فورين بوليسي : الشرق الأوسط ربما يتحول إلى منطقة "لا تصلح" للعيش
- 15-09-2021, 21:55
- تقاير ومقابلات
- 454 مشاهدة
"Today News": متابعة
حذرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، من أن منطقة الشرق الأوسط، قد تتحول إلى مكان غير صالح للسكن قبل نهاية القرن الحالي، بعد الحروب والنزاعات الطائفية وعجزها عن مواجهة التحديات المناخية وخاصة موجات الحر وما نجم عنها من حرائق.
وقالت في تقرير ، إنه خلال الصيف الحالي، تحولت بعض دول الشرق الأوسط إلى ما يشبه براميل البارود الجاهزة للاشتعال. مع ارتفاع درجات الحرارة وحالة الجفاف الشديد في المنطقة، اشتعلت النيران في الغابات.
وفيما يلي النص الكامل للتقرير:
خلال الصيف الحالي، تحولت بعض دول الشرق الأوسط إلى ما يشبه براميل البارود الجاهزة للاشتعال. مع ارتفاع درجات الحرارة وحالة الجفاف الشديد في المنطقة، اشتعلت النيران في الغابات، وأصبح الجو في المدن خانقا بشكل لا يطاق. في حزيران/ يونيو، سجلت الكويت درجة حرارة بلغت 53.2 درجة مئوية، وسُجلت درجات حرارة تفوق 50 درجة مئوية في عمان والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. وبعد شهر، بلغت درجات الحرارة في العراق 51.5 درجة مئوية، واقتربت في إيران من 51 درجة.
الأسوأ من ذلك كله أن هذه الموجة هي البداية فقط. يعادل معدل الاحترار الحالي في الشرق الأوسط ضعف المتوسط العالمي، وبحلول سنة 2050 ستكون المنطقة أكثر دفئًا بمقدار 4 درجات مئوية مقارنة بالحدّ الأقصى الذي وضعه العلماء لإنقاذ الكوكب، وهو 1.5 درجة.
يقول البنك الدولي إن الظروف المناخية القاسية ستصبح أمرا طبيعيا، وقد تتعرض المنطقة لأربعة أشهر من أشعة الشمس الحارقة سنويا. ووفقًا لمعهد ماكس بلانك الألماني، قد تصبح العديد من المدن في الشرق الأوسط غير صالحة للسكن قبل نهاية القرن، ولن تكون المنطقة التي مزقتها الحروب والنزاعات الطائفية جاهزة بالشكل الأمثل لمواجهة التحديات المناخية.
في ظل التفاوت الاقتصادي بين دول المنطقة، فإن الدول المجاورة لممالك الخليج الغنية بالنفط هي أول من عانى من الاضطرابات الاجتماعية بسبب غياب المرافق الأساسية، مثل المياه والكهرباء، والتي يعتمد عليها الناس في مواجهة موجات الحر الشديد. هذه الدول يحكمها مستبدون أو رجال دين، وتعاني من تهالك البنية التحتية للطاقة، وتشهد أوجه قصور هيكلية عميقة تمنع الازدهار والابتكار التكنولوجي في مجال الطاقات المتجددة.
في هذا الصدد، يقول الخبراء إن الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تعزز الابتكار وتدعم الشركات في مجال الطاقة، تعدّ من الخطوات ضرورية للحد من انبعاثات الكربون وضمان الانتقال إلى الطاقات النظيفة في الشرق الأوسط.
خلال العقود الثلاثة الماضية، تضاعفت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في المنطقة بأكثر من ثلاثة أضعاف. لذلك، يشعر الخبراء بالقلق من أن الارتفاع الحاد في درجات الحرارة ونقص الخدمات الأساسية قد يجعل المنطقة مكانًا أكثر خطورة في المستقبل.
في هذا الشأن، يقول جوس ليليفيلد، الخبير بمناخ الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط في معهد ماكس بلانك، إن الشرق الأوسط قد تجاوز الاتحاد الأوروبي في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري رغم أنه يعاني من "تداعيات خطيرة" جراء التغير المناخي.
ويضيف أنه "في العديد من مدن الشرق الأوسط، ارتفعت درجات الحرارة بشكل كبير بما يزيد عن 50 درجة مئوية. وإذا لم يحدث تغيير ما، فقد تتعرض المدن لدرجات حرارة تصل إلى 60 درجة مئوية في المستقبل. سيكون ذلك خطيرًا بالنسبة لأولئك الذين ليس لديهم إمكانية الوصول إلى مكيفات الهواء".
في بعض الدول العربية، مثل إيران والعراق ولبنان وسوريا واليمن، أصبحت مكيفات الهواء رفاهية حتى للأثرياء نسبيًا. هذه الدول مثقلة بالحروب والعقوبات الغربية والنخب الحاكمة التي تخدم مصالحها، وقد شهدت احتجاجات شعبية عارمة بسبب نقص الخدمات الأساسية في ظل ارتفاع درجات الحرارة والجفاف الذي أضر بالزراعة. تقدم هذه الاضطرابات الاجتماعية لمحة عن مستقبل المنطقة في ظل تغير المناخ بمعدلات مقلقة.
في العراق تحديدا، أدت درجات الحرارة القياسية إلى نزول الناس إلى الشوارع الشهر الماضي. أغلق المحتجون الطرقات، وأحرقوا إطارات السيارات. وفي موجة غضب، أحاط العراقيون بمحطات الطاقة، وقد تدخلت القوات المسلحة لتأمينها. من المفارقات أن البصرة الغنية بالنفط في جنوب العراق تواجه أطول فترات انقطاع للتيار الكهربائي، وأصبحت المدينة بؤرة للمظاهرات، وقُتل ثلاثة عراقيين على الأقل في الفترة الماضية. وفقًا للخبراء، فإن عدم الاستقرار السياسي هو السبب الرئيسي وراء أزمة الكهرباء في العراق.
حدث سيناريو مماثل في لبنان هذا الشهر. يواجه الشعب اللبناني أزمات لا تعد ولا تحصى، ويشعر بإحباط متزايد من تقاعس النخبة السياسية عن حل المشاكل. مع تقلص إمدادات الوقود، انتشرت مشاهد الفوضى في جميع أنحاء البلاد. قام البعض بنهب صهاريج الوقود، واستهدف آخرون محطات توليد الطاقة، بينما رفع البعض الأسلحة النارية في محطات الوقود للتقدم في الطوابير. منذ انتهاء الحرب الأهلية سنة 1999، أصبحت انقطاعات التيار الكهربائي التي قد تستمر لثلاث ساعات يوميا، أمرا معتادا في لبنان. ولكن مع انهيار الاقتصاد سنة 2019، ازدادت فترات انقطاع التيار الكهربائي.
في 12 أغسطس/ آب الماضي، رفع البنك المركزي الدعم عن الوقود، ونفدت المولدات. انطفأت الأنوار، وحتى أولئك الذين يعيشون في الأحياء الراقية اضطروا إلى تحمّل ارتفاع درجات الحرارة الخانقة دون مكيفات. تحدثت الصحف المحلية عن مناوشات شبه يومية بين المواطنين في محطات الوقود، وهو ما استدعى تدخل الجيش اللبناني لمراقبة التوزيع وحفظ الأمن.
في إحدى الحوادث المرتبطة بالأزمة، انفجر صهريج وقود وقتل ما يقرب من ثلاثين شخصًا أثناء قيام الجيش اللبناني بتوزيع البنزين. وقال الأطباء إن الجثث كانت متفحمة لدرجة عدم القدرة على التعرف على أصحابها.
تشبثت الطبقة السياسية في لبنان بالسلطة ورفضت الشروع في القيام بإصلاحات لتجديد قطاع الكهرباء الذي يتلقى دعما كبيرا من الدولة ولكنه ظلّ يعاني من مشاكل مستمرة. يقول الخبراء إن لبنان لديه إمكانات هائلة لتوليد الطاقة وتحقيق أرباح يمكن استخدامها لتنويع مصادر الطاقة والاستفادة من الرياح والشمس.
لن يؤدي القيام بهذه الإصلاحات إلى التقليل من وطأة درجات الحرارة في الأشهر الساخنة فحسب، بل سيقلل أيضًا من انبعاثات الكربون والحد من ظاهرة الاحتباس الحراري.
سنة 2017، سجلت إيران أعلى درجة حرارة في المنطقة، حيث بلغت 54 درجة مئوية، وقد تجاوزت الشهر الماضي عتبة 50 درجة. وفي ظل موجات الجفاف المتكررة، أصبحت محطات الطاقة الكهرومائية أقل قدرة على إنتاج الكهرباء، في وقت يتزايد فيه الطلب في أنحاء البلاد. في تموز/ يوليو، اندلعت احتجاجات في مدن مختلفة في إيران، وهتف بعض المتظاهرين "الموت للديكتاتور" و"الموت لخامنئي".
في محافظة خوزستان جنوب غرب إيران، أغلق المتظاهرون الطرق وأحرقوا الإطارات احتجاجًا على ندرة المياه. كما قُتل ما لا يقل عن ثلاثة متظاهرين عندما أطلقت قوات الأمن النار عشوائيا، ويؤكد نشطاء حقوقيون أن العدد يتجاوز ما صرّحت به السلطات. وقالت هيومن رايتس ووتش إن "مقاطع الفيديو المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر قيام عناصر الأمن باستخدام الأسلحة النارية والغاز المسيل للدموع وإطلاق النار على المتظاهرين"، ودعت إلى التحقيق في الملابسات المتعلقة بوفاة المتظاهرين.
في سوريا، أدت موجات الجفاف بين سنتي 2006 و2011 إلى تعميق الفجوة الاجتماعية والاقتصادية بين المناطق الريفية والحضرية، ويُعتقد أنها كانت من الأسباب التي أدت إلى اندلاع الحرب الأهلية السورية. وفي اليمن، يبدو أن الحرب التي طال أمدها قد فاقمت أزمة المياه، حيث تتعرض مصادر المياه العذبة الجوفية في اليمن للجفاف بسرعة، مما يجعل البلاد في حالة عطش. ويبلغ نصيب الفرد السنوي من المياه 120 مترًا مكعبًا فقط، مقارنةً بحصة الفرد على مستوى عالمي، والتي تبلغ 7500 متر مكعب. قبل نشوب الحرب، فرضت وزارة المياه اليمنية شروطًا على حفر الآبار، لكن خلال الصراع، كان من المستحيل مراقبتها. وعلى مدى العقد الماضي، استنزف اليمن بسرعة موارده الشحيحة من المياه العذبة.
يرى يوهان شار، الباحث في مجال تغير المناخ بمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، أن التعاون الإقليمي يمكن أن يخفف من وطأة أزمة المياه ويقلل من انبعاثات الكربون في المنطقة.
ويقول شار: "الأهم من حيث التعاون الإقليمي هو الاتفاق على استخدام وإدارة موارد المياه المشتركة التي ستصبح أكثر ندرةً وتغيرًا بسبب الأحداث المناخية المتطرفة، سواء الأنهار أو المياه الجوفية. يوجد عدد قليل من الاتفاقيات الثنائية العابرة للحدود بشأن المياه. قام مجلس وزراء المياه التابع لجامعة الدول العربية بصياغة اتفاقية إقليمية حول الموارد المائية المشتركة قبل بضع سنوات، لكن لم يتم التصديق عليها مطلقًا".
وبدلاً من التعاون لاستخدام الموارد المشتركة، أصبحت المنطقة عالقة في صراعات شتى. ويضيف شار في هذا السياق: "لم يستثمر أي طرف بشكل جدي للحد من الانبعاثات. بالإضافة إلى ذلك، فإن الصراعات وعدم الاستقرار والعقوبات تؤثر على موارد هذه الدول وقدرتها على التكيف. تؤدي النزاعات إلى نزوح السكان وانتشار الفقر بينهم، مما يجعلهم أكثر عرضة لآثار تغير المناخ. كما يؤدي عدم الاستقرار إلى تقليص الموارد وتضييق الحيز السياسي للتخطيط طويل المدى والقيام بالاستثمارات اللازمة للتكيف [مع تغير المناخ]".
تبقى العلاقة بين تغير المناخ وثورات وحروب الربيع العربي محل نقاش ساخن. لكن مما لا شك فيه، أن هناك روابط واضحة بين سوء الإدارة البيئية والتوسع الحضري والاضطرابات في المجتمعات التي تفتقر إلى الماء ومكيفات الهواء وغيرها من المرافق.
إن التفكير فيما سيحدث في المنطقة مع استمرار تغير المناخ أمر مخيف حقا، فمن المنتظر أن تتفاقم الأزمات المعيشية إذا ظلت معايير الحكم والإدارة كما هي عليه الآن. يقول ليليفيلد في هذا السياق: "تغير المناخ وما يترتب عليه من زيادة في الظواهر الجوية المتطرفة، يُضاف إلى التحديات التي تفرضها الصراعات الإقليمية، مما يمثل دافعا إضافيا يدفع المزيد من الأشخاص نحو الهجرة".