيات في الجامعة الأمريكية في بيروت.
زواجه
في عام ١٩٧٢ تزوج أحمد الجلبي بالسيدة ليلى عسيران ابنة السياسي اللبناني عادل عسيران (١٩٠٥- ١٩٩٨). وأجريت مراسم عقد النكاح على يد السيد موسى الصدر (١٩٢٨- ١٩٧٨) الذي كان من الأصدقاء المقربين لأسرة الجلبي. عقد قرانه في صيدا . وقبل اليوم المقرر لحفل الزواج بيومين ، أغتيل شقيق زوجته المرحوم عبد الله عسيران ، فتم إلغاء الحفل.
أنجب الدكتور أحمد أربعة أبناء : ولدان وهما هاشم وعبد الهادي ، وبنتان هما تمارا ومريم. نشأ الأبناء الأربعة في حي نايتسبريدج Knightsbridge الراقي في وسط لندن، ودرسوا في واحدة من أرقى المدارس في أوكسفورد.
نشاطاته الاقتصادية
•أسس بعض الشركات في بريطانيا
•أسس شركة تصميم برامج كمبيوتر وقام ببيعها
•أسس هو وزوجته شركة لتكنولوجيا بطاقات الائتمان في الأردن وقام ببيعها أيضا
قضية بنك البترا في الأردن
في عام 1978 وصل أحمد الجلبي إلى الأردن ، وكان يقوم بالتدريس في الجامعة الأمريكية في بيروت. وبدأت زيارته وانتهت برعاية من صديقة الطفولة تمارا داغستاني . فهي ابنة ضابط سني عالي المكانة، وكان معارضا لانقلاب تموز 1958. وبعد الثورة ، مثل آل الجلبي ، فرّت عائلتها إلى لندن. وكانت تمارا تعيش في كنف بلاط فيصل الثاني، مما يدل على مكانتها لدى المؤسسة الملكية في العراق. وفي الأردن كانت عائلة الداغستاني مقربة من الملك الهاشمي الحسين بنت طلال. وقد اقترن شقيق تمارا مع شقيقة الملك حسين، وهكذا ازدادت العلاقة متانة.
وفي عام 1977 بلغت تمارا ( 30 ) عاما وزارت لندن، وأقامت حفلة تذكارية حضرها أحمد ورشدي وجواد الجلبي. وقد فاجأ الحفلة حضور الأمير الحسن بن طلال شقيق ملك الأردن. واستفاد جواد من الفرصة وعرض عليه إقامة نشاط مصرفي في الأردن. وحصل على الموافقة لطلب رخصة من عمان. ولكن طلبه رفض ثلاث مرات. وتدخلت تمارا مع الأمير حسن الذي أوعز لمصرف الأردن المركزي بالموافقة. وتم كل شيء بغضون دقائق، وبإثر مكالمة من البلاط لمدير المصرف الأردني المركزي الدكتور محمود سعيد النابلسي.
وبدأ جواد الجلبي نشاطه من ( 9 ) ملايين دولار. وقرر توكيل أحمد بإدارة المصرف. وعلى هذا الأساس غادر الدكتور أحمد الجلبي بيروت إلى عمان ليباشر أعماله في عام 1978. وكان عمره ( 33 ) عاما. وأطلق على مصرفه اسم البتراء، تيمنا بالموقع التاريخي الشهير. وتمدد نشاط المصرف ليستثمر في مشاريع هامة مثل: سوبر ماركت (سيف واي)، ومستشفى محلي اشتراه لاحقا الجيش الأردني، وشركات بناء. وتحول مصرف البتراء إلى ثاني مصرف في المملكة. وبين 1978 – 1982 تضاعف رصيده عشر مرات من ( 40 ) مليون إلى ( 400 ) مليون دولار. وفي السنوات الخمسة التالية تضاعف إلى ( 900 ) مليون دولار. ومع اندلاع الحرب بين العراق وإيران وتقارب صدام مع الأردن ضد إيران لم يكن أمام نشاط الجلبي إلا التراجع والخمود. فقد انحدرت الأرباح بسرعة مثلما صعدت بسرعة لأسباب سياسية مفهومة.
بعد تأسيس بنك البتراء ، وتشغيله في عمان وفي جميع أنحاء الأردن. كما من فتح فروع له لأول مرة في الضفة الغربية لفلسطين. كما أدار أفراد عائلة الجلبي شركة استثمارية تدعى (سوكوفي) في جنيف ، وبنك آخر هو ( ميبكو) في جنيف وبيروت الذي تولى بناء اسواق شعبية بدل الاسواق التجارية التي دمرت في الحرب الاهلية اللبنانية ، لكن وقعت خلافات بينه وبين المساهمين في الاسواق، مما أدى إلى خروجه من لبنان.
أصبح بنك البتراء ثالث أكبر بنك في الأردن. ولكن عندما فرض البنك المركزي الأردني ، من خلال مرسوم أصدره محافظه محمد سعيد النابلسي، نسب سيولة صارمة على البنوك الأردنية للحد من تدفق النقد الأجنبي من الأردن، مما أجبر البنوك على إيداع 30٪ من حيازاتها الأجنبية كاحتياطيات لدى البنك المركزي، أصبح بنك البتراء البنك الأردني الوحيد الذي لم يتمكن من الالتزام بنسب السيولة المفروضة. تم إجراء تحقيق أدى إلى اتهامات بالاختلاس والمحاسبة الزائفة من قبل البنك. كانت العديد من القروض المتعثرة للبنك لشركات مرتبطة بجلبي. تم تصفية الشركات السويسرية واللبنانية، ميبكو وسوكوفي، لاحقًا أيضًا.
انهار بنك البتراء في الثاني من أغسطس عام 1989، ووُضع تحت إشراف الحكومة، وفُرض تدقيق على دفاتر البنك. وبعد أسبوعين، فر أحمد الجلبي من الأردن بمساعدة الأمير الحسن بن طلال. وكشف تحقيق التدقيق لاحقًا عن أدلة أخرى على ارتكاب البنك لعمليات احتيال واسعة النطاق. وأعلن البنك المركزي الأردني عن خطة إنقاذ بقيمة 350 مليون دولار لدفعها للمودعين لتجنب انهيار محتمل للنظام المصرفي بأكمله في البلاد. ووفقًا لتقرير تدقيق آرثر أندرسون، كان هناك 80 مليون دولار في قروض متعثرة في بنك البتراء، و20 مليون دولار ضائعة بسبب "أرصدة العملات الأجنبية غير المدعومة في البنوك المقابلة" و60 مليون دولار أخرى لم يتم العثور عليها ببساطة. كلفت هذه القضية الأردن حوالي 200 مليون دولار من الخسائر. واتهم المدعي العام الأردني أحمد الجلبي بالمسؤولية المباشرة عن انهيار بنك البتراء. أدين الجلبي وحكم عليه غيابيًا بالسجن لمدة 22 عامًا بتهمة الاحتيال المصرفي من قبل محكمة عسكرية أردنية بتهمة 31 تهمة تتعلق بالاختلاس والسرقة وإساءة استخدام أموال المودعين والمضاربة على العملات. وأكد الجلبي أن محاكمته كانت محاولة ذات دوافع سياسية لتشويه سمعته.
وكان الجلبي ضحية مؤامرة دبرها نظام صدام ، عندما اتهم بمزاعم بارتكابه مخالفات مالية تصل إلى حد الجنايات ، مع أن البنك ملكه ، اضطر للهرب من الأردن بعد أن أبلغه الأمير الحسن بن طلال بالمؤامرة. وكان البنك قد رفض تقديم ضمانات وتسهيلات للنظام العراقي في مشترياته وقروضه.
في عام ١٩٩٢ حُكم عليه غيابيا في محكمة عسكرية أردنية ، وهذا يؤكد النية المبيتة لاستهداف الجلبي ومصادرة أمواله. وبعد مرض الملك حسين ومكوثه في مستشفى مايوكلينك Mayo Clinic في شيكاغو في عام ١٩٩٨-١٩٩٩ ، التقى بالجلبي واعترف بأن المحكمة العسكرية كانت لإرضاء صدام حسين، وبرأ الجلبي من جميع المزاعم. كما يؤكد الجلبي أن صدام هو المدبر لهذا الأمر بدليل أن المدانين في هذه القضية هم أفراد عائلته فقط بينما بقية أعضاء مجلس إدارة البنك تمj تبرأتهم. نفى الجلبي الاتهامات ، ولم يعترف بالأحكام الصادرة عليه بالأردن ، لأنها كانت صادرة من محاكم عسكرية، مؤكداً أن للقضية خلفية سياسية و ليس قانونية. رفض الأردن تدخل الولايات المتحدة لسحب قضية الجلبي عند سقوط نظام صدام عام ٢٠٠٣ .
نشاطه السياسي
منذ عام ١٩٦٩ مارس أحمد الجلبي النشاط السياسي ، وعمل جاهداً للإطاحة بنظام صدام. سافر الجلبي في عام 1969 إلى طهران للعمل على إسقاط حزب البعث وعقد عدة اجتماعات مع معارضين عراقيين أبرزهم سعد صالح جبر ( ١٩٣٠- ٢٠١٥) نجل رئيس الوزراء العراقي السابق صالح جبر (١٨٩٦- ١٩٥٧) وبالتعاون مع الأكراد بزعامة الملا مصطفى البارزاني (١٩٠٣-١٩٧٩) وبدعم من ( السافاك ) جهاز المخابرات الإيراني في ذلك الوقت لكن هذه المحاولة في الانقلاب فشلت ويُحمّل الجلبي السافاك سبب الفشل.
لم يكن الجلبي يسعى لتولي دور رئيس في أي حكومة تعقب نظام صدام ، بل كان هدفه هو إسقاط النظام وتأسيس نظام ديمقراطي بدلا عنه. وظل يسعى لتحقيق هذا الهدف ، ويستخدم كل علاقاته مع الزعماء والسياسيين في العالم ، وخاصة في الولايات المتحدة.
دخل إلى عالم السياسة من باب توماس ج. كارولان سفير أمريكا في بيروت. ولعب دور الوسيط بينه وبين زعيم الكرد مسعود البرزاني (١٩٤٦- ). وأبدى شكوكه من نوايا وإخلاص شاه إيران. ولكن السي آي إي نصحته أن يهتم بشؤونه. ولم يؤثر ذلك فيه. وتابع تمتين الصداقة بـ “كارولان” وبتقريبه من الأكراد.
وأحبطت السي آي إي المساعي التي تبلور خلالها انقلاب عام 1979 الذي جاء بصدام إلى رئاسة الجمهورية. فقد كان من المفروض أن يساند فيه الشيعة الكرد للانتهاء من صدام حسين والبعث. غير أن السي آي إي اعترضت مساعدة مالية بلغت ( 16 ) مليون دولار. وكانت هذه أول تجربة قاسية تخذل فيها إيران وأمريكا رغبة الكرد بالتحرر. وألحت المخابرات الأمريكية على عدم تحويل العمل التبشيري والمدني إلى انقلاب مدبر.
كان الجلبي يحظى بدعم في العديد من القطاعات داخل الكونغرس الأمريكي ووزارة الدفاع (البنتاغون) سابقاً، ولكن يُعتقد أنه لا يحظى بدعم يذكر بين أوساط المعارضات الأخرى التي تنأى بنفسها عن المؤتمر الوطني العراقي. وكان الجلبي قد تبنى خطة (المدن الثلاث) التي ترمي إلى أن يقوم المنتفضون بالاستيلاء على عدد من المناطق الرئيسية، ثم عزل وتطويق صدام. ولكن تلك الخطة لا تحظى بدعم يذكر بين الحكومات العربية المجاورة، التي قالت إنها لن تسمح للجلبي بأن يقود جيشا لتحرير العراق من أراضيها.
قانون تحرير العراق
قانون تحرير العراق هو بيان للكونغرس الأمريكي ينص القانون على أنه (ينبغي أن يكون سياسة الولايات المتحدة دعم الجهود الرامية إلى إزالة النظام الذي يرأسه صدام حسين من السلطة في العراق...). وقد وقع الرئيس بيل كلينتون عليه قانونًا، وينص على أنه سياسة الولايات المتحدة تدعم الحركات الديمقراطية داخل العراق. وذكر القانون في تشرين الأول 2002 للدفاع عن التفويض بالقوة العسكرية ضد الحكومة العراقية.
وقد شارك في تقديم مشروع القانون النائب بنجامين أ. غيلمان (جمهوري) وشارك في رعايته نواب آخرون منهم النائب كريستوفر كوكس .وقد تم تقديم مشروع القانون في 29 أيلول 1998. وأقر مجلس النواب مشروع القانون ( 360 - 38 ) في 5 تشرين الأول، ووافق مجلس الشيوخ عليه بموافقة إجماعية بعد يومين. وقد وقع الرئيس كلينتون على قانون تحرير العراق في 31 أكتوبر 1998. وكان أحمد الجلبي وراء إقناع نواب الكونغرس بإصدار قانون تحرير العراق.
وكان الغرض المعلن من القانون هو: (إنشاء برنامج لدعم الانتقال إلى الديمقراطية في العراق) وعلى وجه التحديد، توصل الكونغرس إلى نتائج بأعمال عسكرية عراقية سابقة في انتهاك للقانون الدولي ، وأن العراق رفض دخول لجنة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالعراق (أونسكوم) إلى بلاده للتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل. وأعتبر الكونغرس: (أنه ينبغي أن تكون سياسة الولايات المتحدة دعم الجهود الرامية إلى إزالة النظام الذي يرأسه صدام حسين من السلطة في العراق والتشجيع على ظهور حكومة ديمقراطية تحل محل هذا النظام) في 16 كانون الأول 1998، بعدها سمح الرئيس بيل كلينتون لعملية (ثعلب الصحراء)، وهي حملة قصف كبرى لمدة أربعة أيام على أهداف عراقية.
وكان الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ، في عام 1998 ، قام بإقرار خطة لإنفاق نحو ( 90 ) مليون دولار لمساعدة المعارضة العراقية، بهدف الإطاحة بنظام صدام حسين. وأعلنت إدارة كلنتون دعمها لقوى المعارضة العراقية وهي: (حركة الوفاق الوطني) بزعامة إياد علاوي ، (المؤتمر الوطني العراقي) بزعامة أحمد الجلبي ، (الحزب الديمقراطي الكردستاني) بزعامة مسعود البارزاني ، (الاتحاد الوطني الكردستاني) بزعامة جلال طالباني و (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق) بزعامة السيد محمد باقر الحكيم.
أحمد الجلبي في كردستان
قضى الجلبي السنوات الممتدة بين 1958 و2003 في لبنان ولندن وعمان والولايات المتحدة، باستثناء فترة باستثناء فترة (1992-199٦) عندما عاد إلى العراق عن طريق اقليم كردستان لقيادة انتفاضة ضد صدام حسين من جبال كردستان، التي انسحبت منها القوات الحكومية إثر هزيمة حرب الكويت والانتفاضة العراقية في شعبان / آذار ١٩٩١ ، وفرض منطقة حظر للطيران.
لكن هذه المحاولة انتهت إلى الفشل عندما اضطر المنضوون تحت لواء المؤتمر الوطني العراقي إلى الفرار من مقراته نتيجة دخول القوات العراقية إلى مدينة أربيل في آب عام 1996، بناء على طلب من زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، لمواجهة خصمه آنذاك زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، جلال طالباني (١٩٣٣- ٢٠١٧)، الرئيس العراقي السابق.
وأسس الجلبي المؤتمر الوطني العراقي في لندن ليكون مظلة سياسية تنضم إليها قوى عراقية للضغط من أجل إقامة نظام ديمقراطي في البلاد بعد القضاء على نظام البعث الحاكم آنذاك. لكن المؤتمر لم ينجح في أن يكون تجمعا للقوى المعارضة واتخذ شكل التنظيم المنفرد.
مجلس الحكم الانتقالي
بعد سقوط الدولة وانهيار الحكومة، حدث فراغ سياسي وإداري عدا قوات الاحتلال التي أخذت تفكر بتأسيس إدارة جديدة ، بدأت بمجيء الجنرال جي غارنر مع مساعديه، في إطار (مكتب إعادة الإعمار والمساعدة الإنسانية) للفترة من ٩ نيسان ٣٠٠٣ إلى ١٦ مايس ٢٠٠٣ . فشلت جهود هذا الفريق في تشكيل حكومة عراقية مقبولة من الشعب العراقي، فسادت حالة الفوضى وفقدان الأمن والقانون. الأمر الذي حدا بواشنطن إلى إرسال السفير بول بريمر الحاكم المدني الذي ترأس لسلطة التحالف المؤقتة، التي تأسست بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1483 الصادر في ٢٢ مايس ٢٠٠٣ . وحددت المادة الثامنة / الفقرة ج من القرار اعتبار ممثل الأمين العام للأمم المتحدة السيد سيرجيو ديميللو (١٩٤٨- ٢٠٠٣) (قتل فيما بعد في حادث إرهابي ضد مكتب الأمم المتحدة في بغداد) مسؤولاً عن (العمل بصورة مكثفة مع السلطة ومع شعب العراق، والجهات المعنية الأخرى لتعزيز الجهود المبذولة لاستعادة وإنشاء المؤسسات الوطنية والمحلية اللازمة للحكم التمثيلي، بما في ذلك العمل الجماعي من أجل تيسير العملية التي تقضي بقيام حكومة تمثيلية معترف بها دولياً في العراق).
في 13 تموز 2003 أعلن عن تأسيس مجلس الحكم الانتقالي الذي ولد في ظروف غير طبيعية سياسياً وأمنياً واقتصادياً وعسكرياً. إذ تشكل من قبل الأحزاب السياسية الستة التي كانت تعارض نظام صدام (المؤتمر الوطني العراقي وحركة الوفاق الوطني والحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وحزب الدعوة الإسلامية والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية). وانضمت إليه أربعة أحزاب سياسية أخرى هي تجمع الديمقراطيين المستقلين والحزب الوطني الديمقراطي والحزب الإسلامي العراقي والاتحاد الإسلامي الكردستاني، إضافة إلى شخصيات مستقلة.
عكس مجلس الحكم الانتقالي مكونات الشعب العراقي، حيث ضم 25 عضواً من الشيعة والسنة والعرب والكرد والتركمان والكلدوآشوريين. وتوزعت نسب التمثيل كالتالي: الشيعة 14 عضواً (56%) والسنة 10 أعضاء (40%) إذا ما أدخلنا الكرد ضمن السنة. أما من الناحية القومية فقد مثل العرب 18 عضواً (72%) والكرد 5 أعضاء (20%) ولكل من التركمان والكلدوآشوريين عضو واحد (4%). كما ضم ثلاث نساء شكلن 12% من أعضاء المجلس.
استمد مجلس الحكم الانتقالي شرعيته من الفقرة التاسعة من القرار 1483 التي تنص على (قيام شعب العراق، بمساعدة السلطة (سلطة الاحتلال) وبالعمل مع الممثل الخاص، بتكوين إدارة عراقية مؤقتة بوصفها إدارة انتقالية يسيرها العراقيون، إلى أن ينشئ شعب العراق حكومة تمثيلية معترف بها دولياً وتتولى مسؤوليات السلطة). وألزم القرار أعضاء مجلس الأمن الدائميين بتنفيذ هذا القرار وهذه الفقرة.
منح القرار 1483 صلاحيات واسعة لمجلس الحكم تتمثل في تمثيل المصالح العراقية، وتعيين أعضاء الحكومة الانتقالية، وإدارة التمثيل الدبلوماسي العراقي في الخارج، وإدارة السياسة الخارجية، والإشراف على المالية والأمن والشرطة والقضاء، وسن تشريعات جديدة. ولعل أهم صلاحية كانت له هي حق تعيين مجلس تأسيسي يشرف على عملية إعداد دستور دائم للبلاد، يطرح على الاستفتاء العام، ثم تجرى انتخابات عامة لتشكيل مجلس وطني ثم قيام حكومة عراقية منتخبة، تتمتع بكامل السيادة، وتؤول إليها جميع سلطات ومسؤوليات سلطة التحالف.
في ١٤ آب ٢٠٠٣ أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1500 الذي وافق فيه على قيام مجلس الحكم الانتقالي. وقام مجلس الحكم بتشكيل أول حكومة عراقية تعقب سقوط النظام.
اعتبر السيد السيستاني تأسيس المجلس أمراً واقعاً يتحمل مسؤولية إدارة البلاد بدلاً من الحكم الأمريكي المباشر. وكان سماحته يستقبل أعضاء مجلس الحكم ويناقش معهم كثيراً من القضايا والشؤون السياسية والقانونية، الداخلية والدولية. وكان يسدي بنصائحه لهم، ويعلق أحياناً على بعض الأمور والأحداث. وكانوا يستشيرون سماحته في أغلب مشاريع المجلس أو خططه ومقترحاته، حيث يجدون بابه دائماً مفتوحاً لهم، وصدره رحباً لجميع مشاكلهم وهمومهم.
وكان الدكتور أحمد الجلبي أحد الأعضاء البارزين في مجلس الحكم ، وكان العضو الثاني الذي ترأس المجلس بعد الدكتور إبراهيم الجعفري.
هيئة اجتثاث البعث
تقلد الجلبي رئاسة (هيئة اجتثاث البعث) ، وهي هيئة تشكلت لمنع أفكار وتنظيم حزب البعث في العراق ، بعد حل حزب البعث ومصادرة ممتلكاته من قبل الحاكم المدني بول بريمر في الأمر رقم (١) لسلطة الائتلاف المؤقتة الذي دخل حيز التنفيذ في ١٦ مايس ٢٠٠٣. وقد تم منع أعضاء حزب البعث من درجة عضو فرقة فما فوق من العمل في وظائف عليا في الدولة.
الهدف من هذه السياسة وارد في صياغة ديباجة الأمر رقم ( 1):
(إذ تدرك أن الشعب العراقي قد عانى من انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان وخربات على مدى سنوات عديدة على يد حزب البعث،
وإذ يلاحظ القلق البالغ للمجتمع العراقي من التهديد الذي يشكله استمرار شبكات حزب البعث وموظفيه في إدارة العراق وترهيب شعب العراق من جانب مسؤولي حزب البعث،
وإذ يساورها القلق إزاء استمرار تهديد قوات التحالف التي يشكلها حزب البعث العراقي،)
بالإضافة إلى ذلك ورد في القسم الأول من الأمر رقم 1:
(ينفذ هذا القرار الإعلان عن طريق القضاء على هياكل الحزب وإزالة قيادته من مواقع السلطة والمسؤولية في المجتمع العراقي. بهذه الطريقة ستضمن سلطة الائتلاف المؤقتة أن الحكومة التمثيلية في العراق لا تهددها العناصر البعثية التي تعود إلى السلطة وأن أولئك الذين يشغلون مناصب السلطة في المستقبل مقبولون لشعب العراق.)
عملا بأهداف العمل بالنيابة عن المجتمع العراقي ومحاولة خلق (بيئة آمنة ومستقرة من شأنها أن تدعم الحرية والديمقراطية للشعب العراقي). كان هدف السياسة هو تعزيز إقامة نظام سياسي ديمقراطي في العراق. كان الهدف الشامل للغزو هو الاستيلاء على أسلحة الدمار