الرئيسية / (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ) وليست ملكاً لكم

(وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ) وليست ملكاً لكم

"Today News":

خصوصيةالمفردةالقرآنية-29
 

{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا} [سورةالجن-18]
   ◇■◇لا شك بأن المساجد تحظى بأهمية كبرى في كتاب الله وفي رؤية القرآن وشريعة الاسلام باعتبارها أماكن ذات قدسية خاصة في ضوء كونها محالّاً للعبادة واداء الطقوس الدينية والفرائض المتعارفة كالصلاة والدعاء و تلاوة القرآن ورعاية الأيتام ودعم المساكين فضلاً عن المحاضرات الملقاة في ليالي شهرَي رمضان ومحرّم وخُطَب صلاة الجمعة.
  ◇■◇وقد ورد في استحباب كثرة التردد إلى المساجد ما روي عن النبي ( وآلـﷺـه) أنه قال: من مشى إلى مسجد من مساجد الله فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات [وسائل الشيعة ج3 أبواب أحكام المساجد، الباب 2 فما بعده].
   ◇■◇ومما يلفت النظر ان التعبير الوارد في الآية [لله] ذو مداليل كثيرة وكبيرة و عديدة؛ فعلاوة على كون المساجد غير مملوكة لأفراد إدارتها و لا لطاقمها المخصص لخدمتها، فإنهم يخدمون فيها تطوعاً و تقرّباً، ولا يملكونها ،بل هي وقفٌ لله وملكٌ لرب العالمين ولا تملكها حتى مؤسسة الاوقاف ولا الائمة المكلّفون بعقد صلاة الجماعة و إمامةالجمعة فيها ، و انما واجبهم أن يلقوا الدروس و المحاضرات و يقدموا الأحكام الشرعية ويلقوا الخطب والمواعظ الدينية أو يعقدون حلقات تحفيظ القرآن وتعليم كيفية تجويده،ليس إلا.
    ◇■◇بيد أن بعض هؤلاء الاشخاص و اللجان والائمة و مسؤولي الأوقاف قد يشتبه الأمر عليهم أحياناً فيظنون ان كون مفتاح المسجد بايديهم و تفويضهم بكيفية خدمتها و رعايتها يجعل لهم امتيازات اضافية او صفة الملكية الشخصية والقيمومية الدائمة والتصرف المطلق فيها و الاستحواذ على مبانيها، بحيث يمكنهم غلقها و منع الناس من دخولها ومن الركون الى جنباتها و الاحتماء بافيائها و الاستفادة من مصاحفها و مكتباتها واللوذ بدفئها لأداء الفروض و التعقيبات و النوافل و تلاوة القرآن والتدبّر في آياته، و اللقاء مع المؤمنين و إحياء المناسبات الدينية و التبرع بالاموال و النفقات لإعمارها و تزويدها باحتياجاتها و مصاحفها.
    ◇■◇وعندما يكون المسجد (لله) حقاً و واقعاً فلن نشهد استئثار البعض بما خوِّل له و فوِّض اليه موقتاً، ولو كان بعض خدام المساجد يوقنون ان [المسجد لله] وأنهم خَدَمة له لا مالكين؛ لتصرفوا بليونة ولم يمارسوا التنمر والعنف مع الناس،ولسعوا لجذبهم وتحبيب المسجد لهم، لا أن يواجهوا المصلين بأساليب مرفوضة و بتكبر وعنف كلامي، و القرآن ينهى عن ذلك فيقول :
{وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ }
[آل عمران-159]
  ◇■◇وبعضهم يقفل المسجد معظم اليوم و يمنع الناس من دخوله وإقامة الفرائض فيه سوى لدقائق معدودة:
 ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ...﴾
[ البقرة: 114]
   ◇■◇فانت يا اخي مكلّف بخدمة وحراسةالمسجد أو بإمامة الجماعة و تقديم محاضرة للوعظ والارشاد الديني لا أكثر، وانت يا أخي مكلّف بفتح ابواب المسجد و تنظيفه واسراج المصابيح وتشغيل مكبّرات الصوت وإعلان الأذان عبرها، وتهيئة المصاحف ومستلزمات أداء الفروض ، وتسهيل إقامة النوافل والأدعية، و توفير الماء او الشاي و لكنك غير مخوّل بإهانة أي أحد في المسجد، وليس من حقّك أن تنهر هذا أو تأمر ذاك وتطرد أحدا دون ارتكابه مخالفات شرعية و اخلاقية على مرأى من الغير،وعلى خُدّام المسجد ان يستشعروا التواضع و نكران الذات وعدم استغلال ما يصل الى أيديهم من أشياء و أموال وإمكانات و تبرعات للمسجد، و لايجوز لهم غلق المسجد واقفاله منذ الصباح حتى المساء عدا الدقائق الأولى لوقت الفرائض الخمس فيشعر الناس وكأنه بيتك الخاص وليس بيت الله ﷻ.
   ◇■◇وقد يسأل سائل:لماذا عبّرت الآية بـ (أنّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ)
أليس كلّ شيء لله؟
 قال تعالى:
*{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}* [المائدة، 120]
 فما المقصود بكون (الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ)؟
 ◇■◇لعل المقصود أن كل مانقوم به في هذا المكان يجب أن يكون [لله]فقط، و ما يؤديه المرء في المسجد من فروض وما يمارسه من أعمال وطقوس و نوافل وتعقيبات وتلاوة إنما يجب أن تكون خالصة لوجه الله فقط،اما باقي أنحاء الأرض والسماء فهي لله لكن لا يمنع أن ينوي الشخص فيها كسب الأرباح لنفسه او المتاجرة او الزواج و التناسل و التكاثر و الترفيه و ممارسة الرياضة وإنشاد الشعر وتعاطي الفنون بأنواعها و الطبخ و الكسب الانتخابي والترويج الدعائي والنشاط الإعلامي والكوميديا و..غير ذلك،اما في المسجد فكل القلوب ينبغي أن تنبض بحب الله وتتوجه نحو الله فقط وكل الجوارح تسعى لكسب رضوان الله،فقط،بعيدا عن حالة الصخب والثرثرة و الجدال  واللهو و اللعب.بينما نجد بعض المساجد-أو معظمها- مبتلاة بهذه الأمور.
    ◇■◇ولذلك وجدنا في أحكام المسجد النهي عن الكثير من التصرفات و السلوكيات التي ينبغي اجتنابها في المساجد و من ضمنها البيع والشراء وتصفية الخلافات الشخصية و الصخب ورفع الأصوات و أصطحاب الأطفال الصغار غير المميزين و اطلاق الشعارات و تضخيم وتلميع الشخصيات والتيارات الدنيوية الطامعة في السلطةوالمتصارعة و المتكالبة على الامتيازات و الأموال والكراسي.
  ◇■◇وكلمة [المسجد] و صيغها وردت  في القرآن ٢٨ مرة.والصيغة التي وردت فيها كاسم مفرد 22 مرة.
  ◇■◇والمرة الوحيدة التي ورد الذم فيها للمسجد كانت لأشخاص اتخذوا (مسجدا ضرارا).فلا نتعجب لو رأينا اليوم بعضاً من مسؤولي بعض المساجد اتخذوا ضراراً،وهم يستحقون النقد و التوبيخ عندما نجدهم يتخذون المسجد ملعبا أو مطبخا أو متجرا أو ملتقى لرفاقهم للتدخين السجائر وجلسات السمر والنكات والبحث في النت والتطبيقات، ولأمور لاتمت بصلة لرسالة المسجد ومهمته.
   ◇■◇وللأسف؛فإن البعض يضع صور قادته و رموز تياره و مرشحيه في المسجد،ويتخذجدرانه منصة لكتابةونصب و اطلاق شعارات دنيوية تكون مثار جدل و مراء ،فينقسم المصلّون بين مؤيد ورافض لهؤلاء، ويكون ذلك مثاراً للفرقةوالنزاع بين أهل المسجد فينقسموا إلى معارض ومؤيد فيقع بينهم النزاع بدل أن يكون المسجد (جامعا) لهم.
    ◇■◇وهنا يأتي دور المدير والقيم وامام الجماعة ليعيد هوية المسجد إلى الله وحده ويمنع حالةالتنمر من تيار ما على بعض الناس غير الراغبين في تسخير المسجد في خدمة هذا التيار وتلميع هذه الشخصية أو تلك.
   ◇■◇ ورغم علمي بأن كلامي هذا سيزعج البعض لكن الله وحده يعلم أنني كتبت ماكتبته لوجهه الكريم فقط، و بناء على ما يقع على عاتقي من قول الحق ،أليس الحق أحقّ أن يتّبع يا أولي الألباب ؟

د. رعدهادي جبارة
الامين العام
للمجمع الدولي للقرآن
اليوم, 14:57
عودة