• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

من أوراقِ مكة .. إلى …عرفة !

من أوراقِ مكة .. إلى …عرفة !

  • 15-06-2024, 11:33
  • مقالات
  • 44 مشاهدة
خليل الطيار

"Today News": متابعة 

الآن يتسلل الحجاج الى شوارع مكة ..بسرعة بالغة..
بعد أن دفعتهم البنايات والابراج  الشاهقة من بطونها ..فبدى  المشهد من الطوابق العليا مثل خيوط بيضاء تتلوى في أزقة مكة..بعد أن إنهزمت شعابها أمام زحفٍ عمراني ينحت الجبال ويطحن الصخور  الجدباء
(بوادٍ غيرَ ذي زرع..)…

حافلات الحجيج تنطلق الى عرفة ..فتضيع في الشوارع الواسعة الممتدة الى خدود الصحراء ..  وبساط الرمال.. وعلى ظهور الجبال والهضاب..لترسم الشوارع لوحة الغنى لهذا البلد الفسيح.. في مجالٍ حيويٍ  يوفر (الأمن والرفاه) على حبل السنين    الذي نسجه ابراهيم النبي   قماطاً و وشاحاً يتدفأ به رضيعه اسماعيل فتدلى من السماء (ماله من نفاد..) بعد أن أرسل للسموات بريده المستعجل والمكتوب برقة الابوة لشيخٍ كبير ..تيبست أغصانه من كدح الايام ..وهو يشفق على آخر العنقود..(وارزق أهله من الثمرات..) .. وكان..وكان..


الان ..نحن في عرفة ..التي تغرق خيامها بظلام ٍ مخيف..شتته الضوء النازل من أعمدة الكهرباء العالية واليابسة من نهارات الصيف اللاهبة التي تنضج الجلود ..وتحرق  بقايا الشوك النادرة..

واستسلمنا لنداء النوم الذي لم تتأخر استجابات الحجيج له ..وتصاعدت (سمفونيات الشخير) بعزفٍ منفرد متفرد .. وآخر  بعزفٍ جماعي متصل أو متقطع  وب(نوتات) شمالية وفراتية وجنوبية وغربية وغيرهن عبرت بها كل  المقامات والاطوار.. وبقى ساهراً من بقى ..

لم يكن النوم من نعاس ولامن تعب ولامن شهوة ..وإنما رغبة في صرف الوقت وقص مسافة الزمن ..للوصول الى ظهر غد..موعد الاستحقاق ..موعد المسألة..و لسعة الاستغفار..

عرفة..ربما هنا تعارف آدم وحواء بعد ان هبطا الى الارض (خليفة وزوجته) لتبدأ قصة الانسان من هنا…
وربما هنا عرّفت الملائكة ابراهيم أسرارها وشفرات البناء والفداء..

وربما..
(يتعارفون بينهم) ..ونتعارف بيننا  من (نقطة الصفر) في بداية جديدة ..يتمناها الغائبون..

هنا ..عرفة..هنا نصب النبي خيمته وأثبت اوتادها.. وأعقل ناقته ..وبسط كفيه الى الله ..(ربي إغفر لقومي..) أخرجها من قلبٍ ليّنٍ  لم يلتفت الى الوراء لثأرٍ او جفوةٍ او  ضغينة .. كان يريدها رحمة للعالمين.. وكان ..و كانت..

من هنا مر الحسين..بعد أن أرتوت عرفة  بورده ودعائه  وهو يقف في باب خيمته من ظهيرة السؤال العظيم الى غروب الشمس المتبسمة من عذوبة النشيج و النشيد ..

في عرفة..تثائب ابو هارون من سفر العراق الطويل..وتسارع في قصيدته وهو  ينشدها في خيمة امامه الصادق ..فيوقفه الامام طالباً ان يعيد انشادها(بطريقة أهل العراق)..حيث الحزن يكاد ان يسقط الطيور العابرة من فوق الخيام ..

وبعد القصيدة .. يمتد الاستغفار ..وتتعدد الاسئلة بسردية الدموع ..
ولن تتوقف حتى يغتسل الجميع (بماءٍ منهمر..)
في نهارٍ هو سيد النهارات
لشمسٍ استنزفها شروق  التوّابين الى غروب القبول  لتفيض ( من حيث أفاض الناس..)

عباس الجبوري..

أخر الأخبار